رغم تعدد المسؤوليات تبقى الإنسانية واحدة
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
بقلم : حسين المحمداوي ..
تتعدد مسؤوليات الناس وتكبر الأهداف والغايات والطموحات وتزدحم جداولهم بالأفكار والمشاريع والمواعيد فيضيعون في الزحمة ولا يجدون الوقت للقيام بالأعمال الإنسانية التي هي الباقية كما في قوله تعالى ( والباقيات الصالحات ) لأنها في الحقيقة هي الأصل فاللذة زائلة والعطش والشبع يجيئان ويذهبان والكلمات تتغير والأموال مهما جمعت تنفق بطريقة ما وأحياناً تترك للورثة ليتنعموا فيها دون أن يتذكروا صاحبها وحتى إن تذكروه فبسرعة ثم ينسونه ويطوى وينشغلون بحياتهم ومشاكلهم وأطماعهم وأهوائهم ويغيبون في موجات متتالية من الرغبات والمطامح وتغيب عنهم الذاكرة فلا يتذكرون سوى ما يريدون أن يتحقق لهم في الغد فالماضي بالنسبة لهم أمر زائل والمستقبل هو الحقيقة .
أعرف البعض من الأشخاص المحترمين الواثقين من أنفسهم وإمكاناتهم وما يهدفون إليه فينجحون ويتفوقون ويشار لهم بالبنان ويتحولون إلى نموذج للنجاح يقتدي بهم الناس ويضعونهم نصب أعينهم ليتعلموا منهم دروساً في الحياة والكفاح والإنسانية والصبر على المصاعب والتحديات حتى تتحقق الأهداف ويصلون إلى النتيجة المرجوة التي هي غاية في بعض الأحيان ومحطة يعبرون منها إلى غيرها في أحيان أخرى . هؤلاء تعبوا وإجتهدوا ووصلوا وصاروا عنواناً للتفوق ومناراً يهتدي به الراغبون في الوصول إلى غاياتهم السامية التي ما أن تتحقق حتى تكون نتيجة طبيعية للإجتهاد والسعي والمثابرة التي بها يصل المثابر إلى الموقع الذي يستحق في مجال عمله ووظيفته أو في علاقاته الإنسانية لأنه جزء من مجتمع متحرك يراقب كل صغيرة وكبيرة وربما ينصب نفسه رقيباً على أعضائه وربما تجنى عليهم وربما إستسلم للعادات والتقاليد والصيغ التقليدية للحياة والتي لا تريد أن تذهب إلى المستقبل لأنها أسيرة للماضي ولحكاياته وتقاليده وأشكاله التي أصبحت ذكرى .
الدكتور عقيل مفتن نائب رئيس اللجنة الأولمبية رئيس إتحاد الفروسية رئيس مؤسسة مالية وعديد من المناصب والمواهب وحامل الشهادة العليا والمسؤوليات المتعددة ما يزال لم يتغير في طبيعته وإنسانيته وتواضعه الجم الذي يتحرك من خلاله في المجتمع فيحب الناس ويحبونه ويعبر عن ذلك بطرق متعددة وأساليب تتلائم ومكانته وثقافته ورغبته في عمل الأشياء الجيدة فيساعد الناس لأنه لا يريد أن يرى أحداً ضعيفاً مهزوماً ويفعل ذلك بطرق مختلفة فيشعر بالراحة إنه يقدم المساعدة لأي أحد ليغادر حالة الضعف ويحقق الهدف المنشود ويعود لحياته الطبيعية ويبتعد عن الحزن والإنكسار ولا يعود يشعر بالإحباط والهزيمة ويكون لديه رغبة ليواصل الحياة كما هي ويبتكر الأساليب المختلفة ليصل إلى نتائج إيجابية على الدوام ويؤمن إن الحياة شكل من أشكال التحدي وليست مجرد عبور إلى مكان آخر وهذا اسلوب الدكتور عقيل مفتن إنه يريد أن ينجح ويريد للآخرين أن ينجحوا لأنه كما هو سعيد بنجاحه فيريد أن يكتمل ذلك النجاح بسعادة الآخرين في نجاحهم وقيامهم بدورهم الإنساني وأن يصلوا إلى غاياتهم النبيلة والمشروعة .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
ربما لأنه هدف سهل!
معاوية الرواحي
وتستمر الظاهرة الرقمية الجديدة! كما تستمر الحياة، وكما يمضي الوقت، ونعيش نحن الذين في الأربعين غربةً تكشفُ لنا غربة من قبلنا، عندما عاشوا في زمانٍ غير زمانهم، وعرفوا أن السنن الجديدة معبَّاة بالغربة، والاختلاف، وتغيير ماهية المعايير، والطبيعي، والمنطقي، بل وأحيانا، في عصر الدماء والحروب، الإنساني! نحن لا نعيش في زمانٍ عادي، على كل الأصعدة، أصعدة اليمين واليسار العالميين، أصعدة التناقض البشري الهائل، أصعدة الحروب التي تُعاقب فيها بعض الدول، وتُسامح فيها بعض الدول الأخرى، وكأن الدماء لها ملصق تسعير، يحدد إنسانيو العالم أسعارها كما يحبون ويشاؤون.
أمام كل هذا الاحتدام العالمي، تبرز تلك الظواهر الجانبية التي أصبحت رئيسيةً من فرط قوة معتنقيها، قضايا الصوابية السياسية العالمية، وجمهور الضحالة والتفاهة، النابذ للمعرفة، والعلم، والتفكير النقدي، جيل التكتوك والرقص من أجل المشاهدات، جيل التصوير العمودي، والذي إن وجه للخارج نزع السياق وحول الحكاية إلى لحظة، جيل التسعين ثانية والمشاهد البصرية السريعة، جيل الملل، وكراهية القراءة، وبمعونة الصناعة، والهواتف، والمنصات التي تساعدك على إدمان التصفح المرئي القصير، فرض هذا الجيل شروطه على المنتج الرقمي، فحدث لدينا ما حدث من شيء اسمه هذا العالم الذي نعيش فيه، وهذه الظاهرة الرقمي التي نشتكي منها.
وإنه لسؤال محيّر حقا، بأي أداة يمكنك أن تتصدى لهذه التفاهة؟ فهي ظاهرة عالمية، ولا تقتصر على بلادٍ دون أخرى؟ ما الحل حقا؟ لأن ظاهرةً أخرى رديفة أيضا موجودة في عصرنا الحالي، لكنها ليست حديثة مثل أجيال (الفرفشة) والسطحية، وإنما هي مستمرةٌ ضمن استخدام الواقع الرقمي (الجاد للغاية) والذي ينتظر من العالم أن يقدم لها ما يناسب عينيه، وكأن الأدب توقف، وكأن السينما توقفت، وكأن الإبداع البشري يتأثر بهؤلاء الذين يتعاملون مع معطيات الزمن الرقمي الحديث، وما حملته ثوراته الصناعية. لم يتوقف الإبداع، ولم يعدم العالم ذلك (المحتوى) الذي يجد فيه المهتم بالتفكير النقدي والحقائق بغيته.
يظن البعضُ أن إصلاح العالم يحدث بصناعةِ العبر، وهذا متفهمٌ للغاية في سياقات كثيرة، إلا في سياقٍ واحد فقط، عندما يتعلق الأمر بصانع محتوى يصفه أحد النخبة بالتافه. يمتلئ الواقع الرقمي بعشرات النماذج التافهة، والشرسة، والعدوانية، والمتنمرة، هُنا ترتكس الجموع من كهنة الوعي العميق لتفكر في خطوتها القادمة، فما الذي يجعل إنسان يتعرض لصانع محتوى شرس، مليء بالشرور، يُسمى في الرائج من تسميات الأجيال الجديدة (جلادا) وتُردد في تعليقات منصاته كلمة (اجلدهم يا فلان) هذا لا يستحق طبعا تأنيبا عامَّا، ولا يستحق أن تتحرك الجموع الصوابية ضدَّه، لأنه هدف صعب، وقادر على الدفاع عن نفسه.
