«.. وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا..»
يأتون بالمجرم الذي ثبتت عليه الجريمة، ويضعونه في مسرح الجريمة، ويأمرونه أن يتتبع الأحداث خطوة خطوة منذ بدء تنفيذها إلى نهايتها، وكيفية استخدام السلاح ـ مثلًا ـ وكيفية التلويح بإصبعه بزناد القتل وهكذا بالتفصيل الواقعي الدقيق.
فإن ذلك يجعل من المجرم يتأثر تأثّرًا عميقًا يحتمل أن يؤدي به إلى التوبة والاتعاض، فضلًا على إفادتهم (أي: محققو الجنايات) خبرة بحيثيات تنفيذ الجرائم، للتحرز من وقوعها مستقبلا في المجتمع.
ولعلهم عرفوا أم لم يعرفوا أن ذلك ما فعله نبيهم يوسف (عليه السلام)، فقد هيأ لهم مسرح جريمتهم، ووضع معالم تنفيذها، فأصعدهم عليها ليعيدوا مسرحية ما فعلوه بيوسف من تفريط وتغريب مع أخيه بنيامين، ووضع صواع الملك في رحله ليتهموه بالسرقة كما اتهموه بالسرقة.. فعادت عليهم ويلات الأب تمامًا كما كانت وقت جريمتهم الأولى.. كل تلك المشاهد والآلام المصاحبة لها عادت إليهم من جديد لتهز نفسياتهم من داخلها وتفتح الجروح طرية غضة، وكل مجرم يعلم أنه أذنب، فلما أعيد لتمثيل ذنبه تأتيه صدمة مصحوبة بالندم فوق تكابره عليها. إنّ هذا علم متقدم جدا وعميق جدا داخل في براثن علم النفس.. ألم تعلموا الآن مدى قوله تعالى:(نحن نقص عليك أحسن القصص)؟ ومدى تربيته ليوسف (وكذا باقي رسله) والعلم الذي آتاه (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذاك نجزي المحسنين)؟ كل ذلك يعزز يقيننا بالله العظيم وقرآنه الحكيم، وأنبيائه المعلمين البارعين.
سامي السيابي
فريق ولاية بدبد الخيري
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً: