من الجمالية إلى العالمية رحلة أدبية زاخرة بالأحداث والمواقف التاريخية 

أبطال رواياته يتحركون في زقاق المدق وبين القصرين والسكرية تجوب الحارات والأزقة 

يتناول   قهوته "على الريحة" في الصباح الباكر ويقرأ الجرائد ومشروبه المفضل مزيج بين الكركديه والتمر هندي

 اقتفاء أثر نجيب محفوظ ليس بالأمر السهل، ففي داخلِنا نحمل لهذا الرجل مكانة لا ينازعه فيها أحد، ونعتبره رمزًا من رموز مصر في الفكر والأدب.

فقد استطاع قلمُه الرشيق وصف حقبةٍ مهمة في تاريخ مصر، وصفًا اجتماعيًا فلسفيًا يعجز المؤرخون عن تجسيده بهذه الصورة العبقرية والطريقة الاحترافية التي اتقنها نجيب. ومع ذلك، يظل من الصعب جدًّا تلمُّس المرحلة المبكرة في حياة نجيب محفوظ. كيف نشأ؟ وكيف عاش طفولته الأولى؟ فرغم اعتياد الذهاب للأماكن التي نشأ فيها وخلدها في رواياته بشكل دوري، إلا أنَّ عندما تُنظر إليها بنظارة نجيب محفوظ، ترى أشياءً مختلفةً. ترى أبطال رواياته يتحركون أمامك في زقاق المدق وبين القصرين والسكرية. تجوب الحارات والأزقة وتلتمس في الأماكن التي عاش فيها وكتب عنها كأنك تفحص وشمًا قديمًا على كفٍ أرهقته تجاعيد الزمن.

“ البوابة” تتجول في مضارب أديب نوبل  الأولى وكيف استلهم طفولته ومعاصرته لأحداث تاريخية مهمة في تاريخ مصر، في أعماله الخالدة. حيث شهد نجيب وهو في الثامنة من عمره ثورة 1919، التي عاشها وكان شاهدًا عليها وأثرت فيه وفي كتاباته. وكذلك ثورة 1952 وتغير المفاهيم والقيم المجتمعية التي شهدت تغييرًا كبيرًا في هذه الحقبة. لذا فإنَّ أفضل عبارةٍ تصف محفوظ هي ما قاله في مقدمة مجموعته القصصية الأولى "همسة جنون"، حيث قال: "إنَّه فيما يبدو حالةً غامضة كالحياة وكالموت، تستطيع أن تعرف الكثير عنها إذا أنت نظرت إليها من الخارج؛ أما الباطن، أما الجوهر، فسرٌ مغلق".

في درب قرمز وتحديدا في المنزل المواجه لقسم شرطة الجمالية ذلك المبنى العريق، وفي ليلة من ليالي ديسمبر الباردة عام 1911 كانت السيدة فاطمة قشيشة  تعاني ألم  المخاض خاصة أنها توقفت عن الإنجاب لعشر سنوات، بعد أن رزقهما الله بستة أولاد، كانت الولادة متعثرة ولم يستطعن "الدايات" إنقاذ الموقف فقرر عبدالعزيز إبراهيم أن يتخلى عن العادات والتقاليد المعمول بها في ذلك الوقت وستدعى الطبيب لينقذ زوجته وابنه، بعد وقت طويل استطاع الطبيب الماهر إنجاز المهمة الصعبة، لذا قرر عبدالعزيز أن يطلق اسم الطبيب على موليده الأخير كنوع من الامتنان لهذا الطبيب الذي يدعى نجيب محفوظ.

عاش نجيب محفوظ حياة مرفهة وتعلق بأمه كثيرة كونه أصغر أبنائها أو كما نقول اليوم "آخر العنقود"، في سن مبكرة التحق نجيب محفوظ بالكتاب لتعلم القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة تبعد خطوات من بيته وهي مدرسة بين القصرين الابتدائية "الحسين لاحقا"، وكان نجيب شغوف بالحكايا والقصص فكان يسترق السمع للشاعر الذي يروي الملاحم الشعبية والسير  على أحد المقاهي القريبة من البيت والمدرسة، كما أنه كان يستمتع بالقصص التي ترويها النساء في مجالسهن،  إلا أن أول قصة قرأها نجيب محفوظ استعارها من صديق له يدعى يحيى صقر. وكانت بعنوان "مغامرات ابن جونسون" ومن هنا بدأت رحلته مع القصص والحكايا فلم يكتفي نجيب محفوظ بدور المتلقي بل بدأ يعيد كتابة القصص التي قرأها وغيرها فيها ليوقع عليه "بقلم نجيب محفوظ"  فمثلا الأيام  لطه حسين يحولها لـ الأعوام النظرات والعبرات للمنفلوطي ويسميها الحسرات ومن هنا كانت البداية.

