لماذا ضرورة الحوار بدلا من استخدام السلاح؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
تعاني دول كثيرة في العالم في عصرنا الحالي، من قضية إقصاء الحوار والتفاهم المتوازن، ويستعاض عنه من غير استخدام القوة والتهديد بها، فيما يجري من خلافات وتوترات داخل النسيج الواحد وخارجه، لحل كل مشكلة طارئة أو خافتة تحدث، سواء كانت هذه المشكلة داخلية في البلد الواحد، التي قد تجري لأسباب متعددة سياسية، أو اجتماعية أو إثنية أو غيرها، أو كانت مشكلة خارجية بسبب تراكمات التاريخ واحتقاناته السياسية أو الحدودية أو غيرها، وهذه كثيرة خاصة قضايا الحدود كما أشرنا، أو استخدام جماعات في بلد ما، لإثارة مشكلات داخلية في دولة أخرى، وهذه من التحديات التي تجري ولا تزال قائمة في الكثير من الدول، والتي تعتبر مدعاة للصراعات والتوترات والحروب، وهذه حصلت تاريخيا، ولا تزال حاضرة حتى الآن، وإن خفت قليلا عما كانت عليه في عقود مضت، ولذلك من الأخطاء الإستراتيجية والرؤى غير السليمة والبعيدة عن الحكمة والنظرة الواعية السديدة، الابتعاد عن مسألة الحوار والتفاهم واتخاذ ما يبعد الخلاف إلى ما هو أخطر بعيدا عن الحوار الجوهري والمهم لنزع فتيل النزاعات والصراعات، عند بروز مشكلات قد تجر بعض الدول الآمنة المستقرة إلى حروب، قد يستسهلها بعض السياسيين أو العسكريين، ويعتبرها قضية ناجزة وحربا سريعة للقضاء على الخصم، أو عندما يعتقد البعض من أصحاب القرار، أن القوة هي البديل الذي يجب أن يتقدم على كل شيء آخر مهم يكون مساهما في الحل السلمي.
وقد حدث منذ شهر أبريل الماضي الخلاف السياسي المعروف، بين رئيس المجلس العسكري في السودان الشقيق، وبين قائد قوات الدعم السريع وهي مليشيا عسكرية كما يسميها البعض، أو هي قوات خاصة تابعة للقيادة العسكرية مساندة لحل مشكلات إقليمية داخل السودان، ولم يعرف العالم بهذا الخلاف إلا مع سماع أخبار الصراع والاقتتال العسكري في ضواحي العاصمة السودانية بين الطرفين، دون أن تظهر الأسباب الداعية للاقتتال وكيف حدث ؟ ولماذا ؟، فهذا الصراع الصامت لم يظهر، ثم خرج للعلن بعد ذلك، وحدث في غياب التفاهم والحوار ومن أرضية مشتركة بينهما، من أجل إيجاد حلول مناسبة للخلاف السياسي الذي نشب بين القائدين العسكريين، لكن الأمر جر إلى القتال العنيف في الشوارع، وقريب من المؤسسات المدنية، وأيضا بين مباني المواطنين وأسطح المنازل والطرقات العامة، وجر على الشعب السوداني الويلات من الإصابات والتدمير بل والقتل الذي جر إلى الآف منهم بسبب القتال داخل المدن، إلى جانب هروب وتشريد مئات الآف إلى أراض سودانية أخرى بعيدة عن أماكن الاقتتال، والبعض الآخر هرب إلى دول مجاورة للسودان وهم بعشرات الألوف، وربما تزيد لو استمر القتال وتوسع وسيكون الخروج بالملايين.
