جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-19@23:45:10 GMT

انتبهوا.. أبناؤنا في خطر

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

انتبهوا.. أبناؤنا في خطر

 

خليفة بن عبيد المشايخي

halifaalmashayiki@gmail.com

 

يتجه العالم اليوم وغداً وبعده إلى التغلغل في ثورة رقمية هائلة وإلى ظهور تقنيات عالية ستحدثها كبرى الشركات العالمية المتخصصة في ذلك والمصنعة لها وللرقميات والأجهزة اللوحية والحواسيب والإنترنت والتكنولوجيا والجوّالات، وبرامج البث والإرسال والاستقبال والتواصل الاجتماعي، مما سيخلق تنافسا محموما بينهن في غزو جديد بكل ما هو ضار ونافع، هذا الكوكب الذي أصبح قرية كونية مصغرة، يعلم ما في أولها آخرها والعكس، فالعالم سيكون أمام ومع كل جديد وحديث في عالم الرقميات والتقنية، سيجعل البشر في حال ذهول وانشغال مستمر، وسيكون ذلك حتى على مستوى الكبار من الجنسين والناشئة والصغار والأطفال.

وإذا كانت برامج التواصل الاجتماعي والتطبيقات والمنصات الإلكترونية والرقمية كالواتس اب والسناب شات والانستجرام والتوك توك وتويتر والفيسبوك واليوتيوب وغيرها الكثير من هذه البرامج عطلت الكثير واشغلت الكثير عن الأهداف السامية العلمية منها والعملية والإنسانية والأخلاقية بما تقدمه وتروج له ويحدث فيها ويعرض؛ سواء بسرية تامة أو بشكل علني، نتج عنه تغير في عادات البشر وأخلاقهم وتعاملهم وسلوكهم، وانغماس بعضهم في أمور سيئة كإقامة علاقات محرمة وتواصل مخل بالأدب والشرف، يتيح للطرفين ارتكاب أخطاء تضر بالأسرة وبمكوناتها يكون نتيجتها حدوث طلاق وضياع الأطفال وتشردهم، ما جعل المؤسسات الحكومية والأمنية والقضائية تواجه ضغطًا كبيرا في تلقي أعداد كبيرة من الشكاوى والمشاكل والقضايا والبلاغات التي تسجل وتأتي إليهم وتحدث وينظر فيها بشكل يومي.

مع تلك المعطيات والأحداث المؤسفة اليومية، فإنَّ المؤشرات تقول إن القادم سيكون أكثر خطورة وسوءًا ودمارًا ومشاكلَ، خاصة إذا علمنا أن نسبة ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي ويحدث في المجتمع من دروس دينية وإصلاحية قليل جدًا، مقارنة مع ما يُنشر ويعرض من فساد وتفسخ وانحلال في القيم والآداب والأخلاق والقيم الإسلامية الحميدة، والترويج لذلك وللفساد بشكل كبير.

الأمر الذي أشاع الفساد وأوجد ظاهرة سيئة أتت بها تلك الممارسات والأدوات والسبل والطرق والبرامج على نحو يشكل خطرًا وتهديدًا على استقرار وحياة الفرد والأسرة والمجتمع، التي انكوت بنيران تلك الممارسات والأفعال والبرامج المضللة التي استغلها البعض في التعري وقلة الأدب والتفسخ، وإعطاء صورة سيئة عن المجتمعات المحافظة أنها لم تعد محافظة، وإعطاء صورة أكثر فداحة عن سوء تربية الأشخاص؛ سواء رجالا أو نساء، وانعدام الأدب فيهم وكذلك انعدام الغيرة على الزوجة والبنت والأم والأخت، وإلا ماذا نسمي أعداد النساء اللاتي يعرضن أنفسهن بشكل يومي في تطبيقات مثل سنابشات وإنستجرام وفي السوشال ميديا بملابس خليعة كاشفة لأجسادهن، وهن متبرجات مبديات زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن.

