لحظة مواجهة الحقيقة في إسرائيل تأخرت كثيرا
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
في أوائل شهر أغسطس، قَـتَـل مستوطنون إسرائيليون قصي معطان، وهو شاب فلسطيني يبلغ من العمر تسعة عشر عاما من قرية بُـرقة في الضفة الغربية. أحد المشتبه بهم، إليشا يَـريد، يميني متطرف كان حتى وقت قريب يعمل كمتحدث باسم ليمور سون هار ميليخ، وهو مشرع ينتمي إلى حزب عوتسما يهوديت (قوة إسرائيل) اليميني المتطرف ــ أحد الأعضاء الرئيسيين في ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم.
على الرغم من وضع يَـريد الحالي كمشتبه به في جريمة قتل، احتشد اليمين الإسرائيلي المتطرف من خلفه. حتى أن إتمار بن غفير، زعيم حزب عوتسما يهوديت والذي يتولى أيضا منصب وزير الأمن القومي المسؤول عن تحقيق الشرطة في حادث إطلاق النار، أشاد بالمشتبه بهم واصفا إياهم بأنهم «أبطال». الواقع أن قتل معطان، إلى جانب أعمال الشغب التي ارتكبها المستوطنون في قرية حوارة في الضفة الغربية في فبراير، يسلط الضوء على القوى التي تحرك ائتلاف نتنياهو.
ففي حين ينظر المراقبون الدوليون في كثير من الأحيان إلى سعي الحكومة إلى إضعاف السلطة القضائية في إسرائيل باعتباره محاولة من جانب نتنياهو للتهرب من محاكمته الجارية بتهمة الفساد، يدير حلفاؤه المتطرفون أجندة الحكومة. يؤيد شركاء نتنياهو المنتمون إلى اليمين المتطرف علنا التفوق اليهودي والإرهاب الداخلي. وهـم يَـصُـفّون أنفسهم بفخر مع الحاخام الراحل وعضو الكنيست السابق مائير كاهانا، الذي دعا إلى طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة والذي شَـبَّــه أحد الأعضاء البارزين في الليكود ــ حزب نتنياهو ــــ مقترحاته المتطرفة بقوانين نورمبرج لعام 1935.
لا يبالي أنصار التفوق اليهودي هؤلاء بمشكلات نتنياهو القانونية. فهم يرون أن نتنياهو مجرد شخص أحمق مفيد يعينهم على إزالة العقبات القليلة المتبقية أمام التوسع الاستيطاني وتكثيف العمل العسكري ضد الفلسطينيين. وهدفهم الأساسي هو ضم الضفة الغربية. يُـعـرِب كثيرون من المشرعين المنتمين إلى اليمين المتطرف صراحة عن هذه المشاعر. ومن بينهم، سيمكا روثمان، رئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست، الذي لعب دورا رئيسيا في دعم الانقلاب القضائي، وهو مستوطن يواجه منزله في بني كديم احتمال الهدم بسبب بنائه المخالف للقانون. ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشرف أيضا على الإدارة المدنية، وهي الهيئة التي تحكم الحياة المدنية في الأراضي المحتلة، هو أيضا مستوطن ومدافع عن الضم طوال حياته.
في عام 2017، كشف سموتريتش عما يسمى «الخطة الحاسمة» لضم الضفة الغربية بالكامل، والتي بموجبها يُـحـرَم الفلسطينيون من حقوق التصويت، ويواجه أولئك الذين يعترضون الترحيل. وقد اعترف سموتريتش بأن اقتراحه قد يؤدي إلى «عجز ديمقراطي»، لكنه بـرر الفصل العنصري باعتباره تضحية ضرورية.
قبل وقت ليس ببعيد، كان هؤلاء الساسة شخصيات هامشية. ولسنوات عديدة كان عوتسما يهوديت حزبا هامشيا غير قادر على الفوز ولو بمقعد واحد في البرلمان. كان نتنياهو هو الذي أقنع الحزب بتشكيل تحالف مع حركة الصهيونية الدينية التي يتزعمها سموتريتش قبيل انتخابات 2022، الأمر الذي مَـكَّـن القائمة الـمُـشـتَـرَكة من الفوز بأربعة عشر مقعدا (من أصل 120). لكن وصف «هامشي» لا يعبر عن السياق الأعرض.
