لم يكن هناك شىء يشغل بال نجيب محفوظ أكثر من الحياة والموت، الطفل الذي تشبث بالدنيا وجاء إليها بعد ولادة متعثرة، استدعت تدخل طبيب أمراض النساء الشهير ليمنحه الحياة، فتستعير الوالدة اسمه لتمنحه لوليدها عرفانا وامتنانا، شغل نفسه بأهمية الحياة، فراح يكتب عنها بعد أن أصبح أديباً ملء السمع والبصر.

بل وأكثر من ذلك صارع من أجل الحفاظ عليها حين امتدت يد الإرهاب لتصيبه فى مقتل بعد أكثر من ثمانين عاماً على ميلاده، قاوم محفوظ الموت، وعاش بعد حادث الاغتيال ما يزيد على العشر سنوات، وحين رحل بالفعل، عاش كما لم يعش أديب قبله، إذ ظلت أعماله حية ماثلة فى الأذهان، مقروءة ومرئية فى جهات العالم الأربع بكل لغات الدنيا، وكأنه يسخر من الموت والحياة معاً.

عن الموت كتب «نجيب» مستفيضاً كأروع ما يكون، فى رواية خان الخليلى التى صدرت عام 1946 يموت رشدى عاكف بالسل فيتحسر عليه شقيقه أحمد عاكف «ومد بصره نحو الفراش فرأى رشدى راقداً وقد سجته أمه بالغطاء ووالده واقف عن كثب منه دامع العينين منكس الرأس، فاقترب من الفراش وحسر طرف الغطاء فرآه كالنائم لم يتغير منه هيئة ولا لون، وهل ترك المرض للموت شيئاً يغيره؟ وانحنى عليه فلثم جبينه البارد ثم أعاد الغطاء كما كان، واستسلم لبكاء غزير تجمعت أبخرته فى قلبه يوماً بعد يوم، تنفثها الآلام حتى تكاثفت فى برودة الموت فسحت دمعاً فياضاً.. وهكذا غاب عزيز وانتهت حياة! بين انتباهة عين القبر وغمضتها يغيب حبيب إلى الأبد فلا تغنى عنه الدموع ولا الحسرات».

وفى «زقاق المدق» الصادرة عام 1947 يلقى عباس الحلو حتفه على يد بلطجية الملهى الذى تعمل فيه حميدة فيكتب نجيب: «وأعاد المعلم كرشة القصة التى رواها ابنه مرات ومرات على السائلين فتناقلتها الألسن، وزادت عليها ما شاء لها الهوى، وجاء عم كامل القهوة مترنحاً وقد دهمه الخبر فصعقه وارتمى على أريكة وراح يبكى بكاء مراً وينتحب كالأطفال، ولا يكاد يصدق أن الفتى الذى أعد له كفناً لم يعد من الأحياء، ونمى الخبر إلى أم حميدة فغادرت البيت مولولة حتى قال بعض من رآها إنها (تبكى على القاتل لا القتيل)، وكان أشد الناس تأثراً السيد سليم علوان، لا حزناً على الفقيد، ولكن فزعاً من الموت الذى اقتحم عليه الزقاق فأثار مخاوفه وضاعف آلامه».

حديث الصباح والمساء فى روايات نجيب محفوظ

غير أن «نجيب» مارس كثيراً لعبة اقتران الموت بالحياة، ليس فقط فى روايته الشهيرة «حديث الصباح والمساء»، ولكن أيضاً فى أعمال أدبية أخرى كالثلاثية، ففى جزئها الأول «بين القصرين» الذى صدر عام 1956، تنجب عائشة ابنة السيد أحمد عبدالجواد ابنتها الأولى نعيمة، فى نفس الوقت الذى يستشهد فيه شقيقها فهمى عبدالجواد فى إحدى مظاهرات ثورة 1919 فيصف نجيب موقف الأب المكلوم: «رفع رأسه المثقل بالفكر فلاحت لعينيه المظلمتين مشربيات البيت فتذكر أمينة لأول مرة حتى أوشكت أن تخونه قدماه.. ما عسى أن يقول لها؟ كيف تتلقى الخبر؟ الضعيفة الرقيقة التى تبكى لمصرع عصفور! أتذكر كيف هملت دموعها لمقتل ابن الفولى اللبان؟ ماذا تصنع لمقتل فهمى؟.. مقتل فهمى!.. أهذه هى نهايتك حقاً يا بنى؟.. يا بنى العزيز التعيس!.. أمينة.. ابننا قتل، فهمى قتل.. يا له.. أتأمر بمنع الصوات كما أمرت بمنع الزغاريد من قبل؟ أم تصوّت بنفسك أم تدعو النائحات؟! لعلها تتوسط الآن مجلس القهوة بين ياسين وكمال متسائلة عما أخّر فهمى، سوف يتأخر طويلاً، لن تريه أبداً.. ولا جثته، ولا نعشه، يا للقسوة، سأراه أنا فى القصر أما أنت فلن تريه، لن أسمح بهذا.. قسوة أم رحمة؟ ما الفائدة؟.. وجد نفسه أمام البيت فامتدت يده إلى المطرقة ثم تذكر أن المفتاح فى جيبه فأخرجه وفتح الباب ثم دخل.. ترامى عند ذاك إلى سمعه صوت كمال وهو يغنى بعذوبة: زورونى كل سنة مرة.. حرام الهجر بالمرة».

وفى الجزء الثانى «قصر الشوق» الصادر عام 1957، يموت خليل زوج عائشة وولداها عثمان ومحمد، ويستعد ياسين شقيقها لاستقبال مولوده الأول من زوجته زنوبة العوادة ربيبة العالمة، حين ينادى بائع الصحف على ملحق المقطم معلناً وفاة زعيم الأمة سعد زغلول، فيذهل كمال عبدالجواد شقيق ياسين الأصغر ويكتب نجيب واصفاً حالته: «لو فى غير هذا الظرف الحزين ما درى كيف يتحمل النبأ، ولكن المصائب إذا تلاقت تحدى بعضها بعضاً، هكذا ماتت جدته فى أعقاب مصرع فهمى فلم تجد لها باكياً، إذن مات سعد.. النفى والثورة والحرية والدستور مات صاحبها، كيف لا يحزن وخير ما فى روحه من وحيه وتربيته!».

أما فى «السكرية»، أو الجزء الثالث من الثلاثية، الذى صدر فى عام 1957، فيعلن الطبيب خبر إصابة أمينة، ربة الأسرة، بشلل والتهاب رئوى، قبل أن يضيف أن كل شىء سينتهى فى خلال ثلاثة أيام، ويعلق «كمال» ابنها قائلاً: «كثيرون يرون أن من الحكمة أن نتخذ من الموت ذريعة للتفكير فى الموت، والحق أنه يجب أن نتخذ من الموت ذريعة للتفكير فى الحياة»، وفى حين كان شقيقه «ياسين» يشترى لوازم حفيده الأول من ابنته كريمة «قماطاً وطاقية ومنامة»، عندها «تذكر كمال أن رباط عنقه الأسود الذى استعمله عاماً حداداً على والده قد استُهلك، وأنه يلزمه آخر جديد ليواجه به اليوم الحزين، فقال للرجل حين فرغ من ياسين: رباط عنق أسود من فضلك.. وتناول كل لفافته وغادرا الدكان».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: نجيب محفوظ أديب نوبل من الموت

إقرأ أيضاً:

عاجل - رئيس الوزراء يتفقد مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات بمدينة الخارجة (تفاصيل)

انتقل الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ومرافقوه، عقب تفقده لمدرسة WE للتكنولوجيا التطبيقية، لتفقد "مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات" بمدينة الخارجة.

وكان في استقبال رئيس الوزراء لدى وصوله المدرسة، آمال عوض مديرة المدرسة وقدّمت الطالبات بالمدرسة هتافًا ترحيبيًا بالدكتور مصطفى مدبولي ومرافقوه؛ والورد تعبيرًا عن السعادة بزيارة المدرسة.

واستهل رئيس الوزراء، التفقد بزيارة ملعب المدرسة وشاهد عرضًا رياضيًا قدّمه عدد من الطالبات ثم قدمت إحدى الطالبات قصيدة وطنية عن إنجازات الدولة المصرية في عهد فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بعنوان "قال بيقولوا السيسى عمل إيه" حيث أدت القصيدة بإلقاء حماسى ولغة رصينة، وعددت القصيدة ما تم انجازه فى مختلف المجالات خلال السنوات الماضية.

وتفقد الدكتور مصطفى مدبولي بعد ذلك عددًا من الفصول وقاعات الأنشطة المختلفة بالمدرسة، وفي أحد الفصول استفسر رئيس الوزراء عن نسبة الحضور بالفصل والتي كانت 81%، وفي غضون ذلك، قالت السيدة/ آمال عوض، أن مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات، تُعد من أعرق مدارس المحافظة لتعليم الفتيات بالمرحلة الثانوية، حيث تأسست عام 1990م.

كما استمع رئيس الوزراء إلى شرح من آمال عوض، حول مُكونات المدرسة والأنشطة المُقدّمة بها، موضحةً أن المساحة الكلية للمَدرسة تبلغ 5800 متر مُسطّح، بها مبني رئيسي وآخر ملحق بإجمالي 24 فصلا، بينها فصل خاص لذوى الهمم من المكفوفين يتم تعليمهم بطريقة "برايل"، هذا بالإضافة إلى ملاعب كرة اليد وكرة السلة ومساحات من اللاند سكيب، كما تضم عدد 6 معامل متخصصة في الكيمياء والأحياء والحاسب الآلي، مُضيفةً أن عدد الطالبات بالمدرسة يبلغ 886 طالبة، بمتوسط كثافة 38 طالبة في الفصل الواحد، لافتةً إلى أن المدرسة تعمل أيضًا بنظام فصول الخدمات المسائية والتي يلتحق بها عدد 159 طالب وطالبة.

وعقب ذلك، تفقد الدكتور مصطفى مدبولي، فصل ذوي الهمم من المكفوفين المخصص للتعليم بطريقة "برايل"، وبه طالبة واحدة في الصف الأول الثانوي، حيث تستخدم هذه الطالبة آلة خاصة للقراءة بطريقة "برايل"، ويتم توفير مدرسين متخصصين لدعمها، وحرص رئيس الوزراء على دعمها وتشجيعها بقوة على استكمال مسيرة التعليم.

واختتم رئيس الوزراء التفقد بزيارة معمل الأحياء بالمدرسة، حيث شارك في حضور حصة تدريس حية لمادة الأحياء، وأجري حوارًا وديًا مع الطالبات خلال العملية التعليمية.

مقالات مشابهة

  • كيف أثر نجيب محفوظ على مشوار عمرو سعد الفني؟
  • عمرو سعد: "شوفت نجيب محفوظ وأنا عندي 18 سنة"
  • رئيس الوزراء يتفقد مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات في الوادي الجديد.. صور
  • مدبولي يتفقد مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات والمدينة الشبابية بالخارجة
  • رئيس الوزراء يتفقد مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات بمدينة الخارجة
  • عاجل - رئيس الوزراء يتفقد مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات بمدينة الخارجة (تفاصيل)
  • رئيس الوزراء يتفقد "مدرسة نجيب محفوظ الثانوية بنات" بمدينة الخارجة
  • الثقافة تصدر «أحب رائحة الليمون» حوارات مع نجيب محفوظ للكاتبة سهام ذهني
  • صدور كتاب «أحب رائحة الليمون» حوارات مع نجيب محفوظ لـ سهام ذهني بهيئة الكتاب
  • هيئة الكتاب تصدر «أحب رائحة الليمون» حوارات مع نجيب محفوظ لـ سهام ذهني