كيف وصلت ظاهرة "اللا إنجابية" إلى العالم العربي؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
رغم أن فكرة الإنجاب متأصلة في أذهان البشر منذ القدم، وفي جميع الكائنات الحية كوسيلة للبقاء، لكن فكرة الخلاص الفردي باتت أكثر انتشاراً مع صعوبات الحياة المعيشية والمادية مؤخراً.
وسعياً لتسهيل مهمة البقاء، تنامت فكرة "اللا إنجابية" كتوجه شبابي حديث، بالرغم من تبني العديد من الفلاسفة والعلماء لها قديماً، إذ يرى الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة أن اللا إنجابية تحمل وجهتي نظر، يتبنى فيها البعض توجه "اللا إنجابية البيئية"، والتي تنص على أهمية عدم الإنجاب حفاظاً على البيئة، وأن البشر سيسببون الضرر للكائنات الحية الأخرى.
#ضد_الإنجاب#الإنجاب_جريمة #اللاإنجابية pic.twitter.com/yxknXzJeDm
— Candela ????️???? (@Candela23691) August 28, 2023وكما يقول مطارنة لـ 24 "القسم الآخر يدعي اللا إنجابية الإنسانية"، والذين يرون فيها أن إنجاب البشر فيه مشقة وألم ومعاناة، وأن نهاية الإنسان الموت، وعادةً ما يتبناها الناس المُحبطين، والذين ليست لديهم قدرة على تحمل المسؤولية.
"اللإنجابية" عدم القدرة على تحمل مسؤوليةومن وجهة نظر مطارنة "الناس تهرب لهذه الفلسفة الوجودية، لأنها غير قادرة على تحمل أعباء الإنجاب"، لذا يفكرون في حجج تنسجم مع توجهاتهم، ويجدون فيها أنفسهم، إذ يلجأون لهذه الفلسفة، ويتخذونها مهرباً لهم.
ويكمل مطارنة: أنصار اللا إنجابية دائماً يعتبرون أن المجتمع غير آمن، ويسوغون مبررات للتعبير عن عدم قدرتهم على تحمل المسؤولية، وهذه حجج للتهرب من متطلبات الحياة.
ويشير مطارنة إلى أن "اللا إنجابيين لا يؤمنون بمعطيات الحياة الطبيعية"، ويفسر هذا التوجه "نتيجة للإحباطات المُتكررة التي واجهتهم في حياتهم، إذ يتشكل لديهم ضعف في الإيمان، ولا يملكون رؤية طبيعية للأمومة أو الأبوة".
أستاذ التربية وعلم النفس والدراسات الإسلامية محمد خليل الديسي، يعتبر أن ظاهرة الرغبة في عدم الإنجاب أو تأجيله لأجل غير محدد، انتشرت مؤخراً بين عدد لا يستهان به من الشباب.
ويقول الديسي: "الطفلة منذ إدراكها للحياة، في سنواتها الأولى تمسك بعروستها الصغيرة وتمارس معها تدريباً أمومياً سلساً، تعبيراً عن فطرة الأمومة"، ويرى أن هذه الفطرة حاضرة عند الأنثى دائماً، مُستغرباً ممن يدعون عدم الاستعداد لتحمل مسؤولية تربية طفل.
يجب التنوية من باب التوضيح والايضاح لمن يجهل المعلومة بان هناك مايعرف ب اللاإنجابية بدايتها بأنها معتقد في البوذية تطور الان واصبح توجة فلسفي . يراه الطب النفسي بنوع من انواع المرض النفسي الذي يستدعي التدخل العلاجي في ذلك ان اراد المريض المساعدة الطبية.
— محمد الشهراني (@alshahranimsa) August 29, 2023 الأمومة من غير إنجاب.. فراغ"يختلق البعض أسباب واهية لإقناع أنفسهم بها، لعدم الإنجاب" بحسب الديسي، وبالرغم من أن العديد من السيدات يعتقدن أنهن قادرات على ملء الفراغ دون أمومة، لكنه في الواقع خداع زائف وخروج عن الفطرة السليمة.
