يعيش الأفراد فى مجتمع متشابك من العلاقات الاجتماعية المتباينة؛ ما يفرض علينا التمسك بالأخلاق العليا حتى نستطيع التعامل مع الآخرين بطريقة صحيحة، وبالتالى يمكن الرقى بالمجتمع. ويعتبر الصفح والتسامح إحدى الصفات والأخلاق التى يجب التحلى بها قدر الإمكان، والصفح والتسامح هما أن ترى نور الله فى كل من حولك، والصفح عن الآخرين هو أول خطوة للصفح عن أنفسنا والتخلى عن اعتقادنا بأننا ضحايا.
إن الحياة أقصر من أن نقضيها فى تسجيل الأخطاء التى يرتكبها غيرنا فى حقنا أو فى تغذية روح العداء بين الناس، ولقد نرى هذه الأيام فى وسائل التواصل الاجتماعى ما يحمل هذه الأمور فنرى البعض يتربص ويتحين الفرصة للقدح فى ذمم الآخرين أو فى أعراضهم بغير دليل، حتى وإن كان هناك دليل فليس الأمر مكانه هكذا، وإنما فى ساحات القضاء العادل الذى يحكم بين الناس، وهذا الأمر سمة المجتمعات المتقدمة والراقية.
إن الصفح والتسامح هو عبارة عن مشاعر الحب النبيلة التى لا يوجد لها شبيه، فهو البهجة والسعادة والفرحة التى لا يستطيع الشخص إيجادها عند توقيع العقاب، فلا يمكن للشخص أن يضحى ويعطى بلا حب ولا يمكن للحب أن يستمر إلا بالصفح والعفو والتسامح، وقد يرى الكثير من الأشخاص أن هذه الأمور ضعف وانكسار، وأن الصمت هزيمة وخسارة، ولكن هؤلاء ليس لديهم علم.
إن الصفح والعفو والتسامح تحتاج إلى طاقة أكبر من الانتقام؛ لأنها من اللآلئ الجميلة التى تزين عقد المحبة، فالحب تاج الصفح والعفو والتسامح.
إن التسامح الاجتماعى يعد مفهوما شاملا يعكس كافة القيم الاجتماعية السمحة التى تنعكس على سلوك الأفراد فى المجتمع، بما يضمن حصولهم جميعا على الأمن والسلم الاجتماعى الشامل تحت مظلة تسع الجميع وتضمن لكل فرد حقوقه ومستقبله، إضافة إلى ذلك يمثل التسامح المجتمعى حالة فريدة تجمع بين مزايا العيش الكريم والأخلاق الحميدة واحترام الآخر وتقديره وتثمين ما يقدمه للمجتمع من عطاء، ما يوفر لكل أفراد المجتمع البيئة الآمنة والمناسبة للعيش الكريم وتربية الأجيال المقبلة.
إن المجتمعات التى تعمل على توطين وترسيخ مفاهيم وقيم الصفح والتسامح بين أفرادها، هذه المجتمعات تنعم بحياة كريمة وهادئة لا تعرف سوى الإنتاج والجودة والتعاون بين أفرادها، وبالتالى الوصول إلى أكبر قدر من الأمن النفسى والاجتماعى، حيث يصير الصفح والتسامح فى هذه الحالة الأساس الأهم لبقاء المجتمعات الراقية، فهو الهدف والوسيلة فى وقت واحد، إذ إن الوصول إليه يرتقى بالمجتمع ومن خلاله يحصل كل فرد على حياة كريمة فيكتمل بذلك الأمن والتقدير الشخصى والمجتمعى.
يقول أحمد شوقى «تخلق الصفح تسعد فى الحياة به فالنفس يسعدها خلق ويشقيها».
قال تعالى: «وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» سورة التغابن الآية 14.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعي
إقرأ أيضاً:
الفقر الخطر الذي يُهدد أمن الأمم
كل الأحداث والأزمات والتحديات التي كانت السبب الرئيسي في خلق ثقب في جسد الأمن القومي هو (الفقر).
الفقر.. هو السرطان الذي ينخر جسم أي أمة مهما امتلكت من إمكانيات أمنية وحربية وسياسية.
ولذلك فإن أي طرف محلي أو إقليمي أو دولي يستغل المجتمعات الفقيرة كثغرة فاعلة لزعزعة أمن أي دولة معادية أو منافسة.
البيئة الفقيرة ليس لديها ما تخسره لأنها دائماً تنظر إلى أهدافها من الزاوية المظلمة.
عندما نتطرق إلى الفقر، فإننا نعني بذلك تلك المجتمعات التي تعيش في حالة الشعور بعدم العدالة الاجتماعية، والتهميش، وعدم الشعور بالعدالة في توزيع ثروة الدولة، وعدم المساواة في الحقوق والواجبات، بالإضافة إلى غياب الحياة الكريمة وانعدام فرص العمل، وعدم الحصول على الحد الأدنى من الأجور بما يتماشى والوضع الاقتصادي، هذه الظروف تخلق حالة غامضة متخبطة ومظلمة تعيش في دوامة البحث عن وسائل للخروج من هذا النفق، ويكون لديها هدف هو رأس الدولة باعتباره المسؤول عن الحال الذي يعانون منه.
وهذه الأسباب والمعطيات دائماً هي القمة السابغة لطرف المعادي ووسيلة سهلة لخلق قاعدة متماسكة لتهديد الأمن القومي لأي دولة.. لسهولة التجنيد والإقناع والاستعداد لضرب الهدف الذي يعتقدون بأنه السبب الرئيسي في حالة مجتمعاتهم الفقيرة والمقهورة.
الأحداث السابقة في كل مكان وأينما وقعت أبطالها جاءوا من مجتمعات معدومة وفقيرة.
إن البيئة الحاضنة للإرهاب بأشكاله وصوره هي تلك البيئة التي تعاني الفقر في معناه الواسع وما يترتب عليه من سلوكيات متشددة والصور المظلمة اتجاه رأس الدولة.
العـلاج.. لا يكمن العلاج من وجهة نظرنا في محاربة هذه المجتمعات بقوة السلاح والترهيب وإرهاب الدولة والقتل والاعتقال والتهجير والإقصاء إلى آخر تلك الأساليب البوليسية التي أثبت الزمن وأثبت الأحداث بعدم جدوتها، وإنما زادت من تنامي ظاهرة الإرهاب بل زادت من استقطاب الرأي العام ضد الدولة.
إن العلاج.. يتطلب إعادة هيكلة الدولة في ملفاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، والتركيز على العدالة الاجتماعية، والمشاركة السياسية، والعدالة في توزيع ثروة الدولة، وتحسين الظروف المعيشية، والتعليم والصحة وأمن المواطن. وبذلك يمكن قطع الطريق أمام أي طرف معادي يسعى إلى استخدام تلك المجتمعات الفقيرة وتوجيهها إلى زعزعة أمن الدولة.
وهذا يشير إلى ضرورة اهتمام رأس الدولة بغالبية الشعب الذي عادة ما يمثل الطبقة البسيطة والمتوسطة والتي إذا ما ثارت قلبت الموازين رأساً على عقب دون مراعاة لأي معايير أو ترتيبات أو استراتيجيات ودون حساب العواقب وهنا يكون الكل خاسر الحاكم والمحكوم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.