توسع بريكس ليس انتصارا للصين
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
في الأسبوع الماضي، رأى الذين يعتقدون بتحرك العالم نحو نظام عالمي ما بعد غربي ما يؤكد اعتقادهم هذا. ففي قمته السنوية المنعقدة في جوهانسبرج، أعلن منتدى بريكس الذي يضم خمسة اقتصادات ناشئة كبرى ـ هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ـ عن توسع كبير بتوجيهه دعوة الانضمام إلى ستة أعضاء جدد.
وبحسب موقفك، قد تحتفل بازدياد قوة كتلة بريكس أو ينتابك القلق من ذلك ـ في حين أنه ما من مبرر لكلا الموقفين. لأن توسع بريكس لن يقلب العالم رأسا على عقب، ولا هو بشير بصعود نظام عالمي ما بعد غربي. ومن الغريب بالقدر نفسه القول بأن توسع بريكس يمثل انتصارا كبيرا للصين وروسيا ومحاولاتهما لبناء كتلة مناهضة للغرب من دول الجنوب العالمي - أو أن بريكس هي جوهر حركة عدم انحياز جديدة.
كل هذه التفسيرات المحتملة لا تلتفت إلا قليلا إلى الديناميكيات الداخلية لبريكس الموسعة والآثار المترتبة عليها. فمن خلال خلط الكتّاب الغربيين بين آمالهم ومخاوفهم المتعلقة بالنظام العالمي وبين التحليل، تكشف تعليقاتهم جهلها الهائل ببلاد الجنوب العالمي، ومصالحها المتنوعة، وتعاملها مع القوى العظمى.
ما من شك في أن الصخب المفاجئ لعضوية بريكس من جانب الكثير للغاية من البلاد المهمة قد صبغ التحليل. لكن توسيع قائمة الأعضاء لا يحول بريكس إلى كتلة قوية. وإن كان للتوسع من أثر، فهو أنه يؤدي إلى تقويض التماسك الضئيل الذي كانت تنعم به المجموعة قبل التوسع.
إن المواجهة الجيوسياسية المتنامية بين الصين والهند تلقي بظلالها بالفعل على بريكس وعلى أي محاولة لوضع أجندة متماسكة. ومع الأعضاء الجدد تأتي صراعات جديدة: فمصر وإثيوبيا على خلاف حاد حول مياه النيل، في حين أن بين إيران والمملكة العربية السعودية خلافات إقليمية كبرى ـ برغم محاولتهما بوساطة بكين لإرساء السلام. وستزيد هذه الصدوع وغيرها من صعوبة تحويل الوزن الاقتصادي المشترك لدول بريكس إلى قوة سياسية مؤثرة في الشؤون العالمية.
والذين يظنون في بريكس حركة عدم انحياز جديدة محقون، عن غير قصد، في جانب واحد، هو أن بريكس ستكون عديمة الفعالية بقدر حركة عدم الانحياز الأصلية في تحويل صخبها الخطابي بشأن القضايا العالمية إلى نتائج ملموسة عملية. فما فعلت الصين بتوسيع بريكس إلا أن اشترت لنفسها متجرا أكبر للكلام. ولو أن بكين راغبة في بناء خيمة أكبر في مناهضة للغرب، فلن تتمكن من ذلك باحتواء خيمة بريكس بالفعل على العديد من أصدقاء الولايات المتحدة.
مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شركاء أمنيون مقربون للولايات المتحدة. وحتى لو أن لديهم خلافاتهم مع واشنطن، فمن غير المرجح أن يتخلوا عن الضمانات الأمنية الأميركية مقابل وعود صينية لم تختبر بعد، ناهيكم عن حماية كيس البطاطس عديم الشكل المعروف ببريكس. لقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينج ـ في خطابه أمام قمة جوهانسبرج ـ دول بريكس إلى "ممارسة التعددية الحقيقية" و"رفض محاولة إنشاء دوائر صغيرة أو كتل حصرية". حسن، لقد أصبحت الهند بالفعل جزءا من اثنتين على الأقل من هذه "الدوائر الصغيرة". فأولاهما هي الحوار الأمني الرباعي، مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة، والثانية هي منتدى I2U2 الذي يجمع الهند مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. بل لقد دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في جوهانسبرج إلى إنشاء "سلاسل توريد مرنة وشاملة"، وهو تعبير ملطف بديل لتقليص الاعتماد الاقتصادي على الصين.
