الظاهر بيبرس.. من أكبر جوامع عصره إلى مذبح للإنجليز
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
يُعد السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى أحد أشهر سلاطين دولة المماليك البحرية، فهو صاحب الواقعة الشهيرة التى فيها قتل السلطان سيف الدين قطز قائد موقعة عين جالوت، ثم هو الفارس الذي لا يُشق له غبار الذي واجه الصليبيين تارة والمغول تارة أخرى، ثم تولى حكم مصر وحولها إلى إمبراطورية ضخمة، فقد نقل إليها مقر الخلافة وسيطر تمامًا على ولايات الشام، وأصبحت مصر في عهده دولة يُشار إليها بالبنان.
هو الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائى البندقدارى الصالحى النجمي، حكم مصر عام 658هـ / 1260 م، بعد معركة عين جالوت، وقد أحيا الخلافة العباسية بأن نقل مقرها إلى القاهرة بعد أن كان قد قضى عليها المغول في بغداد، وحمل لقبًا جديدًا يُضاف إلى ألقاب سلطان مصر وهو قسيم أمير المؤمنين، وأنشأ نظامًا إداريًا جديدًا للبلاد، وحاز بيبرس على حب الشعب المصرى واشتهر شعبيًا وصارت له سيرة شعبية متداولة عن بطولاته وانتصارته.
وكان لبيبرس رنك خاص به، والرنك هو العلامة أو الشعار، وكانت علامته هى الفهد، والتى نجدها تزين مبانيه وكل ما تركه من آثار، ويبدو أن الرنك الخاص بالظاهر بيبرس انعكاسًا لاسمه، فهو اسم تركى من مقطعين الأول "باي" أى الأمير والثانى "بيرس" أى الفهد، فبيبرس مثله مثل معظم المماليك البحرية من قبائل الترك المنحدرة من بلاد القابجاق كازاخستان حاليًا، والذين يعتبرونه الآن جدهم الأكبر.
منشآته ومبانيهللظاهر بيبرس عدد من المبانى الباقية أشهرها بقايا مدرسته في شارع المعز لدين الله الفاطمي، والتى لا تزال تحمل الرنك الخاص به «الفهد»، ومسجده الضخم في حى الضاهر، وقناطره الشهيرة في أبو المنجى قرب شبرا الخيمة، أما جامعه في حى الضاهر، والذي حمل هذا الاسم نسبة إلى الجامع نفسه.
فقد أمر ببنائه السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى عام 665هـ / 1277م، وكلف اثنين من المهندسين بإتمام هذا الصرح وهما بهاء الدين بن حنا، وعلم الدين سجر الشجاعي، وقد اختار هذا المكان لإقامة جامعه لأنه المكان الذي كان يلعب فيه الكرة فأنشأ الجامع وجعل باقى الميدان وقفًا عليه.
الجامع عبر العصوربعد وفاة السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس، أُهمل جامعه في عهود الحكام التاليين عليه، خاصة وأن أبناءه الذين تولوا الحكم من بعده وهما السعيد بركة وبدر الدين سلامش، لم يكونا بالقوة الكافية للحفاظ على ملك أبيهما، ثم كان من أعقبهما في الحكم وهو المنصور سيف الدين قلاوون السبب في خلعهما، فمن المنطقى ألا يعتنى بإنشاءات أبيهما، وهكذا أُهمل الجامع إهمالًا شديدًا على مر العصور.
العصر العثمانيبدأت أولى عمليات ترميم جامع الظاهر بيبرس البندقدار في العصر العثماني، حيث صدرت وثيقة في عام 1018هـ، بترميم رواق القبلة، وبالفعل تمت عملية الترميم وتم وضع أحجبة خشبية على رواق القبلة كالتى موجودة بالجامع الأزهر الشريف.
الحملة الفرنسيةفي زمن الحملة الفرنسية تم تحويل الجامع إلى قلعة، ووضعوا عليه المدافع، وتم هدم مئذنته، وحولوه إلى قلعة، وتم تحويل الجامع من الداخل إلى أماكن لمبيت للجنود.
عصر محمد عليفي عصر محمد على باشا تم تحويل الجامع إلى معسكر لطائفة جنود سنغاليين يقال لهم «التنكازية»، ثم تم تحويله إلى مصنع للصابون، وتم نقل عدد كبير من أعمدته إلى الجامع الأزهر حيث تم استخدامها في بناء رواق الشراقوة، وهو الرواق الذي تم إنشاؤه بسبب الصراع الشهير بين الشيخ الشرقاوى وأحد الأئمة.
