قمَّة «بريكس» التي عُقدت في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا (22ـ24 أغسطس 2023م) تُعدُّ محطَّة انطلاق فعليَّة لنظام عالَمي جديد. هذه المجموعة التي تأسَّست رسميًّا في روسيا عام 2009م بالإعلان عن تأسيس نظام عالَمي ثنائي القطبيَّة، وضمَّت أهمَّ خمسة اقتصادات عالميَّة صاعدة هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والتي تُشكِّل 40% من نسبة السكَّان حَوْلَ العالَم، ورُبع مساحة اليابسة.
يتحدث البروفيسور ريتشارد وولف أستاذ الاقتصاد الأميركي بشكلٍ واقعي عِندما يحذِّر الولايات المُتَّحدة من هذا الواقع العالَمي الجديد، وتهافُت الدوَل للانضمام إلى مجموعة «بريكس» رغبة في الانعتاق من الهيمنة الأميركيَّة والنظام الأحادي القطبيَّة، وعَدَّ وولف أنَّ الواقع الدولي سوف يفرز نظامًا عالميًّا جديدًا، كما يُلقي باللوم على بلاده بسبب ممارساتها الاستعلائيَّة مع دوَل العالَم الثالث وأسلوب القرصنة والسَّطو على أموال الدوَل دُونَ وجْه حقٍّ. وما ذكَره وولف في الحقيقة هو واضح للعيان منذ أن تصدَّرت الولايات المُتَّحدة المشهد العالَمي أعقاب الحرب العالَميَّة الثانية، ولكنَّ أميركا ما زالت تعوِّل على قُدْرتها في إحداث توازن مع التحَوُّلات الدوليَّة بالنظر إلى قُدْراتها العسكريَّة والاقتصاديَّة ونطاقها السِّياسي حَوْلَ العالَم واستمرار نفوذها. لكنَّ تلك السِّياسة الأميركيَّة التي اعتمدت العصا والجزرة وممارسات واشنطن السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة هي السَّبب الحقيقي في تآكل صُورتها وتململ المُجتمع الدولي من قيادتها الأحاديَّة، وهذا الواقع لا يزيد دوَل العالَم إلَّا إصرارًا على الانعتاق من هذا النظام العالَمي أحادي القطبيَّة وهو ما يحدث الآن.
الوعي العالَمي ـ لا سِيَّما في دوَل الجنوب ـ يرتكز على حقيقة واحدة تقول إنَّ عالَمًا أحادي القطبيَّة لَمْ يؤسِس للعدالة الدوليَّة، وهو نظام لا ينبغي أن يستمرَّ في قيادة العالَم، وبالتَّالي هو مُعرَّض للسقوط متى ما توافر البديل المناسب. وبالفعل فإنَّ شواهد الظُّلم والطُّغيان جاوزت الحدود منذ الحرب العالَميَّة الثانية واستخدام القنابل الذريَّة، مرورًا بالكثير من التدخُّلات العسكريَّة حَوْلَ العالَم، واستخدام البَند السَّابع، وقضيَّة العقوبات الاقتصاديَّة المستمرَّة حتَّى اليوم، هو ما شكَّل حالة الرفض لعالَمٍ أحادي القطبيَّة، والبحث عن نظام أكثر أمنًا وعدالةً وتوازنًا في العلاقات الدوليَّة. وهنا برز الحراك السِّياسي الاقتصادي لمجموعة «بريكس» التي تشقُّ طريقها لتشكيل نظام عالَمي جديد مُتعدِّد الأقطاب.
