يغوص جمال الغيطاني في كتابه "نجيب محفوظ.. يتذكر" في بحر تاريخ تستند ظهورنا عليه اليوم، ولولاه كان الفراغ، بأسلوبه الساحر يسرد الكاتب حالة غربة دالة عن علاقة تنبت ثمارها كلما ذكرت.

كتاب مشحون بمعان تلاشت مع مرور الوقت أو تبدلت لضدها، من السطر الأول من الكلمة الأولى نشعر بعمق معنى الصداقة من جانب ومن آخر معنى نظرة الإكبار التي ينظر بها الغيطاني وهو يكتب عن الأستاذ.

في البداية يقول:"أتهيب الكتابة عن شخص نجيب محفوظ، قد أكتب عن أعماله، ولكن الحديث عنه يلفني برهبة مع أن نجيب محفوظ هو أقرب الأدباء الكبار إلى جيلي وإلى نفسي".

ويحكي الكاتب الكبير جمال الغيطاني عن أديب نوبل مباشرة يقول: "كنت ألتقي به في بداية الستينات في الطريق الذي يسلكه من بيته في شارع النيل إلى عمله بمبنى التلفزيون، وأذكر أنني أعطيته أول قصة نشرت لي في يوليو 1963 بمجلة الأديب اللبنانية، كان عنوانها "زيارة" وفي اليوم الثاني مشينا في الصباح الباكر فوق كوبري قصر النيل، وهو يبدي لي رأيه تفصيلا ــ أي أن أديب نوبل قرأ القصة وكون رأي فقط في سواد الليل وهذا اهتمام بالغ ـ أذكر ملامحه وقتئذ، كان مشيه أسرع، وخطاه أنشط، أما جسده فلم يكن قد ضمر بعد بسبب مرض السكر اللعين". كان ذلك في القاهرة 16 يونيو 1980.

وتحت عنوان "الطفولة" يسرد الغيطاني بلسان حال "محفوظ" مرحلة طفولته يقول:"عندما أرحل بذاكرتي إلى أقصى بدايات العمر، إلى الطفولة الأولى، أتذكر بيتنا في الجمالية شبه خال، أنجب والدي من قبلي 6 أشقاء، جاءوا كلهم متعاقبين، أربع إناث وذكرين، ثم تتوقف والدتي عن الإنجاب لمدة تسع سنوات، ثم أجئ أنا، عندما وصلت إلى سن الخامسة كان الفرق بيني وبين أصغر أخ لي خمس عشرة سنة، البنات كلهن تزوجوا تقريبا فيما عدا واحدة لا أذكر أي شئ عن حياتها في البيت، أما شقيقاي قد تزوجا بالفعل، أحدهم دخل الكلية الحربية وسافر للخدمة في السودان،.. لهذا، لا أتذكر في البيت إلا والدي ووالدتي، لا أذكر أي إنسان آخر شاركنا البيت إلا الضيوف".

ويستمر الحكي الساحر إلى أن يصل محفوظ إلى "الثلاثية" الشهيرة، و"بداية ونهاية"، و"في خان الخليلي" من خلال واقعه يقول: لهذا تلاحظ دائما أصور في كثير من أعمالي علاقات أخوة بين أشقاء، وهذا نتيجة لحرماني من هذه العلاقة، يبدو هذا في الثلاثية، في بداية ونهاية، وفي "خان الخليلي"، لم أجرب هذه العلاقة في الحياة الحقيقية، كنت دائما أنظر إليها كشئ محرم أو مجهول، كنت أتمنى أن تكون لدي نفس العلاقات بين أصدقائي الإخوة".

