جيوش إيكواس وانقلابيو النيجر وداعموهم.. لمن الغلبة؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
بعد إعلان قادة جيوش دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) -في 18 أغسطس/آب الجاري- الاتفاق على خطة التدخل العسكري وموعده لاستعادة النظام الدستوري في النيجر وإعادة الرئيس محمد بازوم لمنصبه، أصبح استخدام القوة هناك أقرب من أي وقت مضى.
وقد ردت كل من بوركينا فاسو ومالي بنشر طائرات حربية في النيجر، وفق التلفزيون الرسمي لباماكو، الذي تحدث عن اجتماع ضباط من قادة أركان الدول الثلاث في نيامي، ضمن جهود للتصدي لأي هجوم محتمل.
ورغم تضامن المجلس العسكري في غينيا مع الانقلابيين في النيجر، فإنه لم يعلن بعد دخول الحرب معهم إذا تعرضت نيامي لهجوم.
بينما انتزع انقلابيو النيجر وعدا من المجلس العسكري في تشاد -حليف فرنسا- بعدم دعم أي عملية عسكرية ضدهم، مما يعني غلق الأجواء التشادية أمام أي غارات فرنسية على نيامي انطلاقا من نجامينا.
وإيكواس تمثل تكتلا لنحو 11 بلدا، بعد تجميد مقاعد كل من غينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر بالمجموعة، وتهدد البلدان الأربعة الأخيرة بالانسحاب منها إذا ما نفذت هجوما على نيامي، بينما لا تعد تشاد جزءا من المجموعة.
ومن بين الدول الـ 11 في إيكواس، تبدي كل من نيجيريا وساحل العاج والسنغال -بالإضافة إلى بنين- استعدادها للمشاركة في القوة الاحتياطية التي ستنفذ العملية العسكرية، ويمكن أن تنضم إليها غانا التي احتضنت اجتماع قادة جيوش إيكواس الأخير.
لكن مفوّض الشؤون السياسية والسلم والأمن في إيكواس عبد الفتاح موسى أكد أن جميع الدول الأعضاء قدموا الموارد الضرورية لتنفيذ العملية، دون تحديد طبيعة مساهمة كل دولة سواء بالجنود أو العتاد العسكري أو التمويل أو الموارد اللوجستية.
وتختلف قدرات جيوش إيكواس من بلد لآخر، لكن أقواها جيش نيجيريا، وأضعفها جيش بنين، وهما البلدان الوحيدان الجاران للنيجر بالمجموعة، إذا استثنينا مالي وبوركينا فاسو اللتين لديهما قدرات عسكرية متواضعة.
غير أن الحليف الدولي قد يلعب دورا حاسما لمصلحة أي من الطرفين، فإيكواس من الممكن أن تتلقى دعما من فرنسا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بينما تعول النيجر على دعم روسيا وذراعها العسكرية شركة فاغنر، في حين يُستبعد أن تشارك الجزائر في دعم أي من الطرفين، في ظل إدانتها للانقلاب ورفضها استخدام القوة ضده.
جيوش إيكواس الرئيسية: ـ نيجيريا
تمتلك أكبر جيش في مجموعة إيكواس والرابع أفريقيا وفي المرتبة 36 عالميا، وتقارب ميزانية دفاعها 3.5 مليارات دولار، وفق موقع غلوبال فاير باور global fire power الأميركي المتخصص بالمجال العسكري.
ويضم جيش نيجيريا 135 ألف عسكري في الخدمة، بالإضافة إلى 80 ألفا من القوات شبه العسكرية، مزودين بـ 177 دبابة، و15 ألفا و748 عربة مدرعة.
أما قواته الجوية فتتكون من 144 طائرة حربية، منها 14 مقاتلة و24 هجومية، و52 مروحية و15 مروحية هجومية.
وميزة نيجيريا أن لديها حدودا طويلة مع النيجر تبلغ نحو 1600 كيلومتر، ونقطة ضعفها أنها تعاني من انتشار الجماعات المسلحة وخاصة بوكو حرام وتنظيم الدولة غرب أفريقيا، بالإضافة لعصابات وجماعة مقربة من تنظيم القاعدة بالشمال الشرقي الأفريقي.
ورغم قوة جيش نيجيريا، لم يتمكن من القضاء على الجماعات والعصابات المسلحة شمال البلاد ووسطها، واضطر في فترات معينة إلى الاستعانة بجيش تشاد لمحاربة التنظيمات المسلحة بالشمال الشرقي.
كما أن مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) عارض إرسال قوات إلى النيجر، تحت ضغط شيوخ قبائل وزعماء دينيين مسلمين في الشمال.
ساحل العاجوتعد أكثر الدول حماسة لدخول الحرب في النيجر، إذ أعلن رئيسها الحسن وتارا مشاركة بلاده في القوة العسكرية الاحتياطية لإيكواس بكتيبة مكونة من 850 إلى 1100 جندي.
ويعد جيش ساحل العاج ثاني أكبر قوة عسكرية في إيكواس، لكنه يحتل المرتبة 19 أفريقيا من بين 38 بلدا شملها إحصاء الموقع الأميركي سالف الذكر، أما عالميا فيحتل المرتبة 105 من إجمالي 145 دولة.
ولا يتجاوز عدد القوات العاملة 25 ألف عسكري، ولديهم ميزانية لا تتعدى 510 ملايين دولار، ولا يملكون أي طائرة مقاتلة أو هجومية، باستثناء 4 طائرات نقل ومروحية نقل وأخرى هجومية، بمجموع 6 طائرات فقط.
ولا تربط ساحل العاج أي حدود مع النيجر، لكن لديها حدودا مع مالي وبوركينا فاسو، ويمكن أن تضغط عليهما عسكريا في حال دخولهما الحرب ضد إيكواس.
السنغال
أعلنت السنغال أنها ستشارك إذا قررت "إيكواس" التدخل عسكريا في النيجر، لكنها لم تحدد حجم القوة التي ستشارك بها.
ويحتل جيش السنغال المرتبة 125 عالميا في مؤشر غلوبل فاير باور، بنحو 17 ألف جندي، ولهم ميزانية لا تتجاوز 345 مليون دولار، ومزودون بـ 27 طائرة حربية، ليس بينها أي طائرة اعتراضية أو هجومية، فأغلبها طائرات ومروحيات نقل وتدريب، باستثناء 5 مروحيات هجومية.
كما لا تمتلك السنغال أي دبابة، ولكنها تعتمد على ناقلات الجند المدرعة والتي تبلغ 1104.
وليس للسنغال حدود مع النيجر، ولكن لديها حدود مع مالي، وتتمتع بجيش منضبط عسكريا، لم يسبق له أن قاد انقلابا على حكومة منتخبة منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960، ولعب أدوارا خارجية في الدفاع عن الديمقراطية غرب أفريقيا خصوصا غامبيا.
بنينرغم أنها تملك أصغر قوة عسكرية في إيكواس، لكنها تملك ميزة خاصة، حيث تعد حدودها الأقرب إلى عاصمة النيجر نيامي، مما يجعلها مرشحة لتكون قاعدة انطلاق العملية العسكرية المحتملة لقوات "إيكواس" في النيجر.
ويحتل جيش بنين المرتبة الأخيرة أفريقيا، وما قبل الأخيرة بين جيوش العالم (144) إذ لا يتجاوز تعداده 5 آلاف عنصر، لديهم ميزانية تبلغ 75 مليون دولار، ولا يملك سوى طائرتي نقل، واحدة فقط بحالة جاهزية، بالإضافة إلى 150 عربة مدرعة.
غانا
لم تعلن رسميا مشاركتها بأي قوة عسكرية في عملية إيكواس المحتملة بالنيجر، ولكنها تمثل القوة العسكرية الثالثة بالمجموعة، واحتضنت اجتماعا لقادة جيوشها تم فيه إعلان الاتفاق على خطة التدخل العسكري وموعده، وهو مؤشر على أنه ستكون لها مساهمة بهذه القوة، رغم أنه لا تربطها أي حدود مع النيجر، لكنها لديها حدود مع بوركينا فاسو.
