انتقاد أممي لمنع ارتداء العباءة بمدارس فرنسا وانقسام بين النخب حول القرار
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
انتقدت الأمم المتحدة قرار فرنسا حظر ارتداء العباءة في المدارس الابتدائية والثانوية.
جاء ذلك في تصريحات صحفية لمتحدثة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مارتا هيرتادو، نقلها موقع أخبار الأمم المتحدة، الثلاثاء.
والأحد، قال وزير التربية الفرنسي غابرييل عطال، في تصريحات لتلفزيون "TF1" المحلي، إنه "لن يسمح بعد الآن بارتداء العباءة في الصفوف المدرسية".
وقالت هيرتادو إن "المعايير الدولية لحقوق الإنسان تنص على ضرورة عدم فرض قيود على المظاهر المرتبطة بالدين أو المعتقد، بما فيها اختيار الملابس، إلا تحت ظروف محدودة للغاية بما فيها تلك المرتبطة بالسلامة والنظام والصحة أو الأخلاقيات العامة".
وأوضحت أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على علم بإعلان فرنسا حظر ارتداء العباءة في المدارس، لكنه "لا يستطيع التعليق بشكل مفصل في الوقت الحالي لعدم وضوح الخطة المعلنة أو كيفية تطبيقها".
وقالت المتحدثة الأممية إن "تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب إدراك الحواجز التي تمنع النساء والفتيات من اتخاذ اختيارات حرة، وتهيئة بيئة تدعم قراراتهن بما في ذلك اختيار الملبس".
والأسبوع الماضي، نشرت وزارة التربية الفرنسية بيانا عن تقرير خاص بتزايد انتهاك العلمانية في المدارس.
وجاء في النص أن "انتهاك العلمانية زاد بنسبة 150 بالمئة" في السنوات الأخيرة، حيث يرتدي الطلاب والطالبات ملابس تشبه العباءة والسترة.
ورأت الوزارة أن ذلك يتعارض مع قانون العلمانية الذي صدر عام 2004 ويحظر الرموز الدينية في المدارس.
وتعتبر فرنسا اللباس الطويل الذي ترتديه الفتيات المسمى بالعباءة "رمزا دينيا"، كما أنها تحظر في الوقت الراهن الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية.
وأثار القرار جدلا بين النخب الفرنسية حيث حذر بعض نواب معسكر اليسار من "شرطة اللباس". لكن القرار لقي ترحيبا شديدا من أحزاب اليمين واليمين المتطرف.
ويرى وزير التربية الفرنسي حسب تصريحاته الإعلامية "عندما تدخل إلى أحد الفصول، لا يفترض أن تتعرف على ديانة أي تلميذ بمجرد رأيته". وقال لباس "العباءة لا مكان لها في مدارسنا، شأنها شأن الرموز الدينية الأخرى". ووعد غابرييل عطال بمساعدة مدراء المؤسسات التربوية على "تطبيق" هذا القرار الجديد، "وفاء لقيمنا ورفضا للطائفية".
واستعرض تقرير لـ"فرانس 24" ذلك الجدل.
اليمين واليمين المتطرف يساندان قرار المنع
كتب إيريك سيوتي، رئيس حزب "الجمهوريون" اليميني (اليمين التقليدي) في تغريدة على تويتر "الطائفية عبارة عن جذام يهدد الجمهورية. لقد طالبنا عدة مرات في السابق بمنع ارتداء العباءة في مدارسنا. أحيي قرار وزير التربية الذي أنصفنا".
إيريك زمور، زعيم حزب "الاسترداد" اليميني المتطرف أكد أن " قرار منع ارتداء العباءة خطوة جيدة في حال تم تطبيقه على أرض الواقع". وأضاف "طالبنا مع أولياء التلاميذ منذ شهور عديدة بمنع ارتداء هذا اللباس بل الذهاب أبعد بفرض زي رسمي موحد على كل التلاميذ لوقف الاستفزازات الإسلامية في المدرسة".
حزب مارين لوبان اليميني المتطرف "التجمع الوطني"، رغم ترحيبه بقرار وزير التربية، إلا أنه اعتبره غير كاف لحل المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة والمجتمع الفرنسي على حد سواء.
