بعد رفض ضم الجزائر لبريكس.. مرارة في الداخل وانتكاسة لخطاب السلطة!
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
تمت دعوة مصر للانضمام لبريكس وهو ما حدث فعلاً فيما فشلت جهود الجزائر في هذا السياق
حدث ما كانت الجزائر تخشاه وتم استبعادها من الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية على الرغم من الآمال العريضة التي بنتها على العضوية وما قد يترتب على ذلك من تحسين لوضعها الاقتصادي.
مختارات في ظل "عالم متغيّر".. قادة بريكس منفتحون على توسيع المجموعة بينها السعودية ومصر والإمارات.. "بريكس" تضم ست دول جديدة لعضويتها بعد توسيع بريكس.. بيربوك تؤيد التعاون مع الأعضاء الجدد مواقف الغرب من توسيع البريكس: بين الخشية وعدم الاكتراث خبراء: توسع "بريكس" قد يعرقل تطلعاتها لتحدي "الهيمنة" الغربية
وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول، فإن هناك عدة مؤشرات كان من الممكن من خلالها توقع قرار عدم ضم الجزائر إلى المجموعة، فالرئيس عبد المجيد تبون ألمح في حوار مع "الجزيرة بودكاست" في أبريل/ نيسان أن بلاده "ستدخل قريباً كعضو ملاحظ، حتى تنتهي من إصلاحاتها الاقتصادية وتصبح عضواً كامل الحقوق والواجبات".
أما المؤشر الثاني فكان عدم حضور تبون ولا رئيس وزرائه ولا وزير خارجيته إلى قمة جوهانسبرغ، وإيفاده وزير المالية لعزيز فايد. والمؤشر الثالث كان عدم مشاركة الجزائر في لقاء "أصدقاء بريكس" بمدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا في يونيو/حزيران، والذي شاركت فيه السعودية والإمارات، بينما شاركت مصر في اللقاء عن بُعد.
غضب داخل الجزائر
وبقدر ما كانت الآمال كبيرة، كانت خيبة الأمل كذلك كبيرة خصوصاً مع الدور الذي لعبه الإعلام الجزائري وهو ما تسبب في توجيه انتقادات حادة للغاية لإسهامه في ما سمي بالخطاب الدعائي والذي استمر لأشهر طويلة حتى بات الشارع الجزائري على ثقة شبه تامة في انضمام بلاده للتكتل الاقتصادي.
ويرى الدكتور حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، أنه بعد هذا الخطاب الرسمي الجزائري "فإنه من المؤكد أن ما حدث يعتبر انتكاسة بالنسبة للداخل، خاصة وأن الإعلام في الجزائر يعاني من تضييق ومن الصعب جداً بالنسبة للصحافة الجزائرية أن تنتهج خطا مغايراً أو مخالفا للخط العام الذي تتبعه الحكومة لأنها رأت في النهاية أن هذا الحماس الكبير الذي تبديه السلطات للانضمام للبريكس بدا وكأنه خط أحمر ومن الصعب جداً تجاوزه".
وأضاف في حوار هاتفي مع DW عربية أنه "على الرغم من ذلك كانت هناك تحفظات لم تظهر للعلن من بعض الجامعيين والعقلاء الذين كانوا في النهاية غير راضين عن المنحى الشعبوي للخطاب الرسمي".
ويضيف عبيدي أنّ قضية الانضمام إلى بريكس سُوّقت وكأنها "قضية وطنية أو أم المعارك، وبالتالي اصطف الجميع خلف الدولة وتحول انضمام الجزائر إلى بريكس لجائزة كبرى، ويجب ألا ننسى أنه عندما يقوم رئيس الجمهورية بزيارتين للصين وبزيارة لروسيا فهذا له مغزى كبير وهو أن السلطة متيقنة من الانضمام لهذا التحالف".