والأمر الأخطر الذي يتخوف منه الكثير من المراقبين، المتابعين للشأن في هذا البلد العربي الكبير، لو بقي هذا الصراع لفترة أطول مما هو عليه، والسودان كما نعرف جميعا، متعدد الديانات والأعراق والإثنيات، لذلك سارعت دول كثيرة لإيجاد حلول لإنهاء هذا الاقتتال العبثي والخطير على دول عربية إفريقية ودولية أخرى، وما سينتج عنه من آثار وخيمة لبلد يعاني في الأصل من الكثير من الظروف السياسية والاقتصادية المتراكمة من نصف قرن تقريبا، والغريب أن تصريحات بعض القيادات العسكرية، كانت تتوقع أن هذا الذي حدث سينتهي قريبا جدا من خلال الحسم العسكري! لكن هذا التوقع لم يحدث، وقد مر على هذا الصراع خمسة أشهر، ولا يزال القتال ممتدا بصورة يجعل أهمية الحوار والتفاهم أمرا ضروريا لا بد منه لإنقاذ هذا البلد العربي المهم، وشعبها الذي عانى وسيعاني المزيد لو استمر هذا الصراع الذي لا مبرر له على الإطلاق.
والحدث الآخر الذي تم فيه إقصاء الحوار الفعلي المقبول بين الطرفين، ما جرى في جمهورية النيجر الدولة الإفريقية المهمة، بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم المنتخب دستوريا في عام 2021، وهذا الانقلاب رُفض من منظمة (إيكواس) الإفريقية ودعت قادة الانقلاب إلى مراجعة خطوتهم الانقلابية، وعودة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى الرئاسة مرة أخرى، لكن قادة الانقلاب، لم يذعنوا لهذا الطلب المغلف بالتهديد العسكري لإعادة الوضع السياسي القائم قبل الانقلاب، وتم تجاهل المدة المحددة للمجلس العسكري كمهلة حددتها الإيكواس له، في الوقت الذي طلبت العديد من الدول، إعطاء فرصة كافية للحوار والتفاهم، بدلا من التهديد باستخدام القوة لفرض ما تراه بعض الدول الإفريقية، بينها دول أخرى إفريقية مجاورة للنيجر رفضت هذا التهديد، وأعلنت استعدادها الوقوف مع النظام الجديد، باعتباره واقعا بدلا من عدم الفرض والإلزام بهذه الوسائل التي تدفع للرفض عند البعض، وإن كان المبدأ الذي لا خلاف، هو القبول بالنظام الدستوري القائم سابقا، والذي كان منتخبا، لكن الوسيلة المتخذة خطيرة جدا وستكون ردود الفعل أخطر من كل الأطراف، وهذا سيتم في غياب حوار هادئ مقبول، لكن القوة لا تجلب ما هو مطلوب، الذي تنشده هذه الدولة التي عُرف عنها الاستقرار من عقود طويلة.
والإشكال أن انقلابات عديدة حدثت، وفي دول إفريقية عديدة وفي غيرها، لكن منظمة الإيكواس لم تتخذ التهديد الذي تقوم به ضد النظام العسكري في النيجر! وهذه مسألة فسرها البعض من المتابعين للشأن الإفريقي، أن الغرب ـ ولا سيما فرنسا ـ رفضت الانقلاب، وتأييد دول غربية أخرى لموقف الإيكواس من انقلاب النيجر، وهذا يعني بحسب تفسيرهم، أن هناك معايير مزدوجة ومكاييل متناقضة في مواقف بعض الدول وبعض الهيئات والمنظمات، وتلعب دورها في السياسات الدولية، وتأثيرها على السياسات الأخرى وفق ما تراه إيجابيا لمصلحتها، ذلك أن ثروات النيجر لا تحتاج إلى شرح، وهذا ما جعل السفير الفرنسي بأمر من حكومته، يرفض المغادرة، وكأنه الحاكم العسكري! كما كانت فرنسا دولة محتلة لأغلب الدول الإفريقية، وإن كان المبرر للسفير أن المجلس العسكري ليس دستوريا.