إن كل ذلك يوحي باختفاء الحياء وانعدامه من وعن الكثيرين، وعدم وجود رادع أخلاقي ووازع ديني، وبات اللهث وراء الشهرة وطلب المال وحب الظهور وكل ذلك، على حساب الأدب وتربية الأجيال القادمة تربية حسنة أحد الأسباب الرئيسية المشجعة والمساعدة على انتشار الفساد.

كمية ما يعرض ويتداول اليوم يدل على كثرة القبيح والسيئ وانتشاره كانتشار النار في الهشيم، فمتى سنعي ذلك وسننتبه ونتصدى له؛ فالنار من مستصغر الشرر، وعدوى إصابة الشخص الصالح بما يعرض من فساد، حتمًا ستكون واقعة وحادثة لا محالة، لأن كثرة الطرق يبطل اللحام.

إن انطلاق العام الدراسي يوم الثلاثاء الماضي وتوجه أعداد كبيرة من طلابنا وأبنائنا إلى مدارسهم في ظل استخدام الكثير من طلابنا لهذه التطبيقات الإلكترونية، يُضاعف المسؤولية على الجهات الحكومية والإصلاحية والدعوية، لأن يكون التعليم والنهج العام للبلد انطلاقًا من هذا العام مختلفا تماما، من حيث التفكير في أنه كيف سنجعل استفادة طلابنا من التعليم والمواد التعليمية والمقررات الدراسية مفيدًا، في ظل ظروف تنهش الكثير من الأسر.

إعداد الكتب للطلاب في مختلف مراحلهم الدراسية، وصل أول أمس إلى أعداد كبيرة تجاوز بعضها إلى 18 كتابًا، فالسؤال الذي يطرح نفسه، متى سيجد الطالب وقتاً لقراءة وفهم كل تلك الكتب والمقررات، خاصة في الأسر والبيوت التي لا يتواجد فيها الأب والأم إلا بعد المغرب، لتواجدهم وارتباطهم بالعمل والوظيفة.

ففي ظل هذه الأوضاع ألن تكون برامج التواصل الاجتماعي وبقيتها وغيرها من وسائل الانحراف والفساد وإضاعة الوقت، هي الحاضنة لوقت أؤلئك الطلاب والناشئة والأبناء، في وقت أصبحت المرأة الأم كل وقتها في السوشال ميديا، تارة تصور نفسها وهي متبرجة منحلة من الأخلاق والأدب والعفة والشرف، وتارة تصور أكلها، وتارات أخرى مع مراسلة من يتغزل فيها ويبعث لها ممتدحا جمالها وحسنها، وهي تعيش الدور والتمثيلية والمصخرة وقلة الأدب، ومضحية بأولادها وزوجها وبيتها الذي لا تجده إلا قذرا ووصخا، بسبب عدم اهتمامها وعدم قدرتها على التنظيف والترتيب والمذاكرة لأولادها.

القادم بهذه الصورة والكيفية سيجعل المشاكل متفاقمة في البيوت، وسنرى أعدادًا كبيرة من القضايا والبلاغات عن حدوث مشاكل في البيوت بين الزوج وزوجته، وبين أولياء الأمور وأولادهم، في وقت يفترض أن يكون هنالك زيادة وعي وفهم وثقافة وتدين وهداية وصلاح في المجتمع، فتلك المؤسسات والجهات التي ذكرتها صلاحياتها ومسؤولياتها معروفة ومحدودة، وليس بإمكانها حل كل تلك المشكلات في كل بيت وفي كل أسرة.

الحل في زيادة الوعي وترسيخ الوازع الديني في نفوس النشء، لأنهم المستقبل المشرق الذي ينتظر وطننا في قادم السنوات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ليوبولد سيدار سنغور رمز الأدب والسياسة في أفريقيا الحديثة

فيلسوف في السلطة، وشاعر في قلب الدولة، هكذا شكّل ليوبولد سيدار سنغور بصمة عميقة في التاريخ الأفريقي والعالمي.

