خبير اقتصاد رقمي: التغيرات المناخية تهدد استمرار الحياة على كوكب الأرض
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
أكد الدكتور علي محمد الخوري، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، أن العالم يشهد موجات حرارة غير مسبوقة منذ بداية فصل الصيف من عام 2023، تُعد الأعلى في تاريخ الكرة الأرضية خلال العصر الحديث، تعود أسبابها إلى التغيرات المناخية الناتجة عن الانبعاث المفرط للكربون في الغلاف الجوي.
وقال إن هذه الأحداث المناخية تثير حالة من الهلع والخوف لدى المجتمعات الإنسانية، من أن تؤدي درجات الحرارة القياسية وظروف الجفاف، في انتشار حرائق الغابات والفيضانات وآثار بيئية حادة، مما أدى إلى ارتفاع أصوات المجتمع العلمي والدولي للمطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الكربون، والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، للتخفيف من الآثار المدمرة المحتملة للاحتباس الحراري.
وبحسب خبير الاقتصاد الرقمي، فإن التقارير العالمية تشير إلى أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض يتزايد بشكل متسارع، مع حدوث معظمها في العقود القليلة الماضية، وارتباطها المباشر بالأنشطة البشرية، وفي المقام الأول استخدام الوقود الأحفوري، فقبل الثورة الصناعية، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون حوالي 280 جزءاً في المليون، ووصلت مستوياته بحلول عام 2021 إلى ما يقرب من 415 جزء في المليون، وهو أعلى مستوى له منذ 800 ألف عام على الأقل.
استمرار الزيادة في درجات الحرارةويرى المجتمع العلمي أن استمرار هذه الزيادة في درجات الحرارة قد تؤدي إلى مجموعة من الآثار الكارثية على البيئة والنظم البيئية والمجتمعات البشرية، كالتسبب في الفيضانات والأعاصير والعواصف، وموجات الحر والجفاف الأكثر تواتراً وشدة، والتأثير على الحياة البحرية والنباتية والحيوانية وفقدان التنوع البيولوجي، وتدمير ملايين الهكتارات من المحاصيل حول العالم، فضلاً عن الآثار الضارة على صحة الإنسان كتفشي الأمراض والأوبئة والمجاعات الشديدة في المستقبل القريب.
تأثير تغير المناخ على جنوب شرق آسياوأكد ان صندوق النقد الدولي كشف عن حجم الآثار الخطيرة لتغير المناخ على دول جنوب شرق آسيا، وتوقع انخفاضاً بنسبة 11% في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في السنوات المقبلة إذا ظلت أزمة المناخ خارجة عن السيطرة. وبينت دراسة أخرى أجرتها مجموعة (Versk Maplecroft) المتخصصة في تحليل المخاطر والقضايا البيئية، عن احتمال وصول الخسائر في هذه الدول إلى 35% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.
وتوضح التقارير بأن تغيرات المناخ قد تؤدي إلى نكسة اقتصادية في هذه البلدان ونزوح جماعي محتمل وارتفاع أنماط الهجرة إلى الخارج، مع لجوء الملايين إلى الدول الأكثر ثراءً، بما في ذلك دول منطقة الخليج العربي - التي تستضيف حالياً ما يقرب من 25 مليون عامل من آسيا - وهو ما قد يضع هذه الدول أمام تحديات مختلفة ستمثل ضغوط اقتصادية مرهقة وأمنية واجتماعية في الوقت نفسه.
معالجة أزمة المناخ: توصيات السياسةوأشار من الواضح بأنه لم يعد أمام صانعي السياسات سوى التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للتحديات التي تواجهها، خاصةً أزمة المناخ وتأثيرها المحتمل على معدلات الهجرة. وينبغي هنا العمل على عدة مسارات إجرائية. تأتي في مقدمتها إعطاء الأولوية لتطوير وإنفاذ السياسات التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون، ويشمل ذلك الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتعزيز كفاءة الطاقة، وتشجيع الممارسات المستدامة في القطاعات الصناعية.
المسار الذي يليه مرتبط بتعزيز مستوى التأهب للكوارث والمرونة. فالاستثمار في تدابير التأهب للكوارث والقدرة على الصمود يمكن أن يخفف من تأثير الكوارث المناخية، وذلك يتطلب تخصيص الموارد لبناء البنية التحتية التي يمكن أن تصمد أمام الظواهر الجوية المتطرفة ووجود آليات الاستجابة الفعالة للكوارث.
المسار الاستراتيجي الآخر متعلق بتعزيز التعاون الإقليمي، والذي يستوجب تطوير نهج شامل لمواجهة تحديات الهجرة الناشئة عن تغير المناخ. ويمكن أن يشمل ذلك مبادرات مشتركة للتنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، واستراتيجيات التكيف مع تغير المناخ.
وأكد في هذا السياق، لا بد للدول خاصةً دول الخليج التخطيط الاستباقي للتعامل مع التوترات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة المصاحبة للهجرة الناجمة عن تغير المناخ. فتبني السياسات المستدامة والتطلعية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والقدرة على مواجهة هذه الأزمة العالمية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأزمة العالمية دول الخليج الاقتصاد الرقمي التغيرات المناخية كوكب الأرض تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.