والتخوف الذي تستشعره الدول الغربية في إفريقيا خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، هو النشاط الواسع المكثف لروسيا الاتحادية، ومنافستها للدول الغربية في جوانب اقتصادية وعسكرية، ويرى الكاتب رمزي عزالدين رمزي أنه من المحتمل "ألا تكون روسيا في وضع يمكنها من تلبية جميع توقعات البلدان الإفريقية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات والمساعدات المالية والإنمائية. وللتعويض عن ذلك، تسعى روسيا إلى تعزيز جهودها من خلال إدخال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وبريكس في الصورة، فبالنسبة للبلدان الإفريقية، تعتبر روسيا شريكا مغريا نظرا لوفرة خبراتها الفنية، ونهجها غير المشروط في التعاون، وموقعها العالمي كقوة موازنة للغرب. وقد يكتسب الاعتبار الأخير مزيدا من الاهتمام خلال السنوات القادمة حيث أصبحت قضايا احتياجات الطاقة في إفريقيا، والانتقال للطاقة الخضراء، مسيسة بشكل متزايد ومؤطرة في مواجهة المعايير المزدوجة الغربية، ونقص الحاجة لمعالجة هذه القضايا".
إذن هذه التباينات والمعايير المزدوجة، تلقي بظلالها على الوضع في السودان وفي النيجر على حد سواء، وربما في دول أخرى، وهذه المشكلات والتوترات، التي تنتهي بالصراعات والحروب، لا تحقق استقرارا للدولة ولا تخلق ظروفا اقتصادية لهذه الشعوب، لذلك من الضروري عدم تقديم الحلول العسكرية على التفاهم والحوار، وفي إقصاء الحوار، مخاطرة كبيرة للقارة الإفريقية كلها، وكفاها ما عانته في القرون الماضية من النهب الاستعماري والصراعات الداخلية، التي أخرت القارة عن التقدم الاقتصادي والسياسي والظروف الاجتماعية، التي تسهم في استقرارها وليس في تأجيج صراعاتها الداخلية، ولذلك تظل حلول الحوار، هي التي تسهم في استقرار هذه الدول، وتقديم مصلحتها الذاتية على مصالح دول أخرى، التي يُهمها مصالحها الخاصة، على استقرار هذه الدول بدلا من الحروب والصراعات البينية، التي بلا شك تسهم في حروب أخرى لاشك تؤخرها عقودا طويلة إلى الخلف، وليس إلى الأمام، مع نهوضها وتقدمها، ومن خلال الحوار والتفاهم، وبهذه الأسس يمكن أن نتلمس حوارا يقوم على معطيات صحيحة، ويحقق نجاحا مأمولا، إذا ما توافق الحوار الداخلي، أو الوطني، أو الخارجي، حول مشروعية إبعاد الاختلاف والتعايش مع الأفكار والمنطلقات الإيجابية التي تحقق التآخي والتفاهم، وعدم الإضرار بمصالح الدول بعضها على البعض، والوعي بعدم الانجرار إلى صراعات وحروب، تزيد من الفرقة والتشتت، ثم الضعف، مما يجعل من هذه الدول متخلفة عما كانت عليه كما كانت سابقا، غير الأضرار الأخرى كالتدمير والتهجير، نتيجة ما جرى من دماء ودمار والتي تبقى عالقة في النفوس، فهل تعي العقول النيرة مآلات هذه الآثار؟.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الصراع هذه الدول بدلا من
إقرأ أيضاً:
انطلاق "الملتقى الإقليمي لحماية التراث الثقافي البحري المغمور بالمياه في الدول العربية" الإسكندرية
شهدت مكتبة الإسكندرية اليوم انطلاق الملتقى الإقليمي حول "حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه في الدول العربية"، وذلك بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور حميد النوفلي؛ مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للعلوم والفنون والثقافة، والدكتور عماد خليل؛ رئيس الملتقى ورئيس كرسي اليونسكو بجامعة الإسكندرية، والدكتورة سمية السيد؛ مساعد الأمين العام للجنة الوطنية المصرية للعلوم والثقافة، وعدد من الخبراء والمتخصصين من ١١ دولة عربية.
وقال الدكتور أحمد زايد، إن مكتبة الإسكندرية تسعى في محيطها العربي إلى النهوض ورفع شأن الثقافة، لافتاً إلى أن المكتبة ليست مكانا للقراءة ووعاء للكتب فقط ولكنها مؤسسة ثقافية كبيرة. وأضاف أن المكتبة نافذة لمصر على العالم ونافذة العالم على مصر أيضا، لافتاً إلى أن وجود المكتبة على شاطئ البحر المتوسط له دلالة ثقافية لجمع ثقافات البحر المتوسط.