كان شاعرا ومفكرا وسياسيا جمع بين الكلمة والسلطة، وسعى إلى دمج التقاليد الأفريقية بالقيم العالمية في مشروع حضاري متكامل، فهو مؤسس مفهوم "الزنوجة" وأول رئيس للسنغال المستقلة وعضو في الأكاديمية الفرنسية، كان جسرا بين التقاليد الأفريقية والحداثة العالمية ونموذجا فريدا من التعايش بين ثقافة القارة السمراء والفكر الغربي.

طفولة مشبعة بالثقافتين الأفريقية والفرنسية

وُلد ليوبولد سيدار سنغور في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1906 بمدينة جوال الصغيرة بالسنغال، ونشأ في بيئة مسيحية كاثوليكية ضمن مجتمع يغلب عليه الطابع الإسلامي، مما عزز لديه منذ الصغر حس الانفتاح والتعددية الثقافية.

تلقى تعليمه الأولي في السنغال، وأظهر نبوغا مبكرا مكنه من الحصول على منحة دراسية لمتابعة دراسته الثانوية في مدرسة فان فولان بدكار، والتي كانت من أبرز المؤسسات التعليمية في غرب أفريقيا الفرنسية آنذاك.

رحلة علمية نحو فرنسا

سافر سنغور إلى فرنسا عام 1928 لمواصلة دراسته في جامعة السوربون، لكنه التحق فيما بعد بمدرسة لويس لو غران المرموقة، والتقى بالمفكر المارتينيكي إيمي سيزير الذي أصبح شريكه الفكري في بلورة مفهوم "الزنوجة".

إعلان

واصل سنغور تفوقه الأكاديمي حتى نال شهادة التبريز في الآداب عام 1935، ليكون أول أفريقي من غرب أفريقيا الفرنسية يحقق هذا الإنجاز، مما فتح أمامه أبواب التدريس في فرنسا.

خلال فترة رئاسته، ركز سنغور على بناء دولة حديثة تجمع بين التقاليد الأفريقية والإدارة العصرية، مع إيلاء اهتمام خاص بالتعليم والثقافة (غيتي) من القصيدة إلى كرسي الرئاسة

خلال الحرب العالمية الثانية انضم سنغور إلى الجيش الفرنسي، لكنه وقع في الأسر عام 1940 وأُرسل إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا.

لم تمنعه ظروف الاعتقال من الكتابة، بل ألهمته لتأليف بعض من أهم قصائده التي عكست معاناته ورؤيته للعالم، وبعد إطلاق سراحه عام 1942 عاد إلى فرنسا واستأنف نشاطه الأكاديمي والسياسي.

انتُخب سنغور نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1945، ليبدأ مسيرته السياسية الفعلية.

عمل على تعزيز حقوق المستعمرات الأفريقية داخل النظام الفرنسي، وساهم في تطوير سياسات منح الحكم الذاتي، مما مهد الطريق لاستقلال العديد من الدول الأفريقية.

وبعد استقلال السنغال عام 1960 أصبح أول رئيس للجمهورية، وظل في منصبه حتى 1980، وركز على بناء دولة حديثة تجمع بين التقاليد الأفريقية والإدارة العصرية، مع إيلاء اهتمام خاص بالتعليم والثقافة، ورفض الانغلاق الأيديولوجي، إيمانا بأهمية التعاون بين أفريقيا وفرنسا.

الزنوجة والهوية الأفريقية

يعد سنغور أحد المؤسسين الرئيسيين لحركة "الزنوجة" التي ظهرت ردّ فعل على سياسات الاستعمار الفرنسي التي حاولت طمس الهويات الأفريقية وفرض الهيمنة الثقافية الأوروبية.

ودعا هذا المفهوم إلى استعادة الاعتزاز بالثقافة الأفريقية والتعبير عنها بحرية في الأدب والفنون والفكر السياسي.