في حقيقة الأمر، لا يوجد فارق كبير (إن وجِـد) بين مواقف هذه الأحزاب العنصرية ومواقف حزب الليكود بزعامة نتنياهو. لنتأمل هنا على سبيل المثال وزير العدل ياريف ليفين (من حزب الليكود)، مهندس الانقلاب القضائي. أيد ليفين مقترحات عديدة بشأن «تطبيق السيادة» ــ وهو تعبير ملطف يعني الضم ــ على الأراضي المحتلة. في شرح حرصه على دعم الانقلاب، كان كل مثال قدمه يتعلق بالإبقاء على الاحتلال الإسرائيلي. يرتبط انجراف إسرائيل نحو الاستبداد ارتباطا لا ينفصم بالاحتلال. لا يعكس الانقلاب القضائي الجاري حرص زعيم متعطش للسلطة على التهرب من التدقيق القانوني فحسب، بل يعكس أيضا محاولة يدفعها المستوطنون لتأسيس نظام فصل عنصري بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. والاحتلال هو الذي سهل أيضا الصعود الصاروخي لشخصيات كانت هامشية من قبل مثل بن غفير وسموتريتش.
تُـعَـد انتخابات 2022 مثالا واضحا على هذا.
كانت إسرائيل لا تزال تعاني من مواجهات بين العرب واليهود، والتي اندلعت في مايو 2021. بدأت الاضطرابات مع طرد سكان فلسطينيين من منطقة الشيخ جراح في القدس الشرقية وسرعان ما تصاعدت إلى عملية «حارس الأسوار» في غزة، والتي أسفرت عن مقتل المئات وإشعال شرارة المواجهات في مختلف أرجاء المدن المختلطة.
تحت تأثير الصدمة العميقة إزاء حجم العنف، وجد كثيرون من الإسرائيليين أنفسهم متقبلين بشكل خاص لوعود بن غفير «بأن يثبت للعرب من في يده زمام الأمور حقا». لكن خطاب بن غفير كان له صدى أيضا لأن «إدارة الصراع» كانت لفترة طويلة النهج المفضل لدى القائمين على الأمن القومي في إسرائيل. وفقا لهذا المنطق، وبما أن السلام مع الفلسطينيين أمر بعيد المنال، فإن الحفاظ على الوضع الراهن هو الخيار الأفضل أمام إسرائيل. لسنوات عديدة، كان الإسرائيليون غير مكترثين لهذا التحول الاستراتيجي بعيدا عن عملية السلام، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن الفلسطينيين هم الذين تحملوا وطأتها كاملة. لكن محاولة إدارة صراع أشبه بمحاولة التعامل مع حريق غابات؛ عندما يتغير اتجاه الرياح تنقلب النيران نحوك. هذا هو ما حدث على وجه التحديد في شهر مايو من عام 2021. لأن أغلب أحزاب المعارضة في إسرائيل أصبحت تتجنب حتى الاعتراف بوجود الفلسطينيين، فإن الحلول الوحيدة المطروحة على الطاولة كانت تلك التي قدمها اليمين المتطرف. ورغم أن خطة الفصل العنصري التي تقدم بها سموتريتش طفولية وخطيرة وبغيضة، فقد زودت الإسرائيليين بشيء توقفت معظم المؤسسة السياسية عن تقديمه: الحل المحتمل. طوال عقود من الزمن، حاولت إسرائيل إدارة الصراع، لكن الصراع هو الذي أدارها.
