الثورة / قاسم الشاوش
تتباكى فرنسا على معاناة شعب النيجر، في وقت ظلت فيه لسنوات طويلة تمتص وتنهب ثرواته وجعلته يعيش فقراً مدقعاً حتى جاء ما اسموه بالانقلاب العسكري تحت قيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، الذي أطاح بنظام محمد بازوم، المعروف بولائه لباريس.. كان هذا الانقلاب بمثابة إنقاذ للنيجر وثوراته المنهوبة منذ ستين عاماً من قبل الاستعمار الفرنسي الغربي الذي أينما تواجد وجد الخراب والدمار والمشاكل التي لا تنتهي.


الخروج نهائيا
كانت فرنسا خلف عشرات الانقلابات والاغتيالات العسكرية والحكم غير الدستوري في أفريقيا منذ أكثر من 60 سنة، ولم تعتبر ذلك مُخالِفا للديمقراطية ولا للقانون الدولي ولا لحقوق الإنسان ما دامت هي مَن ترعى ذلك وتَعتبر أن مصالحها مضمونة جراء ذلك.
الظروف الدولية التي تتطور ضمنها الأحداث باتت واضحة في منطقة الساحل والنيجر آخرها، ما جعل الفرنسيين يشعرون بأنّ هيمنتهم قد وصلت إلى المربع الأخير، وأن فقدانهم النيجر يعني خروجهم من القارة نهائيا، ثم بداية خروج حلفائهم الغربيين الذين طالما قدّموا أنفسهم لهم بأنهم سادة القارة، والمُتحكِّمون في نُخبها، والقادرون على فهم أسرارها وبخاصة عند تعاملهم مع الأمريكيين.. كل هذا بدأ ينهار اليوم.. الدولة التي بها أكبر القواعد العسكرية الفرنسية، والتي تحاول تجميع بقايا جنودها المطرودين من مالي وبوركينا فاسو باتت هي الأخرى رافضة للفرنسيين وتعلن فسخ جميع الاتفاقيات العسكرية التي تربطها بدولتهم، وكانت فرنسا قد عملت على نقل جيشها من مالي للنيجر تحت أكذوبة التدريبات لمكافحة الإرهاب، إلا أن الجميع يعلم أن الغرض من النقل كان لحماية منشآت اليورانيوم وتحصين معاقل شركات الاستعمار.
دموع الحسرة
ويرى العديد من السياسيين أنه رغم الوجود العسكري للجيش الفرنسي والقواعد العسكرية المترامية على أرض النيجر إلا أنها صارت اليوم تذرف دموع الحسرة بعد الانقلاب المفاجئ الذي أتى على حين غرة لم يتوقعه أحد؛ ومن أولئك جهاز المخابرات الفرنسية، فالمخابرات الخارجية لجهاز الاستخبارات الفرنسي لم يتمكن من رصد الانقلاب قبل حدوثه، ما كلف باريس التأخر في التدخل لمنع الانقلاب، وبالتالي ضياع مصالحها، ولربما إلى الأبد في النيجر.
خاصة بعد فعلة قائد الانقلاب وجماعته التي قررت بعد 60 عاماً من استقلالها العسكري عن فرنسا؛ أن تكون قيد الاستقلال اقتصاديا، ففرنسا بشركة كوجيما، ثم أريفا وأورانو بدأت استغلال اليورانيوم قبل استقلال النيجر، وما زالت تستغله إلى اليوم؛ مستخدمة القانون النيجري غير العادل بالنسبة للنيجر في توزيع الحصص والأكثر من مفيد لفرنسا، هذه الأخيرة تدعي أن استخراجها لليورانيوم يساعد النيجر وتطورها، ومن عجائب الأمور أن اليورانيوم للنيجر، لكن فرنسا هي التي تحدد سعر البيع، أما حين يتم التحدث عن التطور الذي تزعم فرنسا أنها آخذة في العمل عليه بالنيجر، فبمجرد النظر إلى التغطية بالكهرباء في فرنسا نجد أن النسبة بلغت 100 %، أما النيجر فبنسبة 19 % سنة 2021.
استفاد الاستعمار
يلاحظ هنا بان باطن النيجر لم يفد النيجر، بل أفاد محتلتها فرنسا، فمدينة آرليت القريبة من مناجم اليورانيوم تعيش في خراب كبير وبيئة ملوثة وموت للعمال والمواطنين من آثار الإشعاعات ومخلفات اليورانيوم؛ ما أدى لإنهاء فرنسا وجود آريفا، لكن أورانو التي حلّت مكانها لم تكن بالرحمة التي كان ينتظرها شعب النيجر فقد استهلكت طاقات النيجر ونفوس شعبه بانتهاك حقوق الإنسان وموت العمال والمواطنين جراء التلوث الذي لحق بآرليت وحاق بأهلها.
قرع طبول الحرب
فالإدراك والوعي المتزايد لدى الشعوب اليوم، قد يدفع غلاة الاستعمار القديم والحديث إلى قرع طبول الحرب في أفريقيا، ليتقاتل الإخوة والأشقاء والجيران فيما بينهم، ويتمكنوا هم في آخر المطاف من استعادة مكانتهم المهيمِنة وقدرتهم على مزيد من استغلال ثروات هذه المنطقة، تحت غطاء بناء ديمقراطيات مُزيَّفة، وأشكال من الحكم المدني التابع المُستعِدّ لخدمة مصالح دول الاستعمار الغربي أكثر من مصالح شعوبه المقهورة..
بعد هذا الانقلاب عرف شعب النيجر انه لن يعيش إلى الأبد في براثن الماضي الكئيب، ولن تكون النيجر بؤرة الاستغلال الفرنسي اقتصادياً حتى حين، ويبقى السؤال هل سيكون هذا الانقلاب حراك لشعب كسر أغلال الذل والمهانة نهائياً؟.
تاريخ استعماري
النيجر دولة غنية بموارد الطاقة، إذ تمتلك واحدا من أكبر احتياطيات العالم من اليورانيوم وتعد سابع أكبر منتج له، فضلا عن كميات كبيرة من احتياطيات الذهب والنفط، كما تم الكشف عن احتياطيات من الفحم عالي الجودة في جنوب وغرب البلاد.
سيطرت فرنسا الاستعمارية على بعض مناطق النيجر في أواخر القرن التاسع عشر، لكن دولة النيجر في شكلها الحالي أصبحت مستعمرة فرنسية رسميا عام 1922، حتى نالت استقلالها عام 1960.
ومع انتهاء الحقبة الاستعمارية لم تنته المصالح الفرنسية في هذا البلد، إذ تحتل النيجر مكانة استراتيجية مهمة لدى باريس، فهي حليف في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتستضيف قاعدة عسكرية فرنسية بها نحو 1500 من القوات الفرنسية.
كما تعتمد باريس على النيجر في الحصول على 35 في المئة من احتياجاتها من اليورانيوم، لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70 في المئة من الكهرباء.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

صحف فرنسية: كل الأصابع تشير إلى وزير الداخلية في جريمة القتل بالمسجد

اتفق موقع "ميديا بارت" مع صحيفة "لوفيغارو" اليمينية على أن كل الأصابع كانت تشير إلى وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو المتهم بإثارة الكراهية ضد المسلمين، وقالتا إنه تباطأ في التحرك بعد مقتل رجل مسلم في مسجد بمنطقة لا غارد كومب يوم الجمعة.

وقال ميديا بارت إن الوزير بقي يومين قبل السفر إلى المنطقة التي قتل فيها الشاب المالي أبو بكر سيسي بوحشية، مشيرا إلى أن هذه مدة طويلة في السياسة، مما يعني أن الحكومة استغرقت وقتا طويلا للرد بجدية على اغتيال الرجل الذي أدلى قاتله بتصريحات معادية للإسلام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مؤرخ فرنسي: المنظمات الإنسانية قلقة من تحول غزة إلى مقبرة جماعيةlist 2 of 2جريمة المسجد بفرنسا.. هذا ما نعرفه عن القاتل والمقتولend of list

وأوضح الموقع أن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، لم يتحدث هو الآخر قبل يومين وقال "لن يكون للعنصرية والكراهية الدينية مكان في فرنسا. حرية العبادة مصونة"، إلا أنه كان أسرع إلى إدانة هجوم الدهس في فانكوفر بكندا.

أما رئيس الوزراء فرانسوا بايرو فكان أول من تكلم في وقت متأخر مساء السبت، متحدثا عن "العار المعادي للإسلام الذي ظهر في مقطع فيديو"، في حين كان موقف وزير الداخلية المسؤول عن الشؤون الدينية، أكثر إيحاء، حسب الموقع.

وبعد ظهر الأحد، وبعد ساعات من التردد، قرر ريتايو التوجه إلى موقع الحادث، واعدا "بتضامن الحكومة الكامل" في مواجهة هذا "العمل المشين"، دون تجاهل احتمال وقوع عمل معاد للمسلمين، وصرح قائلا إنه "لا مجال للتسامح مع هذا النوع من الأعمال في مجتمع مفرط العنف".

إعلان تأخير الحكومة

وكان الوزير قبل ذلك قد اكتفى برسالة بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصف فيها وفاة الشاب، بأنها "مروعة" وأكد "تضامنه مع الجالية المسلمة"، ولكن ليس لدرجة السفر فورا، ولا إرسال محافظ المسجد إلى موقع الحادث، حتى إن عبد الله زكري، نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وعميد مسجد سود نيم، أعرب عن أسفه قائلا "يشعر المؤمنون بخيبة أمل طفيفة لعدم حضور المحافظ لتقديم دعمه وطمأنتهم".

وزاد من الشعور بخيبة الأمل لدى المسلمين أن منفذ الهجوم الذي كان مطلوبا بشدة -حسب المدعي العام في أليس عبد الكريم غريني- "يحتمل أن يكون خطيرا للغاية"، وقد أعرب في التصريحات المتقطعة التي أدلى بها في مقطع الفيديو الذي نشره، وهو يواجه ضحيته المحتضر، ما فهم منه أنه ينوي تكرار فعله، وقد هنأ نفسه وقال "لقد فعلتها (…) إلهك القذر".

وذكر الموقع بالتسلسل الزمني لتصرف الحكومة، حيث نشر المدعي العام معلومات كاذبة يوم الجمعة، تحدث فيها عن معلومات عن هجوم بين المصلين في المسجد، ولكن الشهادات التي جمعت في موقع الحادث، وبعدها الأدلة من كاميرات المراقبة في المسجد وصور الجاني، دحضت هذه الرواية.

ومع أن صحيفة لوباريزيان كشفت عن تصريحات القاتل المعادية للإسلام، وأن المدعي العام أكد فتح تحقيق بتهمة القتل يشير إلى جريمة قتل عمد، مع "40 أو 50 طعنة"، وأن احتمال ارتكاب جريمة "عنصرية ومعادية للإسلام" مطروح رسميا، فإن بعض النقاط بقيت غامضة، ومن ضمنها شح المعلومات عن القاتل، وهو مواطن فرنسي من عائلة بوسنية كان "بعيدا عن أنظار النظام القضائي ولم يسمع عنه أي شيء"، حسب المدعي العام.

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية صباح الاثنين أن القاتل سلم نفسه للشرطة في إيطاليا مساء الأحد، وقال المدعي العام "هذا يشعرني بارتياح كبير، بصفتي مدعيا. نظرا لفعالية الإجراءات المتخذة، لم يكن أمام الجاني خيار سوى الاستسلام، وكان ذلك أفضل ما كان بإمكانه فعله".

إعلان

ومع أن عبد الكريم غريني أشار إلى أن "احتمال وقوع فعل ذي دلالات معادية للمسلمين واردة، لكنها ليست الوحيدة"، ومع أن "الدافع الإسلامي لم يكن بالضرورة الدافع الرئيسي"، فإن مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب لم يعلن حتى الآن هل سيتولى القضية أم لا، وذلك ما يطالب به محاميا عائلة أبو بكر سيسي، سارة بنلفقي ومراد بطيخ.

وقال إبراهيم سيسي ابن عم القتيل إن "أبو بكر بالنسبة لنا كان ضحية هجوم إرهابي"، وقبل أن يذكر انتشار الإسلاموفوبيا قال "لقد شهدنا تدهور المناخ على مدى السنوات الخمس أو العشر الماضية".

وذكر الموقع بأن ريتايو هرع إلى نانت عندما قتل مراهق أحد زملائه في المدرسة الثانوية وجرح 3 آخرون يوم الخميس، وادعى "الحاجة إلى السلطة"، مع أن الشاب كان "انتحاريا مفتونا بالزعيم النازي هتلر"، حسب المدعي العام، وتساءل لماذا هذا الصمت عندما يتعرض أحد المصلين لاعتداء وحشي في مكان عبادة؟ لماذا هذا الحذر عندما تكون التعليقات الواردة في مقاطع الفيديو، في حد ذاتها، مستهجنة؟

عنصرية الدولة

ومن ناحيتها، أشارت لوفيغارو إلى أن اليسار دعا إلى حشد في ساحة الجمهورية مساء الأحد، في أعقاب مقتل سيسي الذي أثار صدمة في أوساط الجالية المسلمة في فرنسا، كان اسم وزير الداخلية على ألسنة الجميع هناك، فقالت إحدى المتظاهرات "هذا خطأ ريتايو"، وأضافت أخرى "أجل. كل هذا بسببه".

أخو أبو بكر سيسي: لا شيء أسوأ من شعور شريحة من الشعب بالظلم من نظام قضائي يتخلى عنها (الأوروبية)

وقالت الصحيفة إن اسم وزير الداخلية أصبح على ألسنة الجميع خلال مسيرة "ضد الإسلاموفوبيا"، أطلق الدعوة لها مستخدمو الإنترنت وحضرها زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون وعدد من الشخصيات اليسارية في أعقاب حادثة القتل البشعة، ولكنها قللت من أهمية الحضور.

إعلان

وخلف مكبر الصوت توالت الخطابات -حسب لوفيغارو- بدأها شقيق الضحية الذي دعا لضبط النفس و"الثقة بالنظام القضائي في بلدنا. لأن ما يصنع الأمة هو العدالة. لا شيء أسوأ من شعور شريحة من الشعب بالظلم من نظام قضائي يتخلى عنها"، وبعده طلب آخر الدعاء للضحية و"جميع شهداء كراهية الإسلام والعنصرية. رحمهم الله وعائلاتهم وطهرهم، وحررنا من كراهية الإسلام".

واستعرضت الصحيفة بعض الكلمات التي ألقيت بالمناسبة، فقالت ليندا الأربعينية المحجبة عن ريتايو إنه "يشجع الناس بخبث على الخوف من الإسلام والمسلمين"، وأوضحت أن العديد من "المقاطع الصوتية" على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر "رغبة في عزل المسلمين"، "كما لو أننا لسنا فرنسيين. أنا مؤمنة، لكنني لن أجبركم على اعتناق الإسلام".

مقالات مشابهة

  • النيجر ومالي وبوركينافاسو يرحبون بالمبادرة الملكية للولوج إلى الأطلسي والتعاون جنوب-جنوب
  • زعيم الشيوعيين الأميركيين.. ترامب يروّج لأفكار استعمارية وخطيرة
  • صحف فرنسية: كل الأصابع تشير إلى وزير الداخلية في جريمة القتل بالمسجد
  • مينا مسعود يتمنى العمل في مسلسل يعرض حقبة عبدالحليم حافظ
  • بعد تتويج ليفربول.. "حقبة جديدة" من المنافسة على البريمرليغ
  • "التكتل الوطني للأحزاب" يقرّ خطوات تحرك سياسي ويرسم ملامح مرحلة ما بعد إنهاء الانقلاب الحوثي
  • «حزب صوت الشعب» يردّ على وزير داخلية النيجر: احترام سيادة ليبيا ضرورة
  • صحيفة: تخصيب اليورانيوم حجر العثرة في مفاوضات واشنطن مع طهران
  • بعد 6 سنين عشرة.. حمو بيكا يتعرض للخـ..يانة والسـ..رقة
  • شلقم: رحل الاستعمار عن بلادنا وبقي اللسان العربي راسخاً في أرضه