ما هو ثمن الحياة غير المفحوصة؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
"من علم الناس الموت، علمهم الحياة".. فليسوف عصر النهضة ميشيل دي مونتين.
"اجعل من معرفة نفسك شغلك الشاغل، وهذا أصعب درس عليك أن تتعلمه بالعالم".. ثيرفانتيس.
"علينا أن نعدل هوياتنا بينما نمضي في الحياة".. رافينا هيلسون.
ردًا على سؤال: ما المهم بالنسبة لك اليوم؟، أجاب فليسوف التفكيك جاك دريدا: (وعي أنني أشيخ، وأنني سأموت، حياتي قصيرة، بتُ يقظًا لما تبقى لي من أيام، لم أهادن الموت حتى يومي هذا، ولا أخالني سأفعل، وهذا الوعي يملأ كل ما أفكر فيه، ما يجري في العالم بشع، جميع هذه الأمور في بالي، لكنها تسير بموازاة رهبتي من الموت).
قال سقراط أنّه لم يعرف أبدًا ما كان يجهله، ولم يخشَ الموت ذلك المجهول العظيم، ما كان يخشاه حقًا هو أن يعرف بأنّه كان على خطأ: "لا تكمن الصّعوبة، يا أصدقائي، في تجنّب الموت والهروب منه، بل تجنّب الظلم، لأنّ ذلك أسرع من الموت"، لقد رحَّبَ سقراط بالموت: "كلا، إذا كان هذا صحيحًا، دعوني أموت مرارًا وتَكرارًا.. سأكون قادرًا على مواصلة بحثي عن المعرفة الصحيحة والتمييز بينهما وبين المعرفة المزيّفة، كما في هذا العالم، كذلك في العالم الآخر، سأكتشف من هو الحكيم ومَن يَدّعي الحكمة.. يا لها من بهجة عارمة عند التحدّث مع هؤلاء ومساءلتهم"!.
يريدنا سقراط أن نعيش حياة قناعة، إنّه يوقظنا من الروتين اليومي من خلال دفعنا لإعادة النظر في حياتنا وتقييمها باستخدام أداة الفحص الذاتي، (فحص الذات هو الطريق نحو معرفة الذات). يتطلّب الأمر حديثًا صادقًا مع النفس، نادرًا ما نتوقّف قليلًا مع أنفسنا ونتأمّل حياتنا وما نريده فعلًا من الحياة، أن نتأمّل حقيقتنا وما نريد أن نكونه، أن نفكر بالفرق الذي نرغب بإحداثه في هذا العالم قبل أن نرحل عنه.
الحياة غير المفحوصة هى الحياة القائمة على قيم ومعتقدات لم نتأمّلها أو نتفحّصها من قبل، ولم نختبرها أو نعيشها بالشكل المطلوب، ولم نجرّبها بأنفسنا، وإنما هي: إما حياة التطابق الآلي (automaton conformity) والنموذج الاجتماعي الذي تفرضه الأنظومة السائدة، بحيث يتخلى الإنسان عن مثاله الذاتي الخاص ويعتنق الصورة النمطية التي تفرضها الثقافة المهيمنة، وفي ظنه أنه يعفي نفسه من أثقال المسؤولية ويلقي بهموم وجوده على أكتاف الآخرين، وإما حياة التسلطية (authoritarianism) التي تكره الإنسان على الاستغناء المطلق عن مسؤولية حياته وإخضاع وجوده كله لمشيئة الآخرين.
إن أغلب الناس يخافون عملية الفحص الذاتي، كما لو أنّ إعادة النظر في معتقداتهم وقيمهم الرئيسية وإعادة تقييمها يمثّل تهديدًا لهم، إنّ الهدف الرئيسي للفحص الفلسفي ليس النقد بالمعنى السلبي أو الانتقاد، أو أي نوع من الرفض والإقصاء والاعتراض، (الهَدف الأساسي هو الفَهم). ومع ذلك، وغالبًا ما يؤدّي مقدار أكبر من الفهم إلى إعادة التركيز وترتيب الأولويات: التخلص من الأنشطة والعادات غير الضرورية وغير المهمة وتبنّي آراء الآخرين ومعتقداتهم، أي إعادة التوازن إلى حياتنا وتغييرها بطريقة إيجابية نحو الأفضل، ونعيش بأكبر قدر ممكن من الوعي الذاتي، إنّ معرفة أنفسنا وما تمثّله تعني عيش حياة إرضاء واقتناعا، ومن خلال التأمّل الذاتي يمكننا إضفاء معنى وقيمة على حياتنا.
أمّا الحياة غير المفحوصة، ليست بالفهم العمق والمركّز للحياة، إنّها ليست توجيه إيجابي لحياتنا نحو الأفضل، ونحن ندفع ثمنًا باهظًا لعيشنا هذا النمط من الحياة، ماهو هذا الثمن؟، يحدّده سقراط فعلًا عندما يقول: "أنّ هذا النمط من الحياة، نمط الحياة غير المفحوصة، لا يستحقّ ما تدفعه من ثمن، فهو يقول ببساطة أنّ نمط الحياة هذا غير جديرٍ بأن يُعاش".
الثمن الذي ندفعه يتمثّل في حياتنا كلها، ولن ندفع ثمنا باهظا كهذا لأي شيء فيها، إن سقراط لم يَقُل أنّ الحياة غير المفحوصة لاتستحق أن ندفع ثمنًا لها، فهو يترك الباب مفتوحا أمامنا إذ أنّ هناك بعض القيم والعادات الإيجابية موجودة في أي نمط من الحياة مهما كان، مهما كانت سطحية أو بسيطة أو غير مفحوصة، قال سقراط: "إنّ هذا االنوع من الحياة غير المفحوصة لا يستحق الثمن الباهظ الذي ندفعه من أجلها - أي تكريس كل جهودنا وطاقاتنا في اتجاهات وخيارات ليست من اختيارنا شخصيًا".
إن سقراط يرى أننا يجب ألا نغلق عقولنا ونقصرها على إجابات واستنتاجات راسخة، بل أن نفتح عقولنا للأفكار الجديدة ونوسّع آفاقنا من خلال السؤال والاستجواب والجدل مع أنفسنا ومع الآخرين، عند سقراط تكمن الحكمة في معرفة ما لا نعرفه. وعندما ندرك جهلنا، نكون مستعدّين للتعلّم من التجارب ومن الآخرين، يريدنا سقراط أن نكون قادرين على الموت بسلام، مُدركين بأنّنا عشنا حياةً يَقِظة وفاضلة، وبالتالي خالية من النّدم.
يقول الباحث في الفلسفة إبراهيم قيس: فكّروا فيما إذا كان بإمكاننا أن ندّعي بثقة، كما فعل سقراط، بأنّنا سنفعل بالضبط ما كنّا سنفعله في الحياة الآخرة، إنّ عيش حياتنا بعيون مصوّبة نحو الموت سوف يقودنا إلى عيش حياة لا تخلو من هدف أو قيمة. لنتأمّل الأسئلة التالية:
هل تأخذون وقتًا لتقييم حياتكم ومعرفة ما إذا كنتم تعيشونها كما تستحق؟.
هل اخترتم حياتكم مع هدف أو غاية؟.
هل سألتم أنفسكم ما معنى أن نعيش حياةً فاضلة وطيّبة؟.
هل قضيتم أوقاتكم سعيًا وراء اشياء مادية، أو بحثًا عن الطريقة السقراطية في العيش: أن تعيشوا حياة الحكمة والفضيلة من خلال التساؤل الدائم والفحص الذاتي؟.
هل تتّبعون خلال حياتكم خططًا موضوعة مسبقًا أو إرشادات من أجل العيش، وتبنّي قيم وصلتكم عبر الزمن بدون سؤال أو إعادة النّظر فيها؟.
ما هي القيم التي تسترشدون بها والتي تضفي على حياتكم معنى وقيمة؟.
هل لديكم ثقة بالطريق الذي تسيرون عليه والذي اخترتموه لأنفسكم، ثقة متولّدة عن إعادة نظر وتقييم وفحص للذات والقيم والأفكار؟.
هل تمنعون أنفسكم عن التعلّم لأنّكم تعتقدون أنّكم تعرفون كل شيء أصلًا؟.
كيف يمكن أن تعيشوا حياتكم بشكلٍ مختلف لو اعتنقتم الطريقة السقراطية في العيش؟.
ما هي الدروس التي تعلّمتموها من أخطائكم وزلاتكم؟.
هل أنتم راضون وسعداء بحياتكم التي تعيشونها، وهل ستختارون عيش نفس الحياة مرّة أخرى في حياة آخرة إذا أتيحت لكم الفرصة؟.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: من الحیاة من خلال ما کان
إقرأ أيضاً:
الموت يفجع مصطفى شعبان.. هكذا نعى شقيقه
فُجع الفنان المصري مصطفى شعبان، اليوم الجمعة، بوفاة شقيقه الأصغر ماجد، حيث أعلن الخبر عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك"، ناعياً شقيقه بكلمات مؤثرة وداعياً له بالرحمة والمغفرة.
وكتب شعبان: "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، أنعي شقيقي الأصغر والغالي ماجد الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، أسأل الله أن يغفر له، ويرحمه، ويوسّع مدخله، ويجعله من أهل الفردوس الأعلى. اللهم اجبر قلوبنا على فراقه، وارزقنا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون".
ويأتي هذا الخبر الحزين في وقت يستعد فيه مصطفى شعبان للمشاركة في الموسم الدرامي الرمضاني المقبل من خلال مسلسل "حكيم باشا"، الذي يمثل أولى تجاربه في الدراما الصعيدية.
المسلسل من تأليف محمد الشواف، وإخراج أحمد خالد أمين، ويضم نخبة من النجوم، بينهم دينا فؤاد، سهر الصايغ، رياض الخولي، وسلوى خطاب.
View this post on InstagramA post shared by WATCH IT (@watchit)
ويُعد هذا التعاون هو الثالث بين مصطفى شعبان والكاتب محمد الشواف، بعد نجاحهما في مسلسلي "المعلم" و"بابا المجال"، بينما تعد هذه المرة الأولى التي يعمل فيها مع المخرج أحمد خالد أمين.