طرابلس- منذ معضلة تسليم السلطة بين المؤتمر الوطني العام (أول برلمان منتخب بعد ثورة 17 فبراير/شباط) ومجلس النواب في أغسطس/ آب 2014، وليبيا تعاني انقساما سياسيا حادا تسبب في انقسام مؤسسات الدولة السيادية على نفسها تباعا بين إدارتين وكذلك حكومتين غرب البلاد وشرقها.

وبدخول بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على خط الأزمة، وبعد جولات حوار ماراثونية برعاية أممية، وقعت الأطراف الليبية المتصارعة على الاتفاق السياسي الذي عرف باتفاق الصخيرات بالمملكة المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015.

ورغم الاتفاق على مجلس رئاسي وحكومة وفاق وطني، فإنهما لم يستطيعا الحكم خارج العاصمة وبعض المدن القريبة منها، لتستمر الحكومة الموازية شرق البلاد وكذلك المصرف المركزي ومؤسسة النفط، زيادة على استمرار الانقسام الحاد في المؤسسة العسكرية والأمنية.

السيطرة العسكرية

ويمكن تلخيص السيطرة العسكرية، في قوات مدن غرب ليبيا مصراتة والزاوية وجبل نفوسة التي ما زالت تؤكد ولاءها لثورة فبراير/شباط، وقوات تقتسم السيطرة على مناطق العاصمة متغيرة الولاءات، وفي المقابل قوات اللواء خليفة حفتر المسيطرة على شرق البلاد بشكل كامل مع معظم مناطق الجنوب.

وبعد فشل هجوم حفتر على طرابلس قبل 4 أعوام واستمرار واقع الحكومتين، كررت الأمم المتحدة تجربة اتفاق الصخيرات في جنيف عام 2021 على نطاق أوسع من ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة (المؤتمر الوطني سابقا) وانتهى إلى سلطة تنفيذية جديدة (حكومة الوحدة الوطنية) برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومجلس رئاسي بقيادة محمد المنفي.

وقد اختفت الحكومة الموازية لأشهر ثم عادت بعد فشل تنظيم الانتخابات نهاية 2021، لتعود البلاد من جديد إلى المربع الأول.

سيطرة وتراجع

لم يطرأ على الخارطة السياسية تغيير يذكر منذ محاولة حفتر السيطرة على طرابلس عام 2019 حيث اكتفى حينها بدخول مدينة سرت (500 كيلومتر شرقي العاصمة) على حساب القوات الموالية لحكومة طرابلس، وإحكام سيطرته على شرق البلاد حتى الحدود مع مصر، وكذلك تعزيز نفوذه في مساحات واسعة من الجنوب، وفق الكاتب الصحفي عبد الله الكبير.

ويوضح الكبير، في حديث للجزيرة نت، أن السيطرة العسكرية لحفتر يقابلها "رفض شعبي متنام في الجنوب وفي سرت وبني وليد حيث يتركز أنصار نظام العقيد الراحل معمر القذافي -وهم أنصار نجله سيف الإسلام حاليا- في حين لا ولاءات سياسية واضحة غرب البلاد".

ويرى أن الدبيبة يمتلك ولاءات وشعبية كبيرة خسر أغلبها بتسريب خبر لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وأشار الكاتب الصحفي إلى أن "هذه الولاءات المتنوعة لا تقوم على أساس توجهات سياسية واضح المعالم، بل هي تحالفات تغلب عليها المصالح الشخصية فضلا عن تأثير لا يستهان به للمال السياسي".

بينما يحاول مجلس النواب وحفتر السيطرة على مؤسسات الدولة، تنفرد حكومة الدبيبة كسلطة تنفيذية بالتحكم في عوائد النفط وفقا للميزانية التي لم يعد مجلس النواب يراقب أوجه إنفاقها، بحسب الكاتب والباحث نزار أكريكش "لذا يؤيد مجلس النواب والمجلس الرئاسي بالإضافة لحفتر عمل ترتيبات من أجل توزيع عادل للثروة حسب تعبيراتهم".

وأضاف أكريكش أن الصراع حول مؤسسات الدولة قائم بتحالف هذه الأجسام والشخصيات "خليفة حفتر ومجلس النواب من جانب، والدبيبة وشخصيات أخرى كمحافظ المصرف المركزي من جانب آخر".

وأشار إلى أنه تحدث توافقات أحيانا كما حدث في رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط، لكن رياح السياسة قد تغير هذه التحالفات نظرا لاعتماد المعادلة صفرية بين كافة الأطراف.

لا انتخابات في الأفق

واستبعد عضو الحوار السياسي السابق عبد الرزاق العرادي -في حديث للجزيرة نت- إجراء الانتخابات العامة الوقت الحالي، قائلا "بعد إعلان توحيد مصرف ليبيا المركزي، وما حصل من تغيير في جهاز الرقابة الإدارية وبعد إسقاط المشري في انتخابات مجلس الدول الأخيرة، فإننا بصدد تشكيل حكومة مهمتها أمنية وعسكرية بالدرجة الأولى ولا وجود لانتخابات في الأفق خلال فترة قد تتجاوز 3 سنوات".

وفسر العرادي تصريحات البعثة الأممية حول إنهاء الانقسام في البلاد على أنها إعلان لحكومة جديدة، ولكن حقائبها ستكون محدودة وشاغليها جدد مما يعني في الغالب إنهاء حكومة واستبدالها بحكومة تكنوقراط يرأسها رئيس الحكومة الحالي.

التطبيع وتداعياته

وفي ظل غياب تأكيد رسمي لإقالة المنقوش، وتداعيات تلك القضية وما يمكن أن يترتب عليها، ستبقى الخارطة السياسية في ليبيا على ما هي عليه في الوقت الراهن بوجود حكومتين: واحدة معترف بها دوليا في الغرب وأخرى في الشرق، كما يرى المحلل السياسي فرج فركاش الذي لفت إلى موقف الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة محمد تكاله غير المتحمس لتغيير الحكومة.

وقال للجزيرة نت إن هذا الأمر "سيقلل من فرص نجاح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الساعي إلى الإطاحة بحكومة الدبيبة منذ وقت دون أن يهمل الدور الذي يقوم به حفتر وأبناؤه لتعزيز موقفهم السياسي، بتحالفهم شبه المعلن مع موسكو المتوج بزيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف إلى بنغازي مؤخرا".

أدوات محلية

ويتوقع الكاتب الكبير أن الخارطة السياسية معرضة لهزة كبيرة إذا حدث وجرت انتخابات برلمانية، قائلا "التيار الفدرالي الذي ارتفع صوته السنوات الماضية قد لا يحصد أصواتا تؤهله للاستمرار في المشهد".

وتابع "دعاة العودة للملكية قد يحصلون على عدد من المقاعد تتيح لهم التأثير في المستقبل، فمعالم الخارطة السياسية المقبلة رهن نجاح الانتخابات ليتضح الحجم الحقيقي لكل التيارات ومناطق تركزها بعيدا عن الدعايات الإعلامية والمبالغة في تقدير الذات".

وخلص العرادي إلى أن فهم الخارطة السياسية الليبية المعقدة يتطلب فهم الصراع الإقليمي والدولي في ليبيا أولاً ثم النظر في انعكاساته المحلية "فليبيا مشاكلها تكاد تكون بالكامل خارجية وبأدوات محلية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!

(في أمر جلل يهز العالم والإنسانية: 93,3% نعم و 6,7% لا. فنطبق على العالم حكم %6,7 !!!)

هل عرف العالم إفلاسا أكثر من هذا للمنظومة الدولية، أخلاقيا وفكريا وديمقراطيا وقانونيا، عندما يعارض طرف واحد إجماع 14 عضوا في مجلس "الأمن" قرارا إنسانيا بالدرجة الأولى لوقف الإبادة الجماعية لشعب أعزل، إلا من قوة إرادته على الصمود والثبات في أرضه ومنازلته للمحتل بأقصى مما جاد الله عليه من ذكاء ووسائل إصرار وتوفيق في التصويب والتنكيل بالعدو!؟

يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال  النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.

إذن سموه ما شئتم إلا أن يكون مجلس "أمن" ! أين الأمن للضعفاء وللمحرومين وللمضطهدين! هذا مجلس تواطؤ ومجلس شرعنة قانون الغاب ومجلس تكريس منطق دوس القيم وكل المثل الانسانية من أجل شهوة متعطشين لسفك الدماء! ينبغي لأحرار العالم من دول ومنظمات وهيآت دولية ومجتمعية الثورة على هذا المنطق الاستعماري الذي تكوى به الانسانية منذ عقود من الزمن!

يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.ويدل هذا التصويت على الإفلاس الفكري للمنظومة الحداثية الغربية التي صدعت العالم لعشرات السنين، بعد الحرب العالمية الثانية بمشروعها "المبشر" بإنقاذ البشرية من التخلف ومن الكراهية ومن القمع والاستبداد ومن الإرهاب، فإذا هي تكشف عن حقيقتها بالدوس على ذلك كله، وإستدعاء عمقها الصليبي الاستعماري بتوظيف القوة، كل أنواع القوة المادية والاستخباراتية والابتزازية وغيرها من أجل التنكيل الممنهج بكل مطالب بحقه في الحرية وفي الانعتاق من الظلم والاستغلال والاحتلال.

كما يدل هذا التصويت على الإفلاس الديمقراطي السياسي، إذ كيف تتحكم نسبة 6,7% تمثلها الإدارة الأميركية في مصير شعب بأكمله تحت الإبادة الجماعية المستمرة  وترفض إيقاف الحرب ونتجاهل 93,3% من أصوات ممثلي باقي دول العالم التي صوتت لإيقاف الحرب!!

كما يعبر هذا التصويت عن الإفلاس القانوني للمنظومة الدولية حين تعطل المحاكم الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومهام المقررين الأمميين من أجل نزوات استعلائية تسلطية استعمارية موروثة من عهد بائد سيء الذكر، لخمسة من دول العالم، ويتم تجاهل رأي 188 دولة أخرى من بين 193 دولة عضوة الآن في الأمم المتحدة.

وإنك لتعجب أشد العجب وأنت تفتح الموقع الرئيس للأمم المتحدة على الأنترنيت وتجد التقديم التالي بالأحرف الكبيرة:

"الأمم المتحدة: السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة.

تعريف بنا: مكان واحد حيث يمكن لدول العالم أن تجتمع معا، وتناقش  المشكلات الشائعة
و تجد حلولا مشتركة".

﴿أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ۝٦ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ۝٧ ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ۝٨ وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ۝٩ وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ ۝١٠ ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ۝١١ فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ ۝١٢ فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ۝١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ۝١٤﴾ [الفجر ]

*مسؤول مكتب العلاقات الخارجية بجماعة العدل والإحسان/ المغرب

مقالات مشابهة

  • برلماني: توجيهات القيادة السياسية بتحسين مناخ الاستثمار تُبلور خارطة مصر الاقتصادية للمستقبل
  • بحضور«الدبيبة».. اختتام فعاليات ملتقى «شباب ليبيا الجامع»
  • ليبيا.. انتخابات بلدية بلا نتائج ومفوضية تفاقم الانقسام السياسي
  • برشان: الخلاف السياسي فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية في ليبيا
  • شاهد بالفيديو.. السودانيون بليبيا رجال ونساء يحتفلون من داخل الملعب بتأهل المنتخب لنهائيات أفريقيا على أنغام “أنا أفريقي أنا سوداني” وساخرون: (كل الحب والاحترام جنقو ليبيا)
  • انتخابات البلديات في ليبيا: إحراج للنخب السياسية وإثبات للقدرة على النجاح
  • «العقوري وبوراص» يناقشان تعزيز قدرات ليبيا في ملف الهجرة
  • التجمعات الحزبية في ليبيا توقّع مذكّرة اتفاق لتعزيز الاستقرار السياسي
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • رئيس مجلس النواب العراقي يزور اربيل