لماذا أرغم الجيش السوداني على الحرب وخطل موقف لا للحرب
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
تصر قيادات قوى الحرية والتغيير التي تصدرت المشهد بعد ثورة ديسمبر أنهم ومنذ فجر الثورة كانوا ينادون بدمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة، و يستشهدون على ذلك بإعادة نشر منشوراتهم و مواثيقهم و لقاؤاتهم المسجلة معتقدين انهم بذلك قد قاموا بما ينبغي لتجنب هذه الحرب.
و لكن الواقع و ما جرى منذ الثورة يشير الى العكس تماما.
قامت قوى الحرية و التغيير و حلفاؤها منذ الثورة بلعب لعبة التوازنات مع الجيش السوداني مستغلين زخم الثورة و الضغوطات الدولية، بالاضافة الى قوات الدعم السريع لتصفية حساباتهم السياسية مع خصمائهم في التيار الاسلامي، و ما حدث حينها اما ان يعتبر سوء تقدير شديد بافتراض حسن النية، او خيانة و عمالة بافتراض القصد و العمد.
فقد استغلت قوى الحرية و التغيير قوات الدعم السريع في فرض تفكيك مؤسسات حيوية كانت تشكل نوع من التوازن و تحد من توسع قوات الدعم السريع بحرية مطلقة، أتحدث هنا عن جهاز الأمن و المخابرات، و قوات الدفاع الشعبي، و العديد من الاحالات للمعاش و احيانا الرمي خلف القضبان لقيادات داخل الجيش في حالة ظهور بوادر تمرد و تململ ضد قوات الدعم السريع.
و ان كانت هي مطالب الشعب بتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ابان الثورة، غير اننا لم نسمع بهتافات تطالب بحل قوات الأمن و هيئة العمليات، و ان كان الهتاف يقول: “الدم الدم لكلاب الأمن” فهو على ظاهره لا يطالب بحل جهاز الأمن و المخابرات العامة و إنا محاسبة منسوبيه على ما إرتكبوه من جرائم وفق ما يقتضيه القضاء السوداني و إنفاذ القانون مع الحفاظ على المؤسسة و ضخ دماء جديدة فيها و اصلاحها بما يقتضي و مصلحة الشعب السوداني. و نحن طبعا سمعنا الهتاف الآخر بوضوح شديد “العسكر للثكنات و الجنجويد ينحل”
إن شروع قحت في تفكيك هذه المؤسسات، وجد فيه حميدتي ضالته في تنظيف الطريق من كل ما من شأنه ان يقف في طريق إقامة مملكته الخاصة، و قد إستغل الرجل الفرصة و صرح انه مع قطار الثورة و انه لا يمانع من دمج القوات داخل الجيش في محاولة لخطب ود قوى الحرية و التغيير و قد نجح في ذلك و نال ثقة الحرية و التغيير لدرجة تثير الحيرة.
ان المضي قدما في هذه الخطوات اتاح لحميدتي مساحة واسعة من الحركة مكنته من التوسع، كما انه و بغياب جهاز الامن و المخابرات، تمكن من اختراق الجيش السوداني مخابراتيا و تنبؤ بالانقلابات العديدة التي كان دافعها الأساسي هو الحد من توسع قوات الدعم السريع، و اصبحت البلاد مشاعا للدول الاجنبية لتمرير اجندتها عبر مليشيات الدعم السريع مقابل الدعم المادي السخي و التلميع الإعلامي.
ثم في خطوة غريبة اخرى، تم توكيل حميدتي بمسك زمام ملف سلام جوبا، و هناك عقد حميدتي تحالفاته مع الحركات المسلحة و تم إطباق الخطة و التوافق على خنق الجيش السوداني من جميع الاتجاهات.
ثم ما لبث ان وجدنا الحركات المسلحة تتجول داخل الخرطوم في عملية دمج مهزوزة و غير مجودة، ضيقت مساحة الجيش للمناورة بصورة كبيرة ، بينما انتشرت قوات الدعم السريع لتسيطر على معظم المرافق الحيوية بالدولة.
كل هذه الاجراءات في الحقيقة كان تضيق الخناق على القوات المسلحة، و تقوم باعادة ترتيب موازين القوى لصالح قوات الدعم السريع و حلفاؤها من الحركات المسلحة، و قد وجد الجيش نفسه محاطا بخطر وجودي يهدد بمحوه من خارطة النفوذ في السودان.
ان التبرير الذي يسوقه قادة قوى الحرية و التغيير كله مستند على ان قوات الدعم السريع ستدمج داخل الجيش وفقا للإتفاق الاطاري الذي تم التوقيع عليه، و لكنه على أرض الواقع لم يعمل على تحقيق التوازن المطلوب لانفاذه، بل بالعكس كان يتم التهيئة لدمج الجيش داخل قوات الدعم السريع، و قد ركز الاتفاق الاطاري المعيوب على تفاصيل فنية و مدة الدمج و خلافه عوضا عن توفير الشروط الموضوعية التي ستمكن الجيش من فرض عملية الدمج من موقع قوة. و كانت كل ضماناتهم هي ان قيادة الدعم السريع لا اعتراض لديها في فضية الدمج و ان الخلاف في تفاصيل فنية على ابرزها قضية مدة دمج القوات، و جميعا نعلم ان ما هذه الخلافات ما هي الا مناورة سياسية لكسب المزيد من الوقت لمحاصرة الجيش و تضييق الخناق عليه.
عليه فان النقاش حول من بدأ الضربة الاولى و من بدأ الحرب غير ذي معنى، سواء استبق الجيش الحرب او قامت قوات الدعم السريع بتحديد ساعة الصفر و الهجوم مبكرا، فسلوك الفاعلين السياسيين خلال الفتر من بعد الثورة و حتى ال14 من أبريل الماضي قد هيأ الظروف الموضوعية لهذا الاصطدام نتيجة للإخلال بموازين القوى باستهتار شديد و من دون توفير ما يكبح جماح مليشيات الدعم السريع، و كأنهم كتبوا للميليشيا شيك ثقة على بياض.
فما جدوى دعواتكم لايقاف الحرب و قد كنتم وقودها بأفعالكم؟
كتب Muhammad Zain
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی
إقرأ أيضاً:
وسائل إعلام: عشرات القتلى بعد توزيع الدعم السريع طعاما مسموما في ولاية الجزيرة
قالت منصة نداء الوسط المكونة من ناشطين سودانيين، إن حصيلة هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الهلالية في ولاية الجزيرة وسط البلاد بلغت 91 قتيلا، بينهم 12 بالرصاص الحي، والباقون جراء تسمم بطعام وزعته القوات عليهم.
وأفادت في بيان، بأن “مدينة الهلالية أضحت سجنا كبيرا يواجه من بداخله موت محتوم” جراء هجوم الدعم السريع.
وأضافت، “يعاني المواطنون من حصار فرضته عليهم قوات الدعم السريع منذ 14 يوماً بعد اقتحام المدينة، حيث يفتقدون لأبسط وأقل مقومات الحياة، إضافة لانعدام الرعاية الطبية والأدوية”.
وتقع مدينة الهلالية شرق نهر النيل الأزرق، وهي من أكبر مدن شرق ولاية الجزيرة، وتبعد حوالي 120 كيلومترا عن العاصمة الخرطوم.
وأكدت المنصة أن "عشرات المدنيين توفوا جراء تدهور حالتهم الصحية، كما ظهرت عشرات حالات التسمم الغذائي عقب تناولهم لطعام قامت قوات الدعم السريع بتوزيعه عليهم".
وبينت أن “قوات الدعم السريع قتلت خلال اليومين الماضيين 12 بالرصاص الحي، وتوفي 79 آخرون جراء تسمم غذائي بعد تناولهم وجبة قدمتها لهم قوات الدعم السريع”.
وطالبت المنصة "المنظمات الإنسانية والدولية بالتدخل من أجل إنقاذ المواطنين المحاصرين في المدينة”، بينما لم يصدر تعقيب فوري من الدعم السريع".
يأتي ذلك مع تصاعد الاتهامات المحلية والدولية في الأيام الأخيرة لقوات الدعم السريع بـ "ارتكاب انتهاكات وجرائم قتل جماعية" بحق المدنيين بولاية الجزيرة.
وتجددت الاشتباكات بين الدعم السريع والجيش السوداني في ولاية الجزيرة في 20 تشرين الأول: أكتوبر الماضي، على خلفية انشقاق القيادي بقوات الدعم أبوعاقلة كيكل وهو من أبناء الولاية، وإعلان انضمامه إلى الجيش.
والأربعاء الماضي، قالت نقابة أطباء السودان، "تواجه مناطق شرق الجزيرة كارثة إنسانية متفاقمة، نتيجة لهجمات عنيفة ومستمرة تشنها الدعم السريع، وتشهد المنطقة حملة انتقامية ممنهجة تستهدف المدنيين، ما أدى إلى مقتل وترحيل الآلاف وتهجيرهم قسريًا".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، سيطرت قوات الدعم السريع بقيادة كيكل، على عدة مدن بالجزيرة بينها “ود مدني” مركز الولاية.
وحاليا، تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من الولاية عدا مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها حتى حدود ولاية سنار جنوبها، وغربا حتى حدود ولاية النيل الأبيض.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 13 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.