ويعتقد الدكتور عبيدي أن الجزائر تعاملت مع الانضمام إلى بريكس بشكل شابهه اليقين وأن "هذا اليقين الذي شاب الخطاب الرسمي وخطاب الوزراء كذلك الإعلام القريب من الحكومة، جعل الجزائريين يعتقدون فعلاً أن قضية بريكس أصبحت أمراً سيحدث لا محالة. في حين بقيت الانتقادات الأخرى والتي تقول إن الجزائر غير مستعدة، وأن الأوراق اللازمة لإتمام هذه العملية لاتزال تحتاج إلى الكثير من العمل، على الهامش".
مواقع التواصل الاجتماعي .. بين الغضب والتهوين
حفلت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بالكثير من التعليقات، فعلى صفحته بموقع فيسبوك، كتب المحلل السياسي نجيب بلحمير قائلاً إنه يعتقد جازماً "أن التناول الكاريكاتوري لموضوع انضمام الجزائر لبريكس تتحمل مسؤوليته السلطة باستغلالها الموضوع لأغراض الدعاية السياسية، واعتمادها على وسائل دعاية منتحلة لصفة وسائل إعلام لتسويق هذا الموضوع وأن طريقة تناول هذه القضية لأشهر طويلة ألحقت ضرراً كبيراً بمصداقية الخطاب الرسمي".
بدوره، قال سفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" إن رفض توجيه الدعوة للجزائر للانضام إلى بريكس سيخلف طعماً مريراً في أفواه الجزائريين، وأن الأمل في أن تكون بلادنا جزءاً من مجموعة دولية يتعين عليها بناء عالم متعدد الأقطاب قد انتهى، مفسحاً المجال أمام الشعور بخيبة الأمل إزاء ما حدث".
وقال جيلالي إن من بين الأمور التي أضرت بالجزائر كثيراً "عدم فهم طريقة سير العالم الاقتصادي، والاعتماد على الدعم الحكومي والاقتصاد الريعي والشعبوية، إلى جانب تفشي الفساد في الإدارة واستعمالها لأغراض شخصية، فضلاً عن الخيارات الكارثية للمسؤولين التنفيذيين".
ويضيف جيلالي أن خيبة الأمل في دخول بريكس "يجب أن تفتح أعيننا على الواقع وتدفعنا لمراجعة أنفسنا بدلاً من تحميل الآخرين أسباب مشكلاتنا".
أيضاً علق معارضون للنظام الجزائري على الأمر، ورأوا في ما حدث إنذاراً شديد اللهجة لمن يحكمون الجزائر وشبهوا الأمر بالصفعة:
فيما أرجع البعض عدم الانضمام إلى رفض بعض الدول الأعضاء في التكتل لانضمام الجزائر.
وطالب جزائريون داخل وخارج البلاد النظام الجزائري بالتحلي بالشفافية والتحدث مع الشعب بشكل واضح ومنفتح حول أسباب فشل الانضمام إلى بريكس، وكيف يمكن إصلاح الخلل الذي أدى إلى هذه النتيجة وما هي الفترة الزمنية المحددة لحل المشكلات التي تسببت في هذا القرار.
وعما إذا كان من الممكن أن يكون هذا الرفض دافع لاتخاذ خطوة للأمام، بمعنى أن تبدأ الجزائر بفتح الملفات ودراسة الأسباب وتجاوز هذه الأمور التي أدت إلى رفض انضمامها، يقول عبيدي: "أعتقد أنها كانت رسالة واضحة لمحيط الرئيس الجزائري - باعتبار أن السياسة الخارجية تدار ما بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية المعين حديثا - ومفاد هذه الرسالة الواضحة أن السياسة الخارجية في النهاية لا تبنى فقط بالشعارات ولا بخطاب شعبوي، إنما ببناء قدرات داخلية للدول".
أي تأثيرات على الانتخابات الجزائرية؟
ويرى محللون أن وقوف الرئاسة الجزائرية بقوة وراء الانضمام إلى بريكس وهذا الزخم الإعلامي الكبير للمسألة قد يكون وراءه محاولة تبون لاستغلال العضوية لتكون إحدى أوراقه الرابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن هل سيؤثر عدم انضمام الجزائر للتكتل الاقتصادي على فرصه في الانتخابات؟
في هذا الصدد يقول عبيدي: "صحيح أن الرئيس تبون جعل من قضية الانضمام إلى البريكس أحد أهدافه واستعملها كورقة في الحملة الانتخابية، لكننا نعلم أن قضية الفوز بالانتخابات في الجزائر هي عبارة عن معادلة معقدة لا تخضع فقط لضغط فشل السلطة في الحصول على مقعد في بريكس".
أثارت تصريحات لافروف غضب البعض في الجزائر حتى أن هناك من دعا لإعادة تقييم علاقات الجزائر مع "حلفائها القدامي"
معايير الانضمام
ورغم التجاذبات التي جرت بين دول المجموعة (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا) بشأن فكرة توسيع عضوية التحالف الاقتصادي العالمي وخصوصاً من جانب الهند والبرازيل، لكنها اتفقت أخيراً على دعوة مزيد من الدول ذات الاقتصاد الصاعد للانضمام إليها.
وبالفعل، قرر التكتل الاقتصادي دعوة كل الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات للانضمام بشكل كامل للمجموعة، لكنها استبعدت ضم الجزائر التي رفعت من سقف توقعاتها كثيراً.
وبحسب خبراء اقتصاديين وسياسيين، فإن معايير اختيار انضمام الدول للتكتل الدولي متعددة ولا تقوم فقط على حجم الاقتصادي ونسب النمو، إذ تشمل الموقع الاستراتيجي للدولة وكتلتها السكانية وثقلها السياسي والثقافي على الساحة الدولية والأهم من ذلك طبيعة الاصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الدولة ومدى دعم باقي دول التكتل لانضمامها اليها.
لكن على جانب آخر، يرى البعض أن معايير الانضمام للتكتل الاقتصادي غامضة وغير محددة وهو ما يراه القيادي في حزب الكرامة محمد قندوز الذي قال إن الغموض يحيط بكواليس المجموعة وبالمعايير التي تطبقها لضم أو رفض انضمام دول إليها، مؤكداً أن "عدم قبول بلاده لا يمكن اعتباره فشلاً للقيادة السياسية أو سوء تقدير منها بأي حال من الأحوال".
وشدد في تصريحات صحفية على أن "الرئيس عبد المجيد تبون لم يجزم بضمان الانضمام إلى المجموعة، وإنما كان يؤكد في تصريحاته على أن الجزائر عملت على استيفاء الشروط الممكنة، ولذلك فإن القرار هو تأجيل الانضمام وليس الرفض"، في إشارة إلى تجديد طلب الانضمام خلال الدورة القادمة للمجموعة.
ويرى عثمان لحياني الصحفي الجزائري أن أكثر ما يثير الحزن هو تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن معايير انضمام الدول لتكتل بريكس "وهو تصريح يحمل إشارة غير إيجابية ورسالة بالغة السوء، من قبل تجمع تعتبر الجزائر ثلاثة من دوله الخمس على الأقل شركاء في الاقتصاد وحلفاء لها في السياسة وأصدقاء في الموقف.
وتابع في صفحته على فيسبوك: "ما معنى أن يقول لافروف أن خماسية بريكس اعتمدت معيار وزن الدول وهيبتها في اختيار الدول الجديدة". وقال: "الاعتبارات الأهم لقبول عضوية دولة من الدول المرشحة كانت هيبتها ووزنها السياسي وموقفها على الساحة الدولية وأن هذا المعيار السياسي، (الوزن والهيبة والموقف)، لا ينطبق على الجزائر في الوقت الحالي".
في الوقت نفسه، حاول آخرون التقليل من أهمية الانضمام إلى تكتل بريكس، إذ كتب وليد عبد الحي مقالاً في موقع بركة نيوز قال فيه إن التكتل لا يندرج في إطار منظور جيوسياسي أو جيواستراتيجي في سلوكه الدولي وإن كان لهذه الاعتبارات بعض الأهمية في قبول العضوية.
ويرى أن التباين في النظم السياسية للدول الأعضاء في التكتل لا يحتاج لعناء لاكتشافه، فمستوى الديمقراطية في الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا متفوق بشكل كبير(بين 6-7 من عشرة نقاط) على مستواه في كل من روسيا والصين (من 2-3 نقاط) وأن الوزن الأكبر في التأثير داخل الكتلة هو للدول الأقل ديمقراطية.
