الإنتقال نسخة البرهان
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
الإنتقال نسخة البرهان
خالد فضل
يبدو أنّ السيد قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان قد إلتقط الإشارات التي بعثتها الحكومة المصرية برئاسة الفريق عبدالفتاح السيسي، ولا ندري إن كانت شارات أم تعليمات ، أو الوصفة التي جربها عبدفتاح مصر ويريد أن يكررها عبد فتاح السودان وكل ذلك في إطار العلاقات الأزلية والتطابق في الحالات بين شعبي وادي النيل وكلو عند الشعبين (ثورة)! المهم أنّ السيد برهان السودان وفي أول زيارة خارجية له منذ تمكنه من الخروج من مقر قيادة جيشه في الخرطوم، وبعد 4أشهر على الحرب بين طرفي المكون العسكري السوداني (الجيش/الدعم السريع) ، صرّح من مصر بأنّه يسعى لإنهاء الحرب ، ويسعى لإستكمال الإنتقال الحقيقي وبناء الديمقراطية التي يرتضيها الشعب ، وأنّ جيشه زاهد في الحكم أو الإستمرار فيه .
استوقفتني صفة (الحقيقي) الملحقة بالإنتقال ، تذكّرت أننا في السودان وأنّ كل شئ عندنا أصلي وتقليد ، رغم أنّ أحد المغنيين يبث الشجن ( والأصل ما ببقى صورة) نرقص ونبشّر ونتأوه مع الأصل الما ببقى صورة ! الآن يبشرنا قائد الجيش بالإنتقال الحقيقي ، ويا لها من بشارة، وسنسرح بخيالنا قليلا نحاول أن نرسم صورة حقيقية لإنتقال حقيقي أو كما قال ،
بسم الله نبدأ ، وشعار الثورة الباذخ هادينا حرية سلام وعدالة ، هل سمعتم البرهان في حديثه يذكر الثورة والراصتات الواقفين قنا والشفاتة والكنداكات ؟ ربما يكون دوي المدافع وأزيز المغيرات صبحا وليلا من ذوات الأجنحة وبعضها مسيرات بالريموت قد صك أذنيه فلم يعد يسمع صوت الثورة والثوار وهم يهتفون في طرقات الخرطوم العسكر للثكنات والجنجويد للحل.
ربما كانت مجنزرات الشرطة ورصاصات وبمبان (الطرف الثالث) التي أودت بحياة أكثر من 130 شهيد/ة منذ إنقلابه وخدنه السابق حميدتي على الإنتقال الديمقراطي ( المزيّف) بحسب منطوق البرهان عن سعيه للإنتقال الحقيقي ربما كان في أذن الرجل وقر فلم يسمع صوت الثوار يومذاك، لكنه الآن ومنذ 15أبريل يسمع دوي الحرب المرعب . ويذوق ويلات الزنقة الممضية !!ويصغى لهمهمة كتائب البراء وصحبه وهم يهرفون بأنّ سقوط المدرعات هو بالضبط سقوط للإسلام في أرض السودان ، ولا شئ عجيب في سودان العجائب التي لا تُحصى أو تُعد .
ولنا عودة قادمة للركن السادس في الإسلام ذلك الركن اسمه مقر سلاح الدرعات في الخرطوم ، ويا لويلات أهل السودان من عودة هذه الفئة من المهووسين للحكم والسيطرة تحت غطاء المدافع والطائرات المقاتلة والصواريخ المميتة ، نعود لثورتنا المؤؤدة بفعل إنقلاب المكون العسكري في 25أكتوبر 2021م ، ونتأمل في شعارها الخالد حرية سلام وعدالة ونقول جملة واحدة إنّ الإنتقال الحقيقي يكمن في تحقيق هذا الشعار النبيل ، فإذا كان البرهان سيسعى للإنتقال الحقيقي فالأمر ليس معجزا ، حرية تعني إخلاء سبيل جميع المعتقلين من جانب أمنه واستخباراته لرفضهم للحرب وقولهم لا للحرب ، والتهمة أن كل من قال لا للحرب هو بالضرورة مؤيد للمتمردين الجنجويد !.
