لم يحدث منذ العام 1948، عام إقامة الكيان الصهيوني، حتى هذه الأشهر الأخيرة، أي طوال 75 سنة، أنْ كُتبت مقالات وصدرت تصريحات من مصادر صهيونية، تناولت قرب نهاية الكيان. فقد كان السائد هو الاطمئنان على مستقبله، بل التأكد من أنه في الطريق للسيطرة على "الشرق الأوسط". وهو ما عبّر عنه مشروع شيمون بيريز في التسعينيات الماضية حول بناء "شرق أوسط جديد"، وقد راحت أمريكا بيل كلينتون تدعمه وتضع كل ثقلها وراءه.
والكثيرون صدّقوا نجاح هذا التوجه، وروّجوا له، ولعل أغلبهم، حتى اليوم، ما زالوا مقتنعين بأن الكيان الصهيوني سيعود للسيطرة شبه المطلقة، بالرغم مما واجهه من هزائم عسكرية ومن تدهور عام سمح بصدور مقالات وتصريحات من مصادر صهيونية، تنذر بقرب نهاية الكيان. والظريف أن البعض من الاتجاه الأخير أخذ يثير بأن النهاية ستكون مع اقتراب الكيان من الثمانين سنة، بعد العام 1948، عام إقامته. وكان مرجعهم يستند إلى الأسطورة التاريخية التي تزعم أن دولتيه اللتين قامتا في العهود الغابرة، لم تُعمّرا أكثر من الثمانين عاماً.
أما الحديث عن حتمية زوال الكيان الصهيوني، فانقسم من جانبنا إلى مصدرين في مرجعيته: وقد اعتمد الاتجاه الأول على التاريخ الذي يحتم زوال الدول والإمبراطوريات، مهما علت وطال بها الزمن، من جهة، واستناداً أيضاً إلى أن الاستعمار والإمبريالية والدول الكبرى التي كانت السبب في نشأته وإمداده بأسباب القوة والبقاء، فإلى زوال لا محالة، مما يحتم زواله كذلك.
الأهم الآن التوقف عند الأسباب التي راحت تستند إليها التقديرات التي تقوم حجتها على ما أخذ يسود من عوامل ووقائع حديثة راهنة، وهي التي تسمح بالقول أن نهاية الكيان الصهيوني أصبحت وشيكة، والبعض راح يؤكد أنها أقرب من أي تقدير يقول بقربها
أما الاتجاه الثاني فاعتمد على تفسير قرآني، لا إجماع حوله من جانب كبار العلماء والمفسّرين، وقد حددوا تاريخاً لذلك، ولكن المهم هنا أن النصف الثاني من القرن العشرين عرف اجتهادات إسلامية أكدت على حتمية زواله، استناداً إلى التفسير العام لصورة "الإسراء".
على أن الأهم الآن التوقف عند الأسباب التي راحت تستند إليها التقديرات التي تقوم حجتها على ما أخذ يسود من عوامل ووقائع حديثة راهنة، وهي التي تسمح بالقول أن نهاية الكيان الصهيوني أصبحت وشيكة، والبعض راح يؤكد أنها أقرب من أي تقدير يقول بقربها.
لا شك في أن ما ساد من وقائع عرفتها السنوات العشرون الماضية تسمح بهذا التقدير، وذلك ابتداء من اندحار الاحتلال الصهيوني من جنوبي لبنان، ومن قطاع غزة، في العامين 2000 و2005 على التتالي، وبلا قيد أو شرط، ثم هزيمته المدوية في حرب تموز/ يوليو- آب/ أغسطس 2006 في لبنان، كما هزائمه العسكرية في 2008/2009، و2012، و2014 في قطاع غزة، مما يُشكل مرحلة جديدة، وبأبعاد جديدة، لما كان عليه الحال العسكري في الأعوام الخمسين التي سبقتها، الأمر الذي يُتيح القول بأن حقبة التراجع والتدهور قد ابتدأت، ولا مجال إلى نكران ذلك أو عدم التوقف عنده على الأقل.
ثمة ظاهرتان لا تقلان أهمية عن الوقائع السابقة، بل أبعد أثراً، تؤكدان أن الكيان الصهيوني دخل في حقبة التراجع والتدهور، مما يشير إلى قرب النهاية، وذلك كاتجاه مستقبلي يتقارب خطوة بعد أخرى.
الظاهرة الأولى، عدم لجوئه للحرب فوراً لإنهاء قيام قاعدة مقاومة مسلحة في قطاع غزة، كما عدم لجوئه للحرب فوراً لمنع تسلح حزب الله على مستوى الصواريخ، والمجالات العسكرية الأخرى التي ظهرت لها مؤشرات لا تسمح بالسكوت عنها. وذلك كما كان الحال في الماضي الذي شنّ فيه حرباً ضد مصر عام 1956، عندما بدأت تتسلح خارج المنع الغربي، وبما قد يهدد ميزان القوى معه، وصولاً إلى حرب 1967 حيث احتل سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية ليحسم الصراع ضد حركة التحرّر العربي، حسماً بالحرب والعدوان والاكتساح، وتغيير حتى في الجغرافيا.
أما الظاهرة الثانية، فعدم لجوئه للحرب ضد إيران، وهي تتسلح وتبني محور مقاومة، وقد أنزلت القوة العسكرية الصهيونية من احتكار القوة العسكرية المتفوقة تفوقاً كاسحاً على مختلف الدول العربية والإسلامية في المنطقة؛ إلى قوة عسكرية عاجزة عن خوض الحرب المنتصرة. وذلك كما حدث في السنوات الخمسين التي تلت إقامة الكيان الصهيوني الذي اقتلع بالقوة غالبية الشعب الفلسطيني، وأحلّ مكانه كيانه الاستيطاني الاقتلاعي الإحلالي العنصري.
إن عدم لجوء الكيان الصهيوني للحروب في حسم الصراعات آنفة الذكر؛ لا تفسير له غير العجز، وفقدان اليقين من النصر، والخوف من حجم الخسائر المادية والبشرية في حالة اندلاع حرب شاملة. طبعاً هذا لا يعني عدم لجوئه للحرب لاحقاً، بل إن خطط الحرب على الطاولة أمامه ولا يمنع التنفيذ غير ما ذُكر من أسباب.
إن هذه المعادلة في ميزان القوى التي دخل فيها الكيان الصهيوني، تسمح بصدور المقالات والتصريحات الصهيونية التي أخذت تنذر بقرب النهاية، أو تذكر بأسطورة دول عبرية لم تعش أكثر من ثمانين عاماً.
هذا وثمة بُعدان آخران يضعان الحَبّ في طاحونة الاقتراب من النهاية؛ أولهما تطورات خارجية على مستوى الدول الراعية للكيان الصهيوني، وثانيهما تطورات داخلية بعضها يتعلق بالترهل والشيخوخة، وبعضها يهدد باندلاع حرب أهلية داخل الكيان الصهيوني.
صحيح أن البُعد الأول المتعلق بالدول التي أنشأت الكيان، وأمّنت له أسباب الحماية والقوة والسيطرة إلى حد جعلته الدولة المدللة في العالم، أي بريطانيا والغرب، وخصوصاً أمريكا، أخذت تفقد سيطرتها على العالم وجعلت بدورها تتراجع وتشيخ، إلاّ أنها لم تصل بعد إلى حد الانهيار، ولكنها لم تعد قادرة على أن تؤمّن له ما كانت تؤمنه سابقاً من أسباب الدعم والحماية، الأمر الذي أسهم، ويسهم، في ما حاق ويحيق بالكيان الصهيوني من ظاهرة التراجع والتدهور.