يقول أحد سكان منطقة درب قرمز صاحب الاثنين والسبعين عاما ويعمل "قهوجي" في المقهى  الذي  بني مكان منزل نجيب محفوظ القديم " نجيب محفوظ اتولد في الحي ده وعاش طفولته هنا، وبعدين نقلوا شقة قريبة من بيت القاضي لكنه كان دايما بيمر من أمام بيته القديم وهو شايل الكتب والجرايد كان في حاله دايما والناس كانت بتحبه وتحترمه وبعدين نقل في شقة عند قهوة الفيشاوي لكنه من فترة للتانية كان بيجي المنطقة هنا ويمر على بيته القديم، رغم أنه كان حالته حلوة لكن كان بيحب يمشي هنا في المنطقة على رجليه ويلف في الطرق والشوارع القديمة".

كانت كتابات نجيب محفوظ الأولى كتابات تاريخية، إلا أنه قال في أحد حواراته التلفزيونية أنه كان يرمز للواقع في التاريخ وكان يعالج قضايا مجتمعية من خلال كتاباته التاريخية، إلا أن ثورة 1919 كان لها أثر عظيم في مشواره الأدبي، حيث تحول محفوظ من كتاباته التاريخية إلى الكتابات الاجتماعية وبدأ يصور في أعماله الحراك الثوري والنضال ضد الاستعمار وظهر ذلك في روايته زقاق المدق وفي الثلاثية "بين القصرين- وقصر الشوق – والسكرية" التي وصف فيها الوضع الاجتماعي داخل الحارة المصرية وصفا فلسفيا دقيقا نقلها من كونها حارة بسيطة إلى رمزا لنضال  وضمير إنساني.

المقاهي المحفوظية

ارتبط نجيب محفوظ بالمقاهي طوال حياته فلم يمر عليه إلا وكان للمقهى حظ منه، وكيف لا وفيها سمع أول الحكايات والقصص والتقى بأصدقائه من الحرافيش، ولا يمكننا تحديد المقاهي التي كان يرتادها نجيب إلا أنه مقهى الفيشاوي الذي تأسست عام 1710 كان لها حظ كبير من نجيب محفوظ فكان دائم التردد عليها، وبزيارة المقهى وجدنا أن ثمة غرفة مغلقة علقت فيها صور نجيب محفوظ ورفاقه الحرافيش وعدد من الشخصيات العامة على رأسها العالم الراحل صاحب نوبل أيضا الدكتور أحمد زويل، وقد خصص أصحاب المقهى هذا الجزء لكبار الزوار، إلا أن مقهى نجيب محفوظ بخان الخليلي والتي أطلقت الدولة اسم الأديب عليها تخليدا له بعد حصوله على جائزة نوبل فكان يختال إليها من حين لآخر.

  يقول كبير الطاقم الذي يعمل في المقهى أنه عاصر نجيب محفوظ في أيامه الأخيرة حيث كان دائم التردد على المقهى، كان يأتي في الصباح الباكر ويطلب قهوته " على الريحة" ويجلس يقرأ الجرائد ثم يطلب مشروبه المفضل وهو مزيج بين الكركديه والتمر هندي ثم يغادر المقهى وكان العديد من السائحين الأجانب من مختلف الجنسيات يلتقطون الصور التذكارية معه.

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: نجيب محفوظ المقاهي التاريخ نجیب محفوظ إلا أن

إقرأ أيضاً:

ليفاندوفسكي..العقدة التي تؤرق فالنسيا

يواصل النجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي إثبات نفسه كأحد أهم عناصر برشلونة، خصوصًا عندما يواجه فالنسيا، ومع اقتراب المواجهة المرتقبة في كأس الملك، يبرز المهاجم المخضرم كأحد أبرز أسلحة البلوغرانا لتحقيق الفوز.

