تقدير إسرائيلي: ردود الفعل الليبية دليل على رفض الشارع العربي للتطبيع
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
في الوقت الذي يتعثر فيه مسار التطبيع الاسرائيلي العربي، شكلت الفضيحة الخاصة بتسريب اللقاء الاسرائيلي مع وزيرة الخارجية الليبية مناسبة مهمة للحديث عن آفاق التطبيع مع باقي الدول العربية.
مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب، ذكر أن "العديد من الأوساط الاسرائيلية تبدي قلقها الشديد عقب صدور ردود الفعل الليبية بعد الكشف عن اللقاء السري الذي جمع وزيري الخارجية الاسرائيلي إيلي كوهين والليبية نجلاء المنقوش بحق، من البعد الإسرائيلي للاجتماع الأخير الذي عقده وزير الخارجية إيلي كوهين مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، لأنها حملت دلالات مفادها أنها تسببت بأضرار سياسية يرجح أن يتجسد في إحجام الأطراف العربية الأخرى عن التطبيع والاتصال بإسرائيل، لأنه تبين لها أن الفضح العلني عن أي لقاءات بات متاحاً".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "ما حصل في ليبيا درس أعمق فيما يتعلق بطبيعة العلاقات الحالية والمستقبلية مع العالم العربي، خاصة مع الجمهور العربي في هذه البلدان، لأن الإطاحة بالمنقوش سبقته مظاهرات عاصفة في ليبيا، تم فيها التعبير عن معارضة قوية للاتصالات مع إسرائيل، بما في ذلك حرق أعلامها، كما جرت العادة في مثل هذه الأحداث، وهذا أمر مثير للقلق لأنه يحدد السقوف التي تتوقعها إسرائيل بعلاقاتها مع العالم العربي في عهد اتفاقيات التطبيع: الزجاجية المخفية والمرئية التي يجب مراعاتها".
وأشار ان "ما حصل في ليبيا خلال الساعات الأخيرة يعيد للأذهان حالات الاغتراب التي عانى منها الإسرائيليون خلال كأس العالم في قطر، والبرود إلى حدّ العداء الذي يواجهونه وهم يسعون لتطوير العلاقة مع الشارعين المصري والأردني، لكن هذه المرة مع ليبيا فقد تم الكشف عن حجم الفجوة بين الدفء الموجود بين النخب على أساس المصالح الاستراتيجية مع إسرائيل، والمشاعر المشحونة التي يحملها الكثيرون في الشارع العربي ضدها، لأن استطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة في العالم العربي كشفت أن قسماً كبيراً من الجماهير العربية ما زالت تعتبر إسرائيل عدواً رئيسياً، بما في ذلك في بلدان بعيدة عنها كالجزائر وتونس".
وكشف أن "ما حصل في ليبيا يبدّد التقديرات الاسرائيلية بشأن إمكانية إرساء التطبيع مع السعودية بتجاوز العقبات الموجودة على الساحة السياسية الإسرائيلية والإدارة الأميركية، مع أنه فيما يتعلق بمواقف الجمهور السعودي تجاه العلاقات مع إسرائيل، ففي أفضل السيناريوهات سيكون ردّ فعل دافئ نسبيا مماثل للموقف العام في الإمارات العربية المتحدة، وفي أسوأ الأحوال، وهو أمر مستبعد إلى حدّ كبير، قد يتطور احتجاج شعبي ضد النظام في المملكة، مما يستدعي جعل القضية الليبية إشارة لصناع القرار الاسرائيلي بضرورة العودة لطاولة التخطيط، وإعادة النظر في الافتراضات الاستراتيجية التي يعتمد عليها تحالف إسرائيل الإقليمي".
وتشير المعطيات الاسرائيلية التي تراقب باهتمام تطورات الأحداث الليبية في الساعات الأخيرة أن استمرار التوترات مع الشعب الفلسطيني، خاصة إذا صاحبته مواجهات عنيفة، ومحاولة أحادية الجانب لتشكيل الواقع على الأرض، مما سيؤدي لتفاقم العداء الأساسي مع الدول العربية، وربما يسبب أزمات حادة في العلاقات معها، وإحباط إمكانية حدوث اختراقات مع دول المنطقة، وعرقلة مسار التطبيع التي يسعى إليه الاحتلال.
تعتبر أحداث ليبيا درس لصناع القرار الإسرائيلي الذين يلتزمون بفرضيات كاذبة، مفادها تعزيز الاختراقات مع العالم العربي، على أساس شراكة استراتيجية واقتصادية مع الاحتلال، مع تجاوز مناقشة القضية الفلسطينية، أو حلّها، وفي نفس الوقت اتخاذ خطوات تثير استياء اليمين الحاكم كتوسيع بناء المستوطنات، والاقتحامات المتكررة في المسجد الأقصى، وزيادة الصراعات العنيفة بين المستوطنين والفلسطينيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة التطبيع كوهين المنقوش ليبيا ليبيا التطبيع كوهين المنقوش صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم العربی فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
لا يُمكن فصل السّيَاسات الدولية اليوم تجاه فلسطين أو تجاه كافة دول العالم الإسلامي عن الموقف من الإسلام في حد ذاته. تحكم السياساتِ الدولية بشكل عامّ مصالح وصراعاتٌ اقتصادية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي يُلاحَظ أن هناك عاملا خفيا يُغلِّف كل هذه السياسات له علاقة بكون هذه الدولة بها غالبية من المسلمين أم لا، بغضِّ النظر عن المذهب أو طبيعة نظام الحكم أو التاريخ أو الجغرافيا لتلك الدولة.
في آخر المطاف تجد اتفاقا بين الدول الغربية في أسلوب التعامل مع أي منها يقوم على فكرة مركزية مفادها ضرورة إذعان هذه الدولة للنظام العالمي الغربي والقَبول بهيمنة القواعد المتحكِّمة فيه وعدم الخروج عنها بأيِّ صفة كانت، وإلا فإنها ستُحارَب بكافة الوسائل والطرق. لا يهم إن كانت هذه الدولة فقيرة مثل الصومال أو غنيّة مثل السعودية أو تركيا أو إيران. جميعهم في نظر السياسات الغربية واحد، فقط هي أساليب التعامل مع كل منهم التي تختلف. بعضهم يحتاج إلى القوة وآخر إلى الحصار وثالث إلى التّهديد ورابع إلى تحريك الصراعات الداخلية إلى حد الاقتتال وسادس إلى إثارة خلافات حدودية مع جيرانه… الخ، أي أنها ينبغي جميعا أن تبقى في حالة توتر وخوف وقلق من المستقبل.
تكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالمتكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالم للتأكد من ذلك، فحيث لا يوجد إخضاع تام من خلال القواعد العسكرية المباشرة والقَبول كرها بخدمة المصالح الغربية، يوجد إخضاع غير مباشر من خلال الحروب الأهلية أو اصطناع الجماعات الإرهابية أو إثارة النّعرات القبلية والعرقية أو تحريك مشكلات الحدود الجغرافية.. نادرا ما تُترك فرصة لِدولة من دولنا لتتحرّك بعيدا عن هذه الضغوط. السيناريوهات فقط هي التي تتبدّل أما الغاية فباستمرار واحدة: ينبغي ألا تستقلّ دول العالم الإسلامي بقرارها، ومن الممنوعات الإستراتيجية أن تُعيد التفكير في مشروع وحدة على طريق جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر مثلا!
وهنا تبرز فلسطين كحلقة مركزية في هذا العالم الإسلامي، ويتحدد إقليم غزة بالتحديد كمكان يتكثف فيه الصراع.
ما يحدث في غزة اليوم ليس المستهدَف منه سكان فلسطين وحدهم، إنما كل كتلة العالم الإسلامي المفترض وجودها كذلك. أيّ إبادة لسكان هذا القطاع إنما تحمل في معناها العميق تهديد أي دولة من دول العالم الإسلامي تُريد الخروج عن هيمنة النظام العالمي الغربي المفروض بالقوة اليوم على جميع الشعوب غير الغربية، وبالدرجة الأولى على الشعوب الإسلامية.. وكذلك الأمر بالنسبة للحصار والتجويع والقهر بجميع أنواعه. إنها ممارساتٌ تحمل رسائل مُوجَّهة لكافة المسلمين ولكافة دول الجنوب الفقير وليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة بمفردهم. محتوى هذه الرسائل واحد: الغرب بمختلف اتجاهاته يستخدم اليد الضاربة للصهيونية في قلب أمة الإسلام، ليس فقط لإخضاع غزة إنما إخضاع كل هذه المساحة الجيوستراتيجية الشاسعة لسيطرته الكاملة ثم إخضاع بقية العالم.
يُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط
وعليه، فإن السلوك المُشتَّت اليوم للمسلمين، وبقاء نظرتهم المُجزّأة للصراع، كل يسعى لإنقاذ نفسه، إنما هو في الواقع إنقاذٌ مؤقت إلى حين تتحول البوصلة نحو بلد آخر يُحاصَر أو يُقَسَّم أو تُثار به أنواع أخرى من الفتن… ويُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط أو ضد حركة الجهاد في فلسطين، ذلك أن كل الاتجاهات الإسلامية هي في نظر الاستراتيجي الغربي واحدة، تختلف فقط من حيث الشكل أو من حيث الحدة والأسلوب. لذلك فجميعها موضوعة على القائمة للتصفية يوما من الأيام، بما في ذلك تلك التي تعلن أنها مسلمة لائكية حداثية أو عصرية!.. لا خلاف سوى مرحليًّا بينها، لا فرق عند الغربيين بين المُعمَّم بالعمامة السوداء أو البيضاء أو صاحب ربطة العنق أو الدشداش أو الكوفية أو الشاش، ولا فرق عندهم بين جميع أشكال الحجاب أو الخمار أو ألوانها في كل بقعة من العالم الإسلامي، جميعها تدل على الأمر ذاته.
وفي هذه المسألة بالذات هم متّحدون، وإن أبدوا بعض الليونة المؤقتة تجاه هذا أو ذاك إلى حين.
فهل تصل الشعوب والحكومات في البلدان الإسلامية إلى مثل هذه القناعة وتتحرّك ككتلة واحدة تجاه الآخرين كما يفعل الغرب الذي يتصرّف بشكل موحد تجاه المسلمين وإنْ تنافس على النيل منهم؟
ذلك هو السؤال الذي تحكم طبيعة الإجابة عنه مصير غزة وفلسطين.. ومادام الغرب يعرف الإجابة اليوم، فإنه سيستمرّ في سياسته إلى حين يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا وتتبدَّل الموازين.
(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)