وفي هذا الشأن، قال النائب رومان بوبري من منطقة "بوش دي رون": "لم يكن لنا أن نفرح بقرار منع ارتداء العباءة لو ما كنا نعيش سياسة الهجرة المكثفة. هذا القرار يسير في الاتجاه الصحيح لكنه لن يحل المشكلة الأساسية".
"حرب دينية جديدة مفتعلة وسخيفة"
أما في معسكر اليسار، وإن كان وافق عليه العديد من نواب الحزبين الاشتراكي والشيوعي باسم العلمانية، فكانت ردود الفعل عموما معارضة للقرار، لا سيما في صفوف نواب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد. فحذر جان لوك ميلنشون، زعيم هذا التحالف اليساري، من "ظهور حرب دينية جديدة مفتعلة وسخيفة".
وكتب في تغريدة "متى سنتوصل إلى السلم المدني وإلى علمانية توحد ولا تعصب؟". وأضاف "من المحزن أن نشهد عودة مدرسية مسيسة وسط حرب دينية مفتعلة".
من ناحيتها، تساءلت كليمونتين أوتان، وهي نائبة عن حزب فرنسا الأبية "إلى أي مدى ستذهب شرطة اللباس؟" في فرنسا، منوهة أن "قرار غابرييل عطال مخالف للدستور وللمبادئ الأساسية للعلمانية" فيما وصفته على أنه "رفض مهووس للمسلمين".
وأعلن منسق حزب فرنسا الأبية مانويل بومبار أنه سيتم اللجوء إلى مجلس الدولة للطعن في هذا القرار، مشيرا إلى أن "الجمعيات الإسلامية قالت بأن لباس العباءة ليس لباسا دينيا وبالتالي لا يوجد أي خرق لمبادئ العلمانية".
وتابع "ننتظر أشياء أخرى من وزير التربية بدل إثارة المخاوف والتخيلات بخصوص لباس تشير بعض الإحصائيات على أنه لا يخص سوى 0.25 بالمئة من المدارس الفرنسية".
"العباءة شكل من أشكال الموضة وليست لباسا دينيا"
إلى ذلك، استنكر عبد الله زكري، نائب رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي، حظر العباءة في المدارس الفرنسية مطالبا وزارة التربية الفرنسية بإصدار نص يوضح دوافع اتخاذ القرار، نافيا أن يكون هذا الزي رمزا دينيا.
وقال عبد الله زكري "إن العباءة ليست لباسا دينيا بل شكل من أشكال الموضة" وقال إن عطال كان عليه "التشاور مع المسؤولين السياسيين" في هذا الشأن والاطلاع على آرائهم فيه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية فرنسا العباءة المدارس فرنسا مدارس العباءة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ارتداء العباءة فی التربیة الفرنسی الأمم المتحدة وزیر التربیة فی المدارس
إقرأ أيضاً:
عن الخديعة الكبرى وذاكرة العنصريين الصغرى
في قلب الأزمة السودانية الراهنة، يتجلى اختلالٌ عميق في الوعي السياسي والتاريخي، تجسّده بنية ذهنية مهيمنة في المركز الشمالي، اعتادت أن تتموضع كضحية بينما تتجاهل دورها البنيوي في تفكيك الوطن وجرّه إلى الهاوية. هذا “العقل الشمالي” لم تصنعه النخب الإسلاموية، لكنها استثمرت فيه واستغلّت لحظة ارتباكه بعد الحرب، حين أصيب بشلل عاطفي وذهني بسبب هول الجرائم والانتهاكات، التي لم تكن وليدة الفوضى، بل نتاجًا مباشرًا لمخططات الإسلاميين الذين خلطوا الأوراق عمدًا، وأطلقوا سراح المجرمين، وورّطوا القوات النظامية كافة في خيانة الدولة والمجتمع.