اقرأ ايضاًبرشلونة يستهدف موهبة سالزبورغ لتعويض ليفاندوفسكي

منذ انضمامه إلى برشلونة في صيف 2022، لعب ليفاندوفسكي ضد فالنسيا خمس مرات، حقق خلالها أربعة انتصارات وتعادلًا واحدًا، دون أن يتذوق طعم الهزيمة، هذا السجل المميز يعكس مدى تأثيره في مثل هذه المواجهات ويعزز مكانته كأحد أكثر اللاعبين ثباتًا في الأداء.

هداف لا يرحم

ما يجعل ليفاندوفسكي أكثر رعبًا لفالنسيا هو حسه التهديفي العالي أمامهم، فقد سجل سبعة أهداف في خمس مباريات، بمعدل 1.4 هدف في المباراة، ليصبح الخفافيش ضحيته المفضلة في الليغا، كما أنه يمتلك أرقامًا مميزة ضد فرق أخرى مثل سيلتا فيغو وفياريال، حيث سجل في شباك كل منهما خمس مرات.

بداية الهيمنة

بدأت سلسلة تألقه أمام فالنسيا في 29 أكتوبر 2022، عندما سجل هدف الفوز الوحيد في المستايا، ورغم غيابه عن مواجهة الإياب بسبب الإصابة، عاد بقوة في موسم 2023-24، حيث أحرز ثلاثية في الانتصار 4-2 على ملعب مونتجويك، قبل أن يسجل في التعادل 1-1 في المستايا.

موسم جديد..نفس السيناريو

هذا الموسم، واصل ليفاندوفسكي هيمنته على فالنسيا، حيث سجل هدفي الفوز في لقاء الذهاب الذي انتهى 2-1. ولم يكتفِ بذلك، بل عزز سجله بهدف إضافي خلال الانتصار الكاسح 7-1 على ملعب مونتجويك.

مع سعي برشلونة لمواصلة نتائجه الإيجابية، يظل ليفاندوفسكي عنصرًا حاسمًا في تشكيلة الفريق، أداءه أمام فالنسيا ليس مجرد صدفة، بل انعكاس لشغفه المستمر بتقديم الأفضل، ما يجعله بالفعل كابوسًا دائمًا للخفافيش.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

Abdullah Ashour محرر ومترجم في قسم الرياضة/ Sports Editor and Translator

محرر ومترجم في موقع "البوابة الإخباري" منذ عام 2018، مختص بنقل وتغطية أهم الأحداث والأخبار في الساحة الرياضية، سواء العالمية أو العربية، وأركز على تقديم محتوى يلبي اهتمامات عشاق كرة القدم في كل مكان، مثل مواعيد المباريات، التشكيلات المتوقعة، التحليلات، وأخبار سوق الانتقالات والكواليس.
 

 Sports Editor and Translator with "Al-Bawaba News" since 2018. specialize in covering and delivering the most...

الأحدثترند ليفاندوفسكي..العقدة التي تؤرق فالنسيا شيماء سيف تصدم الجمهور وتعلن انفصالها عن زوجها بعد 6 سنوات من الزواج الملكة رانيا تخطف الأنظار بإطلالتها البنيّة في روما دعاء جميل في شعبان لبلوغ رمضان رجيم الحاملة Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • عبد الرحيم علي وأسرة "البوابة نيوز" يتلقون العزاء في الراحل مصطفى بيومي
  • في ذكرى ميلاده.. ما الكلمة التي جعلت فارق الفيشاوي يتخلى عن حلمه؟
  • ليفاندوفسكي..العقدة التي تؤرق فالنسيا
  • معدة كتاب «الأطفال يسألون الإمام» لـ"البوابة نيوز": شيخ الأزهر أوضح مفهوم حقوق الإنسان الصحيح فى الإسلام
  • مركز تدريب "البوابة نيوز" يستقبل دفعة جديدة من طلاب كلية الإعلام جامعة القاهرة
  • وزير التعليم العالي لـ"البوابة نيوز": لا إلغاء لمكتب التنسيق.. ومصر انتقلت لمرحلة إنتاج وتصدير المعرفة
  • محلل سياسي فلسطيني لـ"البوابة نيوز": مصر وقطر لهما النصيب الأكبر من التأثير في هدنة غزة
  • "البوابة نيوز" تعيد نشر حوار للكاتب الراحل| مصطفى بيومي: أعمال نجيب محفوظ تضاهي "وصف مصر".. والمحب الجيد ناقد جيد
  • رئيس العمالة الوافدة بالكويت لـ«البوابة نيوز»: العمالة المصرية ساهمت في تنمية الاقتصاد الكويتي
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته