كاتب هندي: دبلوماسية النمر المحارب الهندوسية تضر بمصالح الهند
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرا عن أضرار الأجندة القومية الهندوسية التي تتبناها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على السياسة الخارجية للبلاد، حيث إن المعتقدات "الأيديولوجية" اليمينية للحكومة أصبحت تقود بشكل متزايد تصرفات الهند داخليا وخارجيا.
وأطلق كاتب التقرير الصحفي الهندي المستقل كونال بوروهيت من بومباي، على دبلوماسية الهند في عهد مودي مصطلح "دبلوماسية النمر المحارب"، نسبة إلى "دبلوماسية الذئب المحارب" التي تنتهجها الصين، جارة الهند، مشيرا إلى أن هذه الدبلوماسية قد لاقت معارضة على نحو متزايد، بدءا من القرارات البرلمانية، وصولا إلى الاحتجاجات الشاملة.
وأوضح بوروهيت أن جوهر أيديولوجيا حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، وفقا لما يروّج له الأب الروحي لها راشتريا سوايامسيفاك سانغ علنا، هو قيامها على الاعتقاد بالتفوق الهندوسي على الديانات الأخرى، وأن الهند أمة هندوسية، في تحد لدستور البلاد العلماني.
وأشار الكاتب إلى أن فكرة التفوق الهندوسي تتسبب في إحداث تمزق متزايد في النسيج الاجتماعي في الهند، حيث أصبحت جرائم الكراهية ضد الأقليات الدينية؛ مثل: المسيحيين والمسلمين شائعة بشكل متزايد، كما أن خطاب الكراهية ضدهم أصبح أكثر انتشارا.
خريطة جدارية تثير رعب الجيرانوسرد بوروهيت الأضرار التي لحقت بالدبلوماسية الهندية جراء هذه الأيديولوجية، وذكر أنه قبل أسابيع قليلة، اندلع صراع دبلوماسي في جميع أنحاء شبه القارة الهندية، بعد أن افتتح مودي مبنى البرلمان الجديد الذي يضم خريطة جدارية للهند، بتكليف من حكومة مودي، أظهرت حدود البلاد الممتدة من باكستان في الغرب إلى بنغلاديش في الشرق.
وقال إن جيران الهند شعروا بالرعب إزاء هذا الانتهاك العرضي على سيادتهم، فاحتجت باكستان على ذلك. وفي نيبال اشتعلت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات للحكومة الهندية، وحذر رئيس الوزراء النيبالي السابق، بابورام بهاتاراي، من أن قضية الخريطة الجدارية من شأنها أن "تؤجج خلافا دبلوماسيا غير ضروري وضار"، مع احتمال "تفاقم انعدام في الثقة" بين الجارتين.
بيان أميركيوجاء هذا الجدل الجداري بعد أسابيع فقط من صدور بيان أميركي يقول، إن حزب بهاراتيا جاناتا -الذي يتزعمه مودي والجماعات القومية الهندوسية التابعة له- يدعم مطالب الجماعات الهندوسية النيبالية، بالتخلي عن دستور نيبال العلماني وتحويله إلى دولة هندوسية.
وتجاهلت وسائل الإعلام المحلية، خاصة الخاضعة للحزب الحاكم، البيان الأميركي، لكن العواصم الأجنبية لاحظت ذلك. وهناك اعتراف متزايد بأن هذه الحالات تلحق الضرر بمكانة الهند على مستوى العالم، حتى ولو كان قلة من الناس على استعداد لقول ذلك بصوت عال.
وفي بنغلاديش، أشار الكاتب، إلى أن الشارع غاضب من مودي وحكومته. ففي عام 2021، عندما زار مودي بنغلاديش، اشتبك متظاهرون غاضبون مع قوات الأمن، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وإصابة العشرات.
الاتحاد الأوروبيوأضاف الكاتب أنه وعندما كان من المقرر أن يصل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى باريس في 13 يوليو/تموز الماضي، كانت الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية على وشك توجيه ضربة محرجة لمصداقيته، وذلك من خلال إصدار بيان حاد اللهجة حول "تعصب الحكومة تجاه الأقليات"، الأمر الذي أسهم في أعمال العنف بولايات عدة، وجاء في القرار "كانت هناك مخاوف بشأن السياسات المثيرة للانقسام ذات الدوافع السياسية، التي تعزز مكانة الأغلبية الهندوسية".
ونسب التقرير إلى أبارنا باندي مديرة مبادرة الهند في معهد "هدسون" في واشنطن العاصمة، قولها إن، "صعود القومية الهندوسية داخل الهند سيكون له تأثير على صورة الهند العالمية بلا شك"، مضيفة أن بعض تصرفات الهند في الماضي القريب كانت "تضر" بمصالحها، خاصة مع جيرانها.
سياسة خارجية منبتة عن الماضيوأضافت باندي بأنه لم يُسمح تاريخيا لأيديولوجية أو معتقد لأي حزب حاكم في دلهي بالتأثير في السياسة الخارجية، ولكن هذا الوضع قد تغير.
ونقل الكاتب عن إيان هول، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غريفيث ومؤلف كتاب "مودي وإعادة اختراع السياسة الخارجية الهندية"، قوله إن حكومة مودي كانت تحاول السير على خط رفيع من خلال "استخدام لغة معادية للمسلمين في الداخل لحشد الناخبين، في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على علاقات إيجابية مع الدول الإسلامية"، مشيرا إلى أنه ليس هناك شك في أن يسبب الخطاب المناهض للمسلمين والهجمات عليهم في الهند مشكلات لنيودلهي، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.
قلق في الخارجية البريطانيةوفي لندن، قال خبير في السياسة الخارجية -طلب عدم ذكر اسمه-، إن هناك كثيرين داخل وزارة الخارجية البريطانية "متحجرون" و"قلقون" بشأن التعامل مع حكومة مودي، لكنه أقر -أيضًا- بـ "المخاوف الإستراتيجية المهيمنة" التي تجمع بينهم.
وقالت كيرا هوغو، الزميلة في العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن الأهمية الجيوسياسية للهند كثقل موازن للصين في المنطقة، قد تضمن أن الانتقادات لأفعالها قد لا تكون صريحة للغاية، لكن ذلك لن يمنح الهند تصريح دخول مجاني.
وتابعت هوغو قائلة، إن "العواصم الغربية مضطرة إلى طلب تعاون الهند، بسبب الضرورات الجيو إستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكنها ربما ذهبت إلى أبعد من ذلك في هذه المساعي للتعاون، لو لم تكن لديها تحفظات عميقة بشأن التطورات المحلية في الهند".
واختتم الكاتب التقرير بما قالته هوغو، من أن طبيعة الدبلوماسية الهندية على المحك نتيجة للقومية الهندوسية المتشددة التي تنتهجها حكومة مودي. وأضافت أنه "في حال فاز حزب بهاراتيا جاناتا بفترة ولاية ثالثة، فإننا نتطلع إلى تغييرات مؤسسية دائمة في الطريقة التي يحكم بها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة حکومة مودی فی الهند إلى أن
إقرأ أيضاً:
FP: دعم ترامب لسياسة التجويع في غزة يضر بمصالح أمريكا العالمية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا أعده فيليب غوردون من معهد بروكينغز وأندرو ميلر من مركز التقدم الأمريكي ناقشا فيه أن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألا يمنح علامة نجاح لـ"إسرائيل" وحصارها لغزة. فمن خلال عمله هذا سيجعل الفلسطينيين يعانون بسبب السياسة الأمريكية.
وأشارا بداية إلى بيان نشره السفير الأمريكي الجديد لـ"إسرائيل" مايك هاكابي على الفيديو بشأن السياسة الأمريكية من غزة. وبنبرته المألوفة والرقيقة تجاه الأشخاص غير المجربين، روى الحاكم السابق لأركنساس كيف رفض نداء من حنان بلخي، الطبيبة والمسؤولة الكبيرة في منظمة الصحة العالمية، ممارسة المزيد من الضغط على "إسرائيل" لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة. وبدلا من ذلك، قال هاكابي لبلخي إنه ينبغي علينا التركيز و"الضغط في المكان المناسب"، أي على حماس، كي"تمنحنا الفرصة" لفتح قنوات للمساعدات الإنسانية.
ويعلق الكاتبان ألا أحد يناقش بضرورة وضع ضغوط على حماس المسؤولة عن الهجمات والمعاناة، لكن بيان هاكابي كان إشكاليا وبشكل صادم. فمن خلال ربط الدعم الأمريكي للمساعدات الإنسانية في غزة بهدف استسلام حماس، كان السفير يؤيد رسميا سياسة العقاب الجماعي التي تتعارض مع القانون الأمريكي والدولي وتتناقض مع القيم الأمريكية وتتعارض مع أهداف السياسة الخارجية لواشنطن.
وذكر الكاتبان باعتبارهما مسؤولين سابقين في إدارة جو بايدن، أنهما على وعي بفشل الإدارة السابقة لتأمين الحماية والدعم الإنساني المناسب لأهل غزة.
فموازنة الدعم لـ"إسرائيل" وحقها بالدفاع عن نفسها ضد عدو لا يريد الاستسلام ويحتفظ بأسرى ويقاتل من الأنفاق أمر مستحيل "على الأقل بالنسبة لنا" كما يقولان.
ومع ذلك فهما يؤكدان بأنه على النقيض من فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد عمل فريق بايدن بلا كلل لتحسين الظروف الإنسانية في غزة، حتى لو لم يكن ذلك كافيا أبدا.
ففي بداية الحرب عام 2023، عندما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت "حصارا كاملا" على غزة، ومنع الغذاء والماء والكهرباء، أوضح الرئيس بايدن على الفور أن الخطة غير مقبولة، ورضخت "إسرائيل" على حد قولهما. وعين بايدن مبعوثا خاصا للعمل مع "إسرائيل" والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي عملت بدون تعب على توسيع وصول المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين.
وفي مئات من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية من الإدارة، ضغطت الولايات المتحدة على الإسرائيليين السماح بدخول المزيد من المساعدات، وقد فعلت وإن على مضض وبشكل غير كامل.
ويدافع الكاتبان هنا عن سجل بايدن لدعم غزة، حيث قدمت إدارته على مدى الحرب مساعدات لغزة وصلت إلى مليار دولار، وسهلت وصول مليارات أخرى من الآخرين، وساعدت على إيصال أكثر من مليون طن من المساعدات الإنسانية.
ومع أن هذه الجهود ساهمت في حماية الأرواح إلا أنها لم تكن كافية لمنع كارثة إنسانية.
والمشكلة الآن هي أن ترامب، من خلال تأييده لاستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استخدام المساعدات كوسيلة للضغط، يجعل الكارثة الإنسانية في غزة هدفا سياسيا رسميا.
وبما أن "إسرائيل" لم تعد مضطرة للقلق بشأن الضغوط الأمريكية، أعلن وزير الخارجية جدعون ساعر في الثاني من آذار/ مارس أن "إسرائيل" تخطط لفرض "حصار كامل" على غزة.
وتتضمن هذه الخطة إغلاق جميع المعابر، وهي السياسة ذاتها التي ساعدت إدارة بايدن في منعها بداية الحرب. فمنذ استئناف الحرب بعد خرق وقف إطلاق النار الشهر الماضي لم يدخل القطاع الطعام أو الماء أو الكهرباء، وسط تحذير المنظمات الإنسانية من خطر مواجهة 2.1 مليون فلسطيني، منهم مليون طفلا، الجوع الحاد وانتشار الأمراض والموت.
وفي 25 نيسان/ أبريل أعلن برنامج الغذاء العالمي عن نفاد مخزونه من الأغذية في غزة، وتوقف مصدر قوت لمئات الآلاف من الفلسطينيين. واضطرت الأمم المتحدة إلى تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال لـ 600,000 طفل والتي ساعدت الولايات المتحدة بنجاح في دفعها، وهو ما زاد من خطر انتشار المرض في غزة.
وقال المسؤولان السابقان إن الرئيس الأمريكي ظل صامتا عندما خرقت "إسرائيل" وقف إطلاق النار الشهر الماضي. ويقال إنه أعطى نتنياهو بالفعل الضوء الأخضر. وبعد أيام قليلة، أعلن ترامب إعفاء نفسه من المسؤولية، قائلا: "إنها ليست حربنا، بل هي حربهم".
وقالا إن "إسرائيل" الآن في صدد انتهاك جميع المبادئ التي وضعتها إدارة بايدن لغزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بما في ذلك عدم فرض حصار وعدم تقليص الأراضي وعدم التهجير القسري للفلسطينيين وعدم إعادة الاحتلال وبدون أي اعتراض من ترامب.
وبعد مكالمة هاتفية مع نتنياهو في 22 نيسان/ أبريل، نشر ترامب أنه ونتنياهو "متفقان في كل قضية. وبعد ثلاثة أيام، عندما سئل عن المكالمة، ادعى ترامب أن "موضوع غزة طُرح" وأنه أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه "يجب أن نكون جيدين مع غزة، الناس يعانون"، لكنه لم يقدم أي طلب مساعدات محدد وأضاف أن نتنياهو "شعر بالرضا عن ذلك".
ويعلق الكاتبان أن دعم ترامب لـ"إسرائيل" في حصارها لغزة ليس مجرد فشل أخلاقي ومأساة للفلسطينيين، لكنه لن يساعد "إسرائيل" على تحقيق أهدافها. بل على العكس، ففي حين أن الحصار واستمرار الحرب قد يخدمان سياسة نتنياهو، إلا أن السعي إلى "النصر الكامل" يعرض حياة الأسرى المتبقين للخطر، والذين من الأرجح أن يعودوا سالمين من خلال اتفاق تفاوضي وليس القوة.
وبدلا من القضاء على حماس، فإن المزيد من العمل العسكري في غياب استراتيجية للأمن والحكم في مرحلة ما بعد الصراع قد يؤدي إلى تأجيج المزيد من العنف مع تحول غزة إلى أرض يباب أشبه بالصومال.
كما أن الحصار الإنساني يقوض احتمالات التطبيع الإسرائيلي مع المملكة العربية السعودية، وسيترك الإسرائيليين أكثر عرضة للاتهامات والملاحقات القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ويبدو أن الرأي العام الإسرائيلي يفهم كل هذا بشكل أفضل من نتنياهو. فقد وقع آلاف من جنود الاحتياط والمتقاعدين على رسائل تطالب بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة جميع الأسرى- حتى لو كان ذلك يعني إنهاء الحرب. وبحسب استطلاع رأي أجرته مؤخرا "قناة 12" الإخبارية الإسرائيلية، فإن ما يقرب من 70% من الإسرائيليين يؤيدون مثل هذه الصفقة، بينما تعارضها نسبة 21% فقط.
كما أن استسلام ترامب الكامل لنتنياهو فيما يتعلق بالحرب يضر بالمصالح الأمريكية. لقد عانت سمعة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي بشكل هائل، وسوف تعاني أكثر إذا دعمت واشنطن سياسة تنتهك بشكل واضح ليس القانون الدولي فحسب، بل وقانونها الخاص أيضا.
كما أن النفاق الملحوظ فيما يتصل بإدانة الولايات المتحدة لغزو روسيا وحصارها لأوكرانيا أدى إلى إضعاف قدرة واشنطن على دعم ذلك البلد، ومبدأ عدم الاعتداء في جميع أنحاء العالم. وأضافا أنه طالما استمرت حرب غزة، فستواصل أمريكا نشر أرصدتها العسكرية بالمنطقة لحماية "إسرائيل" ضد الخصوم مثل إيران والحوثيين، الذين ترتبط هجماتهم على القوات الأمريكية بشكل مباشر بغزة.
وتترك هذه العمليات المكلفة الولايات المتحدة في موقف أضعف في مواجهة التحديات الأمنية من الصين وروسيا وغيرهما.
ويعترف الكاتبان أن انتقاد سجل إدارة بايدن في غزة أمر عادل، ولكن علينا محاسبة ترامب بنفس المعيار. والآن، فهو لم يفشل فقط في التحرك لحماية ملايين المدنيين في غزة، بل إنه يتبنى علانية سياسة معاقبتهم. وقد يكون ترامب يعطي نتنياهو تصريحا لارتكاب سياسة غير أخلاقية وغير قانونية وغير مثمرة، لكن ينبغي علينا ألا نمنحه ذلك.