تمر الهبوب، عَادةٌ سُودانيّةٌ من أغرب العادات والتقاليد؛ مُوغلة في القِدم والغرابة، وترتبط تلك العادة ارتباطاً وثيقاً بالتمر والنخيل، وتحديداً بموسم حصاد التمور في السودان، خاصّة بالمناطق الشمالية الواقعة على ضفتي نهر النيل التي تشتهر بزراعة النخيل. ورغم اشتداد الحرب الطاحنة والمعارك المحتدمة بالسودان منذ منتصف أبريل الماضي، لكنها ظلت صامدة ومتماسّكة كغيرها من العادات والتقاليد السودانية النبيلة.

. فما هو تمر الهبوب؟!

تمر الهبوب، هو التمر الذي يتساقط من النخل المُثمر بفعل هبوب الرياح عليها، فيصبح مشاعا لكل الناس، وحلال طعامه للجميع قبيل حصاده. وهو عادةٌ قديمةٌ للغاية ومتوارثة منذ مئات السنين، وتعتبر ثقافة محلية مُتجذِّرة عند القاطنين على ضفتي نهر النيل من منطقة الدبة التي تبعد حوالي 330 كلم تقريباً بالاتجاه الشمالي للعاصمة الخرطوم إلى وادي حلفا عند حدود السودان ومصر، كما تعرفها مناطق أخرى بالسودان.

ويقول محمد إبراهيم لـ”العربية.نت”، إنّ الفقراء والمساكين يسترزقون من ريع تمر الهبوب الذي يصل إلى ربع المحصول في بعض الأحيان، فمزرعته على سبيل المثال تنتج 220 جوالاً من التمر يكون ربعها لتمر الهبوب في بعض الأحيان، مُشيراً إلى أنّ تلك المجموعات تقصد الحقول باكراً قبل شروق الشمس بهدف جمع التمور، من دون أن يكون لأحد الحق في اعتراضهم. ولعل ما يُميِّز تمر الهبوب – حسب قوله – بأنه يأتي خليطاً من أنواع مختلفة من التمور كالبركاوي والقنديلة وغيرها.

إلى ذلك، يُؤكِّد مواطنون تحدّثوا لـ”العربية.نت” أن أهل تلك المناطق تعارفوا منذ قديم الزمان عن غض الطرف عن تمر الهبوب، إذ لا يمنعون عنه الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ويدعونهم يأكلون ويجمعون منه ويبيعون وهم موفورو الكرامة دون الحاجة لاستئذان أصحابه.

ويذكرون أنّ تلك القيم والأعراف الرفيعة ترسّخت في نفوس الناس هناك منذ الأزل، لدرجة أنهم يقولون عند غرس النخيل “أيتها النخلة لقد زرعناك للشحاذ والسارق والجائع وللطير والسابلة”، ولعل هذا بعضٌ مما صوّره الروائي السوداني العالمي الطيب صالح في روايته ذائعة الصيت (موسم الهجرة إلى الشمال) بأنّ جده كان يستخفي بأعواد الذرة خوفاً أن تلتقي عينه مع أعين الذين يأخذون من زرعه دُون استئذانٍ.

بالرغم من ذلك إلا أن هناك أصواتاً علت في السنوات الأخيرة بتحريم تمر الهبوب دون استئذان صاحبه، لكنها لا تجد ثمة أصداء قوية في تلك المجتمعات المحلية التي تستعد لحصاد التمور في مثل هذا الأيّام سنوياً.

أشجار النخيل تنتشر بكثافة في مناطق السودان الشمالية، وتُزرع في المزارع والمنازل ولا تُقطع إلا نادراً، وتُوظّف جذوعها وجريدها لأغراض عديدة كسقف المنازل وعلف الحيوانات بعد تجفيفه وطحنه وخلطه مع البرسيم والحشائش الأخرى، ويصبح حينها مفيدٌ للغاية، ويعاون على در الألبان بكميات أكبر. كما تُستخدم جذوع النخل في حريق كمائن الطوب الأحمر.

ويحتل السودان المرتبة الثامنة في إنتاج التمور بالعالم، ويُقدّر عدد أشجار النخيل في الولاية الشمالية بنصف عدد أشجار النخيل في السودان تقريباً، إذ تنتج الولاية الشمالية وحدها 63% من الإنتاج الكلي للتمور السودانية، بواقع 60 كيلو غراماً للشجرة الواحدة في المتوسط. و تعتبر التمور المحصول النقدي الأكثر شُهرةً بتلك المناطق.

ويشبه حصاد التمور، الأعياد الموسمية التقليدية أو مايشابه موسم العودة إلى الجذور، حيث يلتئم شمل الأسر الممتدة خلاله، كما يُعَـدُ موسم التمور سانحة لتسديد الديون وشراء ملابس جديدة وحتى شراء بيوت والزواج وغيرها.

ويُعَـدُ “القنديلة” و”البركاوي” و”التمودا” و”الكُلمة” من أشهر أصناف التمور بالسودان، وتتّصف بالحجم الكبير جداً وبالنوعية الممتازة والقابلية للتخزين الجاف، هذا بالإضافة إلى التمور الرطبة مثل “المدينة” وشبه الرطبة مثل “مشرق ود لقاي” و”مشرق ود خطيب”.

كما أُدْخِلَتْ لاحقاً بعض الأصناف العالمية مثل المجهول والبرحي والصقعي والسكري وغيرها، حيث حقّقت نجاحاً ملحوظاً خاصة في مواعيد نضجها المبكر.

العربية نت – الخرطوم – خالد فتحي

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة

مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة

تاج السر عثمان بابو

1

جاء مؤتمر لندن الذي عقد في 15 أبريل الجاري بعد دخول الحرب عامها الثالث، واستمرار معاناة الشعب السوداني من التشريد الذي وصل إلى أكثر من 12 مليون داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان الآلاف من الأشخاص، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب والعنف الجنسي، والتعذيب الوحشي للمعتقلين حتى الموت في سجون طرفي الحرب.

ضم المؤتمر: المملكة المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، ووزراء خارجية وممثلين من كل من: كندا، تشاد، مصر، إثيوبيا، كينيا، المملكة العربية السعودية، النرويج، قطر، جنوب السودان، سويسرا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، أوغندا، والولايات المتحدة الأمريكية،

بعد فشل المؤتمر في إصدار بيان ختامي صدر بيان من الرؤساء المشاركين،

استند البيان على المبادئ والآليات التي تم التوصل اليها في مخرجات المؤتمر الإنساني الدولي حول السودان والدول المجاورة، المنعقد في باريس بتاريخ: 15 أبريل 2024.

أشار البيان إلى قضايا عامة لا خلاف حولها مثل:

وقف الحرب وتخفيف معاناة الشعب السوداني، والتزامهم الراسخ بسيادة السودان، ووحدته، واستقلاله، وسلامة أراضيه، ودعمهم المستمر لتطلعات السودانيين نحو مستقبل سلمي، موحد، ديمقراطي، وعادل، ورفع الاهتمام الدولي بالتكلفة البشرية الباهظة للحرب. وتكثيف الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية. مع الاعتبار لدور المدنيين في إعادة بناء مستقبل السودان. إضافة لمسؤولية طرفي النزاع في حماية المدنيين، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. والاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024)، وإعلان جدة، إضافة إلى الركائز الستة الأساسية الواردة في خارطة طريق الاتحاد الأفريقي (مايو 2023) لحل النزاع في السودان.

2

كما أعطى البيان أسبقية للتوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار ووقف الحرب،  والحفاظ على وحدة السودان ومنع  تقسيمه، بما في ذلك تشكيل حكومة موازية التي قد تقوض سيادته وسلامة أراضيه وتُهدد تطلعات شعبه الديمقراطية.

إضافة للانتقال إلى حكومة مدنية: شدد المشاركون على أن القرار السياسي بشأن مستقبل السودان يجب أن يصدر عن السودانيين أنفسهم، في أوسع وأشمل تمثيل ممكن، وليس مفروضًا من الخارج. وغير ذلك مما جاء في البيان.

3

كما أشرنا فشل المؤتمر في إصدار بيان ختامي بسبب خلاف مصر والسعودية والإمارات، لكن صدور البيان من الرؤساء المشاركين يعتبر خطوة إلى الأمام لها ما بعدها، لكنها تحتاج إلى إرادة.

كما أشرنا سابقاً العامل الخارجي مساعد في وقف الحرب، لكن العامل الداخلي المتمثل في الحراك الجماهيري هو الحاسم، كما يقول المثل السوداني “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع أمرك”.

فقد تم استبعاد طرفي الحرب، والتأكيد على الحكم المدني الديمقراطي، لكن ذلك يستوجب أوسع نهوض جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الإنسانية، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وحماية السيادة وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.

[email protected]

الوسومالسعودية السودان الولايات المتحدة تاج السر عثمان بابو تشاد جنوب السودان فرنسا كندا مؤتمر لندن مصر وقف الحرب

مقالات مشابهة

  • أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح
  • واقع مرير خلَّفته الحرب في كهرباء السودان
  • القابلية للارتزاق والابتزاز
  • ???? انقلاب حميدتي
  • مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة
  • ما هي أسباب الحرب في السودان إذن؟
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: خلق آخر
  • حقيقة الحرب في السودان
  • تعليقاً على مقال:” عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد*
  • السودان الجديد يتخلق و لكن؛ برؤية من؟