ويحتل جيش غانا المرتبة العشرين أفريقيا و109 عالميا، ولا تتجاوز ميزانيته 289 مليون دولار، ويبلغ تعداد عناصره 14 ألفا، مدعمين بـ 20 طائرة معظمها للنقل، في غياب أي طائرات مقاتلة أو هجومية.
لكن قوة جيش غانا في سلاح المدرعات الذي يملك منه 1656 عربة، بالإضافة لعدد محدود جدا من المدافع (6) وراجمات الصواريخ (15) بينما لا يمتلك أي دبابة.
جيوش المجالس العسكرية.. أنصار الانقلاب النيجريقدر تعداد جيش النيجر بنحو 10 آلاف عنصر في الخدمة، بالإضافة إلى 3 آلاف من القوات شبه العسكرية، وفق مؤشر غلوبل فاير باور.
لكن رئيس النيجر المعزول (بازوم) كان أعلن قبل الإطاحة به رفع تعداد الجيش من 11 ألفا إلى 50 ألف عسكري، رغم أن هناك من المحللين من شكك في صحة الرقم الأخير.
ويحتل جيش النيجر المرتبة 25 أفريقيا و119 عالميا، ومع ذلك فهو القوة الخامسة في مجموعة إيكواس بعد كل من نيجيريا وساحل العاج وغانا ومالي، وقبل بوركينا فاسو والسنغال.
وتبلغ ميزانية دفاع جيش النيجر 287 مليون دولار، ويملك 16 طائرة منها اثنتان هجوميتان، ومروحية هجومية واحدة، والبقية طائرات ومروحيات نقل، بينما يفتقد أي مقاتلة اعتراضية يمكن أن تتصدى لأي هجوم جوي معاد.
أما القوات البرية فلا تمتلك سوى 728 مدرعة، مع افتقاد جيش النيجر للدبابات أو سلاح المدفعية والصواريخ.
ونقطة قوة جيش النيجر أنه يقاتل على أرضه، لكن تهديد إيكواس بالتدخل العسكري دفعه لاستدعاء وحدات من ولايات ديفا (شرق) ودوسو (جنوب) وتيلابيري (غرب) الملتهبة أمنيا، إلى العاصمة نيامي، وفق إعلام فرنسي.
أي أن جيش النيجر لا يرغب في قتال قوة إيكواس على الحدود وإنما داخل العاصمة، لذلك يقوم بحشد قواته من الأطراف وتركيزها في نيامي.
لكن سحب قواته من مناطق ساخنة، وافتقاده للغطاء الجوي الفرنسي، جعل قواته عرضة لضربات التنظيمات المسلحة في تيلابيري، التي قُتل فيها 28 مدنيا على الأقل في 16 أغسطس/آب الجاري، ونحو 20 جنديا في عمليتين بالمنطقة نفسها.
فجيش النيجر لا يمكنه الصمود طويلا أمام عملية عسكرية لـ "إيكواس" لأن ذلك قد يؤدي إلى سقوط منطقة تيلابيري، القريبة من نيامي بيد التنظيمات المسلحة.
مالي
يعد جيش مالي أقوى قليلا من جيش النيجر، بفضل الأسلحة التي تلقاها من روسيا خاصة الطائرات الحربية.
وقد أعلن المجلس العسكري في باماكو أنه سيخوض الحرب إلى جانب نيامي إذا تعرضت لهجوم.
ويحتل جيش مالي المرتبة 110 عالميا و21 أفريقيا، والرابعة بين جيوش إيكواس، ويملك 18 ألف جندي بالخدمة، وألفي عنصر من القوات شبه العسكرية، وتبلغ ميزانية الدفاع 591 مليون دولار، أي ضعف نظيرتها في النيجر.
ويمتلك 39 طائرة حربية بينها 9 اعتراضية و6 هجومية، و12 مروحية، و9 مروحيات هجومية، و7 طائرات نقل، و4 طائرات تدريب يمكن استخدامها في القتال، بالإضافة إلى طائرة للمهام الخاصة (الحرب الإلكترونية).
وإذا استثنينا سلاح جو نيجيريا، فإن القوات الجوية المالية أقوى من بقية نظيراتها في إيكواس مجتمعة، بفضل الدعم الروسي.
ويمكن أن يسبب سلاح الجو المالي متاعب لعملية إيكواس المحتملة، إذا لم ترم نيجيريا بثقلها في هذه المعركة، أو لم تتدخل فرنسا والولايات المتحدة لتحييد طائرات مالي التي نشرتها في النيجر.
وفي هذه الحالة، يمكن لروسيا أن تتدخل عبر فاغنر أو بتزويد حلفائها بمزيد من الأسلحة الثقيلة، ومن شأن ذلك أن يطيل أمد الحرب.
بوركينا فاسو
المجلس العسكري في بوركينا فاسو أعلن هو الآخر عزمه دخول الحرب إذا هاجمت جيوش إيكواس النيجر، لكنه على غرار مالي والنيجر يواجه تهديدات عنيفة من الجماعات المسلحة المنتشرة بمنطقة الحدود المشتركة بين الدول الثلاث.
ويحتل الجيش البوركينابي المرتبة 121 عالميا، و26 أفريقيا، والسادس بين جيوش إيكواس.
وعدد قواته لا يتجاوز 12 ألف عنصر، بالإضافة إلى 4.5 آلاف من جنود الاحتياط، وميزانية دفاعه تبلغ 434 مليون دولار.
ويملك 20 طائرة حربية، بينها 3 هجومية، ومروحيتان هجوميتان، فضلا عن طائرتي نقل، و4 للتدريب، و10 مروحيات، وطائرة للمهام الخاصة.
ومن خلال هذا العرض، يتبين أن نجاح عملية إيكواس قائم على مدى استطاعتها حشد قوات مدربة ومسلحة بشكل جيد، وتتمتع بغطاء جوي وبخطوط إمداد قصيرة وباستعلامات دقيقة عن مكان احتجاز بازوم، والأهداف المعادية التي يتطلب تحييدها على غرار سلاح الطيران.
بينما يمثل خيار المجالس العسكرية بالنيجر ومالي وبوركينا فاسو في الاحتشاد داخل نيامي، واستخدام سلاح الجو لتشتيت أي قوة معادية، خاصة إذا لم تتمكن إيكواس من حشد قوة كبيرة تراوح بين 5 آلاف و25 ألف عنصر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مالی وبورکینا فاسو المجلس العسکری فی بالإضافة إلى بورکینا فاسو جیوش إیکواس طائرة حربیة ملیون دولار جیش النیجر فی إیکواس مع النیجر فی النیجر حدود مع
إقرأ أيضاً:
هل يواصل ترمب تجاهل أفريقيا؟
على عكس منطقة الشرق الأوسط لم يبرز حتى الآن اهتمام لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجديدة بالقارة الأفريقية التي عانت تجاهلاً في فترة رئاسته الأولى (2016-2020)، والتي مارس فيها الرئيس تنمراً وُصف بالعنصرية ضد الأفارقة كانت له ردود فعل سلبية من جانب رؤساء دول القارة السمراء.
وعلى عكس رئاسة ترمب السابقة فإن الرجل وإدارته في فترة رئاسته الجديدة يرثان استراتيجية أميركية لأفريقيا أعلنت في أغسطس (آب) 2022، كذلك ورثا تعهدات أميركية بتمويل خطط للتنمية في كثير من دول جنوب الصحراء في أفريقيا، وأيضاً عُقدت قمة أميركية - أفريقية في واشنطن يناير (كانون الثاني) 2023، فضلاً عن تدشين ممر ليبتو في خليج غينيا، الذي يعد شرياناً من الموارد الأفريقية لمصلحة واشنطن.