أثناء الاحتلال الإنجليزيوأثناء الاحتلال الإنجليزى على مصر عام 1882م تم تحويل الجامع إلى مذبح، وكان الغرض من ذلك هو إبعاد مسألة ذبح الحيوانات عن الشوارع والأحياء وتجميعها في مكان واحد، وأطلق على الجامع «مذبح الإنجليز»، وصار معروفًا بهذا الاسم إلى الآن.
لجنة حفظ الآثار العربيةفي عام 1893م، اهتمت به لجنة حفظ الآثار العربية، وهى اللجنة التى أنشأها الخديو محمد توفيق، ثم اهتم بها وأنفق عليها الخديو عباس حلمى الثاني، واهتمت اللجنة بالجامع وبدأت أولى المحاولات الحقيقية لإرجاعه إلى أصله، فأزالت منه أى مبنى مستحدث.
وقد كانت الحكومة المصرية في هذا الوقت وافقت على جعل مبانى جامعة القاهرة في صحن الجامع، ولكن اللجنة عطلت هذا الإجراء، وأزالت كل المبانى المستحدثة، ثم في الستينيات من القرن الماضى أصبح الجامع مجرد ممرًا يؤدى إلى إحدى الحدائق العامة.
وصف الجامع وما تبقى منهوقد أورد المقريزى وصفًا للجامع، حيث قال إنه يبلغ 103 × 106 أمتار، أى ما يقرب من 11 ألف متر، والمتبقى منه على حالته الأصلية جدرانه الخارجية، وتشعر بأنها تشبه أسوار الحصون بالعصور الوسطى، إذ أراد الظاهر بيبرس تخليد ذكرى انتصاراته على الصليبيين من خلال تصميم الجدران بهذا الشكل.
وقد استورد الخشب والرخام الخاص بالجامع من يافا، وكذلك تبقى بعض الشبابيك الجصية فهى أصلية، وهى ذات زخارف نباتية بديعة الأشكال والألوان، ومداخل الجامع ثلاثة وهى باقية على حالتها الأصلية، وكذك النصوص الكتابية على تلك المداخل أصلية، وكذلك النصوص التأسيسية وجزء من رواق القبلة أصلى بحوائطه ودعاماته.
بدأت الدولة المصرية منذ عام 2007 مشروع ترميم كام لجامع الظاهر بيبرس البندقداري، وذلك بالتعاون مع دولة كازاخستان، وقد توقفت تلك الأعمال في عام 2011 للظروف التى كانت تمر بها البلاد، ثم تم استئنافها منذ عام 2016، وهى التى انتهت بشكل كامل والجامع سيتم افتتاحه بشكل رسمى قريبًا وهو مفتوح الآن لأداء الصلوات.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جامع الظاهر بيبرس مذبح عين جالوت الظاهر بیبرس
إقرأ أيضاً:
وزير خارجية تونس يزور جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي
زار محمد علي النفطي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في تونس، والوفد المرافق، جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي.
وتجول الوزير والوفد المرافق، يصطحبهم الدكتور يوسف العبيدلي، مدير عام مركز جامع الشيخ زايد الكبير، في قاعات الجامع وأروقته الخارجية، حيث تعرفوا على رسالته الحضارية الداعية إلى التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر، والمنبثقة من مآثر وقيم الوالد المؤسس، والدور الكبير لمركز جامع الشيخ زايد الكبير في التعريف بالثقافة الإسلامية السمحة، ومد جسور التقارب مع ثقافات العالم المختلفة، وما يتميز به عن غيره من دور العبادة. تاريخ التأسيسواطلع على تاريخ تأسيس الصرح الكبير، وجماليات الجامع وبديع فنون العمارة الإسلامية التي تجلت بوضوح في جميع زواياه، وما يحويه من مقتنيات فريدة، وأروع ما جادت به الحضارة الإسلامية على مر العصور من فنون وتصاميم هندسية، التقت على اختلافها وتنوعها في تصميم الجامع، لتعكس جمال انسجام الثقافات وتناغمها في عمل إبداعي واحد.
رمزية خاصةوعلى هامش الزيارة قال محمد علي النفطي: "تشرفت اليوم بزيارة هذا الصرح الديني الكبير، والذي له رمزية خاصة، لأنه يحمل شعار التسامح والتعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين، جامع الشيخ زايد الكبير هو منارة دينية وعلمية، يصل نورها لكافة أنحاء العالم".
وفي ختام الزيارة، أهدي ضيف الجامع، نسخة من كتاب "جامع الشيخ زايد الكبير.. دفق السلام"، أحدث إصدارات مركز جامع الشيخ زايد الكبير، والذي يصطحب القراء في رحلة مصورة للتعرف على جماليات الفن الهندسي المعماري للجامع، من خلال مجموعة من الصور الفائزة بجائزة فضاءات من نور، التي تسلط الضوء على الفن المعماري الفريد للجامع.