لقد أُصيبت تلك النخب بما يشبه فقدان الذاكرة الثقافية (cultural amnesia)، فلم تعد تتفاعل مع الواقع بصفاء معرفي، بل عبر شروخ نفسية تقودها إلى وهم انتصار عسكري قد يُعيد لها امتيازاتها الضائعة. لم تعِ بعد أنها في موقف وجودي هش، وأنها في كل يوم حرب تخسر من رصيدها الجغرافي والديمغرافي والاستراتيجي. ولهذا، بدلاً من أن تبحث عن خلاصٍ تاريخي، اختارت دفن رأسها في الرمال، مستندة إلى خطاب مفكّكين تبريريين أمثال عبدالله علي إبراهيم، الذي لا يضاهيه في جنوب إفريقيا إلا شخصية عنصرية بغيضة كـ Eugène Terre’Blanche، بينما كان الأولى أن تقتدي بنموذج مسؤول كـ F.W. de Klerk، في وعيه بضرورة إنهاء الهيمنة والتأسيس لعدالة تاريخية، شبيهة بما عبّر عنه مفكرون سودانيون من طينة د. منصور خالد (رحمه الله)، ود. النور حمد ود. أحمد التيجاني سيد أحمد.
إن استعادة السودان لعافيته لن تتم إلا بالعودة إلى عمقه الأفريقي، الكوشي والنوبي، الذي طالما اعتبرته تلك النخب عبئًا إثنيًا ودينيًا يُعطّل مشروعها الأيديولوجي الريعي، الذي لا يراعي الروابط الإنسانية ولا المصالح الاقتصادية الاستراتيجية. وكلما أوغل السودان في هذا العمق الحضاري، كلما شعرت هذه النخب بالضياع، لأنّه يسحب البساط من سرديتها المركزية المتعالية.
على طول الطيف الأيديولوجي — من الشيوعي إلى البعثي إلى اليميني والطائفي — تحالفت القوى التقليدية كلها مع المؤسسة العسكرية، لا باعتبارها حارسًا لمصالح الأمة، بل ضامنًا لمكاسبها السلطوية. فلم يكن الجيش أداة لحماية الوطن بقدر ما كان ملاذًا أخيرًا لنظام اجتماعي آخذٍ في التفكك. وكان من الممكن إعادة تعريف العلاقة مع الجيش بعد الثورة، بفرض قيادة مدنية تُخضع لجنة الأمن والدفاع لرئيس الوزراء، لكن ضعف أداء القيادة المدنية وتواطؤها مع قوى الهبوط الناعم مهّد الطريق لانقلاب العسكر، الذين أغرتهم الخلافات البينية وشجعهم تهافت القوى المدنية، فتمادوا في غيّهم وضلالهم دون رادع.
ورغم هذا الاحتقان، الذي غذّته النخب المركزية بخطابها الإقصائي وعدائها التاريخي للريف، فإنّ العلاقة بين الشمال والغرب لم تكن يومًا علاقة قطيعة أو خصام، بل علاقة تبادلية من التفاعل والتأثير؛ فقد أفاد الشمال من الغرب ماديًا وروحيًا، إذ راكم كثير من تجّاره ثرواتهم في أسواق الغرب، كما وصلت إليه بعض الطرق الصوفية والروايات القرآنية من هناك. وبالمقابل، نهل الغرب من معارف الشمال الإدارية ومساهماته الثقافية والفكرية. لا غنى لأحد عن الآخر، ولا يليق بشعب ذي ذاكرة حية أن يسمح لفئة مارقة مثل الإسلاميين (الكيزان المفسدين) بأن تُفرّق بين أهله.
إن الأزمة الحقيقية ليست في الأشخاص أو التنظيمات، بل في العقل السياسي العقيم، الذي تعامل مع الحكم كتوازنات ظرفية لا كفرصة لاجتثاث البنى العميقة للدولة، وتفكيك شبكات الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية. ولولا ذلك، لكان بالإمكان الاستفادة من لحظات الثورة المتكررة (أكتوبر وأبريل وديسمبر)، لكن الجديد هذه المرة أن الريف لم يعد هامشًا سهل الترويض، بل قوة واعية، تملك أدوات التنظيم، وتعرف كيف تفضح الهيمنة وتكشف أساليبها الملتوية.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن فهم الحركة الشعبية شمال إلا بوصفها طليعة لهذا الريف الجديد، في مقابل قوات الدعم السريع التي خرجت، ولو مؤقتًا، من عباءة التوظيف السلطوي، لتطرح نفسها كفاعل سياسي يبحث عن موقع له في مشهد وطني مغاير. وقد تخلل مسارها تجاوزات فادحة لا تُعزى فقط للعنصرية، بل لأخطاء فعلية ارتكبها جنودها في الجزيرة وأم درمان، غير أن الهجوم المتواصل عليها من النخب المركزية لا يخلو من نوايا تبريرية تنزع عن الآخرين مسؤولياتهم، خاصة الجيش، ومغرِضة تُلقي بالجريرة على الريف الغربي ككل.
أما النخب المركزية، فإنها لم تفقد امتيازاتها فقط، بل فقدت أيضًا القدرة على نقد الذات، ولجأت بدلًا من ذلك إلى حِيَلها القديمة، حيث باتت تتذاكى على الأطراف بمزاعم التفوق التاريخي والموروث الثقافي تارة، وباسم القومية والوطنية تارة أخرى، وكأن الوطن مِلكية حصرية لا يُسائلها فيه أحد. لقد تغيّر السودان، ولم تعد هذه النخب قادرة على خداع أحد، لا بخطابها المتعالي، ولا بحنينها إلى “لحظات الصفاء” التي لم تكن إلا لحظات احتكار وهيمنة واحتقار للآخرين. وإذا لم تتوقف عن هذا الانكفاء المرضي (Pathological withdrawal)، فستجد نفسها — هذه النخبة — خارج معادلة الوطن الجديد، معزولة، مشلولة، تندب ذاكرة لم تعد تهم أحدًا.
في خضم هذا الانهيار، يثير العجب موقف بعض مثقفي شرق السودان، الذين لا يزالون يتهيبون منازلة هذه النخب المركزية وكشف هشاشة خطابها، فتُشغلهم بخرافات القرب الإثني، وتمنّيهم بامتيازات لا تأتي، بينما المصلحة الحقيقية للشرق تكمن في الارتباط العضوي بغرب السودان، لا بالتماهي مع مركز بات مريضًا وغير منتج. مد خط سكك حديدية يربط بورتسودان بالجنينة، مثلاً، سيحدث تحولًا جذريًا، ويعيد السودان للعب دوره كممر حيوي لأسواق أفريقيا المأهولة بما يقارب 400 مليون نسمة كانت تعتمد على صادرات السودان قبل أن تدمّر الإنقاذ 22 ألف مصنع في الخرطوم في واحدة من أفظع جرائمها الاقتصادية، وذلك قبل الحرب.
الشمالية، كما الجنوب والشرق والغرب، بحاجة إلى من يُحرّرها من سلطة كيزانية مشبعة بالعنصرية والجمود، لكنها فضّلت أو آثرت التماهي تُقيةً مع خطاب الإسلاميين الإقصائي البليد. أليس هذا هو الشعب الذي أنجب حميد والطيب صالح والصادق الشامي، وحيدر إبراهيم وأزهري محمد علي، وكل الذين أسهموا في إثراء الفكر والثقافة ومناهضة الاستبداد؟ هؤلاء لم ينكفئوا على أقاليمهم، بل مدّوا الجسور مع سائر السودان، وأدركوا أن الهوية لا تتجزأ، وأنّ لا مستقبل لشعب يتخاصم مع نفسه ومع سائر مكوناته.
وإنّ اللحظة الراهنة، بكل تعقيداتها، تفرض على الجميع أن يعيدوا تعريف المواطنة، وأن يفهموا أن وحدة السودان لا تُبنى بخطابات الإخضاع ولا بأوهام الأفضلية والعنصرية، بل باعترافاتٍ صريحة بالخطأ، ومشاريع متكافئة في التنمية، وعدالة انتقالية تُحاسب من أجرموا، وتُصالح من ظُلموا، وتُخرج الوطن من ليل التسلّط إلى صبح المشاركة والاحترام المتبادل.
د. الوليد آدم مادبو
auwaab@gmail.com