كتاب أنطونان أرتو.. رؤية عميقة لفان كوخ
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
محمد نجيم (الرباط)
كان الشاعر والكاتب الفرنسي الشهير أنطونان أرتو (1896-1948) أحد المعجبين بتجربة الرسام الهولندي العالمي فان كوخ، وألّف عنه أحد المراجع المهمة سلَّط فيه الضوء على حياة هذا الفنان الذي شغل الناس وحيّرتهم حياته الخاصة، مثل ما شغلتهم حياة وأعمال بعض عظماء الفن الآخرين مثل سلفادور دالي وبيكاسو ورينوار، وغير هؤلاء من أيقونات الفن الحديث.
فبعد معانقة أرتو للحرية، قام بزيارة أحد المعارض الفنية المخصصة لأعمال فان كوخ، فاندهش بعبقريته، وقدرته الخارقة على استنطاق الطبيعة، ورسمها في لوحات، غاية في العمق والجمالية. ومن هنا بزغت فكرة كتابة هذا الكتاب العميق والخالد «فان كوخ منتحر المجتمع» في رأس أرتو، وقد تطلب الأمر أن يتفرغ له فترة. وهذا الكتاب الذي سمّاه بعض النقاد «المرافعة» بالنظر لأهميته، توج في سنة 1948 بجائزة سانت بوف الشهيرة في فرنسا، ويقول المترجم سعيد كريمي إن هذا الكتاب «أضحى مرجعاً أساسياً في النقد التشكيلي، كما كشف عن قدرات أرتو الكبيرة في رد الاعتبار لفان كوخ الذي عانى كل ألوان الفاقة، والإقصاء، والاستغلال، وهو الفنان التشكيلي الاستثنائي الذي ما زال تأثيره واضحاً حتى الآن في التشكيل العالمي. هذا علاوة على انشغال أرتو بالتشكيل، حيث كان هو الآخر فناناً تشكيلياً، وترك مجموعة متميزة من اللوحات، كما جمعته بعض الأعمال التشكيلية والسينوغرافية بكبار التشكيليين العالميين مثل: بيكاسو، وبالتوس، وهذا ما جسده بشكل واضح هذا الكتاب المشحون بفائض من المعاني، والدلالات الرمزية العميقة.
النسق الثقافي الغربي
وهذا الكتاب القيم، الصادر مترجماً عن المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة، يؤرخ لتجربة أرتو الشخصية، ومساهمته عن قرب في صناعة التاريخ الثقافي والفني الحديث والمعاصر، حيث كانت له اليد الطولى في تأسيس الحركة السريالية التي صاغ أهم بياناتها، وترأس تحرير مجلتها الشهيرة: «الثورة السريالية». بالإضافة إلى كونه من أهم أعلام الفكر التجريبي، والطليعي، سواء في المسرح أو السينما، أو حتى الشعر. ناهيك عن كون هذا العمل يميط اللثام أيضاً عن تجربة مهمة عاشها أرتو شخصياً، ورسم بروحه، وجسده كل تفاصيلها، وتتجلى في رحلته الأنثروبولوجية التي قادته نحو قبائل التراهوماراس في قِفار المكسيك، لاكتشاف الهندي الأحمر، وثقافة الهنود الحمر التي قلبت مجموعة من المسلّمات التي كانت تؤمن بها الثقافة الغربية.
ويرى المعرّب أن صدور الترجمة العربية لكتابي «فان كوخ منتحر المجتمع»، و«خطابات ثورية» لأنطونان أرتو، يهدف إلى المساهمة في تقريب الفكر «الأرتي» من القارئ العربي، ووضع هذين المتنين رهن إشارته، بغية استثمارهما في إثراء التصورات النقدية المتداولة، وتصحيح مجموعة من المغالطات التي تنسب لأرتو في علاقته بالمسرح، أو السريالية، أو الفن التشكيلي. وإغناء المكتبة العربية التي هي في أمسّ الحاجة إلى أعمالٍ من هذا القبيل.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب
صدر حديثا عن وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب.
ويتناول الكتاب اللحظات الأخيرة في حياة أبرز الكتاب والمبدعين في الأدب الإنساني، من بينهم دانتي أليجييري، وأنطونيو جرامشي، وفولتير، ولودفيك فتجنشتاين، وصادق هدايت، وأوسكار ويلد، وراينر نعمت مختار، وجويس منصور، وجورجيا آمادو، وثيربانتس، وغيرهم.
ويقول عزمي عبد الوهاب في تقديمه للكتاب: «ظللت مشغولاً بالنهايات لسنوات طويلة، لكن بداية أو مستهل كتاب "مذاهب غريبة" للكاتب الكبير كامل زهيري كان لها شأن آخر معي، فحين قرأت الفقرة الأولى في هذا الكتاب، تركته جانبا، لم أجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، وكأن هذه الفقرة كانت كفيلة بإشباع رغبتي في القراءة آنذاك، أو كأنها تمتلك مفاتيح السحر، للدرجة التي جعلتني أتمنى أن أكتب كتابا شبيها بـ"مذاهب غريبة".
تذكرت على الفور أوائل القراءات التي ارتبطت بكتاب محمد حسين هيكل "تراجم مصرية وغربية"، وبعدها ظلت قراءة المذكرات والذكريات تلقى هوى كبيرا لدي، كنت في ذلك الوقت لم أصدر كتابًا واحدًا، لكن ظلت تلك الأمنية أو الفكرة هاجسا، يطاردني لسنوات، إلى أن تراكم لدي من أثر القراءة كثير من مواقف النهايات، التي تتوافر فيها شروط درامية ما، وكلها يخص كتابا غربيًا؛ لأن حياة الأغلبية العظمى من كتابنا ومثقفينا تدفع إلى حافة السأم والتكرار والملل.
إنها حياة تخلو من المغامرة التي تصل حد الشطط، ربما يعود ذلك إلى طبيعة الثقافة العربية، التي تميل إلى التحفظ، وربما أن تلك الثقافة لم تكشف لي غرائب النهايات، هناك استثناءات بالطبع، شأن أية ظواهر في العالم، قد يكون الشاعر والمسرحي نجيب سرور مثالا لتلك الحياة المتوترة لإنسان عاش على حافة الخطر طوال الوقت، حتى وصل إلى ذروة الجنون، لكن دراما "نجيب سرور" مرتبطة بأسماء كبيرة وشخصيات مؤثرة، تنتمي إلى ثقافة: "اذكروا محاسن موتاكم" حتى لو كانت لعنة نجيب سرور ظلت تطارد ابنه من بعده، فقد مات غريبا في الهند مثلما عاش أبوه غريبا في مصر وروسيا والمجر».
ويضيف عبد الوهاب: «يمكن أن أسوق أسماء قديمة مثل "أبي حيان التوحيدي" الذي أحرق كتبه قبل موته، أو ذلك الكاتب الذي أغرق كتبه بالمياه، في إشارة دالة إلى تنصله مما كتب، أو ذلك الكاتب الذي أوصى بأن تدفن كتبه معه، وإذا كان الموت هو أعلى مراحل المأساة، فهناك بالطبع شعراء وكتاب عرب فقدوا حياتهم، بهذه الطريقة المأساوية كالانتحار ، مثل الشاعر السوداني "أبو ذكري" الذي ألقى بجسده من فوق إحدى البنايات، أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق، والشاعر اللبناني "خليل حاوي" الذي أطلق الرصاص على رأسه في شرفة منزله، والروائي الأردني "تيسير سبول" الذي مات منتحرا بعد أن عاش فترة حرجة من عام 1939 إلى 1973.
لكن المختفي من جبل الجليد في تلك الحكايات، أكبر مما يبدو لنا على سطح الماء، خذ على سبيل المثال "خليل حاوي" فقد أشيع في البداية أن الرصاصات، التي أطلقها على رأسه، كانت إعلانًا للغضب، ومن ثم الاحتجاج على الصمت العربي المهين، إزاء اقتحام الآليات العسكرية الإسرائيلية للجنوب اللبناني، ومن ثم حصار بيروت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفيما بعد، حين استفاق البعض من صدمة الحدث، قيل إن ما جرى كان نتاج علاقة حب معقدة، دفعت بالشاعر إلى معانقة يأسه والانتحار، فهل كان انتحار الروائي الأردني "تيسير سبول" صاحب أنت منذ اليوم أيضًا احتجاجا على ما جرى في العام 1967م؟
ربما يوجد كثير من النماذج، لكن تظل الأسماء الغربية الكبيرة، قادرة على إثارة الدهشة كما يقال، ونحن دائما مشغولون بالحكاية أكثر من المنجز، وكأن هذا من سمات ثقافتنا العربية، فالاسم الكبير تصنعه الحياة الغريبة لا الإنتاج الأدبي.
ومع ذلك يمكننا أن نتوقف أمام اسم كبير مثل "إدجار آلان بو" وكيف كان آخر مشهد له في الحياة، فهو أحد الكتاب الذين غادروا الحياة سريعا، وحين مات وجدوه في حالة مزرية، يرتدي ملابس لا تخصه، وحين تعرف عليه أحد الصحفيين، نقله إلى المستشفى، ومات وحيدا، بعد أربعة أيام، في السابع من أكتوبر عام ١٨٤٩م، ولم يعلم أقاربه بموته إلا من الصحف».