يجب أن يلاحظ هنا أن وصول الكيان الصهيوني إلى الانهيار لا يشترط انهيار الغرب تماماً، وإنما حدوث توازن دولي أو حالة دولية في صراع الدول الكبرى تتيح وصول الكيان إلى الانهيار، يكون أفضل من هيمنة صينية روسية مطلقة، بدلاً من الهيمنة الأمريكية- الغربية. وهذا ما سيحدث في المدى المنظور، ومن الصعب التكهن من الآن كيف ستكون معادلة الوضع الدولي في حينه.
أما التطورات الداخلية، فتتلخص ببعدين: الأول الدخول في الحياة الاستهلاكية الغارقة في الترف، وكسب المال، وألوان الانحطاط المسلكي، وهبوط مستوى القيادات، أي الانتقال من "مجتمع" "التقشف والطلائعية" و"كل شيء من أجل الحرب"، إلى "مجتمع" الرفاه والفسوق.
أما البُعد الداخلي الثاني فتمثل باندلاع الصراع بين المتدينين "التوراتيين" الذين يشاركون في حكومة نتنياهو، وفي تأمين أغلبية برلمانية لها، ويسعون لإلغاء "الدولة العميقة"، والنظام العلماني الحداثي المغطى، في الوقت نفسه، بتبني الأسطورة التاريخية لإقامة الكيان الصهيوني الذي قام منذ 1948. هذا الصراع يحمل في داخله طبيعة عدائية تقتضي غلبة طرف على آخر أو دحره تماماً، الأمر الذي جعل عددا من قادة الكيان الصهيوني ينذرون بأن هذا الصراع ذاهب إلى الحرب الأهلية، ووصل الأمر بالبعض إلى توقع الانقسام إلى دولتين، إحداهما على الشاطئ، والأخرى في الداخل حيث المستوطنات في الضفة الغربية ما بعد احتلال 1967.
إلى هنا تكون هذه المقالة قد أشارت إلى مسوغات المقالات والتصريحات الصهيونية التي تحذر من اقتراب نهاية الكيان الصهيوني، وهي مسوّغات جديّة يحب أت تؤخذ بعين الاعتبار. وهذا من دون إبراز البُعد المقابل المتنامي للمقاومات الفلسطينية والإسلامية (وأحرار العالم)، وذلك من ناحية السرعة في تشكل الشرط الضروري لهدم الجدار حين ينخره التآكل الذاتي الداخلي، وعوامل الاهتراء والانهيار، ومتغير موازين القوى، ولهذا بالطبع حديث آخر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصهيونية الانهيار إسرائيل انهيار الصهيونية أزمات تنبؤات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی
إقرأ أيضاً:
رعب الجبهة اليمنية يتواصل .. “الكيان” ينهار بين مخرجات “الهدنة” والتزاماتها وفاتورة تفجيرها
يمانيون../
تأكيداً على استمرارية الرعب الصهيوني من الجبهة اليمنية وتداعياتها التي ما تزال حتى اللحظة تنخر في الكيان الإسرائيلي، أكدت صحيفة عبرية أن عودة الحرب والحصار على قطاع غزة ستعود بضربات اقتصادية قاصمة على العدو، في إشارة إلى المخاوف الكبيرة من عودة العمليات اليمنية التي تأخذ مسارات عدة لضرب الاقتصاد الإسرائيلي بحراً وجواً وبراً في العمق المحتل، خصوصاً وأن وسائل إعلام العدو ما تزال حتى اللحظة تغطي تهديدات القائد ومآلاتها ومخاطر تجاهلها.
ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تقريراً حديثاً، حذرت فيه من مغبة العودة إلى التصعيد في غزة ونكث الاتفاق، مؤكدةً أن ذلك سيؤدي إلى مزيدٍ من الانهيارات الاقتصادية، وتراجع العدو إلى تصنيفات متأخرة على السلم الاقتصادي والائتماني الدولي والعالمي، بالإضافة إلى انهيارات جديدة للاقتصاد في “يافا – تل أبيب” مع أول بدايات التصعيد، ما يؤكد أن تهديدات اليمن بضرب عمق العدو فور معاودة عدوانه على غزة، قد صارت تشكل رادعاً قوياً ورعباً مدوياً للعدو.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” تصريحات لمن أسمته “مصدر رفيع المستوى في القطاع الاقتصادي”، قال فيها إنه تحدث مع مسؤولي شركات تصنيف الائتمان الكبرى المعنية بالتصنيف الدولي للقوى الاقتصادية الدولية، وأبلغوه أن “عودة الحرب ستؤدي بلا شك إلى زيادة القلق بشأن خفض التصنيف مجددً، في ظل التوقعات الحالية السلبية بالفعل، ويتعين على إسرائيل التفكير في تبعات ذلك على الاقتصاد والموازنة إذا ما عادت الحرب الآن”.
وأضاف “لم أسمع أنا فقط عن هذا القلق، بل أيضًا كبار المسؤولين في الحكومة وفي القطاع الاقتصادي سمعوا في الأسابيع الأخيرة عن المخاوف المتعلقة بتداعيات تجدد الحرب على تصنيف الائتمان، إذا ما انتهت الهدنة ولم يتم اتخاذ قرار بتمديدها”، في إشارةٍ اليقين التام الذي ينتاب قادة القطاع الاقتصادي الصهيوني بقدرة جبهات المقاومة إلى خلق نتائج كارثية أكثر وطأة على اقتصاد العدو، عكس ما كان في السابق عندما كان يتم التحريض على استمرار الحرب والحصار على غزة وتجاهل تداعياتها؛ ظناً من العدو وأجنحته الداخلية أنهم قادرون على تجاوز التهديدات والتبعات، قبل أن يجدوا نفسهم في مأزق اقتصادي غير مسبوق في تاريخ الكيان الغاصب.
اليمن كـ”تهديد” رئيس وردع يحاصر الإجرام
وتابعت يديعوت أحرونوت نقل تصريحات مصدرها التي قال فيها إن “الجهات الدولية الكبيرة، بما في ذلك شركات تصنيف الائتمان، حذرت بشكل صريح من أن تجدد القتال في غزة سيعيد الصواريخ إلى سماء إسرائيل، سواء من غزة أو اليمن أو ربما من لبنان والعراق وحتى إيران”.
وبالنظر لهذا التصريح فإن المخاوف الكبيرة المذكورة هنا هي من الجبهة اليمنية، حيث وأن جبهة الشمال متوقفة باستمرار اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان وكيان العدو، فيما الجبهة العراقية كانت قد أعلنت خفض التصعيد بجانب الجبهة الإيرانية، ولم يتبق سوى الجبهة اليمنية التي ظلت تضرب حتى فجر الـ19 من يناير الفائت، أي قبل دخول الاتفاق في غزة حيز التنفيذ بساعات قليلة، فضلاً عن تجدد التهديدات اليمنية على لسان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الأخير، والتي أكد فيها أن اليمن سيعود لضرب العدو بشكل مركّز في “يافا” إذا ما أقدم العدو على شن عدوان جديد على غزة، أي أن المخاوف الصهيونية ومخاوف المراقبين من تداعيات عودة الحرب، سببه الرئيس مخاطر الجبهة اليمنية، وما قد تحمله معها من صفعات أكثر إيلاماً على العدو الصهيوني.
وتضيف يديعوت أحرونوت نقلاً عن مصادرها “سيغادر رجال الأعمال وشركات الطيران المنطقة بسرعة، وسيتذكر العالم أننا منطقة حرب، مما يجعل الاستثمار فيها أمرًا محفوفًا بالمخاطر، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تبعات”، وهنا تأكيد جديد على أن المخاوف تتركز بشكل كبير على تداعيات الجبهة اليمينة التي أكدت أنها ستعود بسرعة كبيرة لضرب العدو فور نكث الاتفاق، خصوصا “يافا – تل ابيب”، ولذلك تأتي التحذيرات من أن الإفرازات الكارثية لعودة التصعيد ستبدأ من “يافا” وليس من غلاف غزة أو مغتصبات الشمال، ما يؤكد أن الجبهة اليمنية باتت الهاجس الأكبر والتهديد الأعظم الذي يحيط بالكيان الصهيوني ويحاصر إجرامه.
وتشير هذه التصريحات التي قالها مسؤولو شركات التصنيف الائتماني، إلى وجود قناعة تامة بأن عودة الحرب على غزة يعني تعرض العدو الصهيوني لضربات اقتصادية، غير تلك الناتجة عن الانفاق العسكري الهائل أو العجز المتواصل في الموازنة، حيث يمثل الحصار البحري اليمني والضربات الصاروخية والفرط الصوتية في العمق المحتل طعنات كبيرة لمفاصل العدو الصهيوني الحيوية والاقتصادية.
وقد أثبتت إفرازات المرحلة الراهنة، أن الحصار البحري أدى لتعطل قطاعي الصادرات والواردات بشكل كبير وارتفاع أسعار الشحن البحري إلى كيان العدو، فضلا عن الأزمات التموينية جراء عزوف شركات الشحن عن التعامل مع العدو، وهو ما انعكس سلباً في ارتفاع الأسعار وتعطل إنتاج الشركات العاملة التي تعتمد على مدخلات الإنتاج الخام القادمة من شرق آسيا، وكذلك تضرر قطاع الإنتاج التكنولوجي بشكل كبير، حيث أصبح يعاني شبح التقهقر المتسلسل بعد أن كان يمثل عصب اقتصاد العدو ومصدر ربع عائداته الضخمة.
كما أن العمليات في يافا وحيفا ومختلف المناطق العسكرية الحيوية التي تطالها الصواريخ البالستية والفرط صوتية اليمنية، تقود إلى عزوف جماعي للاستثمار وأصحاب رؤوس الأموال، وكذلك تسفر عن ترنح حركة النقل الجوي، ما يخلق حصاراً مزدوجاً على العدو، خصوصاً وأن الشركات العاملة في التكنولوجيا الفائقة التي كانت تعتمد على النقل البحري لمدخلاتها من الرقائق وغيرها، لجأت للنقل الجوي كحل مبدئي، ما جعل من أزمة النقل الجوي التي رافقت استهداف مطار بن غوريون وتكثيف العمليات على يافا، سداً منيعاً أمام عمل تلك الشركات التي يعتمد عليها العدو الصهيوني بشكل رئيس في رفد اقتصاده.
وفي هذا السياق أيضا، ما تزال أصداء تهديدات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تتردد في الإعلام الصهيوني، حيث نشرت القناة الـ12 الإسرائيلية الثلاثاء، ما ورد في خطاب القائد الأخير بشأن الاستعداد الكبير لضرب العدو بشكل فوري ولحظي إذا ما عاد لمربع التصعيد، فيما نشر موقع “ماكو” ومجلة “إيبوك” الاسرائيليين تقريرين، اليوم، سلطا الضوء على مآلات تهديدات القائد إذا ما تم اختراق الاتفاق في غزة، وهو الأمر الذي يؤكد أن الردع اليمني بات جامحاً للغطرسة الصهيونية وهاجساً لدى دعاة الحرب.
بين مجريات “التهدئة” وتداعيات إشعالها.. العدو منهار ومحتار
وبالعودة إلى تقرير “يديعوت أحرونوت” فإن هناك قلق كبير من عودة الحرب على غزة، كون ذلك سيؤدي حتماً إلى نتائج سلبية وكارثية على الاقتصاد “الإسرائيلي”.
وقالت الصحيفة في التقرير إن “عودة الحرب في قطاع غزة، تفتح الباب أمام تخفيض آخر لتصنيف الائتمان لإسرائيل، هذا ما خلص إليه كبار المسؤولين في القطاع الاقتصادي الذين تحدثوا في الأيام الأخيرة مع خبراء اقتصاديين في شركات تصنيف الائتمان الدولية”.