وقال عبد القادر بريش الخبير الاقتصادي إن الجزائر تملك كل المقومات للانضمام لتكل "بريكس" وأن عدم قبول ملفها لا يعتبر تعثرا أو فشلا.
ويرى الدكتور عبيدي أنه على الرغم من جوانب القصور لدى الجزائر إلا أن "خطاب لافروف باعتماد معايير هيبة الدولة ووزنها في المنطقة كان مجحفاً، لأنه في النهاية فإن القوة الإقليمية للجزائر بمعايير دولية وعسكرية واقتصادية أقوى بكثير من إثيوبيا مثلاً".
بيد أنه من جهة أخرى "يشير حديث لافروف - وإن كان غير موفق - إلى ما هو أخطر من ذلك، فهناك بعض الأصوات التي تطالب الجزائر بإعادة تقييم أو قراءة علاقاتها مع موسكو وبكين من جديد، فالدولتان لم تدفعا بقوة نحو انضمام الجزائر للبريكس بل كان لديهما مرشحين أفضل وهي دول الخليج".
ويعتقد العبيدي أن عدم انضمام الجزائر للبريكس "فتح أعين السلطات الجزائرية وحتى المتابعين والإعلام على ضرورة إعادة النظر في هذه الصداقات التقليدية. وأن هذه التي تعتبر دول حليفة للجزائر كانت في موضع الاختبار المباشر لمدى صلابة وقوة هذه التحالفات ومدى كذلك متانة العلاقات التي تقول الجزائر إنها علاقات إيجابية".
عماد حسن
تاريخ 30.08.2023 مواضيع الدولار الأمريكي, محمد البرادعي, عبد المجيد تبون, فلاديمير بوتين, عبد الفتاح السيسي, دويتشه فيله , روسيا, مصر, الجزائر, روسيا كلمات مفتاحية الجزائر, عبد المجيد تبون, مصر, البرازيل, بريكس, الدولار, روسيا, السيسي, البرازيل., دويتشه فيله, DW عربية تعليقك على الموضوع: إلى المحرر طباعة طباعة هذه الصفحة الرابط https://p.dw.com/p/4VicZ مواضيع ذات صلة مواقف الغرب من توسيع البريكس: بين الخشية وعدم الاكتراث 26.08.2023تعتزم دول مجموعة البريكس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ضم ست دول جديدة منها ثلاث دول عربية لتكتلها مع بداية العام المقبل. والغرب بين من يخشى النفوذ المتنامي للمجموعة ومن يحاول التقليل من خطورتها.
قمة بريكس.. لماذا تتنافس السعودية ودول أخرى على عضوية المجموعة؟ 22.08.2023يرى خبراء أن مجموعة بريكس تمثل كيانا موازيا، وتسعى لأن تكون بديلا، للمؤسسات المالية الدولية الواقعة تحت سيطرة الغرب، وبأن هدفها تقديم بديل لنظام القطب الواحد. فهل هي كذلك؟ ولماذا يتزايد التنافس الدولي للانضمام إليها؟
انطلاق قمة دول بريكس الـ15 في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا 22.08.2023انطلقت أعمال القمة الـ15 للدول الأعضاء في مجموعة بريكس، أي الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم. تضم المجموعة كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في حين تطالب عشرون دولة أخرى بالانضمام للمجموعة من بينها السعودية والجزائر ومصر وإثيوبيا وإيران.
تاريخ 30.08.2023 مواضيع الدولار الأمريكي, محمد البرادعي, عبد المجيد تبون, فلاديمير بوتين, عبد الفتاح السيسي, دويتشه فيله , روسيا, مصر, الجزائر, روسيا كلمات مفتاحية الجزائر, عبد المجيد تبون, مصر, البرازيل, بريكس, الدولار, روسيا, السيسي, البرازيل., دويتشه فيله, DW عربية إلى المحرر طباعة طباعة هذه الصفحة الرابط https://p.dw.com/p/4VicZ الرئيسية أخبار سياسة واقتصاد ثقافة ومجتمع علوم وتكنولوجيا بيئة ومناخ صحة رياضة تعرف على ألمانيا منوعات المواضيع من الألف إلى الياء صوت وصورة بث مباشر جميع المحتويات أحدث البرامج تعلُّم الألمانية دروس الألمانية الألمانية للمتقدمين Community D علّم الألمانية تلفزيون جدول البرامج برامج التلفزيون اكتشف DW رسائل إخبارية خدمات التنزيل DW موبايل استقبال البث شروط الاستخدام© 2023 Deutsche Welle | حماية البيانات | توضيح إمكانية الوصول | من نحن | اتصل بنا | نسسخة المحمول
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: الجزائر عبد المجيد تبون مصر البرازيل بريكس الدولار روسيا السيسي البرازيل دويتشه فيله الجزائر عبد المجيد تبون مصر البرازيل بريكس الدولار روسيا السيسي البرازيل دويتشه فيله الانضمام إلى بریکس عبد المجید تبون انضمام الجزائر فی الجزائر فی النهایة ما حدث
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. “دعوا الصبيان يلعبون بالـسلاح”!!
#سواليف
“دعوا الصبيان يلعبون بالـسلاح”!!
✍️عند سئل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ” #هنري_كيسنجر ” لماذا لا تقوم #أمريكا بدورها الضاغط والمؤثر لإيقاف وحظر توريد #سلاح لكل من #إيران و #العراق خلال الحرب التي دارت بينهما واستمرت ثماني سنوات من 1980-1988، فكان جواب هنري كيسنجر بابتسامة صفراء: “دعوا #الصبيان يلعبون بالسلاح”. إنه الخبث والمكر بعينه حيث يُراد للطرفين أن يقتلا بعضهما بعضًا وينهكا بعضهما بعضًا، بينما يكون الرابح والمستفيد هو طرف ثالث، وفي تلك الحالة كانت إسرائيل و #أمريكا هما الرابحتان.
✍️ولعلّ سياسة كيسنجر فإنها تصلح لوصف السياسة التي تعتمدها حكومة إسرائيل حيال #حرب_العصابات و #الجرائم وسفك الدماء التي تجري في داخلنا الفلسطيني منذ العام 2000 وما يزال في تصاعد غير مسبوق، حيث القتلى والجرحى والأيتام والأرامل، وتمزيق نسيج المجتمع وتقطيع الأواصر والشعور بالقلق والخوف والتفكير بالهجرة، هذه كلها وغيرها جزء من الفاتورة الغالية التي يدفعها شعبنا ويسددها بسبب اعتماد سياسة انفلات السلاح، بل وسهولة الوصول إليه وانتشار الجريمة ودوامة بل لعنة العنف التي نزلت بنا، ليست صدفة ولا هي نزلت علينا من السماء، وإنما كانت سياسة رسمية حتى لو لم يتم الإعلان عنها بل حتى لو تم نفيها وإظهار دموع التماسيح والتباكي على ضحايا هذه اللعنة.
✍️كانت المحطة الفارقة في اعتماد هذه السياسة في العام 2000 حيث هبة القدس والأقصى التي اندلعت بعد اعتداء شارون وتدنيسه للمسجد الأقصى المبارك، وكانت وقفة أبناء شعبنا في الداخل مع وقفة الكلّ الفلسطيني ضد انتهاك شارون للمسجد الأقصى. فكان أن قابلت شرطة إسرائيل المتظاهرين السلميين من أبناء شعبنا بالبارود والنار، فقتلت ثلاثة عشر شهيدًا ارتقوا من أبناء الداخل الفلسطيني، وقتلت غيرهم المئات من أبناء شعبنا في القدس الشريف والضفة الغربية وقطاع غزة.
✍️كانت وقفة أبناء الداخل الفلسطيني قد احدثت هزّة في الساحة السياسية الإسرائيلية التي ظنّت بل حلمت بتدجين أبناء شعبنا وترويضهم وأسرلتهم، وإذا بها ترى عكس ذلك عبر مظاهر الانتماء للهوية الإسلامية الدينية والهوية الوطنية الفلسطينية. يومها كانت الانعطافة واعتماد سياسة “لماذا نقتلهم نحن فيكونون أبطالًا، فليقتلوا بعضهم بعضًا فيكونوا أرقامًا. ولماذا نقتلهم فيكونون في أعين الشباب شهداء، فليقتلوا بعضهم بعضًا فيكونوا مجرد أسماء، وإلا…فمن يفسر لنا؟
????فمن يفسّر لنا النقلة النوعية في عدّاد القتلى حيث أنه بين الأعوام 1980-2000 فإنها لم تسجل في تلك العشرين سنة سوى 85 جريمة قتل في كل الداخل الفلسطيني من النقب جنوبًا وحتى الجليل شمالًا، بينما ومنذ العام 2000 وحتى العام 2020 فقد ارتكبت في العشرين سنة أكثر من 1600 جريمة قتل. ومنذ العام 2020 وصاعدًا فقد تجاوزت أعداد القتلى في السنة الواحدة أكثر من 200 جريمة قتل، وبلغت في العام 2024 قريبًا من 240 جريمة قتل، وها نحن في الأيام الخمسين الأولى من العام 2025 فقد بلغ عدد القتلى أكثر من 30 قتيلًا.
????ومن يفسر لنا أن نسبة تفشي الجريمة في الداخل الفلسطيني تتصدر القائمة العالمية، فلا تشبهها الدول الأكثر عنفًا مجتمعيًا في أمريكا الجنوبية وأفريقيا. فإذا كانت التقارير الرسمية تتحدث عن أن نسبة الجريمة في الأردن قد بلغت تسعه جرائم بين كل مليون مواطن، وفي الضفة الغربية 11/مليون، وفي مصر 17/مليون، وفي لبنان 28/مليون، وفي أمريكا 50/مليون بينما بلغت نسبة الجريمة في الداخل الفلسطيني 100/مليون.
???? ومن يفسر لنا كيف أن دولة كالأردن متواضعة في إمكاناتها التكنولوجية تحت تصرف شرطتها وأجهزتها الأمنية، فإن نسبة الكشف والوصول إلى مرتكبي الجرائم تصل إلى 98%، بينما شرطة إسرائيل ومع إمكاناتها التكنولوجية الهائلة بل والمذهلة فإن نسبة الكشف عن الجرائم لا تصل إلى 13% بينما يسجل الباقي ضد مجهول وتغلق الملفات، وأن أجهزة أمن إسرائيل التي تفاخر بقدرتها على الوصول إلى مرتكبي المخالفات والأعمال العدائية على خلفية قومية بنسبة تتجاوز 90%، بينما تدّعي عجزها عن الوصول لمرتكبي الجرائم وأفراد العصابات التي تعيث فسادًا بين أهلنا وأبناء شعبنا.
???? ومن يفسر لنا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أمثال غلعاد أردان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق الذي تحدث عن قريب من نصف مليون قطعة سلاح بين أيدي جماعات وعصابات الجريمة المنظمة وعصابات الخاوة والعربدة وتجار المخدرات، وأن أكثر من 70% من هذا السلاح مصدره مخازن الجيش والشرطة الإسرائيلية، وكأن هذه المخازن تعيش حالة تسيّب ومن السهل اقتحامها والسرقة منها، والحقيقة أن هناك تعمدًا في التسهيل على هذه العصابات بالوصول إلى هذا السلاح الذي يعلمون أنه لا يهدف من يقتنيه إلا لاستخدامه في نزاع العصابات أو العائلات بهدف تمزيق نسيج شعبنا وضرب وحدته وتكاتفه.
