لجريدة عمان:
2025-04-23@00:53:28 GMT

الترياق

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

«الترياق: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين» كما في لسان العرب. والسموم التي يواجهها الإنسان وتصيبه عديدة متنوعة، فمنها الجسدي ومنها الروحي ومنها النفسي. ولحسن حظنا اليوم ونحن نعيش في عصر الثورة الصناعية الخامسة، أننا نقف على قمة جبل ضخم من المعرفة المتنوعة في شتى مجالات الحياة اليومية العملية لما نحتاج إليه في المعيشة الأرضية، والروحية السماوية التي تشبع ذلك النقص والتوق إلى الكمال.

لكل خريطة مفتاح، وخرائط اليوم متاحة للجميع وقد انتشر التعليم وقضى على شطر كبير من الأمية وجهل القراءة؛ وأعني بهذه الخرائط الكتب.

«كيف استطاع خمسون كتابا عظيما إنقاذ حياتي»، عنوان فرعي جذاب لكتاب وجدته قبل 8 سنوات فتحفزت لقراءته حينها. أمسكت الكتاب، وبدأت بتقليبه وقراءة ما كتب في ظهره، «كم هي الكتب التي طالما أردت قراءتها؟ شعرت أنك يجب أن تقرأها؟ تظاهرت بأنك قرأتها؟. كان آندي ميلر يملك وظيفته التي أعجبته وعائلته التي أحبها. ولكن شيئا ما كان مفقودا: الكتب. لذلك قرر بداية سنة كاملة من القراءة، غيرت حياته تماما». زادتني هذه الكلمات حماسا ورغبة، فحتى الذي يواظب على القراءة باستمرار، يراوده ذلك السؤال «لماذا؟؟» لماذا أقرأ؟، ماذا أريد من هذه القراءة؟ هل من الأولى أن أقرأ أم أن أخصص جُلَّ وقتي لطلب الرزق وما يقربني منه؟.

أسئلة كثيرة، كثيرة جدا في الحقيقة. فمن يقرأ بدايةً ليعرف جواب سؤال يؤرقه، تتولد عنده أسئلة أخرى غير التي بدأ البحث عنها حين شرع في رحلته، فتنبثق جرّاء بحثه سؤالات أعمق لا تغدو للسؤالات الأولى قيمة أمامها، أعني أمام هذه السؤالات الجديدة.

يبدو الأمر مخيفا لوهلة، هل يعني فعل القراءة البحث الدائم في دوامة مفرغة؟ هل يجعلنا البحث الدؤوب أشبه بالمجانين؟. في الحقيقة تبرز هذه الأفكار الشعبية عن القراءة، فلطالما اعتبر الناس القراء أشبه بالمجانين، ولطالما كانت القراءة أشبه بالتهمة. فحين يعتنق القارئ مبدأ يخالف المجتمع، وفي حقيقته مبدأ صحيح لا يعارض خلقا مجتمعيا ولا دينيا؛ ينظر الناس إليه بعين الريبة والشك، فقط لأنهم لم يعتادوا عليه إنما يعدُّونه دخيلا. وتتردد عبارات مثل «جننت به الكتب» أي جعلته مخبولا لا يفقه شيئا في الحياة. أو «دوّر لك شغلة بدل هذي الكتب» أي ابحث عن عمل نافع -يقاس نفع العمل في هذا السياق بالمردود المادي- بدلا من إنفاق الوقت في القراءة.

في الشطر الآخر الموازي من الحياة في المجتمع نفسه؛ ينظر الناس إلى الناجحين في محيط المجتمع الكبير «الدولة» أو «الإقليم» نظرة إكبار وإجلال. فهذا غازي القصيبي القارئ النهم يتقلد المناصب العليا والوزارة تلو الوزارة والتي لا يمت إليها بصلة علمية ولا عملية من قبل. ثم ينظرون إلى الناجحين - ماليا - في العالم كالراحل ستيف جوبز أو منافسه اللدود بيل جيتس أو عملاق البورصة والأسهم وارين بافيت، ويعزون الشطر الأكبر من نجاحهم إلى عادة القراءة!.