وكما تعلموا غض الطرف عن أهوال الاحتلال وفظائعه، نظر كثيرون من الإسرائيليين إلى بن غفير باعتباره مجرد محرض، متغافلين عن العواقب الوخيمة المترتبة على معتقداته المستمدة من كاهانا وإعجابه بشخصيات من أمثال الإرهابي اليهودي السفاح باروخ جولدشتاين. لهذا السبب، يتعين على معارضة تحالف نتنياهو-بن غفير-سموتريتش أن تقدم رؤية متماسكة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأي بديل سياسي ــ سواء كان منشأه الكنيسيت، أو الاحتجاجات الحاشدة المؤيدة للديمقراطية التي تجتاح إسرائيل كل يوم سبت، أو المجتمع الدولي ــ يجب أن يعالج العواقب المترتبة على السياسات الإسرائيلية التي دامت عقودا من الزمن في الأراضي المحتلة. مع تزايد صراحة مؤيدي الاحتلال بشأن أهدافه، يتعين على خصومهم أن يعرضوا بالتفصيل استراتيجية واضحة في التعامل مع المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية ــ نقطة انطلاق الفاشية اليهودية ــ وآلاف الجنود على الأرض الذين أُرسِـلوا لفرض القانون العسكري على سكان مدنيين.
يجب أن تسعى استراتيجيتنا، في المقام الأول والأخير، إلى إنهاء الاحتلال. فما دامت إسرائيل تصر على الإبقاء على الدكتاتورية العسكرية في الضفة الغربية، ستظل الديمقراطية الحقيقية في حكم المستحيل.
أفنر جفارياهو المدير التنفيذي لمنظمة كسر الصمت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأراضی المحتلة الضفة الغربیة فی إسرائیل بن غفیر
إقرأ أيضاً:
مؤرخة أمريكية: نتنياهو يستقوى بدعم اليمين العالمي في مواجهة الضغوط الدولية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
خطاب الأوساط الترامبية يسعى لخلق معركة مصطنعة بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام ويستخدم صراع الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية
"رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقوى بدعم قوي ضمن ائتلاف غير رسمي يربط بين زعماء اليمين فى العالم".. هكذا تحدثت الفيلسوفة والمؤرخة الأمريكية سوزان شنايدر، نائبة مدير معهد بروكلين للبحوث الاجتماعية فى نيويورك والباحثة الزائرة في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، والمتخصصة في شئون الشرق الأوسط.
تعليقًا على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، قالت سوزان شنايدر، فى حديث لصحيفة "لوموند" الفرنسية: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، على وجه الخصوص، يحظى بالدعم الكامل من الزعماء المحافظين على مستوى العالم. وتابعت، لشرح رؤيتها، قائلة: لنلاحظ أولًا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، المنتهية ولايته، اعتبر قرار المحكمة الجنائية الدولية "فاضحًا". ومع ذلك، فإن ازدراء المحكمة الجنائية الدولية سوف يزداد عندما يحتل الرئيس المنتخب، الجمهوري دونالد ترامب، البيت الأبيض، خاصةً أنه في جميع أنحاء العالم، من المجر إلى الأرجنتين مرورًا بالهند، هناك العديد من القادة على رأس الدول الذين يزدرون هذا القرار. إنهم ينتمون إلى ائتلاف ناشئ يشكل يمينًا عالميًا، ومن أبرز شخصياته دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
مؤتمر سنوى
وللحق مكون أيضًا من مفكرين وإعلاميين يعتبرون عند البعض مؤثرين جدًا، أبرزهم بشكل خاص الإسرائيلى يورام هازوني الذي كان قريبًا من نتنياهو، ولكنه قبل كل شيء مؤسس المؤتمر الوطني المحافظ، الذي يعقد كل عام منذ عام 2019 في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويجمع هذا الحدث بعض الشخصيات الأكثر تأثيرًا داخل اليمين المتطرف، مثل نائب رئيس الولايات المتحدة المستقبلي، جي دي فانس، ومقدم البرامج التليفزيونية تاكر كارلسون، وفيكتور أوربان، والملياردير بيتر ثيل.
إن حجم هذه الشبكات يبين لنا أننا وصلنا إلى وضع متناقض حيث أصبح القوميون المتطرفون، اليوم أكثر أممية من اليسار. ويجد نتنياهو تأييدًا واسعًا بينهم لتشويه سمعة المحكمة الجنائية الدولية وتصويرها على أنها هيئة دولية لا يحق لها التدخل في شئون دولة ذات سيادة.
