تمر الهبوب عَادةٌ سُودانيّةٌ لم تهزمها الحرب.. فما قصتها؟!
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
تمر الهبوب، عَادةٌ سُودانيّةٌ من أغرب العادات والتقاليد؛ مُوغلة في القِدم والغرابة، وترتبط تلك العادة ارتباطاً وثيقاً بالتمر والنخيل، وتحديداً بموسم حصاد التمور في السودان، خاصّة بالمناطق الشمالية الواقعة على ضفتي نهر النيل التي تشتهر بزراعة النخيل. ورغم اشتداد الحرب الطاحنة والمعارك المحتدمة بالسودان منذ منتصف أبريل الماضي، لكنها ظلت صامدة ومتماسّكة كغيرها من العادات والتقاليد السودانية النبيلة.
تمر الهبوب، هو التمر الذي يتساقط من النخل المُثمر بفعل هبوب الرياح عليها، فيصبح مشاعا لكل الناس، وحلال طعامه للجميع قبيل حصاده. وهو عادةٌ قديمةٌ للغاية ومتوارثة منذ مئات السنين، وتعتبر ثقافة محلية مُتجذِّرة عند القاطنين على ضفتي نهر النيل من منطقة الدبة التي تبعد حوالي 330 كلم تقريباً بالاتجاه الشمالي للعاصمة الخرطوم إلى وادي حلفا عند حدود السودان ومصر، كما تعرفها مناطق أخرى بالسودان.
ويقول محمد إبراهيم لـ”العربية.نت”، إنّ الفقراء والمساكين يسترزقون من ريع تمر الهبوب الذي يصل إلى ربع المحصول في بعض الأحيان، فمزرعته على سبيل المثال تنتج 220 جوالاً من التمر يكون ربعها لتمر الهبوب في بعض الأحيان، مُشيراً إلى أنّ تلك المجموعات تقصد الحقول باكراً قبل شروق الشمس بهدف جمع التمور، من دون أن يكون لأحد الحق في اعتراضهم. ولعل ما يُميِّز تمر الهبوب – حسب قوله – بأنه يأتي خليطاً من أنواع مختلفة من التمور كالبركاوي والقنديلة وغيرها.
إلى ذلك، يُؤكِّد مواطنون تحدّثوا لـ”العربية.نت” أن أهل تلك المناطق تعارفوا منذ قديم الزمان عن غض الطرف عن تمر الهبوب، إذ لا يمنعون عنه الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ويدعونهم يأكلون ويجمعون منه ويبيعون وهم موفورو الكرامة دون الحاجة لاستئذان أصحابه.
ويذكرون أنّ تلك القيم والأعراف الرفيعة ترسّخت في نفوس الناس هناك منذ الأزل، لدرجة أنهم يقولون عند غرس النخيل “أيتها النخلة لقد زرعناك للشحاذ والسارق والجائع وللطير والسابلة”، ولعل هذا بعضٌ مما صوّره الروائي السوداني العالمي الطيب صالح في روايته ذائعة الصيت (موسم الهجرة إلى الشمال) بأنّ جده كان يستخفي بأعواد الذرة خوفاً أن تلتقي عينه مع أعين الذين يأخذون من زرعه دُون استئذانٍ.
بالرغم من ذلك إلا أن هناك أصواتاً علت في السنوات الأخيرة بتحريم تمر الهبوب دون استئذان صاحبه، لكنها لا تجد ثمة أصداء قوية في تلك المجتمعات المحلية التي تستعد لحصاد التمور في مثل هذا الأيّام سنوياً.
أشجار النخيل تنتشر بكثافة في مناطق السودان الشمالية، وتُزرع في المزارع والمنازل ولا تُقطع إلا نادراً، وتُوظّف جذوعها وجريدها لأغراض عديدة كسقف المنازل وعلف الحيوانات بعد تجفيفه وطحنه وخلطه مع البرسيم والحشائش الأخرى، ويصبح حينها مفيدٌ للغاية، ويعاون على در الألبان بكميات أكبر. كما تُستخدم جذوع النخل في حريق كمائن الطوب الأحمر.
ويحتل السودان المرتبة الثامنة في إنتاج التمور بالعالم، ويُقدّر عدد أشجار النخيل في الولاية الشمالية بنصف عدد أشجار النخيل في السودان تقريباً، إذ تنتج الولاية الشمالية وحدها 63% من الإنتاج الكلي للتمور السودانية، بواقع 60 كيلو غراماً للشجرة الواحدة في المتوسط. و تعتبر التمور المحصول النقدي الأكثر شُهرةً بتلك المناطق.
ويشبه حصاد التمور، الأعياد الموسمية التقليدية أو مايشابه موسم العودة إلى الجذور، حيث يلتئم شمل الأسر الممتدة خلاله، كما يُعَـدُ موسم التمور سانحة لتسديد الديون وشراء ملابس جديدة وحتى شراء بيوت والزواج وغيرها.
ويُعَـدُ “القنديلة” و”البركاوي” و”التمودا” و”الكُلمة” من أشهر أصناف التمور بالسودان، وتتّصف بالحجم الكبير جداً وبالنوعية الممتازة والقابلية للتخزين الجاف، هذا بالإضافة إلى التمور الرطبة مثل “المدينة” وشبه الرطبة مثل “مشرق ود لقاي” و”مشرق ود خطيب”.
كما أُدْخِلَتْ لاحقاً بعض الأصناف العالمية مثل المجهول والبرحي والصقعي والسكري وغيرها، حيث حقّقت نجاحاً ملحوظاً خاصة في مواعيد نضجها المبكر.
العربية نت – الخرطوم – خالد فتحي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
خزان جبل أولياء.. سد بناه البريطانيون في السودان وتهدده الحرب
خزان جبل أولياء هو سد حجري يقع على نهر النيل الأبيض في السودان، ويبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 44 كيلومترا. أنشئ عام 1933 لتعويض مصر عن انخفاض منسوب مياه النيل الأزرق بعد بناء خزان ولاية سنار، وأشرفت على بنائه شركة جيبسون وبولينغ وشركائه البريطانية، واكتمل بناؤه عام 1937.
وبعد اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، تعرّض الجسر التابع للخزان للتدمير الكامل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024 اتهمت الحكومة قوات الدعم السريع بإغلاق الخزان، ما تسبب في فيضانات غير مسبوقة على ضفاف النيل الأبيض.
موقعهيقع خزان جبل أولياء على نهر النيل الأبيض، ويبعد عن مركز العاصمة الخرطوم نحو 44 كيلومترا جنوبا، ويتبعه جسر يربط بين جنوب الخرطوم وجنوب أم درمان.
يبلغ عرض السد 6680 مترا، وهو مدعم بالردميات، ويرتفع عن سطح البحر 381.5 مترا، في حين تبلغ عدد بوابات تصريف المياه 40 بوابة، إضافة إلى 10 بوابات احتياطية.
وتقدر السعة التخزينية لخزان جبل أولياء بنحو 3.5 مليارات متر مكعب، ويسهم بنحو 10% من إنتاج الكهرباء في البلاد.
بسبب فيضان النيل الأبيض وخروجه عن مساره، المياه تحاصر منازل المواطنين وتغمرها مؤدية إلى نزوح عشرات الأسر من البيوت والمدارس التي كانت تستضيف نازحين في الجزيرة أبا. واتهمت السلطات السودانية قوات الدعم السريع بإغلاق خزان جبل أولياء الذي تسيطر عليه منذ بداية النزاع في أبريل/ نيسان… pic.twitter.com/wR56AvsyEB
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) December 24, 2024
إعلان تاريخهفي مطلع القرن العشرين، قررت بريطانيا إنشاء مشروع لزراعة القطن في ولاية الجزيرة يعتمد على الري الانسيابي من خزان يُبنى على نهر النيل الأزرق.
رفضت مصر -شريكة بريطانيا في حكم السودان آنذاك- الفكرة لأن بناء خزان سيمكن الحكومة السودانية من استخدام مياه النيل على نطاق واسع، كما أن زراعة القطن في مساحات كبيرة ستجعل السودان منافسا لها في سوق صادراته العالمية، فقرر الحاكم العام للسودان في ذلك الوقت اللورد البريطاني هربرت كيتشنر تشكيل لجنة لدراسة وبحث المخاوف المصرية بشأن المشروع.
أوصت اللجنة عام 1913 بالمضي قدما في إنشاء مشروع الجزيرة وبناء خزان في سنار، مع تعويض مصر ببناء خزان آخر في منطقة جبل أولياء على نهر النيل الأبيض، لتستفيد مصر من المياه المحجوزة في فترة انخفاض منسوب النيل الأزرق.
رفضت مصر توصيات اللجنة باعتبار أن خزان جبل أولياء سيكون خارج أراضيها، مما يعني عدم قدرتها على التحكم والإشراف عليه وحدها دون بريطانيا، فضلا عن عدم استعدادها لتحمل تكلفة البناء.
وبعد مشاورات مكثفة، وافقت مصر على بناء الخزانين، وعملت على مشروع بناء خزان جبل أولياء شركة "جيبسون وبولينغ وشركائه" البريطانية لبناء السدود عام 1933، وانتهت منه في أبريل/نيسان 1937.
أدارت الحكومة المصرية الخزان تحت اسم "الري المصري" منذ بدء عمليات الإنشاء حتى سلمت إدارته للحكومة السودانية عام 1977، بموجب اتفاقية مياه النيل عام 1959، التي نصت على تسليمه عقب بناء السد العالي في مصر.
فيضان النيل الأبيض يغمر الأحياء السكنية في الجزيرة أبا السودانية pic.twitter.com/xxjMX5Sitd
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 24, 2024
ما بعد حرب 2023تأثر خزان جبل أولياء بالقتال المسلح الذي اندلع في السودان يوم 15 أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إذ حاول كل طرف فرض سيطرته عليه.
إعلانوفي نوفمبر/تشرين الأول 2023، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على قاعدة جبل أولياء العسكرية وجسر الخزان ومحيطه.
وتعرّض جسر الخزان الرابط بين الخرطوم وأم درمان للتدمير، وتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بالمسؤولية عن تدميره.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024، اجتاح فيضان المناطق الواقعة على ضفاف النيل الأبيض، خاصة منطقة "الجزيرة أبا"، واتهمت الحكومة السودانية قوات الدعم السريع بإغلاق خزان جبل أولياء، مما أدى إلى ارتفاع مناسيب المياه وفيضانه، وتسبب في غرق المنازل وتهجير العائلات.