المُسكِّنات الاقتصاديَّة الأميركيَّة التي يزمع أن تقَدَّمَ عَبْرَ قمَّة مجموعة العشرين أو قمَّة أميركا مع دوَل الآسيان أو قمَّة السَّبع الصناعيَّة الكبرى «خطَّة مارشال جديدة» كُلُّها لَنْ تُغيِّرَ من الواقع العالَمي الرافض للأحاديَّة القطبيَّة، وهذا التغيُّر في المناخ السِّياسي الدولي بدأت بوارقه تلمع بشكلٍ متصاعد لتشكيل نظام دولي جديد.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العال م نظام ا التی ت الدو ل
إقرأ أيضاً:
مقررتان أمميتان: نظام قضائي إسرائيلي تمييزي بالضفة يسمح بتعذيب الفلسطينيين
قالت مقررتان أمميتان إن النظام المزدوج للمحاكم الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة يوفر غطاء قانونيا للتعذيب والمعاملة القاسية ضد المحتجزين الفلسطينيين، ويجعل مهمة الدفاع عنهم "مستحيلة".
جاء ذلك في بيان مشترك أصدرته مارغريت ساترثويت المقررة الأممية الخاصة لاستقلال القضاة والمحامين، وفرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وذكرت الخبيرتان الأمميتان أنه "في الضفة الغربية المحتلة، تناط مهام الشرطة والمحقق والمدعي العام والقاضي إلى نفس المؤسسة الهرمية: الجيش الإسرائيلي".
وأشارتا إلى أن "الأمر العسكري" -الذي ينظم الشؤون التنفيذية والأمنية والنظام العام والقضاء في الضفة- يضع تعليمات إجرائية غامضة وصلاحيات واسعة للقوات العسكرية لتدير الإجراءات والسيطرة على الكثير من جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين بما في ذلك الصحة العامة والتعليم وقانون الأراضي والممتلكات.
كما يجرم الأمر العسكري الإسرائيلي العديد من أشكال التعبير السياسي والثقافة وتكوين الجمعيات والحركة والاحتجاج السلمي ومخالفات المرور، وغير ذلك من أفعال يمكن اعتبارها وسيلة لمعارضة الاحتلال وسياساته، وفق البيان.
وشددت الخبيرتان على أن تلك الإجراءات العسكرية "توفر للقضاة العسكريين في المحاكم العسكرية غطاء قانونيا وقضائيا لأعمال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة التي تقوم بها القوات المسلحة وأجهزة المخابرات ضد المحتجزين الفلسطينيين، وتجعل الدفاع عنهم مستحيلا".
وقالتا إن ضمانات المحاكمة العادلة والعلنية -بموجب المعايير الدولية- تشمل استقلال المحاكم وحيادها، وتتطلب عدم اعتماد النظام القضائي على السلطة التقديرية لأي فرع للحكومة وخاصة السلطة التنفيذية والقوات المسلحة.
وأضافتا أن "النظام المزدوج للمحاكم الذي أنشئ في الضفة الغربية المحتلة، في انتهاك للقانون الدولي، أدى إلى تعزيز شرعية الاحتلال والمستوطنات غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال نظام عقوبات صارم مفروض عسكريا ولا يُطبق سوى على الفلسطينيين بدون ضمانات تطبيق الإجراءات الواجبة.
وأعربت الخبيرتان الأمميتان عن قلقهما بشكل خاص "لتعرض الأطفال الفلسطينيين لهذا النظام" الذي قالتا إنه "يغض الطرف أيضا عن عنف المستوطنين وإجرامهم بما يؤدي إلى استمراره والإفلات من العقاب".
ودعت الخبيرتان إسرائيل -باعتبارها القوة الفعلية القائمة بالاحتلال- إلى "إلغاء الأمر العسكري والقوانين واللوائح ذات الصلة، وحل المحكمة العسكرية، وضمان الحق في محاكمة عادلة في الضفة الغربية المحتلة".
وبالتزامن مع حرب إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، صعَّد جيش الاحتلال ومستوطنون اعتداءاتهم بالضفة بما فيها القدس الشرقية، مما أسفر عن استشهاد 556 فلسطينيا وإصابة 5 آلاف و300، واعتقال 9 آلاف و465، وفق جهات فلسطينية رسمية.