جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-22@14:05:06 GMT

من هنا يتحقق الأثر

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

من هنا يتحقق الأثر

مدرين المكتومية

الحياة مليئة بالعقبات والتحديات؛ بل إنَّ الحياة في أحد أوصافها هي المصاعب، هي المشقة، هي الجد والعمل، أما الرفاهية والعيش الرغيد والراحة، فهذه من ثمار المُثابرة في الحياة، ومن نتائج تحمُّلنا لما قد نواجه من عثرات وخيبات أمل عديدة، خاصة إذا جاءت من أشخاص نُبدي لهم التقدير والاحترام، ورغم ذلك نسعى ونحاول أن نترك أثرًا طيبًا.

الكثيرون في هذه الحياة يزعمون أنهم يدركون حقيقتها، أو أنهم على دراية بما يجب القيام به، غير أنهم عادةً ما يقعون في الخطأ، وربما الخطيئة، خطيئة الأنا، خطيئة النرجسية، خطيئة العجرفة والتَّعالي وممارسة الفوقية مع الجميع، أمثال هؤلاء لن يبقى لهم أثر، ولن يذكرهم أحد، بعد رحيلهم، والرحيل هنا ليس بالضرورة خروج الروح إلى بارئها؛ بل الرحيل من المشهد، والمحو من الذاكرة، فهناك أشخاص نظل محافظين على أن يبقوا في ذاكرتنا، وربما نتعمد استذكار مواقفهم وعلاقاتنا معهم حتى لا يذهبوا في غيابات الذاكرة، ويصيروا طيّ النسيان.

ولذلك أجدني أحرص دائمًا على إبقاء علاقاتي بالآخرين في المنطقة الدافئة؛ حيث الاحترام المُتبادل والتقدير والشكر على أي جهد يُبذل، ويكفي أن يجد المرء مِنّا نفسه محط اهتمام الآخرين، فقط لأنه بادلهم هذا الاحترام في مواقف كثيرة. لكن الأزمة الحقيقية، تكمن في التعامل مع النوع الآخر من البشر، هؤلاء الذين يلهثون في هذه الحياة وراء كل مكسب، ولا يرون الحياة سوى "لُعبة" كبيرة عليه أن يظل يلعب بالورقة الرابحة حتى آخر نفس، مهما كلفته هذه الورقة من خسارة أُناس، أو تعرض للإحراج وسوء الفهم والتقدير، وربما حتى الانتقاص من الكرامة وحفظ ماء الوجه. رغم ما قد يُثير أمثال هؤلاء في نفسي من مشاعر سلبية تجاههم، إلّا أني أشعر بالشفقة عليهم، فالحياة أسهل مما نتخيل، وأصغر مما نحارب من أجله، فما سُمِّيَت الدنيا بهذا الاسم إلّا لأنها أدنى من كل شيء حولنا، فما وزن الدنيا إذا خسرنا كرامتنا، وما قيمة الدنيا إذا أخفقنا في إسعاد المُقربين، وما أهمية الدنيا إذا ما فقدنا الأحبة والأصدقاء لأنهم لم يعودوا يرون فينا ذلك الشخص الشهم صاحب القيم النبيلة والأخلاق السامية.

ولعل من أروع الأمثلة التي أضربها في هذا السياق، آية كريمة في القرآن العظيم أتوقف عندها دائمًا، تتحدث عن أهمية بناء علاقات إيجابية وطيبة مع الجميع، حتى مع أولئك الذين يختلفون معنا ولو كانوا أعداءنا. الآية وردت في سورة الشعراء على لسان نبي الله إبراهيم، عليه السلام، عندما خاطب ربه قائلًا: "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ"، أي إنه ناجى الله سبحانه وتعالى لكي يجعل له أثرًا طيبًا بعد مماته، ويظل يذكره النَّاس من بعده بالخير؛ ليأتي رد المولى- جلّ في عُلاه- والاستجابة الربانية لدعاء النبي إبراهيم في سورة الصافات في قوله تعالى "وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.. سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ.. كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ". لقد وصف الله من يحرصون على أن يتركوا أثرًا بعد رحيلهم، بأنهم من المُحسنين، وما أعظمها من صفة، فالإحسان خلق عظيم إذا ما تمسكّنا به تحققت سعادتنا في الدنيا والآخرة. لذلك علينا جميعًا أن نُحسِن في علاقاتنا مع الآخرين، مهما كانت ردة فعلهم.. نعم أعلم يقينًا أننا لسنا أنبياء، لكن هم القدوة والمثل لنا، ونبي الله إبراهيم مارس الإحسان مع قومه، رغم اختلافهم معه ومحاربتهم له حتى إنهم ألقوه في النار عقابًا له على مخالفته لعقيدتهم التي وجدوا عليها آباءهم.

اتركوا أثرًا من روائكم، حافظوا على علاقات ودودة وطيبة مع الجميع، ابتعدوا عن كل ما يُثير الضغينة والحقد والحسد والتنافس المذموم، واركنوا إلى الأخلاق الحميدة وانتهجوا مسارات الخير والتآلف والتسامح، لتفوزوا وتنعموا بحياة مليئة بالاستقرار النفسي، والسكينة الروحية..

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قص الأثر يقود إلى فخ قاتل بغزة.. ماذا نعرف عن كتيبة الاستطلاع البدوية بجيش الاحتلال؟

سلط مقتل جندي من أصل عربي، بجيش الاحتلال، في كمين لكتائب القسام في بيت حانون أمس السبت، الضوء على كتيبة تخدم الاحتلال جل عناصرها من قبائل بدوية في المناطق الجنوبية لفلسطين المحتلة.



وأعلن الاحتلال مقتل الرقيب غالب النصاصرة، والمنحدر من رهط في النقب، في الكمين الذي وقعت فيه قوة للاحتلال في منطقة بيت حانون، وأشار إلى أنه عنصر قص أثر في اللواء الشمالي بفرقة غزة، وهو ضمن كتيبة الاستطلاع الصحراوية المؤلفة من بدو المنطقة، لمراقبة المنطقة الفاصلة بقطاع غزة والبحث عن الأنفاق.

تاريخ من خدمة الاحتلال


تعود جذور هذه الكتيبة، إلى سبيعينات القرن الماضي، وأول بدء المهام فيها عنصران بجيش الاحتلال، من البدو، الأول كان متخفيا تحت اسم يهودي وهو عاموس يركوني، وخدم بجيش الاحتلال منذ العام 1948، واسمه الحقيقي عبد المجيد المزاريب من قرية الناعورة في الجليل، أمام الثاني فهو حسن الهيب، ويعد أول ضابط بدوي، يرفع إلى رتبة عقيد بجيش الاحتلال.

أشرف المزاريب والهيب على تأسيس كتيبة قص الأثر، وإعدادها لتكون جزءا من سلاح المشاة بجيش الاحتلال، وتحولت لاحقا إلى جزء من لواء غفعاتي ويتلقى أفرادها تدريبات ضمن قوات اللواء.

ألحقت الكتيبة بقيادة المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال، وتركز عملها حول قطاع غزة، والحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، ومحور فيلادلفيا، وتسلمت المعابر المرتبطة بقطاع غزة.

تشكيلات الكتيبة


تضم كتيبة قصاصي الأثر بجيش الاحتلال، 5 سرايا، كل سرية تحتوي على ما بين 50-250 عنصرا، أغلبهم يخدم ضمن فرقة غزة بلواءيها الشمالي والجنوبي، فضلا عن العمل في أجهزة شرطة الاحتلال والمخابرات ووحدة مرعول لقص الأثر، والتي تعدم منفصلة تماما عن كتيبة قصاصي الأثر البدو، والتي يشكل اليهود الجزء الأكبر منها.

تكوين الكتيبة


تعتمد الكتيبة على السكان البدو في منطقة النقب بشكل أساسي كمكون لها، ويجري الإعلان عن برامج تجنيد خاصة بهم، ويستغل الاحتلال حالة الفقر المدقع والتهميش الذي يعانون منه، لإغرائهم بالعمل جنودا في صفوفه، ضد الفلسطينيين.

ويعيش أغلب أبناء هذه الكتيبة، في قرى غير معترف بها، من قبل الاحتلال، وكثير منهم لا يمتلكون جنسية الاحتلال، وخاصة تلك القبائل التي جرى نقلها من سيناء إلى المناطق الجنوبية في قطاع غزة، مع انسحاب الاحتلال عقب اتفاقية كامب ديفيد، حيث استمروا في العمالة مقابل البقاء على قيد الحياة، دون حقوق مدنية أو سياسية أو اعتراف بهوياتهم.

ورغم محاولات الاحتلال، تقديمهم في الواجهة على أنهم ممثلون للبدو، إلا أن مركز الدراسات الفلسطينية، يؤكد أن نسبة المنضوين من البدو لجيش الاحتلال، هي نسبة ضيئلة يقوم الاحتلال بتضخيمها لضرب المكون فلسطيني الأصل وتصويره وكأنه يعترف بالاحتلال.

تدريبات وتقنيات:


تعمد الكتيبة إلى تدريب أفرادها على قراءة آثار الأقدام بمختلف بيئات الأرض، وتحديد نوعية الآثار، سواء كانت لذكر أم أنثى، أو العمر التقريبي لصاحب الأثر، من خلال عمق الأثر وطوله عبر قياسات دقيقة وعلمية، خاصة في المناطق الأمنية العازلة خوفا من عمليات الاقتحام.

كما يتلقى العناصر تدريبات على تمييز الأثار البشرية وآثار الحيوانات، فضلا عن التدقيق البصري بالآثار والشم، واستخدام أجهزة الرؤية الليلية.

ومؤخرا دمجت بأعمال الكتيبة وسائل تكنولوجية متطورة مثل الطائرات المسيرة، لكن الاعتماد الأساس يبقى على الجانب الحسي والتعامل المباشر مع الآثار المشكوك فيها.

أول الخاسرين


تعرضت الكتيبة إلى خسائر كبيرة في صفوف أفرادها، خاصة مع الانتفاضة الثانية، حيث وضعهم الاحتلال في مقدمة المواجهة مع الفلسطينيين الذين نفذوا العديد من العمليات، في منطقة السياج الفاصل مع قطاع غزة، وأبقى الجنود اليهود في الصفوف الخلفية.

وعقب عام 2000، قتل الكثير من أفراد كتيبة قصاصي الأثر البدوية، خلال اقتحام المقاومين للسياج الفاصل، والتسلل للمناطق المحتلة لتنفيذ العمليات، كما كان لهم دور في قتل المقاومين خلال الاشتباكات، والبحث عن الأنفاق في المناطق المجاورة للأراضي المحتلة.

كما ساهم أفراد الكتيبة، في تتبع الأنفاق التي جرى حفرها بين قطاع غزة ومصر، على امتداد محور فيلادلفيا، خلال الانتفاضة الثانية، وقبل انسحاب الاحتلال من القطاع، ومن أشهر خسائرها، مقتل 5 من الجنود البدو، في عملية أنفاق الجحيم التي نفذها المقاومة، على معبر رفح.

وكان من أبرز خسائر هذه الكتيبة، انتحار الرقيب أول، محمد الهيب، الذي أصيب بأعراض ما بعد الصدمة، جراء مشاركته في العدوان على قطاع غزة، وتدهور حالته النفسية.



وأقدم الهيب على الانتحار، بعد محاولة دفع جنود الاحتلال لإطلاق النار عليه، على السياج الفاصل مع القطاع، بعد أن وصل وصرخ بهم الله أكبر، لكن الجنود من كتيبة نيتساح يهودا، أطلقوا النار على قدميه، وبعد تلقيه العلاج بأسابيع، توجه مجددا إلى السياج الفاصل مع القطاع وأطلق النار على نفسه وقتل على الفور.

وخلال العدوان الحالي على قطاع غزة، ورغم امتلاك الاحتلال، وحدات متخصصة بالبحث عن الأنفاق، إلا أنه واصل تقديم أفراد الكتيبة البدوية، للبحث عن أدلة على وجود مقاومين أو تحركات أو فتحات أنفاق، داخل القطاع، وهو ما أوقعهم في الكمائن التي نصبت في الأنفاق، وقتل عدد منهم في الفترة التي سبقت وقف إطلاق النار الأخير بالقطاع.

مقالات مشابهة

  • «الدنيا بدأت ربيع».. هدى المفتي في أحدث ظهور | صور
  • من هو الإمام السيوطى؟ تعرف على العالم الذى ملأ الدنيا علمًا بمؤلفاته
  • وزير التجهيز والماء يكشف عن الأثر الإيجابي للأمطار الأخيرة على الفرشة المائية
  • «إسلامية دبي»: مبادرة ثمار صدقاتكم تحصد 15 مليون درهم
  • إعلام إسرائيلي: حماس تستعد للعودة إلى أساليبها القتالية القديمة
  • رئيس جامعة حلوان: لا يتحقق أي بناء لمجتمعات مستدامة دون تمكين المرأة
  • الرئيس اللبناني: سحب سلاح حزب الله يتحقق مع توافر الظروف
  • بعد ارتفاع مؤشر S&P 500 القياسي.. أسبوع حافل بالأرباح يتحقق في السوق الأمريكي
  • الإمارات تتوسط للإفراج عن 538 أسير حرب بين روسيا وأوكرانيا
  • قص الأثر يقود إلى فخ قاتل بغزة.. ماذا نعرف عن كتيبة الاستطلاع البدوية بجيش الاحتلال؟