إذا لم تكن قد سمعت به من قبل، فتطبيق Blinkist مختص بتلخيص الكتب وتقديمها في پودكاست لا يتجاوز الـ 15 دقيقة. وقعتُ على التطبيق عبر پودكاست آخر كنتُ أستمع إليه، كان يُعلن عن هذا التطبيق. وضع مقدم الپودكاست إعلانه على النحو الآتي: تخيل أنك في حفل ما، وأن المجموعة التي حدث وكنت ضمنها تتحدث عن كتاب الأمير هاري "الاحتياطي (Spare)".
الإجابة المحتملة الأولى هي: الخوف من التفويت (أو كما يسميها النشطون على الشبكات الاجتماعية فومو). يعتبر الفومو نوع من أشكال القلق الاجتماعي أو السلوك القهري المتمثل في الخوف من تفويت الفرصة للتفاعل الاجتماعي أو الانخراط في تجارب جديدة. ويتجلى في البقاء على اتصال دائما، العناية بشؤون العالم الافتراضي، على حساب العالم الحقيقي. يرى البعض أن المرء يُصبح مشغولا بتتبع ما يحصل على الشبكات الاجتماعية بغض النظر عن اهتمامه الحقيقي ببعض المواضيع، مقابل تتبع المواضيع التي تهم المرء فعلا. لنفكر معا في مناسبة كبرى مثل كأس العالم. في فترة كأس العالم، لا يعود مهما إن كنت "مُهتما" فعلا بكرة القدم أو لا، ما يهم هو أن تكون جزءًا من الحدث. أن تُغذي شعورك بالاتصال مع الآخر، هذه المرة على نطاق أوسع بكثير. تخيل الآن أن ثمة كأس عالم طوال الوقت، وأن شيئا ما يقول لك: إذا لم تتابع ما يحدث فستفوت عليك هذه التجربة، أو أسوأ قد لا تعود منتميا إلى المجموعة. وهذه تماما هي الفكرة التي تتغذى عليها سلسلة من إعلانات OSN المبنية على فكرة المقاطعة أو النبذ؛ لأن الشخص غير ملم بما يجري، بما هو موضوع ساخن، او الشعور بالانفصال لأن الشخص لا يدري عما يتحدث الآخرون. تطبيقات هذه الفكرة تأخذ شكل تجمع صغير يتحدث فيه الجمع ويضحكون، فيما لا يدري شخص في المجموعة عما يتحدثون، مولدا لديه شعورا بالانفصال.
الإجابة المحتملة الثانية هي: تغذية الأحاديث الصغيرة. كلنا نجد أنفسنا ننتظر مع زميل أمام المصعد، أو في تجمع مع أشخاص لا تجمعنا بهم معرفة وطيدة، أو (المثال الأشهر) نجتمع بجانب براد الماء في مكان العمل. الصمت في هذه الحالات يؤدي لشعور بعدم الارتياح، ثم أن الوسيلة الوحيدة لأن نذهب في نقاشات معمقة هو بأن نفتح موضوعا صغيرا، يقودنا على نحو عضوي أعمق وأعمق. لكن علينا دائما أن نرعى ذخيرتنا من مواد الأحاديث الصغيرة. إن كان عبر متابعة الأخبار، المواضيع الطارئة، أو حتى مشاهدة الأفلام التي تحظى بشعبية عالية حتى وإن انتمت لجونرا لا نُفضلها. مثال حديث على هذا هو فيلمي باربي واوبنهايمر. ما يقودني للإجابة المحتملة الثالثة وهي على صلة بهذه النقطة.
الإجابة المحتملة الثالثة هي: إيجاد المداخل، أو المفاتيح. حيث تُصبح أفلام أو مواضيع كهذه سريعا جزءًا من الثقافة الشعبية pop culture وتُصبح مداخلا لمناقشة شتى المواضيع. تأمل في المجلات المختصة أو المنصات التي تتابعها، نادرا ما تجدها اليوم خالية من مقال أو تقرير عن الفيلمين. حتى وإن كان مجال اختصاصها (إن كان فلسفة، علوم، فن، ثقافة) بعيد كل البعد عن موضوع الفيلمين. يعود هذا لوعي صناع المحتوى بأهمية ركوب موجة الاتجاهات الجديدة trends. وأن هذا هو المفتاح للوصول إلى قاعدة أعرض من المتابعين أو القراء.
يعي الأكاديميون، الباحثون، وصناع المحتوى أن مواضيعهم المختصة ليست دائما محل اهتمام، ويعز عليهم أن يروى المجالات التي كرسوا حياتهم لها قليلة الشعبية، وكحل لهذه المعضلة (معضلة أن تكون متخصصا من جهة، وقادرا على لمس المواضيع الرائجة في الوقت نفسه) يستثمرون المواضيع الساخنة، ويحورها بحيث تصلح لأن تكون مداخلا للحديث عن المواضيع التي تهمهم فعلا. وبالتالي عليهم هم أيضا أن لا يفوتوا الفرصة، وأن يبقوا على اطلاع بما يجري. ومن هنا يأتي الاعتماد على مصادر ثانوية للانتباه لأي موجة يمكنهم أن يركبوها.
الإجابة المحتملة الرابعة هي: التبرير. ثمة حدس يُخبرنا دائما بما يُمكن أن يُعجبنا أو لا يُعجبنا. يُمكنك الحكم -عبر مقتطع الفيلم trailer، أو عبر مقتطفات (اقتباسات) تُدوّر من الكتاب- إن كان سيعجبك أو لا. رُغم هذا فعليك أن تُبرر لملايين الناس حولك ممن أعجبهم لماذا تتخذ موقفا مضادا.
لعل هذه الإجابات شافية لفهم ظاهرة الاهتمام بما لا يهمك، ولعلها قاصرة. ما يهم من أمر، هو أننا -ربما جميعا وإن بدرجات متفاوتة، ولأسباب مختلفة- أسيروا الحاجة لأن نبقى على اطلاع بما يحدث في العالم. لكن علينا أن نعي أننا وحين نصب اهتمامنا في كل مكان، فهذا يأخذ من وقت اكتساب معرفة أعمق لما هو مهم لنا.
يبدو أن العالم متجه نحو التخصصية حتى فيما يتعلق بالاحتكاك بالناس. فإحدى الطرق لإن لا تُسلم بالضغط المفروض عليك المتمثل في الحاجة لأن تُشغل بما لا يُهمك، هو إحاطة نفسك بمن يُشاركونك الاهتمام بالمواضيع المتخصصة التي تهتم بها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی لا ما لا ی إن کان
إقرأ أيضاً: