مفهوم الشراكة وتحديات النضج
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
فاطمة الحارثية
كان في جعبتي موضوعٌ آخر، يحمل في طياته تحويل الفوضى من مقصلة للأرباح إلى تجربة، وإن كانت مؤلمة بعض الشيء اجتماعيًا، إلّا أنها قد تُسرِّع وتيرة الأداء للمس العوائد وتحقق قفزة، تعيد بعض الفوضى إلى النصاب، ولكن وقبل أن أنسج الفكرة على الورق، أتى المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، ليصنع كمًّا هائلًا من الأسئلة، ويحثني لرؤية أخرى نحو عَنان الشراكة وجمال السعي الجماعي، الذي تجسد لنا في سرد المحدثين والضيوف والمدربين، فقد كان اللقاء مشحونا بالتجارب وصوت العزة والفخر الخليجي والعربي.
إن رجعنا إلى أصل معظم المؤسسات والشركات عندنا، نجد أنها وجدت من أجل المجتمع، وهي جزء خدمي أساسي، فقليلة هي الشركات الربحية عندنا، ومع الوقت أضيف على تلك الشركات بالإضافة إلى الأداء الخدمي منظومة الربحية، وهذه نقلة نوعية، أربكت الكثير من التوجهات والسياسات التي تقوم عليها تلك الشركات، حتى أنها مست الأداء العام؛ البعض توجه نحو مفهوم الهدم ثم البناء، مع عدم وجود ضمانات حقيقية لهذا التوجه والبعض الآخر، قام بإيجاد مفاهيم جديدة في ظل السياسات القائمة، كمفهوم الشراكة والربح المشترك والقيمة المجتمعية بدل العائد الاجتماعي فقط، ووصل لدى البعض محاولة الهيمنة وفرض رؤى تجارية بحتة مما أثر سلباً على طبيعة التحول المؤسسي، الذي يُعد الوقت عامل أساسي لإنجاح أي تغيير أو تحول، أو حتى إضافة أدوار ومهام.
الرؤية الواضحة تستوجب استشرافًا يتزامن ويتوافق مع الرؤية الكُبرى وهي رؤية "عمان 2040"، والقدرة على حقن المهارات المطلوبة، لإدراك الفرص وتعريف العمل كشراكة استثمارية تجارية اجتماعية، وتوفير المؤهلات التي تمكن تلك التوجهات والمواءمة بينها، وهذا يؤكد أهمية وجود أقسام في تلك الشركات والمؤسسات، تقرأ العجز في الأداء وأثره في العجز المالي وأيضا الاستراتيجيات التي تُمكن هذه المواءمة؛ إن الالتزام والتمكين والحزم نوع من أنواع توجيه القدرة على إرساء الاستمرارية، وصناعة المواءمة بين الأداء الاستثماري والتجاري والاجتماعي في المؤسسة أو الشركة الواحدة، أي نحن بذلك نستطيع أن نصنع الاستدامة بالأداء الدائري، وهذا يُبين لنا أهمية النضج الاستراتيجي وماهية السلطة المطلوبة في الوقت الراهن.
ما قدمه لي المنتدى كفكر كان حلقة الربط، التي بها استطعت أن أقرأ بعض حلول التعثر وضبابية النضج الحالي، فعند مُقارنتي بطرق طرح التجارب في دول الجوار وبعض المنظمات العالمية، أكد لي أهمية المقارنة الصحيحة كمعيار ودور الإعلام الذكي؛ وقراءة أو استعراض التجارب الأخرى ليس لتكرارها؛ فالزمن الذي ساهم في إنجاح تجربة استثمارية أو اجتماعية ما، ليس بالضرورة أن تحقق تلك التجربة نجاحا في مناطق أو زمن آخر، بسبب اختلاف العرض والطلب والفكر والحاجة.
نحن في زمن صناعة الفرص، ولقد تعلمنا بسبب التعقيدات التي وضعناها في إجراءاتنا أن الفرص التلقائية نادرة أو بالأصح ضائعة وسط كثرة الأنظمة، والاختصاصات، والوقت المستغرق في الإجراءات مربك وقاتل لتلك الفرص. النضج الاقتصادي هو سلوك جماعي يحتاج إلى قبول كل فرد حسب مهاراته، وما يستطيع فعليا إضافته في منظومة الأداء سواء كان الأداء بناء، أو فكرا، أو حلولا، أو تنفيذ أو خططا، أو تسويقا أو أيا من العناصر التي تأتي بالنتائج النافعة. ولنتفق أن التحفيز عامل مهم في البناء وقد يتفق معي البعض أن البيئة الهادئة وليس الرخاء له أثر تحفيزي، ومعظم التجارب الناجحة والمحاولات البشرية أتت من رحم حاجة أو ألم وليس رخاء واستقرارا؛ فالناس بطبيعتها تستكين ولا تشعر بضرورة العمل عند عدم وجود حاجة بالتالي النمو والتغيير مرتبط بالرغبة والحاجة، ويحتاج وعيا شاملا.
إنَّ حدود تكرار المشاريع الناجحة في ذات البيئة، يُحدده الجموع وليس الأفراد، ولكن التحدي يكمن في (هل سوف يستقبل الناس التجربة المكررة بنفس الإقبال والتهافت مثل المرة الأولى؟- كعوائد) لأعود إلى طرح سابق وهو أهمية التنويع الذي يصنع التكامل، ويبقي على مؤشرات الأداء نابضة وفي حركة مستمرة، ونبذ الأنانية والمثالية لأنها تأتي بمؤشر النهاية الثابت والجمود؛ ولنقل أننا إذا انتهجنا مفهوم التنويع المتكامل والدائري في اقتصادنا (الاستثماري التجاري الاجتماعي) فإننا نحتاج إلى مهارات التحليل والقراءة الصحيحة، وتميكن نوعين من الأداء، فئة العمال والطبقة التي تقرأ الصورة الكبيرة وتجميع أداء العمال لبيان وقراءة المراحل والعثرات والعجز ومكامن الحلول، لاحظوا أنني لم أذكر صناعة الحلول بل مكامن الحلول، وهذا لربطه مفهوم الفرص والتجدد، فالحل يأتي بالنهايات ونحن نريد التطوير المستمر والتجدد.
الأداء الدائري والقيادة الدائرية فرص تجريبية متاحة، لإرساء النظم والسياسات المرنة ولصناعة مفهوم جديد للشراكة وليس التمويل أو المادة أو الأداء فقط، في شركات ومؤسسات الدولة.
*****
سمو...
عجزت الكلمات وتعثرت في شكر قامة ومقام جريدة الرؤية، لكنَّ الشعورَ حبٌ وفخرٌ واعتزازٌ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف تغيّر طائرات تيكاد وسماش دراغون مفهوم القتال في غزة؟
قال شهود عيان في غزة إن الجيش الإسرائيلي استخدم طائرات مسيرة مثبت عليها سلاح لتنفيذ هجمات تستهدف المدنيين، وفقا لتقرير نشرته الإذاعة الوطنية العامة الأميركية "إن بي آر".
والأسبوع الماضي عاد الجراح البريطاني نظام محمود من عمله في مستشفى وسط قطاع غزة وأدلى بشهادته أمام لجنة في البرلمان البريطاني، وقد جاء فيها "أعتقد أن ما أزعجني بشكل خاص هو أن قنبلة تسقط على خيم مكتظة ثم تظهر طائرة مسيرة تحمل سلاحا وتبدأ بإطلاق النار على المدنيين والأطفال، والأمر المزعج أن هذا لا يحدث كل فترة بل كان يحدث كل يوم".
ومن جانبه قال الدكتور أحمد المغربي وهو جراح رئيسي في مجمع ناصر الطبي في وسط غزة إنه عالج العديد من المصابين الذين وقعوا ضحية الطائرات المسيرة القناصة.
وفي أوائل فبراير/شباط الماضي كان مجمع ناصر الطبي محط أنظار الجيش الإسرائيلي، لأنه ادعى بأن مقاتلي حماس كانوا يختبئون هناك.
وأفاد المغربي بأنه خرج في أحد الأيام مع زميلته الممرضة إلى إحدى الشرف بعد الانتهاء من عملية جراحية طويلة، ولكنهم تفاجؤوا بطائرة مسيرة تطلق النار عليهم، ولسوء الحظ أصابت إحدى الرصاصات الممرضة.
وأضاف "لقد سارعنا بنقل الممرضة إلى غرفة العمليات بينما كانت تنزف بشدة نتيجة جرح في صدرها، وبفضل الله والطاقم الطبي نجت الممرضة من الموت".
وبالمقابل قال الجيش الإسرائيلي لـ "إن بي آر" إنه لم يكن على علم بهذه الحادثة.
وقالت مراسلة الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" جوانا سامرز "إنه على مدى الأشهر السابقة، كانت الإذاعة تجمع روايات شهود عيان من غزة تدعم شهادة الدكتور نظام محمود، التي تقول إن الجيش الإسرائيلي يستخدم تكنولوجيا الطائرات المسيرة القناصة وإنهم يطلقون النار على المدنيين"، وفقا لتقرير كات لونسدورف من "إن بي آر".
وذكر تقرير كات لونسدورف أن فاطمة داما البالغة من العمر 37 عاما وهي صحفية مستقلة من جباليا في شمال غزة أرسلت رسائل صوتية إلى "إن بي آر" من منزلها في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتقول داما في إحدى رسائلها الصوتية "هذه الطائرات رباعية المراوح يسميها الكثيرون في غزة بالطائرات المسيرة الصغيرة التي تحمل سلاحا مثبتا تحتها" وتضيف "عندما أقترب من الباب للحصول على تغطية أفضل، تبدأ الطائرة المسيرة بإطلاق النار عليّ فاضطر للعودة للداخل، إنه أمر خطير للغاية".
وتذكر أيضا أن المدينة محاصرة بطائرات مسيرة رباعية المراوح ولا أحد يستطيع التحرك.
الطائرات القناصة "تكنولوجيا حرب تستهدف المدنيين"وعلى مدى أشهر، جمعت "إن بي آر" روايات أكثر من 12 شخصا في غزة يقولون إنهم شاهدوا هذه الطائرات المسيرة القناصة تطلق النار على المدنيين وتقتلهم في بعض الأحيان.
وقالت لونسدورف "ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن إسرائيل كانت حتى وقت قريب تعمل على تطبيق قانون يمنع وسائل الإعلام من الإبلاغ عن أي استخدام للطائرات المسيرة المسلحة، وهذا أمر لا يستطيع معظم الصحفيين أن يشهدوه بأعينهم".
وأضافت "إسرائيل منعت الصحفيين الخارجيين من الوصول المستقل إلى غزة منذ بدء الحرب، ورغم ذلك نحن نعلم أن تكنولوجيا الطائرات المسيرة القناصة موجودة وأن الجيش الإسرائيلي يمتلكها منذ عام 2018 من إنتاج شركة دوك روبوتيكس (Duke Robotics)".
ونشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية مقطع فيديو يُظهر تكنولوجيا جديدة، بما في ذلك جنود يتحكمون عن بُعد في إحدى الطائرات المسيرة القناصة التابعة لشركة "دوك روبوتيكس" ويطلقون النار على أهداف في ميدان رماية.
وفي عام 2021، انضمت شركة "دوك روبوتيكس" إلى الشركة الإسرائيلية "إيلبت سيستم" (Elbit Systems) خصيصا لتطوير طائرة مسيرة قناصة أصبحت تُعرف باسم "تيكاد" (TIKAD).
وفي عام 2022 أعلنت شركة "سمارت شوتر" (SMARTSHOOTER) التي يقع مقرها في شمال إسرائيل عن طائرة مسيرة قناصة تدعى "سماش دراغون" (SMASH Dragon)، وعرضت مقطع فيديو على يوتيوب يُظهر قدرات هذه الطائرة.
ولكن شركة "سمارت شوتر" نفت استخدام طائراتها من قبل الجيش الإسرائيلي، ولكن القوات الإسرائيلية أشادت باستخدام هذه التكنولوجيا في الماضي، كما أن منتجات أخرى من الشركة تُموّلها جزئيا وزارة الدفاع الإسرائيلية.
ورغم قلة التقارير التي تناولت هذه الطائرات المسيرة القناصة، فإن الناس في غزة يتحدثون عنها كثيرا، ومن الواضح أن هذه الطائرات أصبحت شائعة جدا في الحرب.
ويقول سيث جونز رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن "بمجرد وجود التكنولوجيا، فإنها نادرا ما تنطمس"، مشيرا إلى أن الطائرات المسيرة القناصة لن تختفي بل ستتطور.