✍️ إن ما حصل بعد العام 2000 إذن لم يكن وليد جرعة زائدة من الشرّ تناولها أبناء شعبنا فقلبت حياتنا رأسًا على عقب، ولا هو طفرة وخلل في الجينات عند المواليد فأصبحوا يولدون مع ميول للجريمة والعدوانية وسفك الدم، ولا أن شعبنا قد اتخذ قرارًا استراتيجيًا تحول بموجبه إلى مجتمع شرير ودموي وعنيف وتحول شبابه إلى قتلة وأشرار ومجرمين. وعليه فإنني لا أتردد بالقول أن قادة المؤسسة الإسرائيلية الذين نظروا دائمًا إلى أبناء الداخل الفلسطيني الذين بقوا بعد النكبة بأنهم خطر استراتيجي، وأن عدم طرد وتهجير كل الفلسطينيين في العام 1948 كان خطئًا استراتيجيًا، لذلك فإن كان فاتهم تنفيذ مشروع التهجير، وإن كانوا قد فشلوا بعدها في مشروع الأسرلة والتهويد، فإنهم قد عوّضوه وتداركوه بتنفيذ مشروع التفكيك والتفتيت، وما حالة العنف والجريمة التي تنتشر بين أبناء شعبنا في الداخل إلا المشهد الواضح والدليل الصارخ على سياسة التفكيك والتفتيت حيث آثارها جلية واضحة.
????سيف السلطان وسيف القرآن
✍️إن المجتمع أي مجتمع، من أجل أن يكون مترابطًا، فإنه لا بد من الضرب على يد من يسعون لضرب نسيجه ومن يعيثون فيه فسادًا، فلا يُعطى لهؤلاء الفرصة بتنغيص عيش أكثرية أفراد المجتمع. وإن هذا لا يتأتى إلا عبر استخدام مقولة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. فإذا كان من الناس من يردعهم الدين والضمير والحياء المجتمعي من أن يوغلوا في أخطائهم ويتمادوا فيها وهو سيف الدين والقرآن، فإن آخرين لا يصلح معهم ولا يستقيم أمرهم ولا يضبطهم إلا سيف السلطان وهو القانون الرادع والقصاص والعقوبة تنزل بهم.
✍️ولأننا نحن أبناء الداخل الفلسطيني نعيش حالة استثنائية وعجيبة ونادرة ولعلّ ليس لها مثيل في وبين شعوب الأرض كلها، حيث ومع أننا نحمل صفة المواطنة وما يجب أن يترتب عليها من حقوق وفي مقدمتها حمايتنا وحماية أرواحنا وأموالنا، إلا أن الحقيقة والواقع يقولان أن الدولة وأنظمتها وسياسة حكومتها وقانونها تنظر إلينا بل وتتعامل معنا كأعداء، وبالتالي فإننا نحتاج إلى من يحمينا من قوانين وسياسات الدولة التي يجب عليها هي أن تحمينا لا أن تعادينا وتخطط لنا خططًا سوداء وتسن القوانين والتشريعات التي تنضح بالعداء والكيد لنا.
???? يا أبناءنا ويا شبابنا:
✍️ فلأن سيف السلطان “حكومة إسرائيل” وبدل أن يسلَّط على رقاب القتلة والمجرمين فإنه يسلَّط على رقاب أبناء شعبنا، وعليه فإنه لا يبقى لنا وأمامنا إلا شحذ سيف القرآن والوازع الديني والتربية الإيمانية نغرسها في نفوس أبنائنا وشبابنا لتحرّك فيهم معاني الصلاح والخيرية والأصالة بدل مظاهر العنف والجريمة والأنانية والشهوانية والضياع.
✍️ فيا شبابنا يا أحبابنا، إننا نذكركم بقول الله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} آية 32 سورة المائدة. {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} آية 68 سورة الفرقان. {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} آية 28 سورة المائدة. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} آية 92 سورة النساء. وإننا نذكركم أن في آية من كتاب الله تعالى خمسة بشارات عاجلة للقتلة والمجرمين، وأنه سبحانه لم يتوعد في آية واحدة أحدًا من الخلق مثلما توعّد القاتل {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ..:
{جَهَنَّمُ}، {خَالِدًا فِيهَا}، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}، {وَلَعَنَهُ}، {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} آية 93 سورة النساء.
✍️ وإننا نذكركم أيها الشباب بقول رسولكم محمد ﷺ في بيان حرمة الوقوع في دم مسلم: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”. وقال مخاطبًا الكعبة الشريفة: “والله إن لك عند الله حرمة ولكن حرمة دم مسلم أعظم عند الله من حرمتك”. وقال: “لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار”. وقال: “لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم”.