ميراث الرئيس السابق جو بايدن الأفريقي يطرح تساؤلات في شأن مدى التزام ترمب هذه الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا، كذلك حول مستقبل العلاقات الأميركية - الأفريقية في الأعوام الأربعة المقبلة، في ضوء معطيات وتطورات جديدة في حال التنافس الدولي على أفريقيا أولاً، وأيضاً في الديناميكيات والتفاعلات الأفريقية ذاتها مع حال التكالب الدولي على الموارد الأفريقية ثانياً.
معطيات قد تدفع إلى التغيير
المعطيات الأميركية في شأن أفريقيا ما زالت إلى حد ما غير واضحة، لكن أحد أبرز ملامحها أن مهتمين بالشؤون الأفريقية هم من بين الجمهوريين القريبين من ترمب، منهم جون بيتر فام الأكاديمي في مركز أتلانتيك للأبحاث وهو أيضاً المبعوث الأميركي لمنطقة الساحل الأفريقي، فضلاً عن كاميرون هدسون المهتم بالشؤون السودانية أساساً، وعمل من قبل في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) ومديراً لمجلس الأمن القومي الأميركي.
وبغض النظر عن تأثير الأشخاص في إمكانية تحول ترمب وإدارته بأفريقيا فإن ثمة معطيات جديدة قد تجبر الرئيس الأميركي الموصوف بـ"معاداة أفريقيا" على أن يتحول نحو الاهتمام بها لتلبية مصالح أميركية جيواستراتيجية، من بينها:
أولاً: تراجع النفوذ الأوروبي عموماً والفرنسي خصوصاً في أفريقيا، وهو النفوذ الذي كان يحقق جزءاً من المصالح الأميركية سواء في ما يخص التمسك بالشروط الغربية في التحول الهيكلي في الاقتصادات الأفريقية، ليكون قطاع الأعمال الخاص وليس القطاع العام هو القائد فيها، أو محددات النظم السياسية من زاوية التزامها تطبيق آليات الديمقراطية بأدواتها الغربية، خصوصاً في ما يتعلق بتغيير السلطة ومساحات منظمات المجتمع المدني والتزام أسقف عالية من الحريات السياسية، وكذلك إتاحة الحقوق المدنية على أوسع نطاق.
وقد أتاحت هذه الشروط والرعاية الأوروبية لها بيئة عمل إيجابية على المستويين السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، كذلك أتاحت لها باباً واسعاً لولوج الشركات الأميركية في القطاعات كافة، وكذلك وفرت وجوداً عسكرياً لبعض القواعد العسكرية كان آخرها في النيجر.
ولعل تراجع النفوذ الأوروبي في أفريقيا هو ما دفع واشنطن إلى تدشين استراتيجيات جديدة تضمن فعالية أميركية منفصلة عن الأداء الأوروبي، وذلك في ضوء خسائر جرت أخيراً بما في ذلك فقد نقاط الارتكاز العسكرية والاستخباراتية في النيجر والفشل التفاوضي مع أي حليف أفريقي جديد لإبرام صفقة إعادة التموضع الأميركي في القارة السمراء، وكذلك عدم اكتمال مشروع السكك الحديد المعروف باسم "ليبتو" الذي تدعمه الولايات المتحدة لتصدير الموارد عبر أنغولا إلى الغرب.
أما على المستوى الدبلوماسي فقد فشلت واشنطن في الوفاء بتعهداتها بدعم إضافة مقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن وانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة الـ20.
وهي الحال التي عبر عنها كاميرون هدسون الذي يعمل حالياً في مركز واشنطن للدراسات الدولية تعليقاً على حال الولايات المتحدة في أفريقيا بالقول "لدينا نقاط عمياء كبيرة في فهمنا الديناميكيات السياسية والعسكرية في الدول التي ننشط فيها، وهي حادة بصورة خاصة في أفريقيا".
في هذا السياق أُقدم على بلورة الاستراتيجية الأميركية لدول جنوب الصحراء للقارة، التي جرت محاولات تنشيطها في عدد من زيارات وزير الخارجية الأميركي في إدارة بايدن أنتوني بلينكن، وغيره من المسؤولين الأساسيين في إدارة الرئيس السابق.
هذا الدرب للإدارة الديمقراطية قد تحتاج الإدارة الجمهورية إلى تعزيزه خصوصاً في القطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية بالنسبة إلى ترمب، رجل الأعمال الذي عزز برنامجه الشعبي "المتدرب" اهتمام رجال الأعمال الشباب في أفريقيا، وهو البرنامج الذي اقتحم به عالم الترفيه والتلفزيون، فضلاً عن صورة ترمب المنحاز للقيم العائلية التقليدية، خصوصاً في قضايا حقوق المثليين جنسياً والإجهاض ومغايري الهوية الجنسية ومزدوجي الميل الجنسي، وكلها رسائل أميركية تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي الأفريقية.
أما عن ثاني هذه العوامل فيتمثل في الاحتياج الاستراتيجي الأميركي لتحجيم طموح الصين، وذلك في خلق هيمنة شريكة للهيمنة الأميركية حول العالم، وخصوصاً في القارة الأفريقية التي تعد الملعب الأول للتنافس والصراع الدولي بسبب مواردها الاقتصادية، يأتي ذلك في سياق توجس متزايد في الداخل الأفريقي من الإدارة الأميركية الجديدة، إذ قال الرئيس الكيني ريلا أودنجا، المرشح لرئاسة الاتحاد الأفريقي في انتخابات ستُجرى الشهر المقبل، إن لأفريقيا أصدقاء آخرين إن لم ترغب إدارة ترمب في التعاون معها.
وثالثاً، انتشار الظاهرة الإرهابية وتوقعات تضخمها في أفريقيا، وهو ما تجلي في كلمة مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن أخيراً، التي كشفت خلالها عن اهتمام إدارة الرئيس ترمب بالظاهرة الإرهابية وتوسعها في أفريقيا، لكن ما طرحته المندوبة الأميركية لم يعبر عن استراتيجيات شاملة متعددة المداخل ضد الإرهاب، ولكنها ركزت على المدخل العقابي التقليدي بآليات العقوبات التقليدية الصادرة من وزارة الخزانة الأميركية، وهي العقوبات التي تعمل غالباً في السياقات الرسمية عبر أنظمة البنوك وغيرها وتتجاهل قدرات الجريمة المنظمة بالقارة الأفريقية وذلك في تهريب الموارد الطبيعية والأموال وأيضاً البشر، في ضوء ضعف قدرات الجيوش الأفريقية، وعجز الحكومات الأفريقية عن القيام بأدوارها الوظيفية، وربما يكون لافتاً هناك ذلك الدور الذي تؤديه الشركات الأميركية في دعم استمرار حال هشاشة الحكومات الأفريقية بما يدعم انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة معاً، ولعل دعم بعض الشركات الأميركية راهناً لمجهودات قيام حكومة سودانية منفصلة في غرب السودان هو سعي وراء استغلال الصمغ العربي، وباقي الموارد السودانية، وهي خطوات تقوض قدرات الدولة السودانية كغيرها من الدول الأفريقية في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.
تحديات مقبلة
هذه المعطيات الجديدة نسبياً قد تدفع إدارة ترمب لتكون أكثر فاعلية في توجهاتها إزاء القارة السمراء خلال المرحلة المقبلة، ولكن من المؤكد أنه ستواجهها تحديات كبيرة وكثيرة تحدثت عنها تقارير حكومية أميركية، ومن ذلك ضعف الموارد البشرية والمالية الأميركية الموجهة إلى القارة الأفريقية، على رغم إعلان الاستراتيجية الأميركية لأفريقيا منذ ثلاثة أعوام تقريباً، حين أشار اتحاد الدبلوماسيين الأميركيين إلى خطورة حال نقص الدبلوماسيين العاملين في أفريقيا، نتيجة ضعف القدرات اللوجيستية في هذه الدول في مجالات الصحة والتعليم، مما يسفر عن عدم وجود طلبات من جانب الدبلوماسيين الأميركيين للعمل في أفريقيا أو الاعتذار عنه.
نقلا عن اندبندنت عربية