وبالفعل، يعد الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحات لمعاقبة القضاة المشاركين في إصدار هذا القرار. كما هدد السيناتور ليندسي جراهام بفرض عقوبات على أي دولة تنفذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، التي ليست الولايات المتحدة عضوًا فيها. ومن المؤكد أن نتنياهو سيزور أمريكا بعد وقت قصير من تولي ترامب منصبه في يناير 2025 لتسليط الضوء على قوة تحالفهما وتجاهلهما للقانون الدولي.
حلفاء مقربون
وأضافت المؤرخة الأمريكية: كان نتنياهو حريصًا بشكل خاص، لسنوات عديدة، على تعزيز هذه العلاقات المميزة مع الزعماء القوميين، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء أوروبا. والمجر هي الحليف الأقرب لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي. وقد رأينا مثالًا على ذلك في شهر فبراير الماضى، عندما حاولت المجر منع تبني قرار أوروبي يدعو إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. وهذه العلاقة قديمة، حيث أصبح أوربان ونتنياهو أقرب بعد لقائهما الأول في عام 2005، عندما كانا في المعارضة. ثم في عام 2015، تم إرسال أحد أعضاء الليكود إلى المجر لتنسيق العلاقات بشكل أفضل مع حزب فيدس بزعامة أوربان. وفي عام 2017، استعان رئيس الوزراء المجري أيضًا بخدمات مستشار سياسي أمريكي، أوصى به نظيره الإسرائيلي، من أجل إطلاق حملة ذات إيحاءات معادية للسامية ضد جورج سوروس، ذلك أن هذا الملياردير والمحسن هو عدو هذين الزعيمين لأن مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له تدعم جمعيات حقوق الإنسان.
وفي عام 2019، ساعد نتنياهو أوربان على الاقتراب من اليمين الأمريكي. وتوسط بالفعل نيابة عنه للسماح له بلقاء دونالد ترامب. واليوم يدفع فيكتور أوربان له الثمن، ويدعم بشكل كامل العمليات التي تنفذها إسرائيل في غزة. وردًا على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، دعا أيضًا نتنياهو لزيارة المجر، على الرغم من أن بلاده من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية.
ولذلك فإن هذا التجاهل للقانون الدولي، باسم السيادة الوطنية، سوف يستمر، حتى أن دولًا مثل فرنسا تبدي بعض التردد في تنفيذ مذكرة الاعتقال التي تستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي.
معركة وجودية
إن الخطاب الذي نسمعه في الأوساط الترامبية، وحتى بين بعض الديمقراطيين، يجعل من إسرائيل قاعدة أمام الحضارة الغربية، حسبما تقول سوزان شنايدر. ومن وجهة النظر هذه، فإن معركة وجودية مصطنعة يمكن أن تدور رحاها بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام. وكما فعلت الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإن هذا الاتجاه يرى أن إسرائيل محقة في الاعتماد على القوة، والتصرف من جانب واحد، واحتقار الأمم المتحدة.
يُستخدم يوم 7 أكتوبر بشكل عام من قبل اليمين العالمي لخدمة خطاب معادٍ للإسلام. ومن شأن هذه الهجمات أن تثبت أن التعايش مع المسلمين مستحيل، وهو أمر يمثل خطرًا على العالم. وارتفعت مقولة شاذة تزعم أنه "سوف يتم تدمير الغرب إذا استقبل "هؤلاء الناس"، وتحولت الأمور إلى "هم" أو "نحن".
تعمل دوائر المحافظين بنشاط على ربط معارضة حركة الحرب بحركة الووكيسم التي تنشط بشكل كبير في الجامعات، والتى تحولت إلى حركة تسعى لخلق الانشقاق ووضع أفراد المجتمع في صراع ضد بعضهم البعض، كما لو كانت عصابة تعمل على تقويض الولايات المتحدة. وبهذه الطريقة، يتم استخدام الصراع في الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية.
سوزان شنايدر