أوكرانيا تسترد قرية تفتح الطريق صوب القرم.. ما أهميتها؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
منذ نحو شهرين، تستعر المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية في قرية روبوتين، التي أعلنت كييف السيطرة عليها أخيرا، في تطور ذكرت أنه ينطوي على أبعاد استراتيجية، تتمثل في فتح الطريق نحو شبه جزيرة القرم.
والأربعاء، قال وزير الخارجية الأوكراني، ديميترو كوليبا، إن السيطرة على قرية روبوتين "تفتح الطريق" جنوبا باتجاه القرم.
وكانت الجيش الأوكراني أعلن قبل أيام استعادة السيطرة على قرية رابوتين في مقاطعة زابوريجيا جنوبي البلاد.
ولم تعلق وزارة الدفاع الروسية رسميا على هذه التصريحات. في المقابل، أفاد المراسلون العسكريون الروس بأن القتال مستمر في ضواحي روبوتين ، واصفين الوضع بأنه "الوضع صعب" و"حرج".
معارك منذ شهرين
وتشهد رابوتين قتالا منذ نحو شهرين حتى أصبحت واحدة من أكبر المعارك في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
فعبر هذه القرية الصغيرة، يقع الطريق المؤدي إلى مدينة توكموك ذات الأهمية الاستراتيجية في جنوبي البلاد.
ومما يزيد من أهمية رابوتين هو أنها تقع على خط المواجهة للدفاع الروسي.
قبل بدء الحرب، كان يعيش في القرية مئات الأشخاص فقط، ومع ذلك، تقع القرية على بعد 20 كيلومترا من توكموك، التي تعتبر مركز نقل ذي أهمية استراتيجية.
خطوات على طريق القرم
وبحسب المحللين العسكريين والميدانيين، أنه في حال تمكنت القوات المسلحة الأوكرانية من السيطرة على هذه المنطقة، فمن المحتمل أن تذهب بعدها إلى ميليتوبول وتحاول الاقتراب من شبه جزيرة القرم.
وقال مسؤول موال لروسيا في مقاطعة زابوريجيا إن المعلومات التي تتحدث عن سيطرة القوات الأوكرانية على روبوتين غير صحيحة وإن المعارك هناك مستمرة.
وكانت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار أعلنت قبل يومين أن القوات الأوكرانية استعادت روبوتين.
وبحسب كييف، تحاول القوات الأوكرانية التقدم جنوبا، مشيرة إلى أن المعارك مستمرة في الاتجاه الجنوب الشرقي لروبوتين.
وقالت حسابات عسكرية إن القوات المسلحة الأوكرانية تمكنت أيضا من التقدم إلى قرية فيربوفو المجاورة، والتي تقع على بعد أقل من 4 كيلومترات من خط التماس.
الهدف التقدم جنوبا
وتسعى القوات الأوكرانية بعد استعادة روبوتين استكمال هجومها على الجبهة الجنوبية واستعادة مجموعة جديدة من الأراضي والبلدات من القوات الروسية.
وكانت السلطات الموالية لروسيا قبل نحو أسبوع أعلنت أنها تواجه معارك عنيفة في تلك المنطقة، وأنها تتمركز في وسط القرية.
وقال الأسبوع الماضي أحد المسؤولين الموالين لروسيا في زابوريجيا إن قرية روبوتين سويت بالأرض، بفعل المعارك الشرسة التي تجري هناك. وإن الدمار فيها كبير وضخم.
وتقول نائبة وزير الدفاع ان القوات الأوكرانية تواصل تقدمها بعد السيطرة على روبوتين.
وتشهد المناطق المحيطة بروبوتين معارك قاسية. تحاول القوات الأوكرانية التقدم، وتحاول من جهة أخرى القوات الروسية الحفاظ على مواقعها وتقوية خطوطها الدفاعية على تلك الجبهة.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات روبوتين روبوتين روسيا وأوكرانيا القوات المسلحة الأوكرانية القوات الأوكرانية روبوتين روبوتين شبه جزيرة القرم أوكرانيا روسيا روبوتين روبوتين روسيا وأوكرانيا القوات المسلحة الأوكرانية القوات الأوكرانية روبوتين أزمة أوكرانيا القوات الأوکرانیة السیطرة على
إقرأ أيضاً:
مفارقة التقدم العلمي
في مقالنا السابق، عبرّتُ عن حاجتنا العاجلة إلى مراجعة علاقتنا بالأنظمة التقنية وآلية تفاعلنا معها بما تحمله من تأثيرات يمكن أن تخرجَ المجتمعات الإنسانية عن نمطها الإنساني السليم، ونستكمل في مقالنا الحالي شيئا من هذا التوجّس الرقمي الآخذ في التقدّم السريع الذي يطرق أبواب وعينا؛ لنعيد تحديد بُوصلتنا الإنسانية وفقَ أطرها العقلانية ومبادئها الأخلاقية؛ إذ ترسّخ في قاموس معارفنا أن التقدّم العلمي والتقني يمثّل تجسيدا لانتصار الإنسان على الجهل والمرض والعوز، ولكن مع هذا التقدم تتضاعف مشكلاتنا الوجودية بلباسها الجديد التي تهدد استقرار الإنسان النفسي والاجتماعي، وتنشأ تساؤلات تتعلق بالتقدم العلمي والتقني وضريبته التي تدفعها المجتمعات الإنسانية -رغم كل الفوائد الناتجة- فكيف يمكن أن يكون للتقدم العلمي وجه مظلم؟ ولماذا نشعر بالضياع والقلق كلما اقتربنا أكثر من تحقيق «الحلم التقني»؟
قبل عقود ماضية، كان الإنسان يرى في التقدّم وسيلةً للخلاص والتطوّر المحمود؛ حيثُ وضع آماله على التقدّم العلمي في إيجاد حلول لمشكلاته الكثيرة منها إطالة عمره، وتحسين صحته، وتخفيف أعباء العمل، وبات كثير من هذه الأمنيات حقيقةً واقعية؛ فأصبح متوسط عمر الإنسان أطول، والأمراض أقل فتكًا، وأصبحت الآلات تؤدي الكثير من المهام الشاقة. لكن في المقابل، زاد التقدمُ العلمي الفجوة النفسية والاجتماعية؛ فتقلصت مستويات السعادة، وزادت معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر وفقدان المعنى والشغف؛ فارتفعت معدلات الجريمة والانتحار.
كان يفترض أن تمنحنا التقنية مزيدًا من الوقت للراحة والتأمل، ولكنها -في بعض حالاتها غير الموزونة- جعلتنا عالقين في دوامة لا تنتهي من الإدمان الرقمي، والمقارنات الاجتماعية، وانعدام المعنى؛ فبدلًا من تحقيق الراحة المنشودة، أصبحنا عبيدًا للهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل المستمر دون انقطاع. كانت المجتمعاتُ الإنسانية التقليدية قائمةً على أنظمة اجتماعية وثقافية مستقرة تمنح الإنسان إحساسًا بالهوية والانتماء، ومع تطوراتنا العلمية، قادت العولمة الرقمية والتقدم التقني إلى تفكيك هذه البنى؛ لتجعل الفرد يشعر بالعزلة والاغتراب رغم تضاعف الارتباط بين المجتمعات الإنسانية في العالم بسبب النشاط التقني وانتشار وسائله التواصلية، ولكن في المقابل، باتت هذه المجتمعات وأفرادها أكثر تفككًا من الناحية العاطفية؛ فتهاوت القيم الأخلاقية وضعفت المكتسبات العقلية والمعرفية العميقة، وتحولت الحياة إلى سباق مفتوح من الاستهلاك والتطوّر المستمر بلا هوادة؛ ليفقد الإنسان أهم تساؤل فطري ينبغي للعقل البشري أن يثيره: لماذا؟
سبق أن وصفتُ الإنسانَ الحديث بالإنسانِ الرقمي؛ لاقترانه الكبير بالتقنيات الرقمية التي قرّبته من معارف كثيرة -رغم سطحيتها- لم يكن من السهل بلوغها مع زمن سابق يندر فيه مثل هذا الاقتران الرقمي، ورغم كل الوسائل التقنية المتاحة له، نجده يعاني من شعور دائم بأنه ضائع في متاهات الحياة التي تؤرقه بمستجداتها الفاتنة ذات المعايير المثالية، ولم تعد هناك حقائق مطلقة؛ إذ تراجعت الفلسفة أمام العلم مفتوح المصادر، وتحولت الأسئلة الوجودية العميقة إلى قضايا «لا عملية» لا تحظى بالاهتمام ولا تثير دهشة العقل، والأدهى أن يفقد الإنسان ذاته ومعنى وجوده؛ فكيف -حينها- يمكن لإنسان أن يعرف عن عالمه الفيزيائي المحيط فيما يكون عاجزًا عن فهم ذاته ومعنى وجوده؟
مع ظهور الذكاء الاصطناعي وتسارع تطويراته، اتسعت هذه المفارقة وضاقت حلولها؛ فبعد أن أخذت الظنونُ بالإنسان بأنه الكائن الأذكى في الوجود والأجدر في فهم قواعد الحياة -دون منافس- وحل ألغازها، يجد نفسَه الآن في مواجهةٍ مع كياناتٍ اصطناعية ذكية تتجاوزه في مستويات التفكير واتخاذ القرارات والإبداع؛ ليبرز السؤال المهم: أما زلنا مميزين؟ وهل سيفقد الإنسان قيمته في عالم تسيطر عليه الخوارزميات الذكية؟ تصل بنا حتمية واقعنا الحالي إلى نتيجة مفادها أن التقدّم في الذكاء الاصطناعي ومشتقاته مثل الروبوتات الذكية وأنظمة التواصل الرقمية ليس مجرد إنجاز علمي، ولكنه بمنزلة التحدي الوجودي الذي فرض واقعه علينا بكل ثقل؛ ليعيد الإنسانُ صياغةَ مفهوم المسائل الوجودية ومشكلاتها الجديدة؛ فسبق أن أسس الإنسانُ تقدمَه على فكرة تفرّده بالعقل ومركزيته الوجودية؛ فإذا فقد هذه المَيزة لصالح الذكاء الاصطناعي، فما الذي سيبقى له؟ مثل هذه الأسئلة، لم تكن تطرح إلا في الفلسفات القديمة على سبيل المنحى الفلسفي النظري الذي لا يعوّلُ على واقعٍ ملموس وقطعي؛ لتصبح اليوم قضايا عملية يمكن أن تحدد مصيرنا مجتمعاتٍ وأفرادًا.
كل ما سقناه في الأعلى من تأملات تخص مفارقة التقدّم العلمي؛ فإنها لا تسوّق حصر المشكلة في التقدم العلمي بحد ذاته، ولكن في آلية استعمالاتنا للتقنيات المصاحبة للتقدم العلمي واستيعابنا لضرورة تحقيق التوازن بين الممارسة الرقمية والممارسة الإنسانية بجميع أبعادها؛ فينبغي أن تكون التقنية أداةً لخدمة الإنسان، لا سجنًا يفرض عليه أنماطَ حياةٍ غير طبيعية. نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة تواكب هذا التقدّم وتعيد التوازن بين العلم والروح المنسية في زحمة التطوّر العلمي غير المحكم والموزون وبين المادية والمعنى وبين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي. نحن بحاجة إلى إعادة تعريف النجاح والتقدّم؛ فلا يقاسان بمعدلات النمو الاقتصادي أو الاكتشافات العلمية فحسب، ولكن بمقدار ما يضيفانه إلى حياة الإنسان من سلام داخلي وتوازن نفسي. علينا أن نتريّث قليلا قبل كل خطوة نخطوها نحو التطور التقني؛ لنسأل أنفسنا: أهذا التقدم يجعلنا أكثر سعادةً، أم أنه سباقٌ مجهول النهاية؟ إن المفارقة الحقيقية ليست في التقدم ذاته، ولكن في عدم قدرتنا على استعماله بحكمة؛ فالتقنية، كما قال الفيلسوف الألماني «مارتن هايدغر» ليست مجرد أدوات، وإنما طريقة جديدة لرؤية العالم، وإن لم نتحكم في هذه الرؤية ومساراتها؛ فإننا نجد أنفسنا في عالم متقدم تقنيًا، لكنه خالٍ تمامًا من الروح والمعنى الذي سنفقد بسببه مغزى الوجود والتقدّم المفيد.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني