الغرب سيدفع ثمناً باهظاً لتجاهله الساحل الإفريقي
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
حذر وزير الخارجية البريطاني الأسبق وليام هيغ، من أن الوضع المتوتر بمنطقة الساحل الإفريقي بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر في يوليو (تموز) الماضي، يهدد الاستقرار في أوروبا ويتطلب توفير الأمن والاستثمار والتعليم لتلك المنطقة.
يجب توفير التعليم وخاصة للنساء إلى جانب ضخ الاستثمارات في القطاع الخاص
وكتب هيغ في مقاله بصحيفة "ذا تايمز" أن الدول الغربية ستدفع ثمناً باهظاً إذا لم تولِ هذه المنطقة الاهتمام اللازم، مشيراً إلى أن الغرب كان قد ترك هذه المنطقة لفرنسا، كونها الدولة الاستعمارية السابقة، على افتراض أن لديها الخبرة الكافية للتعامل معها، لكن باريس التي اعتمدت الحل الأمني والعسكري فقط تقريباً، حققت نتيجة كارثية، وقررت العام الماضي وقف تدخلها.
وقال: "رأينا في الأسبوع الماضي أنه حتى لو كنت أمير حرب لا يرحم وذا نفوذ عالمي وموارد ضخمة، فلا يزال من الممكن أن تتعرض للخديعة وأن تغتال بصورة تصعق الألباب"، في إشارة إلى مقتل بريغوجين، زعيم فاغنر، مبدياً أسفه لأن هذا الحدث لن يغير المسار الحالي للحرب في أوكرانيا، كما يؤكد أيضاً أن الإطاحة ببوتين أمر بعيد المنال إلا إذا تمرد الجيش الروسي ضده.
حزام الانقلاباتأما أكثر ما يُثير القلق نتيجة مقتل بريغوجين فهو ما يدور على بعد آلاف الأميال عبر مساحة شاسعة من شمال إفريقيا والمعروفة باسم الساحل. هناك، صار مرتزقته فاغنر الشريك المفضل لعدد متزايد من الطغم العسكرية فيما أصبح يُعرف بمسمى "حزام الانقلابات" في القارة.
“The West will pay a heavy price if we ignore the Sahel” - wise words in the wake of Wagner and recent assassinations. Share token. https://t.co/SGASBsbIx7
— Homunculus ???????????? (@tryingattimes) August 29, 2023وتابع هيغ: "هيمنت الأوضاع في روسيا وأوكرانيا والصين وإيران على الشؤون الخارجية في الفترة الماضية وحتى وقتنا الحالي، أما مستقبلاً، فستتحول أنظار أنظار العالم تجاه منطقة الساحل".
تشمل تلك المنطقة كل من مالي وموريتانيا والسنغال والنيجر وتشاد والسودان وبوركينا فاسو، إلى جانب أجزاء من بلدان أخرى، ويواجه سكانها أحلك الظروف التي تعرفها البشرية.. حيث يعاني عشرات الملايين من فقر مدقع، يقاسون الأمرين في مناطق متاخمة للصحراء التي تتسع رقعتها دون توقف نتيجة تغير المناخ.. وفي العام الماضي، سجلت نصف الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العالم في تلك المنطقة.
النيجر أعلى معدل خصوبة عالمياًتتمتع النيجر، التي أُطيح برئيسها المنتخب في انقلاب عسكري الشهر الماضي، بأعلى معدل للخصوبة على هذا الكوكب.. ومن المتوقع أن يصل السكان البالغ عددهم 26 مليوناً حالياً إلى 67 مليون نسمة بحلول عام 2050.
أعظم فرصة للتنمية البشريةوتمثل منطقة الساحل أعظم فرصة للتنمية البشرية والنمو الاقتصادي -فالنيجر، على سبيل المثال، غنية باليورانيوم ويمكنها توليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع- ولكنها تشكل أيضاً خطراً كبيراً على الدول الغربية.. ومن دون الاستقرار في منطقة الساحل، ستتكاثر الجماعات الإرهابية ونتيجة لذلك سيشهد العالم أكبر موجات للهجرة عرفتها الإنسانية.
وحتى وقت قريب، كانت منطقة الساحل مصدر قلق محدود بالنسبة للغرب، ذلك أن باريس كانت تسيطر على الأمور في هذه المنطقة.. وكانت العلاقات الاستعمارية القديمة تعني أن الفرنسيين هم أدرى الناس بشعاب المنطقة ويعرفون كيفية إدارة دفة الأمور بها.. وفي العقد الماضي، كانت فرنسا بالفعل على قدر المسؤولية عندما تصاعد العنف في جميع أنحاء المنطقة، حيث أطلق الرئيس ماكرون "عملية برخان" التي نشر بموجبها 5000 جندي فرنسي لمكافحة الإرهاب.
ومع اعتماد العملية على القوة العسكرية بشكل مفرط من دون أن تصاحبها جهود لتعزيز الحكم ومؤسسات الدولة، أصبحت فرنسا الآن محط استياء شديد في مختلف أنحاء المنطقة بسبب فشلها في هزيمة الجماعات العنيفة، وإقامة تحالفات مشبوهة وإيلائها القليل من الاهتمام لأوضاع عامة السكان.. وفي هذا الفراغ، تحركت شبكة فاغنر، فجنت من ذلك الأرباح والموارد الطبيعية لروسيا واكتسبت الخبرة القتالية في بلدان تاهت دفة الأوضاع فيها على غير هدى.