الأخطر برأي الديسي، كما يقول لـ 24،: "لم تعد الرغبة في عدم الإنجاب فكرة شخصية تراود البعض من الرجال والنساء على السواء، بل أصبحت عند البعض فلسفة وأسلوب حياة".
ويفسر الديسي رغبة البعض في عدم الإنجاب قائلاً: "حاضر صعب ومرير، ومستقبل ضبابي، يعتبرون أن عدم الإنجاب ضمن ظروف مليئة بالتحديات البيئية والاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، قراراً صائباً".
البعد التاريخي لعدم الإنجاب يعود لفلسفة قديمة، ليست وليدة اليوم أو "موضة حديثة" تم استيرادها من الغرب، وإنما كانت حاضرة في الحضارة اليونانية، وتبناها بعض الفلاسفة مثل الألماني آرثر شوبنهاور والروماني إميل سيوران.
أبو العلاء المعري.. عراب اللإنجابية وانتقلت هذه الفكرة، إلى الجنوب الإفريقي عبر دافيد بيناتار، الذي اشتهر بتأييده لمناهضة الإنجاب، وعبّر عنها في كتابه "من الأفضل ألا تكون أبداً: ضرر الوجود"، وكذلك الشاعر أبو العلاء المعري.ولدت "اللا إنجابية" في البداية بسبب الحالة الاقتصادية التي كانت تمر بها أوروبا، مع ندرة بعض المواد الأساسية، وكانت بدايةً حركة هامشية في القرنين السابع والثامن عشر، لكنها أخذت اليوم منحى آخر.
الإنجاب "مشروع استثماري ضخم"
وإذا كان تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال بالنسبة للبعض أمراً فطرياً، فإنه بالنسبة للبعض الآخر بمثابة مشروع ضخم، يحتاج إلى تفكير وتخطيط واستعداد نفسي ومادي كبير.
#اللاإنجابية
انا اريد دولة ترعاني وليس طفل أرعاه وقد لايرعاني عند الكبر
لهذا نحن في بلدان العالم الثالث نحتاج الى حكومات يمكن الوثوق بها ... عندها لن نستمر بالتكاثر كالأرانب...ولن نتزوج حتى فآخر شيء قد يرغب به الانسان العاقل هو زيادة الطفيليات في حياته وتكثير مشاكله
وبسبب تفصيلات الحياة المُعقدة، أصبح إنجاب الأطفال مرتبطاً بالترف والرفاهية بسبب تكاليف رعايتهم، ولذلك يفضل بعض الأزواج عدم الإنجاب، وفقاً للديسي.
ويذهب الديسي للحديث عن أسباب عدم الرغبة في الإنجاب من وجهة نظره، حالة الحزن والاكتئاب التي يمر بها بعض الأزواج، أو القلق من التكلفة المادية والمسؤولية التربوية.
ويضيف أن خوف بعض الأزواج من تأثير "الزائر الجديد" على حياتهم النفسية والعاطفية وحتى الجنسية، يجعلهم في صدام مع فكرة الإنجاب، إذ يرون الأزواج أن الطفل الجديد منافساً لهم في حياتهم العاطفية.
الباحث في علم الاجتماع محمد أكديد يرى أنه بعد أن كانت فكرة الإنجاب والتناسل غريزة متجذرة في الجنس البشري، طفت على السطح خلال السنوات الأخيرة ظاهرة مناقضة تماماً لهذا التوجه.
ويسمي الباحثون هذه الظاهرة كما يوضح أكديد لـ 24 بـ"رهاب الأمومة" بالنسبة للإناث، واستشعار عدم القدرة على توفير كل ما يلزم لتربية ورعاية الأبناء، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة من طعام ولباس ودواء.