وفي كتاباته سعى سنغور إلى إبراز القيم الجمالية والفلسفية للحضارة الأفريقية، رافضا النظرة الاستعمارية التي صورت أفريقيا قارة متخلفة تحتاج إلى الإنقاذ الأوروبي.

وأصبحت "الزنوجة" مرجعا ثقافيا وسياسيا لحركات التحرر الأفريقية والكاريبية، وأسهمت في تشكيل هوية أفريقية حديثة متصالحة مع إرثها وتطلعاتها المستقبلية.

قال سنغور ذات مرة "الثقافة هي روح الأمة وبدونها لا يمكن أن يكون هناك مستقبل" (غيتي) الشاعر في قلب الدولة

لم يكن سنغور مجرد رجل سياسة، بل كان قبل كل شيء شاعرا ومفكرا، امتزجت أشعاره بالروح الصوفية والتعبير العاطفي العميق، إذ استخدم الكلمات أداة للنضال الفكري والدفاع عن الهوية الأفريقية، وترك إرثا أدبيا غنيا، ومن أبرز أعماله:

إعلان "أغاني الظل" (1945): ديوان شعري يعكس تجربته في الحرب ومعاناته خلال الأسر. "إثيوبيا وأسوان" (1956): عمل أدبي يصور رؤيته للهوية الأفريقية وعلاقتها بالحضارة العالمية. "رسالة إلى الصديق الفرنسي": نص يعكس حوارا بين الثقافتين الأفريقية والفرنسية.

آمن سنغور بأن الشعر ليس مجرد كلمات، بل قوة تحررية قادرة على إحداث تغيير عميق في المجتمعات عبر التأثير العاطفي والفكري.

السنوات الأخيرة والإرث الثقافي

بعد تقاعده من السياسة عام 1980 انتقل سنغور إلى فرنسا، حيث واصل الكتابة والبحث الفكري، وفي عام 1983 انتُخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية، ليكون أول أفريقي يحظى بهذا الشرف، وهو اعتراف بدوره البارز في الأدب الفرنكوفوني.

توفي في 20 ديسمبر/كانون الأول 2001 عن عمر ناهز 95 عاما، لكنه ترك إرثا فكريا وسياسيا خالدا، ولا يزال تأثيره حاضرا في السنغال والعالم، إذ يُحتفى به باعتباره رائدا في الفكر الأفريقي ومدافعا عن التعددية الثقافية ورمزا للمصالحة بين الهوية الأفريقية والانتماء العالمي.

أثبت سنغور أن الأدب والسياسة يمكن أن يلتقيا في مشروع حضاري واحد، وأن الهوية الأفريقية ليست نقيضا للحداثة، بل هي جزء أصيل منها، وكما قال ذات مرة "الثقافة هي روح الأمة، وبدونها لا يمكن أن يكون هناك مستقبل".

مقالات مشابهة

  • ‏ضمن البرنامج الحكومي وتوجيهات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط .. شركة تعبئة وخدمات الغاز : ارتفاع أعداد المركبات التي تعمل بوقود الغاز
  • النفط: ارتفاع أعداد المركبات التي تعمل بوقود الغاز ‏
  • سعيد شعو أمام محكمة هولندية : أبيع النعناع و لدي الكثير من المال في المغرب
  • ليوبولد سيدار سنغور رمز الأدب والسياسة في أفريقيا الحديثة
  • خالد بيبو: الكابتن محمود الخطيب أب وأخ وتعلمت الكثير منه
  • المفتي: الأدب من أهم المفاتيح للوصول إلى القلوب
  • وهمُ الأدب الرفيع
  • صنع الله إبراهيم.. صوت الأدب المتمرد والمقاوم
  • رانيا محمود ياسين: «قشر البندق» بوابة دخولي للفن.. وتعلمت الكثير من والدي
  • كيف يقبض ملك الموت أرواح الكثير من البشر في وقت واحد؟.. الإفتاء توضح