"برامج الواقع" تشبه إلى حد ما عروض السيرك التي تقودها مجموعة من المهرجين والبطالين وكل همهم الظهور في دائرة الأضواء.
امتلأت الفضائيات العربية ببلاتوهات وبرامج تافهة، بلغت ذروة خوائها في العقدين الأخيرين، تزامناً مع ظهور المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وباتت الفضائح وتصفية الحسابات، والهجمات المغرضة والعدائية، والسب والشتم والثلب والثرثرات المغرضة، مادة دسمة تفتح شهية المنتجين، وتثير حماسة المشاهدين والراغبين في تحقيق الشهرة على حساب كرامتهم وانتهاك خصوصيات غيرهم ونشر "غسيلهم القذر".
المفارقة أن يطلق على هذه "الظاهرة التلفزيونية" الهزيلة مصطلح "برامج الواقع"، وتعرض على أنها برامج مسلية ومثيرة للضحك، وتحظى بشعبية كبيرة لدى الجماهير، على الرغم من أنها تسهم في تشجيع العنف والتعصب، وغالباً ما تعرض صراعات وتوترات بين المشاركين فيها، وتبادلاً للشتائم والاتهامات وخطابات الكراهية، ما يعزز ثقافة الانقسام الاجتماعي والسياسي والطبقي والعرقي والنوعي، سواء كان ذلك من قبل المشاركين أو حتى مقدمي البرنامج أنفسهم.
البعض من النقاد يزعم أن "برامج الواقع" لا تستحق هذه الضجة التي أثيرت حولها، وأنها مجرد أحد تجليات الواقع المعيش، ومرآة لثقافة المجتمعات الأكثر طبيعية وشمولية، ويقول آخرون إن المبالغة في انتقاء "لغة المشاركين" وتوجيه سلوكياتهم تفقد تلك البرامج صبغتها الواقعية.
من السهل جداً عند الحديث عن هذا النوع من البرامج التذرع بنسبة عدد المشاهدين كدليل على نجاحها، لكن إذا فهمنا السبب بطل العجب، فتلك البرامج تشبه إلى حد ما عروض السيرك التي تقودها مجموعة من المهرجين والبطالين وكل همهم الظهور في دائرة الأضواء، من دون أي مبالاة بالمعايير القيمية للثقافات والمجتمعات.
والأمر الأقل وضوحاً بالنسبة إلى برامج الواقع هو كيف يمكن أن تؤدي إلى تشويه الواقع لدينا، عندما تصبح مجرد فضاءات تمضي بلا سيطرة، وتعج بالأشخاص الكارهين والناقمين على بعضهم البعض وتشكل وجهات نظر أشمل، قد تؤثر على معتقدات أجيال بأكملها وعلاقاتهم الاجتماعية، وتؤدي إلى تغيير منظومات القيم والأخلاق.
في برنامج شهير يعرض حالياً على قناة تونسية خاصة، تعمدت مقدمة البرنامج إحضار نص طويل مكتوب باللغة الإنجليزية، لا لشيء سوى لتحرج إحدى المشاركات، وفرضت عليها قراءته أمام الجماهير، لتختبر إن كانت بالفعل تقيم في بريطانيا أم لا؟ ووضعتها في موقف لا تحسد عليه، ثم طالبتها بالإفصاح عن المبلغ المالي الذي صرفته لتبرز مفاتن أنوثتها.
هذه النوعية من الأسئلة "ماسطة لاسطة" (ماسخة ودون طعم) على حد تعبير التونسيين، ومزعجة بشكل لا يستهان به، ليس فقط لأنها تقتحم خصوصيات الناس، بل لأنها تعد مثالاً جيداً على الطريقة التي تتعاطى بواسطتها برامج الواقع مع طبيعة النقاشات الدائرة حول حياة الناس الشخصية ويومياتهم السطحية، وممارستها كنوع من العنصرية الخفية التي تدل عليها الخطابات والسلوكيات، وهناك فرق كبير بين "وجهة النظر المغايرة" وأن تحمل وجهة نظر متعصبة، مسيئة ومتخلفة ومتحاملة، من دون إيجاد حيز لمناقشة التجارب الحياتية القيمة والمختلفة وكسر حواجز الصور النمطية، وتغيير مسار النقاشات المتعلقة بالتمييز على أساس المظهر وشكل الجسم.
بإمكان برامج الواقع القيام بدور محوري في تفكيك وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة والبالية، لكن مثل هذا الأمر صعب وطويل ومعقد ووزره كبير إذا لم تتخذ خطوات في الاتجاه الصحيح لتنقية الواقع من وهم برامج الواقع.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
ألعاب الواقع المعزز تجربة استثنائية في «مهرجان أم الإمارات»
تامر عبد الحميد (أبوظبي)
يواصل «مهرجان أم الإمارات»، تجارب الترفيه والمرح لكل العائلة، في دورته الثامنة التي تقام على كورنيش أبوظبي، ضمن فعاليات مفعمة بالطاقة والحيوية والتجارب الفريدة تحت شعار «فوق الخيال»، تجمع بين الترفيه والتقنيات الحديثة، ومن أبرز الأنشطة التي شهدها المهرجان هذا العام ألعاب الواقع المعزز من «مومينت فاكتوري» التي تقام للمرة الأولى في الشرق الأوسط، والتي أضافت بُعداً تفاعلياً وتقنياً استثنائياً لفعاليات المهرجان.
مزيج رائع
شكلت ألعاب الواقع المعزز المقامة في منطقة التشويق، مزيجاً رائعاً بين التكنولوجيا الحديثة والتجارب الرياضية والترفيهية، وتضمنت مجموعة واسعة من الأنشطة التفاعلية التي تعتمد على دمج الواقع الافتراضي بالعالم الحقيقي، من خلال ألعاب تفاعلية، يشارك فيها من شخصين إلى 8 أشخاص في كل لعبة، لعيش أجواء من التحدي والتشويق.
إسقاط ضوئي
وبعيداً عن الأجهزة اللوحية والنظارات الذكية، فقد وفّرت «مومينت فاكتوري» خوض التجارب التفاعلية المعززة تقنياً باستخدام تقنية الإسقاط الضوئي والذكاء الاصطناعي لصنع عوالم رقمية تتفاعل مع الجمهور في الوقت الفعلي، عن طريق تشغيل الألعاب بلوحات أرضية، ويبدأ المشتركون باللعب عن طريق تلامس الأرجل بلوحات اللعبة وباستخدام حركة أجسادهم ما جعلهم جزءاً رئيساً من اللعبة التي تُعرض أمامهم. وقد صممت لتقديم تجارب ألعاب رياضية افتراضية، تجذب عشاق الرياضة وتتيح لهم تجربة واقعية، مع إضفاء لمسات فنية ثلاثية الأبعاد على الألعاب لخوض تجربة بصرية مذهلة للزوار.
تجارب تفاعلية
وحول أثر ألعاب الواقع المعزز على الزوار، قالت أميرة عبدالله المزروعي، مدير تطوير المهرجانات في مكتب فعاليات أبوظبي – «دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي»: استقطب المهرجان هذا العام فعاليات جديدة تُبهر الزوار وتمزج بين الابتكار والمعاصرة والواقع الافتراضي، من أبرزها «مومينت فاكتوري»، التي تقام للمرة الأولى في الشرق الأوسط، وهي مركز لألعاب الواقع المعزز، وتقدم تجارب تفاعلية لا مثيل لها تدمج بين أرض الواقع والعالم الرقمي.
وتابعت: تعزز هذه الألعاب تفاعل الزوار، وتساعد على إشراكهم في المهرجان بشكل فعال، حيث استطاعوا أن يكونوا جزءاً من التجربة بدلاً من أن يكونوا مجرد مشاهدين، إلى جانب أن ألعاب الواقع المعزز التفاعلية تسهم في عملية التواصل بين الأجيال، حيث جمعت الألعاب بتنوعها بين أجيال مختلفة، وحققت المتعة للصغار والكبار باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
منطقة جاذبة
ونوهت المزروعي أن ألعاب الواقع المعزز قد حازت إعجاباً واسعاً من زوار المهرجان، وأصبحت «مومينت فاكتوري» وجهة تفاعلية جاذبة في منطقة التشويق، حيث أبدى الزوار إعجابهم بالطريقة التي تم فيها دمج التكنولوجيا مع الفنون والرياضة، ما جعلها تجربة فريدة تلبي احتياجات مختلف الفئات العمرية.
ابتكار واستدامة
شكّلت ألعاب الواقع المعزز إضافة مميزة في الدورة الثامنة من «مهرجان أم الإمارات»، حيث جمعت بين الترفيه والتعليم وابتكرت طريقة جديدة لدمج التكنولوجيا بالفنون والألعاب الرياضية، وهذه التجارب لم تكن فقط للتسلية، بل أيضاً تعليمية ومُلهمة، وأصبحت مثالاً حياً على كيفية استخدام التكنولوجيا لتعزيز الفعاليات المجتمعية، ما يعكس رؤية دولة الإمارات في الابتكار والتقدم والاستدامة.
وسائط تفاعلية
«مومينت فاكتوري».. شركة عالمية رائدة في مجال تصميم تجارب الوسائط التفاعلية، وقد جذبت زوار «مهرجان أم الإمارات» عبر ألعاب تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والإبداع الفني، تضمنت تجارب تفاعلية مبهرة تمزج بين الواقع الافتراضي والأنشطة الغامرة.