لو أن الصين ترى في بريكس منتدى لتوسيع دورها في الجنوب العالمي، فالهند مثلها في ذلك، بل والسعوديون والإماراتيون في هذا الصدد، وهم على استعداد لتوظيف أجزاء كبيرة من رأس المال الذي تراكم لديهم على مدى عقود من أجل تحقيق مكاسب سياسية في أفريقيا وخارجها. والواقع أن التنافس بين دول بريكس على النفوذ العالمي ربما يكون ذا عواقب على المجموعة توفق مصلحتها المشتركة المفترضة في مواجهة الغرب. وبدلا من صوغ مسرح جديد لمعارضة الغرب، سيكون منتدى بريكس مسرحا لمعارضة نفسه.
ولذلك، على الأذكى من بين أهل السياسة في الغرب أن يقللوا نحيبهم بشأن صعود بريكس المفترض ـ وأن يركزوا بدلا من ذلك على ما في المنتدى من تناقضات عديدة يمكنهم استغلالها.
ليست هذه بالمرة الأولى التي تحاول فيها روسيا والصين الترويج لتحالف مناهض للغرب. فالواقع أن التاريخ يخبرنا أن موسكو وبكين تبالغان في تقدير احتمالات توحيد المجتمعات غير الغربية ضد الغرب. فعندما فشلت الآمال في قيام ثورة شيوعية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، توجه مؤسس الاتحاد السوفييتي فلاديمير لينين إلى آسيا ووعد "بإشعال النار في الشرق" بثورات على الرأسمالية العالمية وأباطرة الاستعمار الغربيين. وفي مؤتمر شعوب الشرق الذي انعقد عام 1920 في باكو بأذربيجان الخاضعة للاحتلال السوفييتي، جمعت الأممية الشيوعية مجموعة متنوعة من القوميين والثوريين والزعماء الدينيين. ولم تصل جهود لينين إلى الكثير لأن تصاعد النزعة القومية جعل آسيا غير مرحبة بالأفكار البلشفية.
وفي ستينيات القرن العشرين، اعتقد الزعيم الصيني ماو تسي تونج أنه قادر على مثل ذلك بمحاولته ترويج الثورات في آسيا، فإذا بإخفاقاته العديدة تمهد الطريق ـ بدلا من ذلك ـ أمام الرأسمالية ذات الخصائص الصينية في الداخل. وجرَّب الزعيمان السوفييتيان نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف تكتيكا مختلفا، حيث انضما إلى القوميين في أفريقيا وآسيا ضد الغرب. وبدا فعلا أن موسكو تكسب أرضا في الجنوب العالمي خلال السبعينيات. وفي قمة حركة عدم الانحياز التي انعقدت في هافانا عام 1979، أعلن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وأنصاره أن الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له هم "الحلفاء الطبيعيون" للعالم الثالث.
غير أن الولايات المتحدة ـ التي يفترض أنها كانت في حالة انحدار نهائي ـ عادت وهي تترنح في الثمانينيات لوضع موسكو في موقف دفاعي. في الوقت نفسه، تبين أن النخب في الجنوب العالمي ماهرة إلى حد ما في استغلال الانقسامات بين الغرب والاتحاد السوفييتي والصين لصالحها. فإعلان الصداقة المدوي الذي أصدره كاسترو وغيره من الزعماء مع الكتلة الشيوعية في عام 1979 يشترك في توازيات كثيرة مع تعبير الصين عن طموحاتها في مجموعة بريكس. ولكن مثلما استنفد الاتحاد السوفييتي موارده في دعم قائمته الكبيرة من عملاء العالم الثالث في أواخر السبعينيات، توسعت الصين في عهد شي جين بينج أيضا، فهي تعاني من مشاكل اقتصادية عميقة ومنشغلة بالتعامل مع ضغوط الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فقد يحقق إعلان توسع مجموعة بريكس في الأسبوع الماضي خدمة لغرض مفيد هو إعلام الغرب بألا يعد الجنوب العالمي أمرا مفروغا منه. لذلك، يجب على صناع القرار الغربيين الواعين أن يتخلصوا من كل من ازدراء المحافظين وتعالي التقدميين - وكل منهما، بطريقته الخاصة، يجعل من الصعب الاشتباك مع نخب الجنوب العالمي – وأن يجدوا بدلا من ذلك طرقا أفضل لإعادة الاشتباك مع الدول النامية.