الأزمة أكبر من فرنساوكما أثارت العواصم الغربية إعجاب العالم في الشأن الأوكراني، فمن الضروري، حسب ويليام هيغ، أن تتضافر جهودها وأن تتوحد كلمتها في إستراتيجية جديدة بشأن منطقة الساحل، وعليها كذلك التخلي عن الافتراض بأن فرنسا قادرة على التعامل مع الأزمة بمفردها.
وأكد هيغ أن هذه الإستراتيجية ينبغي أن تشمل توفير التعليم، وخاصة للنساء، إلى جانب ضخ الاستثمارات في القطاع الخاص ودعم المجتمع المدني والحكم الديمقراطي.. كما ينبغي أن تشتمل المساعدة الأمنية على دعم تلك الأهداف على المدى الطويل، بدلاً من القيام بعملية سريعة لمكافحة الإرهاب.
ومن شأن ذلك أن يمثل شراكة حقيقية، بدلاً من سلب خيرات البلدان الفقيرة من قبل مرتزقة لا يهتمون بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو التنمية.. ويمكن أن تحظى مثل تلك الإستراتيجية بالمصداقية إذا ما دعمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بأكمله، وفق هيغ.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني منطقة الساحل الأفريقي انقلاب النيجر منطقة الساحل
إقرأ أيضاً:
الأردن: نموذج الاستقرار والصمود وسط أزمات المنطقة
#الأردن: نموذج #الاستقرار و #الصمود وسط #أزمات_المنطقة
بقلم: أ.د. #محمد_تركي_بني_سلامة
في منطقة تعصف بها الأزمات والاضطرابات، يبرز الأردن كواحة استقرار ونموذج فريد يعكس قوة الإرادة الوطنية والحكمة السياسية. في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية التي هزّت أركان العديد من الدول، استطاع الأردن أن يبقى صامداً، متماسكاً، وقادراً على مواجهة التحديات بأدوات الحكمة والمرونة، ليؤكد أنه وطن يصنع التميز في زمن الأزمات.
لقد أثبتت المؤسسات الأردنية على مدار العقود الماضية أنها العمود الفقري للدولة. هذه المؤسسات التي تأسست على أسس من الكفاءة والشفافية، تلعب دوراً محورياً في حماية الوطن وضمان استقراره. ليست مجرد أدوات إدارية، بل منظومة متكاملة تعكس عمق التلاحم بين القيادة والشعب. وعند كل منعطف خطير، تتدخل هذه المؤسسات بحزم لدعم المواطنين وضمان أمنهم وسلامتهم. هذا النهج يعكس بوضوح أن الأردن يمتلك منظومة قادرة على التكيف مع المتغيرات، وهو ما جعل الوطن أقوى وأكثر استقراراً رغم التحديات الإقليمية والدولية.
من أبرز ما يميز الأردن هو وحدته الوطنية الراسخة. فالنسيج الوطني الأردني يمثل نموذجاً يُحتذى به في التلاحم والتعايش بين مكونات المجتمع المختلفة. الإسلاميون في الأردن، على سبيل المثال، ليسوا مجرد جزء من النسيج الوطني، بل يشكلون قاعدة صلبة للأمن والاستقرار، يسهمون بفاعلية في حماية الوطن والحفاظ على وحدته. هذا التوازن الفريد بين مختلف الأطياف، والذي يصعب تحقيقه في كثير من دول المنطقة، هو أحد أسرار قوة الأردن. ففي حين تشهد بعض الدول تحوّل الإسلاميين إلى عوامل اضطراب، أثبت الأردن أن الحوار والشراكة الوطنية هما المفتاح الحقيقي لتحقيق الاستقرار والتنمية.
مقالات ذات صلة عائلة طبيب أردني اعتقلته سلطات الاحتلال تطالب بعودته 2024/12/22التحديات التي تواجه الأردن ليست قليلة، لكنها تُقابل دائماً بإرادة صلبة ووعي جمعي. الشعب الأردني، بمختلف أطيافه، يدرك تماماً أن قوته تكمن في وحدته، وأن استقرار وطنه هو الأساس لبناء مستقبل أفضل. في كل أزمة يمر بها الوطن، يثبت الأردنيون أنهم على قدر المسؤولية، قادرون على تحويل التحديات إلى فرص للنمو والتطور.
من الظلم مقارنة الأردن بأي دولة أخرى في المنطقة. ففي وقت تعاني فيه بعض الدول من انهيار مؤسساتها وتفككها بسبب التدخلات الخارجية أو الانقسامات الداخلية، يظل الأردن نموذجاً فريداً في التماسك والصمود. هذا الوطن، يمثل قصة نجاح تستحق أن تُروى للأجيال.
الأردن ليس مجرد وطن؛ إنه حكاية عزيمة وصمود. رايته ترفرف بشموخ رغم كل التحديات، وأرضه تقف شامخة وسط منطقة تعصف بها العواصف. هذا الوطن الذي يضيء بنوره الطريق لكل من يبحث عن الأمل والاستقرار، سيبقى رمزاً للصمود والوحدة، نموذجاً للإرادة الوطنية التي لا تعرف الانكسار.
إن الأردن اليوم هو رسالة واضحة للعالم: أن الأمن والاستقرار لا يصنعان فقط بالقوة، بل بالحكمة، بالعدالة، وبإيمان الشعب بوطنه. سيبقى الأردن منارة للإنسانية في منطقة تغلب عليها الصراعات، حكاية وطن كتبها التاريخ بحروف من نور، وراية عز ستظل مرفوعة في وجه كل الرياح.