ولفتت إلى أن “وقف الحرب قد يساهم في إلغاء التوقعات السلبية بشأن تصنيف إسرائيل، وبالتالي قد يؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني في المستقبل، لا سيما مع تحسن المؤشرات الاقتصادية في إسرائيل، مثل العجز في الموازنة ونسبة الدين إلى الناتج المحلي”، في حين أن هذا التحسن الذي تحدثت عنه الصحيفة كان طفيفاً للغاية وناتجاً عن توقف العمليات العسكرية سواء التي تنطلق من الجبهة اليمنية أو التي تنطلق من العمق الفلسطيني في غزة أو الضفة، وقبلها الجبهة اللبنانية التي أنهكت الكيان الغاصب.
يشار إلى أن العدو الصهيوني وقطاعاته الاقتصادية تخشى تصنيفاً ائتمانياً سلبياً جديداً، ذلك لما لهذه التصنيفات من تأثيرات كبيرة تقود لاعتبار الكيان الصهيوني وجهة خاسرة لأي استثمار أو تنمية، خصوصاً وأن المراحل السابقة شهدت قيام كبريات شركات التصنيف الائتماني المعروفة دولياًُ “موديز، ستاندر أند بورز، فيتش”، بوضع تصنيفات العدو الصهيوني في خانات سلبية، وذلك في ثلاث مرات، في حين ما تزال هذه الشركات تعلن – بشكل غير رسمي – أنه ما يزال لديها توقعات سلبية بسبب تدهور المؤشرات الاقتصادية لدى العدو الصهيوني، على الرغم من توقف الجبهات.
وفي هذا السياق ذاته نشرت وسائل إعلام صهيونية أخباراً أكدت أن شركات التصنيف الائتماني قد تتجه إلى إعلان تصنيف ائتماني سلبي جديد، على وقع التدهور الاقتصادي الحاصل في ظل وقف اطلاق النار من جميع الجبهات. أي أن عودة التصعيد من جديد فعلاً ستعود بنتائج كارثية وغير مسبوقة على العدو، خصوصاً وأنه قد بات منهكاً للغاية وغير قادر على احتمال مزيداً من الضربات.
ولفتت إلى أن شركات التصنيف بعثت رسائل طمأنة للمستثمرين بأنه حال الحصول على وقف دائم لإطلاق النار في غزة فإن ذلك سيعود بنتائج اقتصادية إيجابية تدريجياً، في حين أن أي عودة للتصعيد ستحيل العدو إلى بيئة غير صالحة للاستثمار، وهو ما سيفقده المزيد من المراتب الاقتصادية رغم أن تصنيفه الأخير كان متدنياً وجعله متساوياً مع دول ضعيفة كـ “كازاخستان وبيرو”، بعد أن كانت التصنيفات السابقة قبل “الطوفان” تجعله في مصاف القوى الاقتصادية الكبرى فئة “A”.
ووفق هذه المعطيات، بات العدو الصهيوني حائراً وقد دخل في تآكل ذاتي دون القدرة على تجاوز هذه الحالة، فهو ينهار اقتصاديا وسياسيا بشكل متدرج في ظل الهدنة وتوقف عمليات جبهات المقاومة والإسناد، في حين أن تفجير المعركة ليس حلاً مع الترصد والاستعداد المناهض الذي تعد له الجبهتين الفلسطينية واليمنية، والذي يتضمن عمليات مميتة بعد أن أصبح كيان العدو خاوياً ومريضاَ للغاية، وبين هذين الحالين يظل العدو الصهيوني ومفاصله الاقتصادية والحيوية وحتى مفاصله السياسية الداخلية، في تقهقر مستمر، ليكون الخيار الوحيد والأمثل هو شروع العدو في مغادرة غزة بشكل نهائي ودائم، وتفادي ما يقود لأي انفجار في “الضفة” أو “الشمال”، وكل ذلك يتحقق بكامل شروط المقاومة العادلة والمشروعة والمحقّة.
نوح جلّاس. المسيرة