شخصياً أقول لا للحرب ولست مؤيدا للجنجويد والمليشيات المقابلة ، مثلما لست مؤيدا لحكم العسكر أو تغولهم على ما ليس من اختصاصهم المهني وأعني به (الحكم) ، الحرية وهي قيمة أساسية وركن ركين للانتقال نحو الديمقراطية هي التميمة الأولى فما موقف قائد الجيش منها ، حرية التنظيم والتعبير والضمير والمعتقد وغيرها من حريات عامة وخاصة لا تخضع إلا لقانون ديمقراطي مستمد من دستور ديمقراطي لمجتمع ديمقراطي .
السلام تلك القيمة التي باتت نادرة في سودان الحرب والنهب والتدمير والسلب والقتل في المنازل بالقنابل الطائشة والطائرات الضهبانة , هو الآخر أساس متين للإنتقال الديمقراطي الحقيقي ، أمّا العدالة ؛ فتاريخ الظلم قديم لكن طلب العدالة أقدم ، إنّ القيمة الحقيقية للانتقال الحقيقي هي تحقيق العدالة ، وهذا بند يمتد ليشمل المحاسبة لمدبري انقلاب 30يونيو1989م وصولا لمدبري ومنفذي انقلاب 25اكتوبر2021م إلى مشعلي الحرب الضروس بين عسكر السودان 15 أبريل 2023م وما تبع ذلك من جرائم لم تخطر على بال إنسان سوي مستقيم أخلاقيا ، تشمل العدالة انفاذ الحكم على قاتلي الثوار الذين أدانتهم المحاكم، ولم تنفذ فيهم الأحكام حتى هربوا من السجون رفقة رموز العهد المباد الذين أعلنتهم النيابة العامة متهمين فارين، وتطلب بعضهم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كمتهمين بجرائم حرب في دارفور .
ولا تقف العدالة عند الجرائم الجنائية ، فهي رافعة للانتقال الحقيقي وتعني العدالة في التنمية والخدمات والتوظيف وغيرها من أوجه الحياة البشرية وهذا لن يتحقق إلا بانتقال ديمقراطي حقيقي يزيل التمكين لفلول العهد الفاسد المباد ، وتشمل إزالة التمكين كل مؤسسات الدولة بما في ذلك المكون العسكري بشقيه .
في هذا الانتقال الحقيقي المستند على أهداف الثورة وشعاراتها نتفق مع السيد البرهان ، فهل هو يعني ذلك أم لديه نسخة جاهزة أو توصية من دولة شقيقة لانتقال حقيقي من أعمدته التوم هجو وأحمد هرون !!
الوسومالإنتقال نسخة البرهان البرهان المليشيا جيش خالد فضل لا للحربالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان المليشيا جيش لا للحرب
إقرأ أيضاً:
يوم عمل عادي في السودان
حمّور زيادة
صرّح متحدّث باسم الجيش السوداني، في 22 إبريل/ نيسان 2023، بأن هناك تهويلا للحالة الإنسانية في الخرطوم. وقتها (بعد أسبوع من اندلاع حرب السودان)، لم تكن الأمور قد بلغت السوء الحالي. وما كانت الحرب قد انتشرت في مساحة تتجاوز منطقة وسط الخرطوم المركزية، وبعض المناطق العسكرية إلا قليلاً. لم يكن النزوح الكبير قد بدأ. وكانت حالات السرقة واقتحام المنازل ما زالت قليلةً، قبل أن تتحوّل موجةً ضخمة من النهب والسلب وغيرها من الانتهاكات، التي في قمّتها القتل والاغتصاب والتهجير والاحتجاز القسري. رغم ذلك، لم تكن معاناة سكّان الخرطوم قليلة، ففي بعض المناطق انقطع التيّار الكهربائي منذ ساعات الحرب الأولى، كما توقّف الإمداد المائي. كان هناك سودانيون يعانون أسبوعاً، محاصرين بالقتال، بلا خدمات، لكن الحديث عنهم كان يبدو تهويلاً لبعضهم (!).
في تلك الأيّام، كان "الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون" الموالون للجيش يؤكّدون أن الحرب قد انتهت، وإنْ هي إلا ساعات، أو بضعة أيّام على أسوأ الفروض، حتى يقضي الجيش على ما تبقّى من "جيوب" قوات الدعم السريع. أما قائد "الدعم السريع" فقد اتصل بالقنوات التلفزيونية ليطالب قائد الجيش (المحاصر وقتها) بالاستسلام، ويتوعّده ومجلسه العسكري بالإعدام. ... في تلك الأيّام، وصف وزير المالية ما يحدث بأنه سحابة صيف.
هناك طمأنينة واضحة في تصريحات قادة الجيش وحلفائهم، تصرّ على أن كلّ شيء تحت السيطرة. طمأنينة تكاد تصل إلى حدّ الاستخفاف بمعاناة المواطنين. منذ اليوم الأول، وحتى هذه اللحظة بعد مرور 630 يوماً، وما خلا حالات متفرّقة، لم يهتم الجيش بتيسير حياة المواطنين في أثناء الحرب. فلا توجد عمليات إجلاء من مناطق العمليات إلا حوادث نادرة، آخرها قبل أيام. أما النازحون الذين تفرّقوا داخل البلاد فواجهتهم مشاكل توفير أماكن سكن ملائم وفرص عمل. ومن استقبلتهم الدولة في المدارس أخلوا منها، وبعضهم بالقوة الجبرية. أمّا المدارس فأعلنت السلطات العسكرية عن العام الدراسي في مناطق سيطرتها، بينما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 17 مليون طفل سوداني أصبحوا خارج التعليم بسبب الحرب.
ومع موجة نزوح وصفها في ديسمبر/ كانون الأول 2023 المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بأنها "أكبر موجة نزوح في العالم"، تجاوز عدد النازحين 12 مليون مواطن في نهاية ديسمبر 2024، حسب إحصاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتحذّر الأمم المتحدة منذ اليوم الأول للحرب من خطورة الوضع الغذائي في البلد المُنهك، وأعلنت الأسبوع الماضي أن أكثر من 60% من سكّان السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. لكن الجيش يكرّر عبر قائده ووزراء حكومته أن لا مجاعة في السودان، بل يكرّر البُشرَيات بالموسم الزراعي الناجح، والاكتفاء الذاتي من الدقيق المصنّع محلّياً، وغيرها من إنجازات لم تُحقَّق في عهد السلم. لكن تحاول بورتسودان أن تقنع العالم بأنها حقّقتها في وقت الحرب. هذا مع الاتفاق على إنشاء مبانٍ حكومية فخمة، ومطارات، في مناطق سيطرة الجيش.
إنه يوم عمل عادي. لا يعكّره إلا معاناة المواطنين. لكنّ هذا أمر لا يشغل السلطة العسكرية، مثلها مثل خصمها "الدعم السريع"، التي تكتفي بإنكار كلّ الانتهاكات التي يرتكبها منسوبوها، أو تعليقها على رقبة "الفلول والمتفلّتين". من تتبرّأ منهم "الدعم السريع" هم قادتها وجنودها، الذين ما وطئوا مكاناً إلا أهانوا أهله، وأذلوهم، وارتكبوا فيهم من الانتهاكات ما يرقى لجرائم الحرب بلا جدال.
تتراجع "الدعم السريع" عسكرياً، فيزيد بطشها وانتقامها من المواطنين، ثمّ يخرج قائدها ليعتذر عن "التجاوزات"، ويعد بالتحقيق، ثمّ يؤكّد (قبل أي تحقيق) براءة قواته، ويستعطف الناس أنّ تحميله ذنب هذه الانتهاكات ظلم (!)، تحاول "الدعم السريع" إقناع العالم بأنها قوة ثورية، محاربة من أجل الحرّية. وهي محاولة بائسة، من الصعب أن تنجح بعد عقود من الانتهاكات في دارفور، وبعدما أضاع قائد "الدعم السريع" أكثر من فرصة للمصالحة بالمشاركة في فضّ اعتصامات المحتجّين في 2019، ثمّ المشاركة في الانقلاب العسكري في 2021، وأكّدها بالحرب وانتهاكاتها، لكنّه يحاول التملّص من هذه الجرائم ليعلّقها على رقبة حليفه القديم قائد الجيش.
هكذا يدير الجيش ما تحت يده من البلاد، كأنّما هو مُجرَّد يوم عمل آخر. وتنكر "الدعم السريع" جرائمها بينما تتقطر يداها دماً، كما كانت تفعل دائماً منذ عهد مذابح دارفور. أمّا المواطنون، الضحايا والوقود غير الطوعي للحرب، فيحاولون النجاة، وحدهم من دون معين.
نقلا عن العربي الجديد