ولكن ماذا عن الهدف السهل؟ ذلك الإنسان الطيّب زيادةً عن اللازم؟ هنا تتحرك الظاهرة الرقمية الرديفة، صناعة العبر، وتحطيم البشر، واندفاع جموع هائلة من الناس كانت تنتظر السانحة لكي تصبَّ جام لومها للعالم على شخص واحد، وكلما كان هذا الإنسان (على نيّاته) كان من الأسهل على من هبَّ ودبَّ أن يطلق العنان لمعوله، وسهل على النصال أن تنطلق مصوبةً إلى ذاتِه، ووجوده، فحرية التعبير مشروطة ليست بالقانون، وإنما أيضا مشروطة بالتفضيلات الشخصية، فما هو كوميدي تافه بالنسبة لزيد، وضحل بالنسبة لعمر، أما ما هو مؤذٍ (وجلاد) ويسيّس، ويثير النعرات، وطائفي، هنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح، لأن الهدف السهل موجود، ولأن الهجوم على شخص واحد كفيل بصناعة الإشباع الشخصي الذي يجعل إنسان يعبر عن رثائه للمعنى في هذا العالم بالانتقاص والتهكم من إنسان حقَّا لم يكن يفكر يوما بطريقة التهجم، والفعل، ورد الفعل!!
ربما لأنه هدف سهل، ضحيةً أخرى من ضحايا الصوابية التي تُنصر بالتطاول، ولم لا؟ فالكياسة يستحقها أشخاص آخرون، الذين تحسب حسابًا إن تعرضت لهم، الذين سيستغلون منصاتهم للدفاع عن أنفسهم، بشراسةٍ مضادة، وأيضا يستخدمون المقاربة الرائجة، يحاول البعض أن يجعل منهم عبرةً فيختارون عبرةً مضادةً من هذه الجموع، وعلى من تقع القرعة؟ هنا تتراجع الجموع المندفعة، ولا سيما تلك التي تريد أن ترمي بزجاجها الحاد فقط بعد أن تطمئن، هذا شرطٌ بشري فادح، وهذا ما يجعل هجومًا جماعيا رقميا مستساغا، ومباحا، ومتاحا، فقط لأنَّك أمنت ردة الفعل، ولهذا يسقط الطيبون، يفترسون رقميا بكل شدَّة ممكنة، لأنهم هدف سهل، لن يختار عبرةً مضادة، أمَّا الذي يعرف لغة الشر، والأذى، والتنمر، والتحطيم، أو ما يسمى (جلادًا) فسيعرف كيف يدافع عن نفسه، وكيف يعترك الشر بالشر، مؤسف هذا العالم عندما تنقلب الصوابية إلى انتقاء لا يسد الذرائع، وإنما هو إشباع آخر آثم، لا يختلف عن إزاحة البعض لضيقه من الحياة ليحوله على فريق رياضي، وليهنأ شجعان الصوابية بهدف جديد وراء آخر، وعندما يصنع من هذا الزخم إنسانٌ غاضبٌ، ساخطٌ جاهز لرد الصاع صاعين، وقتها ستغادر هذه الجموع إلى هدف سهلٍ آخر، وهكذا دواليك، تستمر الظاهرة البشرية، كالظاهرة العالمية، كالظاهرة الرقمية في هذا العصر الذي أصبح كامرةً عموديةً توجه للآخر كسهم، وتوجه للذات كمرآة.
مقاربات كثيرة يمكنها أن تعيد توازن صناعة المحتوى، مقاربات إبداعية، وتحتاج إلى أشخاص لديهم سعة البال، والإيمان بالآخر، والتعاطف مع أحلامه، واحترام حريته، ونسج الخيارات أمامه، مقاربات بنَّاءة كثيرة تختلف عن التأنيب، والتقريع، والتنمر، والإلغاء، مقاربات لا نهاية لها، مرمية في أرصفة الفنون، والنقد، ولكن لم إنفاق الوقت في تنمية تجربة إنسان آخر، تحطيمه يكفي، وصناعة عبرة منه تكفي، لأنَّه هدف سهل، وهذا يكفي لكي نعبر عن أسوأ ما فينا تجاه إنسان نعرف جيدا أنه لا يملك من الشر ما يكفيه للدفاع عن نفسه! زمان عجيب نعيش فيه، ولعلنا سنرى الأعجب في رجبٍ أقرب!
رابط مختصر