إن أعظم التهديدات التي يواجهها الغرب الحديث من العالم غير الغربي قد جاءت مع صعود النزعة القومية في آسيا وأفريقيا. فإنهاء الاستعمار والمنافسة مع الكتلة الشيوعية على كسب الأصدقاء في الجنوب العالمي قد ساعد الغرب على استعادة الأرض. غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، سرعان ما نسيت الدروس المستفادة من الحرب الباردة، وتحول الغرب إلى السخرية من الجنوب العالمي والغطرسة عليه. وهنا تدخلت الصين وروسيا، مستغلتين استياء الجنوب العالمي من الغرب.
ليس بوسع الغرب أن يحافظ على تفوقه العالمي بثمن بخس. فعليه أن يترجل عن القاعدة العالية التي وضع نفسه عليها منذ نهاية الحرب الباردة، وأن يخوض في الوحل مصارعا التحدي الصيني والروسي. لقد نجح الغرب في التغلب على التحديات التي واجهت تفوقه العالمي خلال مرحلة طويلة من المنافسة بين القوى العظمى، عندما وجد طرقا أكثر تعاونا للاشتباك مع النخب غير الغربية. وبوسعه أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى. قد يكون توسع بريكس فشلا لا طائل من ورائه، لكنه بمثابة طلقة تحذيرية للغرب لكي ينهي سباته الاستراتيجي. فالجنوب العالمي ينتظر.
• راجا موهان كاتب كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي، وزميل أول في معهد سياسة المجتمع الآسيوي، وعضو سابق في المجلس الاستشاري للأمن القومي في الهند.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الجنوب العالمی توسع بریکس دول بریکس حرکة عدم من ذلک
إقرأ أيضاً:
تلفزيون بريكس يبرز إطلاق فنزويلا مبادرة أكاديمية جديدة لتعزيز العلاقات الثقافية مع مصر
سلط تلفزيون "بريكس" اليوم الثلاثاء الضوء على إطلاق فنزويلا مبادرة أكاديمية جديدة لتعزيز العلاقات الثقافية مع مصر من خلال دبلوم الدراسات المتقدمة عن مصر.
وأضاف التلفزيون أن المبادرة التي كانت نتيجة لجهود تعاونية بين وزارة الخارجية المصرية ومركز الدراسات الأفريقية والأمريكية والكاريبية في العاصمة "كاراكاس"، تقدم استكشافا متعمقا للتاريخ والثقافة والاقتصاد بالإضافة إلى اللغة المصرية.. مشيرا إلى أن هذه الدبلومة منذ بدايتها قامت بجذب أكثر من 90 طالبا فنزويليا عبر ثلاث مجموعات، من خلال تقديم برنامج مدته 100 ساعة يغطي ثمانية آلاف عام من التاريخ.
من جانبه، أكد السفير "كريم أمين" سفير مصر لدى كاراكاس، على الأهمية الإستراتيجية لهذا التعاون الأكاديمي، وعلى دوره في تعزيز التفاهم والتبادل الثقافي.. مشيرا إلى أن البرنامج يعد جزءا من الجهود الدبلوماسية الموسعة التي تبذلها مصر من أجل تعزيز التوعية التعليمية والثقافية في أمريكا اللاتينية.
وأشار التلفزيون إلى أن البرنامج يقوم بدمج الآليات السياسية والثقافية المصرية المعاصرة، كما يسلط الضوء على الأمور المتشابهة بين مصر وفنزويلا كدولتين داخل الجنوب العالمي.. ويعكس البرنامج أيضا تحولا بشكل أوسع نحو التعاون بين دول الجنوب، مع اعتراف كاراكاس والقاهرة بالفرص العالمية المشتركة.
وأوضح التلفزيون إلى أنه تم الاعتراف بدبلومة الدراسات المتقدمة على نطاق واسع باعتبارها واحدة من الدورات المطلوبة في مركز الدراسات الأفريقية والأمريكية والكاريبية، حيث من المتوقع أن تقوم بتوفير فهم عميق للتراث المصري والمساهمة في تعزيز العلاقات بين فنزويلا ومصر.
يذكر أن تلفزيون "بريكس" هو قناة إعلامية تهتم بالشئون السياسية والاقتصادية والتاريخية والفنية للدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، إلى جانب الدول التي انضمت حديثا للمجموعة وتشمل مصر ودولة الإمارات العربية وإيران وإثيوبيا.