وأشار زايد إلى أهمية عملية التوثيق الثقافي التي تتم في مكتبة الإسكندرية، قائلا "مكتبة الإسكندرية لا تدخر جهداً للحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه في البحر المتوسط".
وأوضح أنه ربما مع الاكتشافات القادمة نعيد كتابة التاريخ لأن هذا التراث لا زال به الكثير من الغموض، مؤكداً علي ضرورة تكثيف الجهود العلمية والبحثية لاكتشاف هذه المناطق وكشف أسرارها.
كما أكد علي ضرورة التسويق السياحي للمناطق التراثية والتاريخية الموجودة في حوض البحر المتوسط.
ومن جانبه، قال الدكتور حميد النوفلي؛ مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للعلوم والثقافة، إن الملتقي يجمع بين الأمل والإبداع وروح التحدي للحفاظ على التراث الغارق، لافتاً إلى أن التراث الغارق جزء من ثقافتنا.
وأشار إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية من أجل الكشف عن تفاصيل هذه الآثار التي تشكل جزءً من ثقافتنا وهويتنا وليس مجرد آثار غارقة فقط.
وأوضح أن الملتقى يسهم في الحفاظ على التراث من خلال تبادل الخبرات بين المشاركين والاطلاع على التجارب المختلفة.
كما شدد على ضرورة استخدام التكنولوجيا الحديثة في معرفة أسرار هذه الآثار التي تشكل قيمة حضارية وفرصة للباحثين فضلاً عن دورها في الترويج السياحي.
وقالت الدكتورة سمية السيد؛ مساعد الأمين العام للجنة الوطنية المصرية للعلوم والفنون والثقافة، إن العالم اكتشف نحو ٢٠٠ مدينة غارقة حول العالم، وأن هناك الآلاف من المدن التي لم يتم اكتشافها بعد. وأضافت أن الحياة البحرية ليست موطنا للكائنات البحرية فقط ولكنها أيضا مكانا لمدن غارقة.
كما تحدثت عن التحديات التي تواجه عمليات اكتشاف الآثار البحرية الغارقة والتي تتمثل في نقص الموارد أمام الباحثين وكذلك الحدود البحرية الدولية التي تحتاج إلى موافقات واتفاقات بين الدول، موضحة أن الذكاء الاصطناعي ساهم إلى حد ما في المساعدة في الاستكشافات ولكن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الباحثين.
وأبدت تطلعها أن يخرج المنتدى بتوصيات قابلة للتنفيذ وتكون نواة لمشروعات تساهم في الكشف عن التراث الغارق في البحر.
ومن جانبه، ثمن اللواء عمرو عبد المنعم؛ معاون محافظ الإسكندرية، فكرة المنتدى التي تعد فرصة لتبادل المعلومات والخبرات في الدول العربية في هذا المجال، وقال إن التراث المغمور بالمياه يشكل جزءا هاما من تاريخ المنطقة التي تعرضت لمخاطر كبيرة خلال الفترة الماضية ما يحتم ضرورة وضع آليات لحمايتها والحفاظ عليها.
كما أضاف إن الاسكندرية يوجد بها 5 مناطق للآثار الغارقة بداية من أبو قير وحتى قلعة قايتباي، مشيرا إلى ضرورة تضافر الجهود للحفاظ على هذه الكنوز من خلال تنفيذ برامج فعالة للترميم.
من جانبه، تحدث الدكتور عماد خليل، رئيس كرسي اليونسكو في جامعة الإسكندرية، عن تعريف الآثار الغارقة الصادر من منظمة اليونسكو، لافتا إلى أن المنظمة اتاحت للدول تعريف وتحديد المناطق التي ترى فيها أنها تحمل قيمة تراثية للمناطق الغارقة.
وأوضح أن أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة والبالغ عددها 17 هدف، يتناول جزء منها الحفاظ على التراث الثقافي ومن بينها الحفاظ على الآثار الغارقة.