مقامات فى حضرة المحترم (1-2)
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
فى 30/8/2006 رحل الأديب العالمى نجيب محفوظ.. وهنا نعرض لكتاب جميل صادر عن مؤسسة بتانة للناقد والروائى والكاتب المتميز (سيد الوكيل).. «مقامات فى حضرة المحترم»، وهو رؤية وسياحة وغوص فى عالم نجيب محفوظ، وكما يقول د. مصطفى الضبع فى مقدمته للكتاب.. إن أهم ما يميز قراءة سيد الوكيل: المعايشة، معايشة النصوص والربط بينها، وأهم ما حققه: الكشف، كشف منطق النصوص، وآلية تحقيقها ووجودها، مانحها الفرصة لتعبر عن نفسها، وقد أنصت لها مخلصا فى مقاربتها فلم يدخلها محصنا بفكرة مسبقة ولا بنظرية معدة سلفا، ولا بأدوات مقحمة على منطقها الخاص الذى لا يخضع لمنطق القارئ أو منطق العالم المحيط، والنص دائما فى حالة اشتغال لفرض منطقه على العالم لا أن يسمح لفرض العالم عليه منطقا خارجا عنه.
ويلتقط (الوكيل) مشكلة جعفر الراوى.. أنه طوال الوقت كان يبحث عن شيء خارجه، يبحث عن معنى للحياة، بدلا من أن يبحث عن معنى لوجوده، وهكذا فإن الرحلة تنحرف عن معناها الوجودى، لكونها تستهدف الموضوع لا الذات.
وعبر مقام الكمال.. يتناول (الوكيل) الرحلة الوجودية لجعفر الراوى فى رواية (قلب الليل)..ويستثمر (الوكيل) الرحلة الوجودية فى (قلب الليل) و(الشحاذ).. وبكليهما نجد القلق.. والسأم.. والاغتراب ليربط ذلك كله بالواقع المصرى المعاصر.. يقول.. «إن طريق الرحلة ليس معبدا، ولا متاحا بالمرة، بل هو مغمور بالأشباه والضلالات، يؤدى إلى التيه أكثر من أى شىء آخر، ولذلك سنعول على طبيعة الرحلة نفسها، ونحن نقرأ هاتين الروايتين : «قلب الليل»، «الشحاذ»، فى الواقع نحن نستهدف القراءة، بمعنى أننا نتتبع خطوات الرحلة، ولا نستهدف الخروج بموقف نهائى، يعمل كحكمة، أو مقولة حاسمة.
إن الرحلة رديف الوعى والمعرفة لصاحبها، وهذا يؤكد معنى الذاتية فيها، فرحلة جعفر الراوى هى تجربته الشخصية، وإن تشابهت مع رحلة الإنسان على الأرض منذ خلقه الأول، وتقلبه بين الخيالات والمشاعر والعواطف والرغبات الحسية، والمدركات العقلية، أما رحلة عمر الحمزاوى فى «الشحاذ» فهى سقوط فى الداخل يصيب الإنسان بغتة وبلا سبب واضح. هى أقرب إلى المرض النفسى، ولكنها أيضا رحلة فى الظلام، عندما تنهار دعائم الوجود، ويتبدى الوجه العبثى للحياة.
ولو مددنا الأمر على استقامته، يمكننا أن نرى العالم يعيش أزمة وجود الآن، بعد أن تخلى عن اليقينيات القديمة، وتبدى له الواقع فى عصر السماوات المفتوحة كونا شاسعا ومعجزا، فتتفاقم داخله شعور التيه.
بقى أن نتوجه بالشكر والتقدير لـ(سيد الوكيل) لإخراجه هذا الكتاب الذى يتميز بالقدرة على الغوص فى النص ليرى ممكناته.. وهذا يتيح للمتلقى الكثير من المتعة العقلية والجمالية. ونكمل الحديث فى المقال القادم.
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أكاديمية الفنون
إقرأ أيضاً:
بورتسودان لا توجد بها منطقة وسطي مابين الجنة والنار
بورتسودان لا توجد بها منطقة وسطي مابين الجنة والنار فشتاؤها حافل بالمطر والأجواء الساحرة أما صيفها فيكفي فيه ضربات الشمس ونقص ماء الشرب وتفشي بعض الأمراض المستوطنة وصعوبة العيش وتوقف النشاط التعليمي والرياضي ويخيل للقادم لمدينة الثغر أن السكان قيد الإقامة
في العام ١٩٦٩ شددت الرحال مع ثلة من المعلمين لمدينة بورتسودان وكنت حديث عهد بالتدريس في المرحلة الوسطي وقلت انتهز فرصة العطلة الصيفية واستفيد من التصاريح المجانية لامتطاء قطار الغرب من الأبيض إلي الخرطوم ( صرة ) السودان في ذلك الزمان وقطار الشرق ذلك ( الاكسبريس ) المحترم من العاصمة الي ميناء البلاد الذي سارت بسمعته الركبان.
كان يخيل لي و ( إنا بالرصيف مستني ) لحظة الدخول ل ( قمرة ) الدرجة الثانية ) المخصصة للمعلمين الصغار ( ناس اسكيل J و H ) أنني ساجد الطريق سالكة في ( الممشي ) حتي اصل مطمئنا الي ( الكنبات المبطنة ) واجد زملائي في الرحلة وقد سبقوني في اتخاذ كل منهم موقعه في ذاك المكان المريح الصالح للسفريات الطويلة . كان مسموح لركاب القطار في الدرجتين الأولي والثانية ودرجة النوم القابلة للاستبدال بمقعد في الطائرة أن يستفيدوا من خدمات ( بوفيه ) القطار التابع لمصلحة السياحة والفنادق والمرطبات ولا غرابة والوضع هكذا أن تكون الخدمة المقدمة ٥ نجوم والنادل الذي يحضر الطلبات في غاية من الأناقة والاحترام من ناحية الزي وأسلوب التخاطب وان الفاتورة تصل للزبون بعد نهاية الرحلة واسعارها معقولة مع جودة في الطعام والمشروبات الباردة والساخنة ويتم استدعاء النادل بالجرس ويلبي هذا النادل النداء بمسؤولية كاملة ومن غير تلكؤ أو تردد !!..
أول محاولة لي لاجتياز السلم للدخول في الممشي علي امل الوصول إلي ( القمرة ) باءت بالفشل لأن القطار في ذاك اليوم وهو ينوء بحمولته من البشر كان يخيل لي وكان موسم الهجرة إلي الشرق قد بدأ والكل متلهف أن يلحق بهذا الموسم لدرجة أن من يحملون تصاريح وحجوزات معتمدة في الدرجات الممتازة انتهي بهم المطاف في السلم ليس جلوسا بل وقوفا في أجواء عالية الحرارة ورياح تلفح الوجوه بذرات من الغبار لا تبالي أن هي ملأت عليك خياشيمك أو فمك واذنيك والعرق يتصبب مدرارا والتنفس يتم بعد مجاهدة والوضع مثل ما قال الشاعر وهو في وسط معمعةمن حرب ضروس :
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا .. واسيافنا ليل تهاوي كواكبه !!..
اكيد أننا كنا في حرب وجودية مؤقتة لحين الوصول إلي محطة المقصد ولكن لم نكن نمتشق سيوفا تبرق مع احتكاكها بالذرات المتطايرة مثلما تبرق الشهب ( النيازك ) والكواكب وهي تسير بسرعة متناهية في المجال الجوي مما ينتج عن احتكاكها هذا اضواء واضواء !!..
وقلت في نفسي طالما أننا نحتاج لهذه الرحلة ورغم مايكتنفها من مصاعب منذ ضربة البداية فلابد من تحمل وعثايها وعدم التراجع منها والا تم وصفنا بالمتخاذلين أصحاب الهمم المنخفضة الذين لا يحبون النزال ولا الكر والفر وصعود الجبال والخوض في لجة الأطلسي وبحر الصين الجنوبي ومضيق هرمز وبحر الادرياتيك !!..
المهم وقد انسدت أمامنا الآفاق وكان القرار أن نقف علي السلم في رحلة طويلة في شهر يونيو احر شهور السنة واكيد أن مع شدة درجة الحرارة هذه يحتاج المرء الي تأمين عدد من لترات الماء لشربه ولترطيب ( بشكيره ) ليجعل منه مكيف هواء في وقت الحاجة هذه وقد قالوا إن الحاجة أم الاختراع !!..
نواصل أن شاء الله في الحلقة القادمة .
حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com