هى مدرسته الأولى، وهو رفيقها وأنيسها فى طفولته البكر، بحكم ترتيبه بين إخوته، فقد كان أصغر البنين والبنات، ويصل الفارق بينه وبين الأخ الذى يكبره مباشرة إلى 10 سنوات.. صحبها أينما ارتحلت، فأصبحت الأم هى السبيل أمامه لفهم الحياة واستشرافها، والمعين الذى تشرَّب منه معانى الحب، واكتسب قيم التسامح والتعايش فى مهده، كما تعرّف من خلالها على الثقافة الشعبية.

اعتادت التبرك بـ«الحسين» و«مارجرجس»

فى أحاديثه ولقاءاته الصحفية، حكى نجيب محفوظ القليل عن «فاطمة» أمه، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة، أحد علماء الأزهر، ربما كان الأقرب إليها ما جاء على لسانه فى لقاءاته وتسجيلاته مع النقاد والكاتب الصحفى رجاء النقاش، التى نشرتها دار «الشروق» فى الذكرى العاشرة لحصول الأستاذ على جائزة نوبل بعنوان «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ». «أما عن أمى، فهى سيدة أمية، لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزناً للثقافة الشعبية، وكانت تعشق سيدنا الحسين، وتزوره باستمرار، وفى الفترة التى عِشناها فى الجمالية كانت تصحبنى معها فى زيارتها اليومية»، يواصل «محفوظ» حديثه مع «النقاش» عن والدته: «فى كل المرات التى رافقتها إلى سيدنا الحسين، كانت تطلب منى قراءة الفاتحة، عندما ندخل المسجد، وأن أقبّل الضريح، وكانت هذه الأشياء تبعث فى نفسى معانى الرهبة والخشوع.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية، خاصة دير مارجرجس، وتأخذ المسألة على أنها نوع من البركة، ومن كثرة تردّدها على الدير نشأت صداقة بينها وبين الراهبات، وكن يحببنها جداً». ربما شاهد الطفل الصغير المولود 1911 فى أعوامه الأولى وحدة المصريين فى ثورة 1919، والهلال إذ يجاور الصليب، لكن «درب قرمز» فى الجمالية، لم يصادف من قبل هذا المشهد يوم أن تعبت «فاطمة» الأم: «مرضت والدتى ولزمت البيت، وفوجئنا بوفد من الراهبات يزرنها فى البيت، وفى ذلك اليوم حدث انقلاب بشارع رضوان شکرى، لأن الناس لم يروا مثل هذا المنظر من قبل، وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين ومارجرجس فى نفس الوقت، تقول: كلهم بركة، وتعتبرهم سلسلة واحدة، والحقيقة أننى تأثرت بهذا التسامح الجميل، لأن الشعب المصرى لم يعرف التعصّب، وهذه هى روح الإسلام الحقيقية».

احتار «نجيب» فى غرامها بزيارتها للآثار الفرعونية

كانت الأم تحب زيارة المتحف المصرى، والآثار الفرعونية، ولم يكن الأمر من منطلق دينى، إذ كانت تسميها «المساخيط»: «لا أجد تفسيراً حتى الآن لغرامها بالآثار القديمة، ففى أسرتنا الآن سيدات تعلمن فى مدارس أجنبية، ويجدن اللغات الأجنبية، والعزف على الآلات الموسيقية، ومع ذلك ليست لديهن ثقافة أمى أو غرامها بالآثار، إننى أجد فى أمى عراقة وأصالة أكثر من سيدات هذا الجيل، فإلى جانب عشقها للآثار كانت مغرمة بسماع الأغانى، خاصة أغانى سيد درويش».

دخلت السينما مرة واحدة لمشاهدة «فجر الإسلام» 

كانت الأم أقرب إلى «نجيب» من الأب الذى كان مشغولاً، ودائماً خارج البيت فى عمله، ثم إنه مات مبكراً عام 1937، فيما تجاوزت الأم المائة عام، لازمها فى طفولته وكِبره، وحتى وفاتها عام 1968، وهو العام نفسه الذى حصل فيه على جائزة الدولة التقديرية: «كانت والدتى تتمتّع بصحة جيدة طوال عمرها، ولا أتذكر أنها ذهبت إلى طبيب فى يوم ما، أو اشتكت من مرض ما، باستثناء العام الأخير من حياتها، حيث رقدت فى سريرها وهى عاجزة عن الحركة تماماً، لقد ظلت أمى حتى حدود التسعين من عمرها تزور الحسين بشكل يومى، كما لم تنقطع عن زيارة أقاربنا، وكانت تحظى بمكانة وحضور كبيرين بينهم». حكى «نجيب» أن أمه لم تدخل السينما إلا مرة واحدة، لمشاهدة فيلم «ظهور الإسلام»: «حدث ذلك بعدما وصل إلى مسامعها أن من شاهد هذا الفيلم يكون بمثابة من ذهب لأداء فريضة الحج، وبما أنها لم تتمكن من الحج ذهبت لمشاهدة الفيلم». ويتذكر «محفوظ» الموقف الوحيد الذى تعرّضت له أمه بالضرب: «ذات يوم كنت ألعب مع خادمتنا الصغيرة (زكية) وأحضرت شفرة حلاقة وأقنعتها ببراءة الأطفال أننى طبيب وأستطيع أن أجرى لها عملية جراحية فى يدها، وصدقتنى، وأعطتنى ذراعها، فجرحتها، ولما رأت زكية منظر الدم صرخت، وجاءت أمى فزعة، وصفعتنى على وجهى، وتوعدتنى بقطع يدى بالشفرة، وعند سماعى لهذا التهديد شعرت بالرعب وهربت منها». حاولنا بشتى الطرق البحث عن صورة للسيدة «فاطمة» فلم نهتدِ، «محفوظ» نفسه شعر بالأسى لذلك: «عندما ماتت والدتى حدثت فى بيتنا سرقة (أهلية)، حيث جاء الأقارب وأخذوا كثيراً من الأوراق والأشياء الشخصية، ومن بينها صور خاصة». كانت الأم محور الحياة لـ«نجيب»، والصورة المُثلى للمرأة، وكيف يجب أن تكون؟، حتى قال إن «المستهين بقدرات النساء أتمنى أن تُعاد طفولته بدون أم».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: نجيب محفوظ أديب نوبل

إقرأ أيضاً:

المحكمة تعاقب المتهمين بقتل صديقهم بسبب فيديو تيك توك

قضت محكمة الطفل بأكتوبر، بمعاقبة المتهمين بإنهاء حياة صديقهم أثناء تصوير فيديو تيك توك، سنة عن تهمة القتل الخطأ، وسنة عن تهمة الاحتجاز وغرامة 5 الألف جنيه.
 

البداية عندما تلقت الأجهزة الأمنية في الجيزة، بلاغًا بالعثور على جثة طالب داخل مخزن في إمبابة، وتبين مقتله على يد 2 من أصدقائه بسبب اللهو ومحاولة إجراء مشهد تمثيلي على التيك توك.

تلقت أجهزة أمن الجيزة، إخطارًا من قسم شرطة إمبابة تضمن ورود بلاغًا أفاد بمقتل طالب داخل مخزن في دائرة القسم وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية في الجيزة إلى مكان لبلاغ.

بالانتقال والفحص تبين العثور على جثمان شاب يرتدي كامل ملابسه وبرأسه قطع خشبية، وتبين أن وراء ارتكاب الواقعة أصدقاء المجني عليه.

وتوصلت تحريات المباحث إلى أن المتهمين قاموا بربط صديقهم في كرسي داخل المخزن وبمحاولته فك نفسه، سقط على الكرسي وأصيب جراء دخول أجزاء قطعة خشبية في رأسه، وكانوا يحاولون تصوير مشهد تمثيلي وتم القبض عليهم واتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة.

مقالات مشابهة

  • على هامش فعاليات معرض الكتاب.. الرحبي: روايات نجيب محفوظ وأغاني أم كلثوم في كل بيت عماني
  • سقطت عليه بوابة مصنع.. مصرع فرد أمن في الدقهلية
  • مصرع فرد أمن سقطت عليه بوابة مصنع في الدقهلية
  • المحكمة تعاقب المتهمين بقتل صديقهم بسبب فيديو تيك توك
  • أفضل سورة تقرأ في شعبان كل صباح.. تفتح لك أبواب الرزق الواسع
  • «فلسطينيون»: الحشود الشعبية المصرية على معبر رفح رسالة برفض مقترح التهجير
  • أمسية شعرية بمشاركة فريق الخيالة بالأعلى للثقافة
  • من الفراعنة إلى نجيب محفوظ.. «ميلانا فوكوفيتش» تروي حكاية عشقها لمصر بمعرض الكتاب
  • من الفراعنة إلى نجيب محفوظ.. ميلانا فوكوفيتش تروي حكاية عشقها لمصر بمعرض الكتاب
  • مناقشة كتاب «سردية نجيب محفوظ» لمحمد بدوي في معرض القاهرة الدولي