رحلة الكونغرس النادرة والقصيرة إلى سوريا تسلط الضوء على منطقة منسية
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمدير مكتبها في اسطنبول كريم فهيم قال فيه إنه خلال زيارة قام بها ثلاثة من أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى معبر باب السلامة الحدودي، الأحد، وهي أول رحلة يقوم بها مشرعون أمريكيون إلى سوريا منذ عام 2018 ، استقبلت مجموعة من الأطفال الأيتام الوفد بالزهور أمام لافتة باللغة الإنجليزية كتب عليها "مرحبا بكم في سوريا الحرة".
وقالت معلمة الأطفال إن زيارتهم كانت "مُشرّفة".
وكان الهدف من الزيارة إظهار التضامن مع الأشخاص الذين يعيشون في ظروف مزرية في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية. ولكن بمقاييس الزيارات الرسمية، كانت تلك الزيارة بمثابة غمس لإصبع القدم في مياه البحر، حيث استمرت نحو نصف ساعة، على مرمى البصر من الحدود التركية. وكان المشرعون الجمهوريون – النواب فرينش هيل (جمهوري من أركنساس)، وبن كلاين (جمهوري من فرجينيا)، وسكوت فيتزجيرالد (جمهوري من ويسكونسن) – يخططون للقيام برحلة أطول إلى عدة بلدات سورية، لكن وزارة الخارجية ألغت ذلك. وذلك بسبب مخاوف أمنية، بحسب المنظمين.
يبدو أن تغيير جدول الزيارة يسلط الضوء على استمرار الصراع والنهج المشوش تجاهه من قبل الولايات المتحدة - التي تعد مشاركا نشطا يحتفظ بقوات في سوريا وتفرض عقوبات واسعة النطاق على حكومتها، ومراقبا عن بعد، يتطلع إلى جيوب المصاعب. من بعيد حيث أن مستقبل البلاد يتشكل من قبل قوى خارجة عن سيطرة أمريكا.
وبعد نصف ساعة من وصول أعضاء الكونغرس، خرجوا من سوريا في قافلة من السيارات المدرعة. رفع رجل لافتة "سوريا الحرة" وأزالها عن الحائط.
بعد مرور اثني عشر عاما على بدء الانتفاضة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد ــ والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين ــ لا تزال سوريا منقسمة وغير مستقرة. وتسيطر قوات المعارضة على مساحة كبيرة من شمال سوريا، في حين يسيطر الأسد، الذي يحظى جيشه بدعم من روسيا وإيران، على نصيب الأسد من البلاد.
ومع ذلك، فإن جيران سوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط ــ بما في ذلك أولئك الذين سلحوا المعارضة ذات يوم ــ يراهنون على بقاء الأسد، إما بتطبيع علاقاتهم مع حكومته أو الإشارة إلى نيتهم القيام بذلك. ويكمن وراء إصلاح العلاقات الإحباط من أن الحرب التي لا نهاية لها في سوريا تظل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار الإقليمي.
وفي لبنان وتركيا، انقلبت المشاعر الشعبية ضد ملايين اللاجئين السوريين، وبدأت الحكومتان في ترحيلهم إلى بلادهم، على الرغم من اعتراضات جماعات حقوق الإنسان. وتكافح الأردن ودول الخليج العربي لمكافحة تدفق مخدرات الكبتاغون، وهو الأمفيتامين غير القانوني الذي يتم إنتاجه في سوريا ويتم توزيعه من قبل حلفاء الأسد.
عارضت إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية وحذرت شركاءها الإقليميين من القيام بذلك. وقال هيل في مقابلة بعد الرحلة: "لكن الأمر قد تم"، في إشارة إلى الترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية في أيار/ مايو. "فكيف يمكننا إذن استخدام النفوذ الأمريكي لتشجيع التغيير الحقيقي؟"
وتابع هيل: "بصفتي عضوا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، فأنا غير متأكد من سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا أو أهدافها". وكانت زيارته إلى سوريا، إلى جانب رحلات أخرى إلى عواصم إقليمية خلال الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك بغداد والرياض، وقال إن الزيارات "تساعدني في التفكير في الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها، وما هي الطريقة الصحيحة لصياغة" نهج لمقاربة الصراع.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، انتشرت الاحتجاجات ضد الحكومة السورية في جميع أنحاء جنوب البلاد، مدفوعة بقرار خفض دعم الوقود. إن نوبات الغضب النادرة، التي أعادت إلى الأذهان ذكريات الأيام الأولى للانتفاضة السورية، تمثل اختبارا للنظام الذي أظهر استعداده لاستخدام القوة المميتة والعشوائية ضد المتظاهرين.
إن التحديات التي تعصف بالبلاد ليست سياسية فقط. وفي شباط/ فبراير، قُتل آلاف الأشخاص عندما ضرب زلزالان تركيا وشمال سوريا. سلط تأخر الاستجابة الإنسانية العالمية للمأساة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الضوء على المنطقة الرمادية القانونية التي أصبحت منطقة شمال غرب سوريا تعيشها، محظورة على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بسبب وجود الجماعات المسلحة، ولكنها موطن لملايين السوريين الذين يزعم المجتمع الدولي أنه يدعمهم.
وعلى بعد أميال قليلة من المعبر الحدودي، على طريق كان من المقرر أن يسلكه المشرعون يوم الأحد، أقيمت مخيمات مؤقتة في بساتين الزيتون لإيواء المشردين بسبب الزلازل. وكانت 42 عائلة تعيش في خيام، العديد منها من بلدة جنديرس المدمرة. وقد نزحوا أكثر من مرة منذ عام 2011.
قال محمد عيسى عيسى، الذي قال إنه عمل كمدير للمخيم، وهي وظيفة غير مدفوعة الأجر، لأن المكان لم يكن له راع أو اعتراف رسمي: "ذهبت إلى 500 مكان". لم يسمع أحد في المعسكر عن زيارة الأمريكيين، أو يبدو أنه يهتم كثيرا بحدوثها.
وقالت رقية محمد، وهي من سكان المخيم، إن عائلتها تكافح من أجل البقاء على الراتب الذي يتقاضاه زوجها من إعداد وجبات الطعام لأفراد الجيش السوري الحر، وهي أحد مجموعات الثوار. يصل راتب زوجها إلى 1000 ليرة تركية، أو حوالي 37 دولارا، شهريا. لقد كانت هي وعائلتها في المخيم لمدة ثمانية أشهر، وسيكونون في أماكن مماثلة، حسب اعتقادها، "حتى نموت".
وقال هيل إنه حتى مع اختصار رحلته، تمكن وفد الكونغرس من مقابلة الأشخاص الذين كانوا يعتزمون رؤيتهم في سوريا، بما في ذلك عمال الإنقاذ المعروفين باسم الخوذ البيضاء وأعضاء المعارضة السياسية السورية، وهم جزء من جوقة من الأصوات المناصرة لمقاربات مختلفة للصراع.
وأضاف أن مسؤولين عربا أبلغوا هيل أن التطبيع يهدف إلى الحد من نفوذ إيران في سوريا، من بين أهداف أخرى. لكن مضيفي أعضاء الكونغرس يوم الأحد، المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، دعوا إلى اتخاذ موقف متشدد ضد حكومة الأسد، وانتقدوا موقف إدارة بايدن.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي للمجموعة، إن البيت الأبيض "من الواضح أنه وضع سوريا في سلم أولوياته". إدارة بايدن "تقول إننا لن نقوم بالتطبيع ما لم يكن هناك تقدم على المسار السياسي. وهذا بعيد كل البعد عن شعار 'على الأسد أن يرحل'".