ويمكن إدراج استفحال مشاكل الإنجاب بحسب أكديد، أنه "الأمر الذي نتج عنه ارتفاع نسبة الطلاق خلال السنوات الأخيرة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الأردن المغرب عدم الإنجاب على تحمل
إقرأ أيضاً:
رسائل عزت غزاوي التي وصلت
جميلة هي الرسائل الورقية بين الناس، مبهجة وكلها حب وثقة، وتؤجج الحس بالحياة داخل المرسل و المرسل له، لم يعد هناك رسائل ورقية صارت كلها الكترونية عبر شيء جامد بعقل كبير وبلا قلب اسمه الايميل، هذا ليس موضوعنا طبعا، لكن ذكره كان ضروريا لابراز حميمية رسالة الورق تلك الأيام العصيبة في حياة الفلسطينيين، أواخر الثمانينيات، وهذه الأواخر لا تعني سوى بداية الانتفاضة الأولى، 1987- 1993 حيث الدم المسفوح والغضب الشعبي الفلسطيني العارم، والبطولات، لا أتحدث عن رسائل بين العشاق، ولا بين أشخاص عاديين يرسلون رسائلهم عبر صناديق البريد العادي في بلادهم إلى أحبائهم المغتربين، أتحدث عن كاتب فلسطيني يجلس القرفصاء داخل زنزانته، الضيقة جدا، أمام الزنزانة سجان حاقد وظيفته في الحياة، الاستمتاع بتعطيل الحياة العادية لهذا المناضل.
هذا الكاتب المناضل ليس سوى الروائي الشهير عزت غزاوي، 1948-2003 والذي سيصبح فيما بعد رئيسا لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، ليس لدى عزت في زنزانته سوى قلم وورق شفاف أبيض، تم تهريبه له بطريقة ما، لا يفعل عزت في الزنزانة سوى التذكر والكتابة، تذكر ادباء فلسطين والعالم و أصحابه وزملائه في عالم الكتابة وابنائه وزوجته واحدا واحدا، وراح يكتب بحذر وصمت رسائل سماها فيها بعد (رسائل لم تصل بعد،) كانت الانتفاضة الفلسطينية في ذروتها، انتفاضة شعب قاوم بالحجارة والقضبان الحديدية وبجسده، السجون امتلأت بالمناضلين، والشهداء يسقطون بالعشرات يوميا، والاحتلال جن جنونه، فيبطش بالأطفال كما عادته والشيوخ والنساء، من ضمن هؤلاء كان الكاتب عزت غزاوي الذي وجهت له تهمة المشاركة في القيادة الوطنية الموحدة لهذه الانتفاضة الشعبية. غرق عزت في كتابة الرسائل، لم يكن هناك شيء يفعله سوى ذلك، كتب عشرات الرسائل الى العشرات من الاهل والشعراء والأصدقاء، وكانت الرسائل تتكوم لديه وتلف على شكل كبسولات، تغلق بإحكام بانتظار رفيق يوشك على التحرر لانتهاء مدة سجنه، يبتلعها الرفيق، ثم يخرجها في المرحاض في بيته حين يعود اليه، بهذه الطريقة السريالية تصل رسائل المناضلين الفلسطينيين.
لا يستطيع أي كاتب تسعيني من كتاب فلسطين خصوصا كتاب السرد أن ينكر أن كتاب عزت غزاوي (رسائل لم تصل بعد) والذي نشر أوائل التسعينيات عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لم يعصف به وبذاكرته ولم يصنع داخله أثرا لبنيته و دوائره الجمالية. على صعيد كاتب هذه السطور، أستطيع أن أحدد شكل تأثير لغة وأجواء هذا الكتاب الساحر على لغتي وأجواء اصداراتي الأولى أول التسعينيات ( موعد بذي مع العاصفة)، الشعرية الواضحة في كتابي الأول كان لشعرية كتاب الرسائل دور كبير فيها، ومنذ قراءتي لكتاب عزت وأنا مولع بالجنس الادبي( إذا صح أن نسميه كذلك )النص- الرسالة، والذي سأتعلق به وأصدر كتبا كثيرة تعتمد بنيته، وفي نقاشاتنا يعترف أصدقائي الكتاب التسعينيين، بأن لغة عزت المتفردة في نصوصه الروائية والقصصية اللاحقة قد ظلت تطاردنا وتفعل فينا فعلها الجمالي.
استحضر عزت غزاوي عشرات الشخصيات الإبداعية مثل لوركا ومحمود درويش وطاغور، حاورهم واستحضر عوالمهم وقصصهم، وسياقات حياتهم، ولعل أنضج وأكثر الرسائل تأثيرا كانت رسالته الى (كلود) الفرنسي أحد موظفي الصليب الأحمر:
أنا كلود من الصليب الأحمر.
أهلا بك.
لم أكن أتوقع مثل تلك الزيارة.
كيف أنت؟
لا أدري.
هذه هي المرة الثالثة التي أحاول فيها أن أراك، لكنهم لم يسمحوا لي.
أين نحن؟
لا تعرف أين أنت؟ نحن في ( بتاح تكفا).
كلود عزيزي: ربما تكون بقية الأحاديث أثناء زيارتك الأولى عادية جداً رغم أنها استمرت ساعتين. لا أذكر الكثير مما تحدثنا به خلال الوقت لكنني أذكر جيداً أنك قلت لي: سأبقى معك أطول فترة ممكنة. أنظر إلى السماء وحاول أن تأخذ أنفاساً عميقة. هل كنت بالفعل تدرك مدى حاجتي لذلك! لا تنس أنني كنت أحسدك على طبيعة إحساسك وأنت معي. أنت داخل السجن في زيارة قصيرة تقوم بخدمة إنسانية أحترمها كثيراً، لكن الأهم من ذلك شعورك الحقيقي بأنك ستخرج خلال لحظات وتنسى عفونة الزنازين).
تبدو رسائل غزاوي شديدة الطزاجة ( مضى على إصدارها أكثر من عشرين عاما وما زال الكثيرون يحبون استعادتها حنينا لزمن فلسطيني جميل يتوازى فيه الألم مع الشرف،) تمسكا بالطبيعة الإنسانية الني يحاول السجان نزعها من الفلسطينيين، وتأكيدا لنفسه وللعالم بأن الكتابة يمكن أن تكون ردا مناسبا على همجية السجان، تفضحه وتوثق بربريته، والاهم من ذلك أنها ترسل إشارة مهمة الى أن الفلسطينيين قادرون على أن الابداع الثقافي والحضاري الإنساني حتى لو كانت السكين تواصل حز العنق.
عزت غزاوي في سطور.
ولد لعائلة هاجرت من بلدة قاقون في فلسطين المحتلة عام 1948. درس المرحلة الإعدادية في القرية والثانوية في مدرسة عتيل الثانوية. درس الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية. عمل مدرسًا في مدارس طولكرم. نال درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة ساوث داكوثا الأمريكية. عمل محاضرًا في جامعة بيرزيت حتى رحيله. أعتقل لمدة سنتين بسبب عضويته في القيادة الوطنية الموحدة إبان الانتفاضة الأولى. انتخب أمينًا عامًا للتجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين حتى رحيله. أحد مؤسسي اتحاد الكتاب الفلسطينين، في رصيده العشرات من الروايات والقصص القصيرة والمقالات النقدية، وكان عضوًا في هيئات إدارية وثقافية إلى أن أنتخب رئيسًا للإتحاد حتى وفاته. عين وكيل لوزارة الثقافة والإعلام فبل رحيله بثلاثة أشهر. قام بترجمة كتب عالمية إلى اللغة العربية. توفي في أبريل 2003.