اسئلة ايقاف الحرب: الشعب والحرب وماذا بعد (٣-٣)
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
للوهلة الاولى يبدو الشعب السوداني ضائعاً وسط المجوعات المتقاتلة ونصف تيار اصحاب المكية الفردية للقيادة والانتهازيين الكثر والتدخلات الاقليمية والدولية. لكن هذه غالبا نظرة سطحية ومتعجلة وتتأثر بشدة بظروف مابعد صدمة الحرب. وبدون تضخيم دور الشعب، فانطلاقاً من الثقة في قدرات هذا الشعب الفقير والذي اتفقت كل الحكومات ان تدمر احلامه واماله في نجاح ثورته التي استمرت عبر كل المحن والاحن والتدخلات من داخله وخارجه، فقد اثبت شعبنا قدرته على الصبر والصمود والتضحية.
لقد اشرت في المقالة الاولى ان المواطنين في قراهم وحلالهم وغربتهم استطاعوا بمواقفهم افشال مشروع الامبراطورية الاسلامية الكيزاني، وفي نفس الوقت مشروع الامبراطورية العربية الاسلامية الجنجويدي وعرب الشتات. ومنذ الايام الاولى للحرب بدأ التماسك الاجتماعي يفرض احداثياته. وفي كل قروبات الاهل والاصدقاء والجيران، بدأوا في نقل مايحدث والتنوير باماكن الخطر وتواجد لصوص الجنجويد القتلة، ونشر مخازيهم والتعاضد الشديد بين الاطراف. مع تقدم الحرب بدأت طلائع شباب الاحياء في انشاء لجان الطواريء ومجموعات التطوع لتوفير الماء ومستلزمات الحياة والصحة والكهرباء وحماية المناطق، بدأت ببطء ثم عمت كل الوطن.
حدث النزوح الكبير من العاصمة وبعض المناطق الحدودية، اغلبها الى الصلات القديمة للاسر في مسقط رأسها. وغير انتشار تروس الثورة من العاصمة الى الولايات والمدن الصغيرة والقرى والحلال، ونقل تجربتهم في منازلة اللجنة الامنية وفلولها والجنجويد ومشايعيهم. وتضحياتهم في ساحات الاعتصام والمواكب والمصادمات ونظرتهم الصائبة بشكل كبير في فهم مغاليق الجيوبوليتيكس. مثل تلاحم الشعب ببعضه تجربة لا نظير لها في التاريخ السوداني وبهذا الاتساع. لقد منع مواطني السودان من دخول السودان في حرب اهلية تدوم عقود، كما في سوريا او ليبيا واستطاعت في حصر الجريمة في طرفين يتهربان من استحقاقات جرائمهم: الكيزان والجنجويد كعصابات متقاتلة ودفعهم لركنين معزولين، هذا وبدأت فعلياً في تفكيك الجيش المختطف والوقوف بحزم مع الجيش مع الاصرار على عزل القادة الكيزان لكي لايحصدوا ثمن النصر لاي منهما. لقد ظهرت تجلياتها من رعب الجانبين من وقف الحرب لانهم سيدفعون الثمن، عاجلاً ام آجلاً.
تحت الاشجار وفي الميادين الرملية الصغيرة وفي منازل الطين والقش وعند ستات الشاي والزلابية يتجمعون ويتحاورون ويتناقشون ويتسامرون حول احلامهم الكبرى، وخبراتهم المتنوعة ومعارفهم تتشتت وسطهم. ان التفرس الدقيق وقراءة ماوراء الاخبار والتقاط مواقف المواطنين، والتحركات الباطنية وسط الجموع، بعيدا عن مخلفات السلوكيات الكيزانية من السمسرة والابتزاز واستغلال حاجات الناس بدون رحمة، وهم قلة. كلها تعكس الروح الوثابة والصبر والتضحية المتغلغلة في المواطنين في كافة ارجاء الوطن.
بعد ان افاقوا من الصدمات القاسية التي مروا بها. صنعوا معجزة تماسك المواطنين، والاصرار على السلمية واهداف الثورة، ان قوى الثورة عائدون لبناء سلطة الشعب ومن ثم الوطن الجديد.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مآلات ثورة ديسمبر كما توقعتها في عام ٢٠١٩
محمود عثمان رزق
١٢ ديسمبر ٢٠٢٤
في مقال نشرته في ١٣ مايو ٢٠١٩ في نفس هذا الموقع تحت عنوان "الثورة السودانية أسبابها ومآلاتها" تنبأت بعدة سناريوهات سيكون أحدها او بعضها هو ما ستنتهي عليه ثورة ديسمبر.
وها انا الان اعيد لكم جزء المآلات من المقال ومن اراد الاسباب فليرجع اليها في المقال المذكور أعلاه.
كتبت قائلاً:
"مآلات الثورة السودانية:
هذه الثورة قد غيرت الواقع السياسي على أرض السودان وأربكت كل الحسابات لأنَّها جاءت بغتة.
فلا النظام ولا المعارضة كانا يتوقعان هذا الفراغ السياسي بهذه السرعة، والتاريخ علمنا أن الثورات قد تنتصر جملةً، وقد تنهزم جملةً، وقد تنتصر ثم تنهزم بعد ذلك. فبداية الثورة في كثير من الأحيان يحدد مآلاتها أيضاً.
فالثورة التي يتحكم فيها الخارج يضعف إستقلاليتها وبالتالي يتحكم في مألآتها أيضاً.
والثورة التي تبدأ بغموض تنتهي إلى غموض.
والثورة التي تروم تطبيق آيدلوجية على شعبٍ كاملٍ متشعب المدارس الفكرية تنتهي بالفشل والإنحراف عن مسار تلك الآيدلوجية وتفنى حيث قامت حتماً.
ومن أول المآلات المتوقعة أن يصبح السودان معتركاً لصراع دولي واقليمي تنتج عنه حرب أهلية شاملة أو صراعات مليشات بالوكالة كما حدث في سوريا حيث تصارعت الأفيال فتشرد الشعب السوري وتُركت بلاده دكَّا.
فإذا حدثت في السودان حرب أهلية شاملة سيتبع ذلك ارتهان الكيانات السياسية كلها لأطرافٍ خارجية طلباً للدعم المالي والحصول على السلاح والمأوى لقياداتها.
- ومن المألات أن تتشدد وتندفع الثورة وتتهور وبالتالي تفشل في تقسيط الكفاح وفقاً للظروف والمعطيات على أرض الواقع، فتقع في تخبطٍ وأخطاءٍ فادحة تُحمِّل الشعب أكثر مما يحمل فينفَّض الشعب عن الثورة وقد يثور ضدها أيضاً.
- ومن المألات أن يحدث خلاف عميق في قيادة الثورة بسبب المكابرة والإنكار والتحكم والإقصاء فيقبل بعضُهم على بعضٍ يتلاومون فتذهب ريحُهم، ويصبح حالهم كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا!!-
- ومن المألات أن تقف القوى الإقليمية وراء المؤسسة العسكرية بقوة وتدفعها للإنفراد بالحكم واستصحاب قوى مدنية يمكن التحكم فيها تغبيشاً للرأي العام العالمي. هذه القوى قد تقبل - لمصالح راجحة لديها - إسالة بعض الدماء للوصول للإستقرار الذي يحقق لها مصالحها الإقليمية وهذا ما حدث في مصر بالضبط.
- ومن المألات أن تستشعر القوى السياسية الخطر فتتحد وتتعاون مع المجلس العسكري ويصلوا لحلول سياسية تساعد في استقرار البلاد وإقامة انتخابات حرة نزيهة يرضى بنتيجتها الجميع.
- ومن المألات إذا فشلت الثورة سيذهب اليسار السوداني كله في خبر كان من غير عودة. ولكن في حالة نجاحها سيكسب اليسار شعبية شبابية عريضة إذا نجح في التصالح مع قيم وتقاليد ومعتقدات الشعب.
- ومن المألات الحتمية أن أطروحة الإسلام السياسي في السودان ستتغير بنسبة 180 درجة بغض النظر عن نجاح الثورة أو فشلها. وبالرغم من مرارة التجربة سيظل الإسلام السياسي يلعب دوراً أساسياً في مستقبل البلاد ولكن بطرح ومنهج مختلف كما ذكرنا.
وفي الختام، أتمنى أن أكون قد وضحت أسباب الثورة السودانية ومألاتها حسب جهدي وعلمي المتواضع والله محيط بكل شيء وهو عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
mahmoudrizig3@gmail.com