وفي حفل عشاء مساء الأحد في تركيا حضره أعضاء الكونغرس، سُمعت مسؤولة في وزارة الخارجية وهي تسأل النساء اللاتي يحتفظن بقوائم الضيوف عما إذا كان هناك أي "ممثلين عن الجماعات المسلحة" في حفل العشاء – منشغلة على ما يبدو، بالتأكد من أن العشاء لن يتسبب بشكل أو بآخر بإحراج للولايات المتحدة، فقيل لها إنه لا يوجد.
قال هيل للجمهور عندما دُعي إلى المنصة: "اعلموا أن الشعب السوري لديه صديق في واشنطن العاصمة، نريد أن نرى السوريين يعودون إلى قراهم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة سوريا تركيا سوريا امريكا تركيا صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أعضاء الکونغرس إدارة بایدن فی سوریا
إقرأ أيضاً:
رحلة الليرة السورية من 50 لـ16 الف للدولار.. دمشق لم تفصح عن وضعها المالي منذ 2011
لم يمض أسبوعان على انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حتى عاد للواجهة مصير الليرة السورية التي فقدت أكثر من 94 بالمئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي خلال السنوات التي أعقبت اندلاع أزمة البلاد عام 2011.
اليوم يبلغ سعر صرف الدولار لدى البنك المركزي السوري، نحو 15 ألف ليرة، بحسب تقرير يومي يصدره مصرف سوريا المركزي للاسترشاد من جانب الأفراد والشركات في البلاد.
وعلى الرغم من رفض مسؤول في مصرف سوريا المركزي، الإجابة عن سؤال لمراسل الأناضول عبر الهاتف، عن حجم احتياطات النقد الأجنبي المتوفرة حاليا، تشير تقديرات غير رسمية إلى استنفاد الاحتياطات.
في 2011، كان آخر تصريح لمصرف سوريا المركزي لصندوق النقد الدولي، عن حجم احتياطات النقد الأجنبي المتوفرة، والبالغة في ذلك الوقت قرابة 14 مليار دولار أمريكي.
وخلال السنوات التي أعقبت ذلك العام، عانت سوريا من شح النقد الأجنبي، وسط حاجة البلاد إلى توفير السلع الأساسية وتمويل قوات النظام، تزامنا مع عقوبات أمريكية قيدت وصول النظام إلى النقد الأجنبي.
وبحسب أحدث إصدار من احتياطات دول العالم من الذهب، والصادرة عن مجلس الذهب العالمي، أظهرت أن سوريا أفصحت آخر مرة عن احتياطات الذهب في حزيران/ يونيو 2011.
في ذلك الشهر، بلغ إجمالي احتياطيات سوريا من الذهب نحو 25.8 طنا تعادل قيمتها بالوقت الحالي قرابة 2.23 مليار دولار أمريكي، دون معرفة مصير الاحتياطي بعد ذلك التاريخ.
تسلسل زمني
شهدت الليرة السورية تحولات جذرية في قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ عام 2010 وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2024، في ظل الأحداث السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد، والتي انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي وسعر الصرف.
في عام 2010، كان الاقتصاد السوري يتمتع باستقرار نسبي، وكان سعر صرف الليرة أمام الدولار يُتداول عند مستوى 47 إلى 50 ليرة سورية للدولار الواحد.
وشهدت هذه الفترة استقرارا في السياسة النقدية، حيث اعتمدت الحكومة على تعزيز القطاعات الاقتصادية التقليدية، مثل النفط والزراعة والسياحة، مع تدفقات نقدية مستقرة نسبيا من مبيعات الخام.
لكن مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في آذار/ مارس 2011 وتحولها إلى أزمة سياسية، بدأت قيمة الليرة السورية بالتراجع التدريجي بسبب حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
بحلول عام 2012، تراجع سعر الصرف إلى نحو 65-70 ليرة للدولار، مع تزايد الضغوط الاقتصادية وبدء فرض عقوبات غربية على النظام السوري.
في هذه الفترة، شهدت الليرة السورية انهيارا حادا نتيجة تفاقم النزاع العسكري والعقوبات الدولية وفقدان السيطرة على عدة مناطق غنية بالموارد.
ومع تقلص إنتاج النفط وتوقف الصادرات تقريبا، تراجع سعر صرف الليرة ليصل إلى نحو 150-180 ليرة للدولار بحلول عام 2013.
وفي 2014، مع ازدياد المعارك وسيطرة تنظيم داعش على مناطق استراتيجية، تراجع سعر الصرف إلى حوالي 200-220 ليرة للدولار.
وبين 2015-2016، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل حاد خلال حيث تزامنت مع تراجع الإنتاج المحلي وفقدان الحكومة السيطرة على معظم حقول النفط في الشمال الشرقي.
كما أدت تكاليف الحرب المرتفعة إلى عجز مالي كبير، بينما فاقمت العقوبات من عزل سوريا عن الأسواق الدولية؛ وبحلول نهاية 2016، بلغ سعر الصرف نحو 500 ليرة سورية للدولار، وهو مستوى متدن قياسي حينها، مثّل انهيارا كبيرا للقدرة الشرائية للسوريين.
في 2017-2018، ومع تدخل روسيا عسكريا في الأزمة السورية، تمكن النظام من استعادة بعض المناطق الاستراتيجية، ما أعطى مؤشرات لاستقرار نسبي.
ورغم ذلك، ظلت الليرة السورية تحت الضغط بسبب استمرار العقوبات ونقص الموارد؛ واستقر سعر الصرف بين 430 و500 ليرة للدولار خلال هذه الفترة، ولكن الاقتصاد لم يتمكن من التعافي نتيجة تدمير البنى التحتية وتراجع الاستثمارات.
وكان عام 2019 نقطة تحول صعبة لليرة السورية، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تفاقم أزمة السيولة في سوريا؛ فقد اعتمد العديد من التجار السوريين على القطاع المصرفي اللبناني لتمويل أنشطتهم.
ومع انهيار السيولة النقدية المقومة بالدولار الأمريكي لدى العديد من البنوك اللبنانية، انخفضت تدفقات النقد الأجنبي إلى سوريا؛ ووصل سعر الصرف في نهاية 2019 إلى نحو 900-1000 ليرة للدولار.
ومنتصف 2020، دخل قانون "قيصر" الأمريكي حيز التنفيذ ما فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد السوري؛ إذ تسبب القانون في انهيار إضافي للعملة، حيث تجاوز سعر الصرف عتبة 3000 ليرة للدولار لأول مرة في التاريخ.
واستمرت الليرة السورية في مسارها التراجعي خلال عامي 2021 و2022، مع غياب أي حلول اقتصادية جذرية وارتفاع الاعتماد على المساعدات الخارجية؛ ففي 2021، وصل سعر الصرف إلى حدود 3500-4000 ليرة للدولار.
أما عام 2022، فارتفعت الضغوط الاقتصادية مجددا مع زيادة أسعار الطاقة عالميا إثر الحرب الروسية الأوكرانية؛ ووصلت الليرة السورية إلى مستوى 4500-5000 ليرة للدولار بنهاية العام.
وفي 2023، وصلت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بسبب تفاقم الأزمات الداخلية وتراجع الدعم الخارجي. خلال النصف الأول من العام.
وتراوح سعر الصرف بين 6000 و7000 ليرة للدولار، لكن في النصف الثاني شهد انهيارا حادا ليصل إلى نحو 13000 ليرة للدولار في السوق السوداء مع نهاية العام.
ومطلع الشهر الجاري، بلغ سعر صرف الليرة مستوى متدنياً جديدا وصل إلى 16 ألفا أمام الدولار، بسبب مؤشرات على سيطرة متزايدة للمعارضة على مناطق واسعة في البلاد.
ومع انهيار نظام بشار الأسد، بدأت الليرة تستعيد جزءا من عافيتها لتسجل مستوى 10 آلاف ليرة لكل دولار قبل أن تتراجع إلى قرابة 15 ألفا أمام الدولار، بانتظار تطمينات دولية قد تدفع العملة السورية أمام النقد الأجنبي.