قبل قرابة السنتين من اليوم، التقيت رجلا أراد أن تنفذ له الشركة التي أعمل بها بعض الأعمال، أخذتنا الأحاديث المشتركة في مجالات شتى منها القراءة. صادف أن هذا الرجل كان المدير التنفيذي لإحدى كبريات الشركات في سلطنة عمان، وأخبرني كيف أن القراءة غيرته وكيف أن مساره الأول في العمل كان مختلفا عن مساره الحالي، ثم اتخذ قراره بترك عمله آنذاك وبدأ في تجربة أخرى مختلفة تماما عن المسار السابق، وأخبرني بأن جدوله اليومي يبدأ في الرابعة فجرا ويقضيه في القراءة حتى السابعة صباحا - تتخللها صلاة الفجر -. الشاهد في القصة أن هذا الرجل مثال على ما تفعله القراءة بنا وما يملكه فعل القراءة من تغيير لمصائر الناس ومساراتهم، وكيف أنه يجدد تطوره ومعارفه التي تتمثل واقعا في تعامله مع الناس وإدارته لتلك الشركة بسبب فعل القراءة وأثرها المستمر عليه.

نعود إلى كتابنا الأول، وعنوانه الرئيس «سنة القراءة الخطرة» للمؤلف البريطاني آندي ميلر. مما يميز هذا الكتاب الروح العفوية التي يبثها المؤلف فيه، فهو لا يعطي القارئ خلاصة جامدة عما قرأ؛ بل يأخذه معه في رحلته السنوية الرائعة التي قرأ فيها خمسين كتابا ووضعها في قائمة سماها بـ«قائمة الإصلاح» ووضعها ضمن ملاحق الكتاب الثلاثة. الملحق الثاني منها «مائة كتاب كان لها تأثير كبير علي»، والملحق الثالث «كتب ما زلت أنوي قراتها».

ما أثارني أثناء قراءتي للكتاب في تلك الفترة، أنه اختار كثيرا من الكلاسيكيات الغربية؛ فهو حداثي يقرأ الكلاسيكيات ويتحدث عن دهشته وما وجده فيها. بل إن المرء لتجتاحه رغبة عارمة في قراءة واقتناء كثير مما أورده المؤلف من هذه الكتب التي قرأها وذكرها في كتابه آنف الذكر. وهي دعوة لأن نعود لقراءة تراثنا العظيم ونعيد اكتشافه. فمن يقرأ كتب أعمدة الأدب العربي القديم؛ أضمن له متعة وفائدة لا يجدها في بقية الكتب؛ بل إنها الأساس وما تبعها فإنما يحذو حذوها أو يحاول. ككتب الجاحظ والتوحيدي والمبرد وغيرهم ممن سنذكرهم في الحلقة الثانية من هذه المقالة. فهل سنبدأ «سنة القراءة الخطرة» الخاصة بنا اليوم وحالا؟ وهل سنتخذ القراءة ترياقا للروح والجسد في آن؟ فلنجرب ذلك!.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«محمد بن راشد للمعرفة» و«أبوظبي للغة العربية» ينظمان «ملتقى أندية القراءة»

أبوظبي (وام)

نظمت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية «ملتقى أندية القراءة العربية 2025»، وذلك بمقر المركز، بهدف ترسيخ ثقافة القراءة وإثراء الحوار الأدبي وتوسيع آفاق تبادل الخبرات بين «استراحة معرفة» التابعة للمؤسسة و«نادي كلمة للقراءة» التابع للمركز من جهة ونوادي القراءة المحلية والعربية من جهة أخرى، وإتاحة منصة تفاعلية لتطوير مهارات التحليل النقدي والفكري بين المشاركين.
يسعى الملتقى الذي انطلق بحضور كل من جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، والدكتور ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، إلى دمج مجتمعات القراء داخل وخارج دولة الإمارات ضمن منظومة معرفية موحدة، وتحفيز القراءة الجماعية من خلال توفير بيئة داعمة لتبادل الأفكار والرؤى، بما يسهم في بناء مجتمع معرفي متفاعل، علاوة على إثراء الحوار الأدبي عبر مناقشة الأعمال الحديثة بمنهجية تحليلية وإبداعية. ويطمح الملتقى إلى بناء شبكات تواصل مستدامة تعزز من التعاون وتبادل الخبرات بين المهتمين بالأدب في مختلف أرجاء الوطن العربي.
تحليل الروايات 
وسلطت جلسات الملتقى الضوء على تحليل ومناقشة الروايات الست المرشحة ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية/IPAF/ لعام 2025، التي ينظمها مركز أبوظبي للغة العربية سنوياً، وهي «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس من العراق، و«المسيح الأندلسي» لتيسير خلف من سوريا، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات، وذلك من خلال برنامج ثري من الحوارات التفاعلية التي جمعت نخبة من رؤساء وأعضاء أندية القراءة المحلية والعربية.
وقال جمال بن حويرب في كلمته خلال الملتقى: «ملتقى أندية القراءة العربية يعد جزءًا من التوجهات الاستراتيجية للمؤسسة لتحقيق أهدافها التنموية والمعرفية، ومن خلال شراكتنا المثمرة مع مركز أبوظبي للغة العربية نسعى إلى خلق بيئة قرائية محفزة وتطوير المهارات التحليلية لدى القارئ العربي، وتوسيع نطاق الحوار حول الأدب العربي المعاصر، لا سيّما الروايات المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية، لما تحمله من قيمة معرفية مرموقة وتعبير عن المشهد الأدبي الراهن».
أسلوب حياة
بدوره قال الدكتور علي بن تميم: «سعداء بهذا التعاون مع مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في تنظيم هذه الدورة من ملتقى أندية القراءة العربية 2025، ومن الجميل أن يخصص الملتقى دورته هذا العام لمناقشة روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، التي يسعد مركز أبوظبي للغة العربية برعايتها، وهي جائزة مهمة تهدف إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ولفت الانتباه إليه وتوسيع رقعة مقروئيته».
وأوضح أن الإمارات نجحت بالرؤية الثاقبة للقيادة الحكيمة في جعل القراءة باللغة العربية في مقدمة اهتمامات المجتمع على اختلاف فئاته، وحولت القراءة إلى أسلوب حياة خاصة عند الشباب واليافعين والأجيال لجديدة».. منوهاً إلى أن الإمارات عرفت نوادي القراءة أو صالونات الكتاب منذ سنوات طويلة، وأبرزها صالون الملتقى الأدبي الذي انطلق سنة 1999، وتتعدد الصالونات ونوادي القراءة وتتنوع لتسهم في تعزيز القراءة بصورة فاعلة وإيجابية في كافة أنحاء الدولة، منها ما يديره الأفراد بالمجتمع ومنها ما تديره مؤسسات رسمية وأهلية.
وأشار إلى الجهد المميز الذي يقوم به «نادي كلمة للقراءة» الذي يمثل المركز في استضافة هذه الفعالية كونه يرتكز إلى رصيد أحد أبرز مشاريع الترجمة في العالم العربي وهو (مشروع كلمة للترجمة) والبالغ حتى اليوم 1300 كتاب في 10 تصنيفات من 27 لغة. 
توصيات الملتقى
أكد الملتقى في توصياته أهمية إشراك القارئ في المشهد الروائي من خلال إطلاق مسار مواز لرأي لجنة التحكيم يمنح صوت الجمهور حضوراً مؤسسياً مرئياً، إلى جانب نشر نتائج استطلاعات القراء واختياراتهم ضمن منشورات الجائزة أو موقعها الرسمي.
ودعا إلى تصميم برامج تدريبية تعزز القراءة النقدية لدى أعضاء أندية القراءة، وتشجيع عقد الشراكات بين دور النشر وهذه الأندية لتوسيع دائرة الحوار حول الأعمال الروائية، إضافة إلى تحفيز ثقافة التوثيق القرائي لإثراء الذاكرة النقدية العربية بمحتوى متنوع ومتاح.
 

أخبار ذات صلة الإمارات تتصدر البطولة الإقليمية لرابطة أبوظبي لمحترفي الجوجيتسو «ألعاب القوى» ينظم «كأس الإمارات» في أبوظبي 25 أبريل

مقالات مشابهة

  • القراءة في زمن التشتت
  • بمناسبة اليوم العالمي للكتاب.. خصومات تبدأ من 20% على إصدارات هيئة الكتاب لمدة أسبوع
  • حتى لايضيع ثواب القراءة في المصحف.. احترس من هذه الطريقة
  • بالتفصيل.. أسماء الطلبة المشاركين في «مبادرة تحدّي القِراءة العربي»
  • البابا فرنسيس: خدمة القراءة والمساعدة مفتوحة للنساء في القداس.. ولا لكهنوت المرأة
  • هل يجوز قراءة القرآن بالعين فقط دون تحريك الفم؟.. الإفتاء توضح
  • أبوظبي للكتاب.. فعاليات تدعم القراءة المستدامة في عام المجتمع
  • «محمد بن راشد للمعرفة» و«أبوظبي للغة العربية» ينظمان «ملتقى أندية القراءة»
  • 4 مدارس بالداخلية تبدأ "الدراسة الدولية لقياس مهارات القراءة"
  • «مؤسسة كلمات» تنقل رسالتها الإنسانية إلى المغرب بـ600 كتاب