   يأتي بعد هذا عنوان "اللعب" هكذا في المطلق يصدره الغيطاني، ومع القراءة يعلم حجم الدلالات التي يطلقها هذا العنوان البسيط.. البسيط جدا، أسفله يتذكر الأديب الكبير نجيب محفوظ "اللعب" ولكن بطريقته الخاصة يقول: طبعا البيت يرتبط في ذاكرتي دائما باللعب، خاصة السطح، فيه مجال كبير للعب، فيه خزين، بط، فراخ، كتاكيت صغيرة، زرع في أصص، لبلاب، ريحان، ثم السماء الفسيحة، كنا نسكن بيتا مستقلا، أو بالمعنى الدارج، بيت من بابه، ومن الممكن أن تطلق عليه "بيت رأسي" بالمعنى الحديث، كل طابق كان يحتوي على حجرة صغيرة وأخرى كبيرة، ثم أخيرا السطح، كنا أيضا نلعب في الشارع، مع أطفال وبنات الجيران، كان البيت يقع في مواجهة قسم الجمالية، يطل على ميدان بيت القاضي، كانت الحارة في ذلك الوقت عالما غريبا، حيث تتمثل فيها كل طبقات الشعب المصري، تجد مثلا ريعا، يسكنه ناس بسطاء، أذكر منهم موظف صغير في "كبانية" المياه، امرأة فقيرة تسرح بفجل أو لب، وزوجها ضرير، لهم حجرة في الربع، وأما الربع مباشرة تجد بيتا صغيرا تسكنه امرأة من أوائل اللواتي تلقين تعليم وتوظفن، ثم تجد بيوت أعيان كبار، مثل بيت السكري، وبيوت قديمة أصحابها تجار، أو من أولئك الذين يعيشون على الوقف، كنت تجد أغني فئات المجتمع، ثم الطبقة الوسطى، ثم الفقراء.. أنا لا أدري ما هو شكل الحارة الآن".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: نجيب محفوظ أديب نوبل نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

سميرة عبد العزيز: مسلسل أم كلثوم تم إنتاجه بدقة تاريخية غير مسبوقة

أعربت الفنانة سميرة عبد العزيز عن استيائها من الأخبار التي تم تداولها بشأن تصريحات نُسبت للكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن حول كوكب الشرق أم كلثوم، مؤكدة أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة. وقالت: أحد الصحفيين نسب إلى محفوظ عبد الرحمن تصريحات غير صحيحة، وهذا الأمر أثار غضبي بشدة، وكنت على وشك اتخاذ إجراءات قانونية ضد الصحيفة عبر النقابة".

وأضافت خلال مشاركتها في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، موضحة حرص زوجها على تقديم سيرة أم كلثوم بأدق التفاصيل: "محفوظ عبد الرحمن كان شديد الدقة في كتابة مسلسل أم كلثوم، لدرجة أنه أجرى العديد من الأبحاث، وقمت بنفسي بزيارة ابنة شقيقها المقيمة في الزمالك، لمعرفة أدق التفاصيل عن والدتها وأسلوب حياتها، حتى لا يتم تقديم أي معلومة خاطئة عن أم كلثوم في العمل الدرامي".

وأكدت أنه رغم الجدل الذي أثير في البداية، فإن المسلسل حقق نجاحًا كبيرًا في مصر والعالم العربي، مما دفع البعض في النهاية للاعتراف بجودة العمل واعتذارهم عن أي التباسات سابقة.

مقالات مشابهة

  • الحرمان الشريفان يشهدان 122.28 مليون معتمر ومُصلّ خلال شهر رمضان عام 1446
  • عمرو أديب في تصريح عنيف: "وصلوا الدرع والكأس إلى الأهلي"
  • عمرو أديب عن قرار رابطة الأندية: هو القانون فيه شيلني وأشيلك؟
  • انقضى رمضان لأمة المليارين وجاء الفطر.. فلماذا طال صيام أهل غزة وحدهم؟!
  • ترامب يقول إنه واثق من ضم غرينلاند إلى أمريكا
  • سميرة عبد العزيز: مسلسل أم كلثوم تم إنتاجه بدقة تاريخية غير مسبوقة
  • الفنانة سميرة عبد العزيز: ما زلت أرتدي الأسود حدادا على محفوظ عبد الرحمن
  • كيف كان نجيب محفوظ يحتفل بالعيد في طفولته؟
  • نجيب ساويرس عن مباراة القمة: لازم يكون فيه تنازل من الطرفين
  • الخضيري يكشف عن نمط حياة صحي لكسر مقاومة الإنسولين وتقليل السكر