استمراراً لجولته الجديدة التي بدأها من الرياض مطلع أغسطس الجاري، التقى المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس جروندبرج، الاثنين، في القاهرة، وزير الخارجية المصري سامح شكري ومسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة المصرية، حسبما أكد الموقع الإلكتروني الخاص بمكتب المبعوث الأممي.

لقاءات جروندبرج شملت أيضاً الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، كما شملت "مجموعة من البرلمانيين اليمنيين"، وأفاد مكتب جروندبرج أنه أجرى مناقشات مع شكري والمسؤولين المصريين وأمين الجامعة العربية المساعد عن "جهود الوساطة الجارية من أجل استئناف عملية سياسية جامعة يقودها اليمنيون برعاية أممية للتوصل إلى تسوية سياسية مستدامة".

وبحسب ما ورد من أنباء، فقد تحدث المبعوث الأممي مع البرلمانيين اليمنيين عن "تقديره لجميع المبادرات التي تعزز الحوار كوسيلة للتغلب على الخلافات وبناء التوافق"، وعن "ضرورة أن تتفق الأطراف على المزيد من التدابير لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، وتنفيذ وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وضرورة أن تجتمع الأطراف مع مختلف أصحاب المصلحة اليمنيين في إطار عملية جامعة تهدف إلى تحقيق السلام الدائم".

خلال شهر أغسطس الجاري عقد جروندبرج لقاءات عدة في سياق سعيه لاستئناف المفاوضات بين الحكومة ومليشيا الحوثي، حيث التقى في الرياض رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الحكومة معين عبدالملك وسفير المملكة العربية السعودية في اليمن محمد آل جابر. وفي مسقط التقى وزير الخارجية العماني للشؤون الدبلوماسية خليفة الحارثي ومسؤولين عمانيين، إضافة للقائه برئيس وفد الحوثيين في المفاوضات محمد عبدالسلام.

في هذه اللقاءات الثلاثة: الرياض ومسقط والقاهرة، تركزت مناقشات جروندبرج على "تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتنفيذ وقف إطلاق النار على المستوى الوطني واستئناف عملية سياسية جامعة يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة". لكن ما يحدث على الأرض أمر لا علاقة له بما تتم مناقشته، حيث شنت مليشيا الحوثي هجمات عدة على مواقع عسكرية تابعة للحكومة وللأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين، كان آخرها الهجوم على مواقع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في يافع مطلع الأسبوع الجاري، والذي أودى بحياة 10 جنود على الأقل وإصابة عدد مماثل.

كما تشهد المناطق الجنوبية حرباً ضروساً يقودها المجلس الانتقالي ضد تنظيم القاعدة عبر عمليات عسكرية لا يبدو أن المجتمع الدولي والإقليمي يعترف بأهميتها في سياق محاربة الإرهاب. وفي هذا السياق تبدو الجهود الأممية والدولية والإقليمية منقوصة، كونها لا تشمل باهتمامها الوضع الذي تواجهه القوى الجنوبية الفاعلة على الساحة، كما لا تمنحها الاهتمام اللائق بمطالبها، حتى إن القضية الجنوبية لا تُذكر في تصريحات المسؤولين الأمميين والدوليين إلا عندما يقوم المجلس الانتقالي بخطوات تصعيدية.

جمود مزمن 

أصبح الجمود سمة ملازمة للجهود الأممية في الأزمة اليمنية، وما يحدث من اختراقات مهمة باتجاه إنهاء الحرب واستئناف العملية السياسية التي يعمل جروندبرج للتوصل إليها مع الأطراف المحلية والدولية، لا تسفر سوى عن انفراجات جزئية يعقبها المزيد من التعقيدات على غرار ما أعقب اتفاق هدنة أبريل 2022 من حرب اقتصادية شنتها مليشيا الحوثي على الحكومة، واستمرار انهيار العملة الوطنية ومنظومة الخدمات الأساسية.

غالباً ما تأتي أكبر الاختراقات المهمة في جدار الحرب والأزمة المتفاقمة بين الحوثيين والحكومة من خارج الجهود الأممية، أي بدعم من دول التحالف العربي وتحديداً السعودية والإمارات اللتان تضغطان في كل مرة على حلفائهما من الأطراف المحلية للتهدئة وخفض التصعيد. وعلى الجانب الآخر لا تزال إيران تدعم الحوثيين بالأسلحة والموقف السياسي إقليمياً ودولياً، وقبل أيام قليلة نقلت وسائل إعلام عربية عن مسؤول في الخارجية الإيرانية تصريحاً قال فيه إن طهران تدعم استئناف مفاوضات السلام اليمنية بشرط خروج القوات الأجنبية من اليمن. في إشارة إلى قوات التحالف العربي الداعمة للحكومة والأطراف المناهضة للحوثيين.

حدود الدور المصري

يعرف عامة اليمنيين الدور المصري المساند لثورة 26 سبتمبر 1962، لكن مصر اليوم لم تعد مصر الستينات، خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه على أكثر من صعيد. لكن اليمن بالنسبة لمصر ليست فقط عمقاً قومياً بل أيضاً عمقاً استراتيجياً من ناحية الأمن البحري على الأقل. ومصر في هذا الجانب ليست غافلة عن أمنها الإقليمي خصوصاً من ناحية البحر الأحمر الذي يشهد مؤخرًا احتدامًا في التنافس الدولي على النفوذ البحري فيه.

تدرك الأمم المتحدة أيضاً أن مصر تعتبر من الدول صاحبة المصلحة في الاستقرار السياسي لليمن، كما أنها تحتضن غالبية النخب السياسية والاجتماعية والإعلامية والفكرية الذين لجأوا إلى مصر بسبب عدم الاستقرار الأمني في البلاد أو بسبب مخاطر بقائهم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي. وعقب اللقاء الذي أجراه غروندبرج بوزير الخارجية المصري في هذه الزيارة، قال السفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، مدير إدارة الدبلوماسية العامة، إن شكري أكد خلال اللقاء على التزام الجانب المصري بدعم دور الأمم المتحدة في اليمن، وما يتم بذله من جهود تستهدف ترسيخ مسار التهدئة ودعم إتمام الحل السياسي، فضلًا عن تخفيف الأعباء الإنسانية عن الشعب اليمني.

ولفت أبو زيد إلى أن المبعوث الأممي حرص خلال اللقاء على إطلاع شكري على نتائج الاتصالات التي يقوم بها مع مختلف الأطراف اليمنية والإقليمية، حيث أكد شكري في هذا السياق على ثوابت الموقف المصري تجاه أهمية دعم عملية سياسية جامعة لكل الأطراف اليمنية، تحفظ وحدة الشعب اليمنى وسيادته وسلامة أراضيه.

وأضاف، إن جروندبرج عبّر عن تقديره لجهود الجانب المصري على المسارين السياسي والإنساني لحلحلة الأوضاع وإنهاء الأزمة في اليمن، مثمنًا استضافة مصر أعدادًا كبيرة من اليمنيين على أراضيها ورعايتها لهم، وكذلك الدور الذي اضطلعت به مصر في تيسير عملية تفريغ خزان "صافر" النفطي. كما تناول اللقاء تبادل الرؤى والتقديرات حول عدد من التطورات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على القضية اليمنية.

ما الذي تحمله آفاق الدبلوماسية

رغم استعداد الكثير من الأطراف المناهضة لمليشيا الحوثي في معسكر الحكومة الشرعية لحسم الحرب مع المليشيا عسكريًا، إلا أن التقديرات الدولية والإقليمية ترى أن القنوات الدبلوماسية أكثر جدوى، خاصة بعد الفشل الذريع في كسر شوكة الحوثيين خلال ثماني سنوات من تدخل التحالف العربي عسكرياً ضد المليشيا.

هذه التقديرات تعمل في حسابها المصالح الإقليمية والدولية قبل مصلحة الشعب اليمني، بل وقبل مصلحة الدولة اليمنية التي تؤكد المستجدات الراهنة أنها تحتاج لإعادة بناء لا تحتمل التأخير. وبالتالي فإن الخيارات الدبلوماسية إذا لم تتزامن معها قدرة عسكرية حقيقية على كسر شوكة المليشيا الحوثية وإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات بدون شروط، لن تسفر عن حل سياسي يعيد إعمار اليمن وبناء الدولة التي فككها الحوثيون وتسببوا في تفكيكها وتفكيك النسيج الاجتماعي والثقافي لليمن طوال التسع سنوات الماضية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: المبعوث الأممی فی الیمن

إقرأ أيضاً:

باحث بريطاني: 45 ألف موقع أثري في اليمن معظمها غير مسجّل

قال الباحث المشارك في مشروع الآثار المهدَّدة بالانقراض في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مايكل فرادلي، إن هناك ما لا يقل عن 45 ألف موقع أثري في اليمن متضررة من الحرب ومعظمها لم يتم تسجيله في سجلات خاصة بالمواقع الأثرية.

وأضاف فرادلي، الذي يعمل ضمن هذا المشروع منذ 2015: "إذا كنا نتحدث عن الوضع الحالي للتراث في اليمن وتأثير الحرب، فغالبًا ما يكون من الصعب التحدث عنه لأن معظم المواقع الأثرية لم يتم تسجيلها بشكل جيد أبدًا أو لم يتم تسجيلها على الإطلاق".

وبحسب الباحث البريطاني الذي تحدث لـ"صحيفة الفن" "The Art Newspaper"، فإن أحد التحديات الرئيسة التي تواجه الخبراء في تحديد المواقع التي تأثرت بالضبط في الحرب، ينبع من عدم وجود سجل شامل للمواقع التاريخية في البلاد.

ويوضح فرادلي أن عدم الاستقرار السياسي والطبيعة الجبلية للبلاد كانا المساهمين الرئيسين في هذه الفجوة. واستجابة للتهديدات المتزايدة التي تتعرض لها المواقع الأثرية، بدأ مشروع الآثار المهددة بالانقراض في شمال إفريقيا والشرق الأوسط EAMENA عام 2015 مهمة تحديد المواقع وتسجيلها عن بُعد باستخدام أدوات مثل صور الأقمار الصناعية.

ويشير فرادلي إلى أن المشروع، الذي تقوده جامعة أكسفورد بالتعاون مع جامعتي دورهام وليستر، حدد المواقع على نطاق غير مسبوق، حيث سجل أكثر من 45 ألف موقع حتى الآن، معظمها لم يتم تسجيله من قبل، مؤكداً أن هذه التغطية "لا تزال غير كاملة على عموم البلاد، ولا يزال هناك العديد من المواقع التي يمكن إضافتها" إلى نظام تحديد المواقع الأثرية التابع للمشروع. وعلى الرغم من هذه الجهود، يظل التحقق من جميع المواقع المحددة على الأرض مهمة شبه مستحيلة بسبب الظروف الحالية غير المستقرة.

التراث من أجل السلام

إلى ذلك أطلقت اليونسكو مشروعًا بقيمة 12 مليون يورو بين عامي 2018 و2022، يركز على أربع مدن تاريخية: صنعاء وشبام وزبيد وعدن. وأعادت المبادرة تأهيل 508 مبانٍ سكنية تاريخية وخلقت فرص عمل لـ6,236 شخصًا.

وبعد نجاحه، بدأ في عام 2022 مشروعاً مدته أربع سنوات بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 20 مليون يورو، يهدف إلى توظيف 8000 شخص في ترميم المباني التراثية ودعم 30 منظمة ثقافية، فضلاً عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مجال الثقافة. وتقوم اليونيسكو أيضًا بإعادة تأهيل قصر سيئون، الذي يستخدم كمتحف، ويعتبر أكبر مبنى من الطوب الّلِبْن في العالم، وحالته سيئة بعد تعرضه للأمطار الغزيرة والإهمال.

وفي نهاية أبريل الماضي، أكملت منظمة "التراث من أجل السلام" الإسبانية غير الحكومية أعمال الترميم الطارئة لقلعة القاهرة في مدينة تعز، بعد أن انهارت الأنقاض على الأحياء الواقعة أسفل المبنى، وتفاقم الوضع بسبب نقص الصيانة والأمطار الغزيرة. وبحسب إسبر سابرين، رئيسة منظمة التراث من أجل السلام، فإن الحطام المتساقط أدى أيضًا إلى مقتل شخص. وفي الوقت نفسه، تسعى سابرين للحصول على تمويل للمرحلة التالية من ترميم القلعة بعد انهيار مدخلها الرئيس في مايو الماضي بسبب عدم كفاية الصيانة والقيود المفروضة على ميزانية الترميم.

وفي حضرموت، تم تنفيذ العديد من مشاريع الترميم والصيانة لمواقع أثرية، بحسب ما نقلته "صحيفة الفن" عن رياض باكرموم، المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف بحضرموت. ومع ذلك، يقول إن ميزانية إدارته قد تم تخفيضها، مما جعلها تعتمد بشكل شبه كامل على الجهات المانحة من القطاع الخاص والدعم الدولي المتقطع.

ويضيف باكرموم: "لسوء الحظ، نحن نكافح الآن لحماية ما اكتسبناه بالفعل والحفاظ عليه وعدم فقدانه مرة أخرى، للحفاظ على عمل مكتبنا، وإبقاء المتحف مفتوحًا، والحفاظ على الأحداث المحلية في المتحف"، مشيراً إلى أن المواقع الأثرية، مثل مستوطنة ريبون التاريخية القديمة، معرضة للخطر بسبب التوسع الحضري المستمر والحفريات غير القانونية.

مقالات مشابهة

  • الإبلاغ عن انفجارين على بعد 21 ميلا بحريا غربي المخا في اليمن
  • شركة أمبري: الإبلاغ عن انفجارين على بعد 21 ميلا بحريا غربي المخا في اليمن
  • واشنطن تطالب «الحوثيين» بإطلاق سراح الموظفين الأمميين
  • الدبلوماسية العسكرية وسيلة الهند لتعزيز حضورها في أفريقيا
  • السلام في اليمن.. عبر آلية ثلاثية عربية مصرية سعودية عمانية
  • “رؤية 2030″ على المحك”.. هل تُجهض تهديدات الحوثي أحلام محمد بن سلمان في تحويل المملكة إلى “أوروبا الشرق الأوسط”؟
  • حصاد جبهة الإسناد اليمنية ..!
  • باحث بريطاني: 45 ألف موقع أثري في اليمن معظمها غير مسجّل
  • اليمن والتحديات البحرية.. مساندة غزة ومنع الإمدادات الإسرائيلية
  • السعودية تكرّر أخطاءها .. مجازفات في وجه “يمن جديد”