لجريدة عمان:
2025-04-28@00:17:51 GMT

لحظة مواجهة الحقيقة في إسرائيل تأخرت كثيرا

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

في أوائل شهر أغسطس، قَـتَـل مستوطنون إسرائيليون قصي معطان، وهو شاب فلسطيني يبلغ من العمر تسعة عشر عاما من قرية بُـرقة في الضفة الغربية. أحد المشتبه بهم، إليشا يَـريد، يميني متطرف كان حتى وقت قريب يعمل كمتحدث باسم ليمور سون هار ميليخ، وهو مشرع ينتمي إلى حزب عوتسما يهوديت (قوة إسرائيل) اليميني المتطرف ــ أحد الأعضاء الرئيسيين في ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم.

على الرغم من وضع يَـريد الحالي كمشتبه به في جريمة قتل، احتشد اليمين الإسرائيلي المتطرف من خلفه. حتى أن إتمار بن غفير، زعيم حزب عوتسما يهوديت والذي يتولى أيضا منصب وزير الأمن القومي المسؤول عن تحقيق الشرطة في حادث إطلاق النار، أشاد بالمشتبه بهم واصفا إياهم بأنهم «أبطال». الواقع أن قتل معطان، إلى جانب أعمال الشغب التي ارتكبها المستوطنون في قرية حوارة في الضفة الغربية في فبراير، يسلط الضوء على القوى التي تحرك ائتلاف نتنياهو.

ففي حين ينظر المراقبون الدوليون في كثير من الأحيان إلى سعي الحكومة إلى إضعاف السلطة القضائية في إسرائيل باعتباره محاولة من جانب نتنياهو للتهرب من محاكمته الجارية بتهمة الفساد، يدير حلفاؤه المتطرفون أجندة الحكومة. يؤيد شركاء نتنياهو المنتمون إلى اليمين المتطرف علنا التفوق اليهودي والإرهاب الداخلي. وهـم يَـصُـفّون أنفسهم بفخر مع الحاخام الراحل وعضو الكنيست السابق مائير كاهانا، الذي دعا إلى طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة والذي شَـبَّــه أحد الأعضاء البارزين في الليكود ــ حزب نتنياهو ــــ مقترحاته المتطرفة بقوانين نورمبرج لعام 1935.

لا يبالي أنصار التفوق اليهودي هؤلاء بمشكلات نتنياهو القانونية. فهم يرون أن نتنياهو مجرد شخص أحمق مفيد يعينهم على إزالة العقبات القليلة المتبقية أمام التوسع الاستيطاني وتكثيف العمل العسكري ضد الفلسطينيين. وهدفهم الأساسي هو ضم الضفة الغربية. يُـعـرِب كثيرون من المشرعين المنتمين إلى اليمين المتطرف صراحة عن هذه المشاعر. ومن بينهم، سيمكا روثمان، رئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست، الذي لعب دورا رئيسيا في دعم الانقلاب القضائي، وهو مستوطن يواجه منزله في بني كديم احتمال الهدم بسبب بنائه المخالف للقانون. ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشرف أيضا على الإدارة المدنية، وهي الهيئة التي تحكم الحياة المدنية في الأراضي المحتلة، هو أيضا مستوطن ومدافع عن الضم طوال حياته.

في عام 2017، كشف سموتريتش عما يسمى «الخطة الحاسمة» لضم الضفة الغربية بالكامل، والتي بموجبها يُـحـرَم الفلسطينيون من حقوق التصويت، ويواجه أولئك الذين يعترضون الترحيل. وقد اعترف سموتريتش بأن اقتراحه قد يؤدي إلى «عجز ديمقراطي»، لكنه بـرر الفصل العنصري باعتباره تضحية ضرورية.

قبل وقت ليس ببعيد، كان هؤلاء الساسة شخصيات هامشية. ولسنوات عديدة كان عوتسما يهوديت حزبا هامشيا غير قادر على الفوز ولو بمقعد واحد في البرلمان. كان نتنياهو هو الذي أقنع الحزب بتشكيل تحالف مع حركة الصهيونية الدينية التي يتزعمها سموتريتش قبيل انتخابات 2022، الأمر الذي مَـكَّـن القائمة الـمُـشـتَـرَكة من الفوز بأربعة عشر مقعدا (من أصل 120). لكن وصف «هامشي» لا يعبر عن السياق الأعرض.