????أي جهل وأي طيش؟!
✍️عن قيس بن حازم وعامر الشعبي قالا: قال مروان بن الحكم لأيمن بن حزيم الأسدي: ألا تخرج تقاتل معنا؟ فقال إن أبي وعمي شهدا بدرًا وإنما عهدا إليّ ألا أقاتل أحدًا يقول لا إله إلا الله، فإن أنت جئتني ببراءة من النار قاتلت معك، فقال له مروان بن الحكم: أخرج عنا فخرج وهو يتمتم ويقول:
ولست بقاتل رجلًا يصلي على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعليّ إثمه معاذ الله من جهلي وطيشي
أأقتل مسلمًا في غير جرم فليس بنافعي ما عشت عيشي
????فأي جهل وأي طيش أن يقتل مسلم مسلمًا من أجل أن يكون قريبه مسؤولًا أو رئيسًا أو ملكًا، فذاك يتبوأ المقعد والكرسي بينما القاتل يتبوأ مقعده من النار.
???? وأي جهل وأي طيش أن يقتل مسلم مسلمًا من أجل المال وهو يعلم أن هذا المال سيتركه لورثته بينما يلقى الله يوم القيامة مكتوبًا على جبينه “آيس من رحمة الله”.
???? فأي طيش أيها الشاب الذي غرر بك المجرمون بالمال مقابل أن تقتل بريئًا لأنهم لم يستطيعوا قتل غريم لهم فأرسلوك لتقتل أخاه أو ابنه، فاتق الله وقل لنفسك:
أأقتل مسلمًا في غير جرم معاذ الله من جهلي ومن طيشي
????ليس على حساب دم أبناء شعبنا
✍️إننا نسمع أصواتًا مبحوحة من بيننا ممن يريدون الوصول إلى كرسي الكنيست عبر الادعاء أن الدخول في ائتلاف حكومي من الأحزاب الصهيونية واليمينية هو الضامن لانتهاج سياسة تقوم بملاحقة المجرمين وإيقاف سفك الدم. إن هؤلاء يقولون بملء الفم أنه من أجل إيقاف لعنة العنف فلا بد لكم أن تدفعوا الثمن وأي ثمن، إنه الدخول في ائتلاف حكومي قد أعلن ويعلن الحرب على أبناء شعبنا في غزة والضفة، ويطلق يد من يدنسون المسجد الأقصى المبارك، فكيف لنا أن نفرق بين الدم الفلسطيني؟ وهل نريد منهم إيقاف مشروع قتلنا مقابل أن نغض الطرف بل أن ندعم حكومة تقوم بقتل أبناء شعبنا في الجزء الآخر من الوطن الفلسطيني؟ وكيف لهؤلاء أن يكونوا جزءًا من ائتلاف حكومي وقد كانوا، بينما هذه الحكومه ترمّل نساءنا وتيتّم أطفالنا وتقتل شبابنا وتهدم بيوتنا هناك في الضفة وغزة، وتدنس أقصانا بزعم أنهم سيضعون خططًا لإيقاف مشروع ترميل النساء وتيتيم الأطفال في الداخل الفلسطيني. إنها سياسة خرقاء ونظرة أنانية وانحراف خطير في البوصلة عند هؤلاء.
✍️إن من اعتمدوا منطق وسياسة “دعوا الصبيان يلعبون بالسلاح” في حرب العراق وإيران، وحرب الأشقاء لبعضهم في السودان واليمن ومن يخططون لذلك في سوريا، هم الذين يفركون أيديهم فرحًا وهم يرون عدّاد الدم يرتفع صباح كل يوم في داخلنا الفلسطيني، هؤلاء لا يمكن أبدًا أن يكونوا من يشعل النار ومن يُنتظر منهم إطفاءها. فهل سمعتم أن أحدًا يبحث عن الماء في أتون النار، وقد قال الشاعر:
فلا ترجُ السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء.
✍️اللهم اكفناهم بما شئت وكيفما شئت يا رب العالمين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.