عربي21:
2024-10-03@16:18:45 GMT

فرنسا: السياسة تحت العباءة

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

لا حديث في فرنسا هذه الأيام سوى عن نيجيريا بعد الانقلاب والمدارس الثانوية بعد منع التلاميذ من ارتداء العباءة.

في الأولى تقول باريس إنها تدافع عن الشرعية والديمقراطية في حين أنها تدافع في الحقيقة عن مصالحها الاقتصادية في آخر موطئ قدم لها في غرب إفريقيا، وفي الثانية تقول إنها تدافع عن قيم العلمانية الجمهورية في حين أنها، على الأغلب، تدافع عن جنوحها المتزايد نحو اليمين، متخذة من المسلمين على أراضيها هاجسها الأكبر.



وإن كان مفهوما أن تتصدّر النيجر نشرات الأخبار الفرنسية خاصة بعد دعوات العسكر في نيامي إلى إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها وطرد السفير، فإن الحديث عن العباءة ووقوف المذيع أمام شاشة ليشرح مواصفاتها بأنها فستان نسائي فضفاض بكم طويل وفتحة رقبة ضيقة بدا غريبا فعلا!.

تقول صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية إن وزير التعليم غابريال أتال، وفي أول ظهور تلفزيوني له بعد أسابيع قليلة من تعيينه في هذا المنصب، «ضرب بقوة على الأقل إعلاميا وسياسيا» وهو يعلن الأحد الماضي قرار منع البنات من ارتداء العباءة في المدارس لأنه «عليكم ألا تكونوا قادرين على تحديد دين أي تلميذ عندما تدخل أي فصل مدرسي» كما قال.

هذه «الضربة القوية» ليست بالضرورة في محلّها، على الأقل كما يراها معارضوها من الساسة الفرنسيين أنفسهم، ناهيك عن المسلمين وهم يلمسون التضييق المتزايد عليهم، لاسيما مع تعهّد وزير التعليم، المزهو بدخوله «القوي» على ما يبدو، بإرسال «جملة من النصوص في الأيام المقبلة» حول العلمانية إلى المربّين ومدراء المؤسسات التعليمية.

يرى المناهضون لقرار الوزير أن مشاكل التعليم في فرنسا مختلفة تماما، أقلها النقص المسجّل في عدد الأساتذة، ويقول أحد أبرز هؤلاء جون ليك مالنشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» المعارض إنه «من المحزن أن نرى العودة المدرسية وهي تتعرّض لمثل هذا الاستقطاب السياسي من خلال حرب دينية جديدة لا معنى لها ومفتعلة بالكامل» في حين تساءلت النائبة في البرلمان من نفس حزبه قائلة «إلى أين يمكن أن تمضي شرطة اللباس؟!» معتبرة قرار وزير التعليم «لا دستوريا ومخالفا للمبادئ الأساسية للعلمانية» فضلا عن كونه «علامة لهوس الرفض للمسلمين». أما النائبة والأستاذة الجامعية المؤيدة لقضايا المرأة ساندرين روسو فرأت فيه «رقابة اجتماعية على جسم السيدات والشابات».

أما المؤيدون للقرار فرأوا فيه وجاهة لا شك فيها مستندين في ذلك إلى تقارير «مفزعة» من وجهة نظرهم تشير إلى أن عدد «الانتهاكات» لعلمانية الدولة في فرنسا في تزايد مستمر، حتى أنها ارتفعت بنسبة 120٪ في العام الدراسي 2022-2023 عن العام السابق، وأن عدد إشعارات الاحتجاج بشأنها وصلت بين أبريل/ نيسان ويونيو/حزيران من هذا العام فقط إلى 1892، وهو الرقم الذي يقولون إنه لم يسجّل منذ 2018، تاريخ بدء رصدها وتسجيلها في صفوف التلاميذ في فرنسا البالغ عددهم 12 مليونا.

ومع أن فرنسا أصدرت في 15 مارس/آذار عام 2004 قانونا يمنع أي علامة توحي بالانتماء الديني للتلاميذ، كالقلنسوة على الرأس عند اليهود وقلادة الصليب البارزة عند المسيحيين والحجاب عند المسلمين، واعتبر كافيا جدا ويفي بالغرض الذي أرادته المؤسسة السياسية في فرنسا، إلا أن حكومة الرئيس ماكرون رأت الآن إضافة العباءة مع أنها لا تحمل أي دلالة دينية، حتى وإن اقترنت عند كثيرات بالحجاب، فضلا عن أن المدارس المعنية بها لا تتجاوز 150 من بين 60 ألفا في كامل البلاد. إنها مجرد فستان، قد يعجب البعض وقد لا يعجب، لكن الأكيد أنه خال تماما من أي حمولة دينية مهما كانت، مثلما أكّد ذلك المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، حتى أن سيسيل ديفلو وزيرة التنمية الفرنسية الإقليمية السابقة نشرت صورة لفستان كهذا من إصدار دار «غوتشي» الشهيرة للأزياء لتقول: أنظروا إنه مجرد فستان عادي لكنه فضفاض!!.

قسّمت هذه القضية السياسيين في فرنسا، كما تقول صحيفة «لوموند» والبعض لا يتردد في الإشارة إلى تداعياتها السلبية المنتظرة حتى أن صوفي فينيتيتاي الأمينة العامة لنقابة التعليم الثانوي رأت أنه لا بد من الموازنة بين احترام العلمانية وبين ضرورة إرساء حوار مفيد مع الشباب حتى لا تؤول الأمور إلى إقصاء قاس ودائم لقطاع من التلاميذ الذين قد يتوجّهون إلى المدارس الخاصة أو الدينية، مما يعتبر فشلا ذريعا للتعليم العمومي ككل.

لم يكن وازع تحريك ضجة العباءة خالصا لوجه العلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية بقدر ما كان استكمالا لسلسلة خطابات وممارسات وقوانين استسهلت استهداف المسلمين في فرنسا دون غيرهم، رأى فيها سياسيو اليمين واليمين المتطرف، وهما يقتربان من بعضهما أكثر فأكثر، ذخيرة انتخابية ثمينة ومجزية للأسف.

لقد وصلت «الأصولية العلمانية» عند بعض الفرنسيين إلى درجة لا تبتعد كثيرا عن «الأصولية الدينية» عند «طالبان» فهذه تفرض على النساء ما يلبسنه والأخرى تفرض ما لا يلبسنه!!.

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فرنسا العباءة العلمانية فرنسا اسلام عباءة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

تباين حاد في نهج السياسة الخارجية الأميركية بين هاريس وترامب

تظهر الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 انقساما واضحا في نهج السياسة الخارجية، حيث تبرز مواقف كل من كامالا هاريس نائبة الرئيس، والرئيس السابق دونالد ترامب اختلافات جذرية في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع القضايا العالمية مثل أوكرانيا والشرق الأوسط وإيران والصين.

وتواصل هاريس، المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، دعم الإدارة الأميركية الحالية لأوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية عليها. وقد أكدت على "دعم واشنطن الثابت" للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بما يتماشى مع النهج الذي اتبعه الرئيس جو بايدن في قيادة تحالف دولي لدعم كييف.

في المقابل، يعتقد ترامب – المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري – أن هذه الحرب "ما كان ينبغي أن تحدث"، متعهدًا بإنهائها دون تقديم تفاصيل محددة حول كيفية تحقيق ذلك. كما انتقد إنفاق واشنطن مبالغ طائلة على دعم أوكرانيا، مشيدا بعلاقته السابقة "الجيدة للغاية" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الدفاع عن إسرائيل

وتدافع هاريس عن حق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها" وتؤيد إرسال المساعدات العسكرية الأميركية لها، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أنها لن "تصمت" أمام معاناة الفلسطينيين. كما أنها تدعم جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان وتفضل المسار الدبلوماسي.

من جهته، يقول ترامب إن الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لم يكن ليحدث لو كان في منصب الرئاسة.

ويعد الرئيس السابق بإعادة "السلام العالمي" حال فوزه، ويتهم هاريس بأنها "تكره إسرائيل" وأن سياساتها قد تعرض وجود إسرائيل للخطر.

أما بشأن إيران، فيتهم ترامب إدارة بايدن بالسماح لطهران بـ"الإثراء" على الرغم من العقوبات، ويؤكد أن "ضعف" الإدارة أتاح لإيران مهاجمة إسرائيل مرتين خلال العام الحالي. وتوعد ترامب بـ"تدمير" إيران إذا تعرض مرشح أميركي للأذى من قبل طهران.

ويرى كلا المرشحين أن الصين هي الخصم الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة. وبينما تهدف هاريس للحفاظ على سياسة بايدن الحالية لتحقيق الاستقرار في العلاقات مع بكين، يعرض ترامب موقفا أكثر عدوانية تجاه الصين، لكنه يشكك في دعم الولايات المتحدة لتايوان في حال تعرضت لغزو صيني.

وتشيد هاريس بإعادة إرساء تحالفات الولايات المتحدة مع شركائها الدوليين، وخاصة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال ولاية بايدن.

في المقابل، شهدت ولاية ترامب انسحاب واشنطن من العديد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف، بما في ذلك اتفاقيات المناخ والبرنامج النووي الإيراني. كما شجّع بوتين على "فعل ما يريده" إذا لم تفِ الدول الأعضاء في الناتو بالتزاماتها المالية.

وستحدد نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى حد كبير النهج الذي ستسير فيه الولايات المتحدة بشأن سياساتها الخارجية.

مقالات مشابهة

  • يتحدثون في السياسة والعسكرة دون اختصاص
  • تباين حاد في نهج السياسة الخارجية الأميركية بين هاريس وترامب
  • بعد 5 قرون من فصل الدين عن الدولة.. هل استنفدت العلمانية زمنها؟
  • سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية: مشروع قرار لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون
  • تدرُّج دبلوماسية النار.. تدحرُج ملح السياسة
  • الحرب و السياسة و المتغيرات التي أحدثتها
  • الرئاسة الفرنسية: نحشد مواردنا العسكرية في الشرق الأوسط لمواجهة التهديد الإيراني
  • روسيا: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فشل ذريع
  • مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: يجب وقف إطلاق النار في جميع أنحاء المنطقة فورا
  • كيف يمكن إنجاح السياسة الصناعية الأوروبية؟