في حقيقة الأمر، لا يوجد فارق كبير (إن وجِـد) بين مواقف هذه الأحزاب العنصرية ومواقف حزب الليكود بزعامة نتنياهو. لنتأمل هنا على سبيل المثال وزير العدل ياريف ليفين (من حزب الليكود)، مهندس الانقلاب القضائي. أيد ليفين مقترحات عديدة بشأن «تطبيق السيادة» ــ وهو تعبير ملطف يعني الضم ــ على الأراضي المحتلة. في شرح حرصه على دعم الانقلاب، كان كل مثال قدمه يتعلق بالإبقاء على الاحتلال الإسرائيلي. يرتبط انجراف إسرائيل نحو الاستبداد ارتباطا لا ينفصم بالاحتلال. لا يعكس الانقلاب القضائي الجاري حرص زعيم متعطش للسلطة على التهرب من التدقيق القانوني فحسب، بل يعكس أيضا محاولة يدفعها المستوطنون لتأسيس نظام فصل عنصري بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. والاحتلال هو الذي سهل أيضا الصعود الصاروخي لشخصيات كانت هامشية من قبل مثل بن غفير وسموتريتش.

تُـعَـد انتخابات 2022 مثالا واضحا على هذا.

كانت إسرائيل لا تزال تعاني من مواجهات بين العرب واليهود، والتي اندلعت في مايو 2021. بدأت الاضطرابات مع طرد سكان فلسطينيين من منطقة الشيخ جراح في القدس الشرقية وسرعان ما تصاعدت إلى عملية «حارس الأسوار» في غزة، والتي أسفرت عن مقتل المئات وإشعال شرارة المواجهات في مختلف أرجاء المدن المختلطة.

تحت تأثير الصدمة العميقة إزاء حجم العنف، وجد كثيرون من الإسرائيليين أنفسهم متقبلين بشكل خاص لوعود بن غفير «بأن يثبت للعرب من في يده زمام الأمور حقا». لكن خطاب بن غفير كان له صدى أيضا لأن «إدارة الصراع» كانت لفترة طويلة النهج المفضل لدى القائمين على الأمن القومي في إسرائيل. وفقا لهذا المنطق، وبما أن السلام مع الفلسطينيين أمر بعيد المنال، فإن الحفاظ على الوضع الراهن هو الخيار الأفضل أمام إسرائيل. لسنوات عديدة، كان الإسرائيليون غير مكترثين لهذا التحول الاستراتيجي بعيدا عن عملية السلام، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن الفلسطينيين هم الذين تحملوا وطأتها كاملة. لكن محاولة إدارة صراع أشبه بمحاولة التعامل مع حريق غابات؛ عندما يتغير اتجاه الرياح تنقلب النيران نحوك. هذا هو ما حدث على وجه التحديد في شهر مايو من عام 2021. لأن أغلب أحزاب المعارضة في إسرائيل أصبحت تتجنب حتى الاعتراف بوجود الفلسطينيين، فإن الحلول الوحيدة المطروحة على الطاولة كانت تلك التي قدمها اليمين المتطرف. ورغم أن خطة الفصل العنصري التي تقدم بها سموتريتش طفولية وخطيرة وبغيضة، فقد زودت الإسرائيليين بشيء توقفت معظم المؤسسة السياسية عن تقديمه: الحل المحتمل. طوال عقود من الزمن، حاولت إسرائيل إدارة الصراع، لكن الصراع هو الذي أدارها.

وكما تعلموا غض الطرف عن أهوال الاحتلال وفظائعه، نظر كثيرون من الإسرائيليين إلى بن غفير باعتباره مجرد محرض، متغافلين عن العواقب الوخيمة المترتبة على معتقداته المستمدة من كاهانا وإعجابه بشخصيات من أمثال الإرهابي اليهودي السفاح باروخ جولدشتاين. لهذا السبب، يتعين على معارضة تحالف نتنياهو-بن غفير-سموتريتش أن تقدم رؤية متماسكة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأي بديل سياسي ــ سواء كان منشأه الكنيسيت، أو الاحتجاجات الحاشدة المؤيدة للديمقراطية التي تجتاح إسرائيل كل يوم سبت، أو المجتمع الدولي ــ يجب أن يعالج العواقب المترتبة على السياسات الإسرائيلية التي دامت عقودا من الزمن في الأراضي المحتلة. مع تزايد صراحة مؤيدي الاحتلال بشأن أهدافه، يتعين على خصومهم أن يعرضوا بالتفصيل استراتيجية واضحة في التعامل مع المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية ــ نقطة انطلاق الفاشية اليهودية ــ وآلاف الجنود على الأرض الذين أُرسِـلوا لفرض القانون العسكري على سكان مدنيين.

يجب أن تسعى استراتيجيتنا، في المقام الأول والأخير، إلى إنهاء الاحتلال. فما دامت إسرائيل تصر على الإبقاء على الدكتاتورية العسكرية في الضفة الغربية، ستظل الديمقراطية الحقيقية في حكم المستحيل.

أفنر جفارياهو المدير التنفيذي لمنظمة كسر الصمت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأراضی المحتلة الضفة الغربیة فی إسرائیل بن غفیر

إقرأ أيضاً:

رفض الجنائية الدولية تعليق أمر اعتقال نتنياهو وغالانت يغضب إسرائيل

أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس، رفض الطلب الذي تقدمت به إسرائيل لتعليق تنفيذ مذكرتي توقيف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، استياء في تل أبيب.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر، في منشور له على منصة "إكس" تعليقا على قرار المحكمة الدولية "قلنا ذلك منذ البداية إن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لا تملك، ولم تملك قط، الولاية القضائية لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع السابق".

وتابع "إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، وليست طرفا في نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة" مدعيا، أن "المحكمة لا تملك أي ولاية قضائية على إسرائيل" كما زعم أن المذكرات "صادرة بشكل غير قانوني، إنها باطلة ولاغية".

من جهتها، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم "مستاؤون من قرار المحكمة الجنائية بإبقاء أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت، واصفين إياها بأنها "سخيفة وغير مشروعة".

وفي وقت سابق أمس، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، رفضها طلبا تقدمت به إسرائيل لتعليق تنفيذ مذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت، المطلوبين للعدالة لارتكابهما جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

إعلان لا جدوى منه

يشار إلى أن إسرائيل تقدمت بطلب لتعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف الصادرتين ضد نتنياهو وغالانت، على خلفية الطعن في اختصاص المحكمة، لكن غرفة الاستئناف بالمحكمة اعتبرت أن هذا الطلب "لا جدوى منه لانتفاء الأساس القانوني لتقديمه، وبالتالي رفضته، وفق بيان نشرته المحكمة على موقعها الإلكتروني مساء أمس.

وقال البيان "رفضت غرفة الاستئناف، لانتفاء الجدوى، طلب إسرائيل تعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف وأي إجراءات قانونية أخرى اتخذتها المحكمة بناءً على ذلك".

ويعد قرار رفض تعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالانت، خطوة مهمة في مسار القضية، حيث يسلط الضوء على إصرار المحكمة على المضي قدما في الإجراءات القانونية المرتبطة بالقضية رغم الطعون التي رفعتها إسرائيل.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (2022–2024) بتهمتي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزة.

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • الإعلام العالمي يناقش أسرار الفشل الأمريكي في مواجهة اليمن (الحقيقة لا غير)
  • نتنياهو : رئيس الشاباك يمثّل أكبر فشل استخباراتيّ بتاريخ إسرائيل
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد
  • مركز حقوقي بغزة: “إسرائيل” تتعمد قتل الصحفيين لترهيبهم ومنعهم من نقل الحقيقة
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • باراك: نتنياهو يقود “إسرائيل” نحو الهاوية.. وحربنا في غزة عبثية 
  • ???? الحقيقة التي يعلمها هذا التائه أن معركة الكيزان ليست مع أشباه الرجال !!
  • رفض الجنائية الدولية تعليق أمر اعتقال نتنياهو وغالانت يغضب إسرائيل
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع