قمة بريكس المغالى في تقديرها
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
محمد نور الزمان
ترجمة - أحمد شافعي
عقدت مجموعة بريكس الأسبوع الماضي قمتها السنوية الخامسة عشرة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا. واجتذب المنتدى اهتماما عاما وإعلاميا فاق المعتاد بالمقارنة مع القمم السابقة، إذ حظيت هذه القمة بتغطية إعلامية كبيرة بسبب التوسع الذي يقال إنه يعزز ثقلها الجيوسياسي. فقد تقدمت اثنتان وعشرون دولة بطلبات رسمية للعضوية، دعيت ست منها للانضمام، وأعربت دول أخرى كثيرة عن اهتمامها بعضوية هذا النادي المقصور على الاقتصادات الصاعدة.
في الرابع والعشرين من أغسطس، أعلنت القمة عن الأعضاء الستة الجدد، وهي الأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. ويمثل هذا تطورا غير مسبوق في تاريخ بريكس. فقد كانت هذه الكتلة في الأصل تجمعا اقتصاديا وصفيا اقترحه أحد الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، ثم تم إطلاقها رسميا في يونيو 2009 (ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في ديسمبر 2010). وتنطوي حملة توسيع عضوية مجموعة بريكس على فوائد محتملة هائلة للدول المرشحة الحالية والطامحة. وبالنسبة للصين وروسيا، يضيف اتساع القائمة ثقلا إضافيا إلى أجندتهما الجيوسياسية للحد من هيمنة الولايات المتحدة الأحادية.
لكن على الرغم من العناوين الرئيسية الصاخبة، هناك شك كبير في قدرة مجموعة بريكس على البروز بوصفها ثقلا موازيا ذا مصداقية للنظام العالمي الخاضع لهيمنة الغرب. فالتحديات الحقيقية التي تواجه النجاح في تحويل المشهد الجيوسياسي العالمي لا تنشأ من الخارج، بل من الداخل. والخلافات الداخلية الواسعة تؤدي إلى تقويض كبير لقدرة مجموعة بريكس على العمل ككتلة موحدة وتحقيق هدفها المتمثل في إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب.
للكتلة، على المستوى النظري، ثقل اقتصادي كبير. إذ تمثل بريكس حاليا ما يقرب من 32% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و41% من سكان العالم، و16% من المعاملات التجارية الدولية. وإضافة ستة أعضاء جدد تعزز بشكل كبير المكانة الاقتصادية العالمية للمجموعة، حيث يبلغ إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي الآن 37% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم (من حيث تعادل القوة الشرائية) ويصل إجمالي السكان إلى 46% من سكان العالم. ويضيف الأعضاء الثلاثة الجدد المنتجون للنفط والغاز -أي إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- ثقلا استراتيجيا إلى المجموعة. إذ يخلق مجموع احتياطيات وإنتاج الوقود الأحفوري للكتلة تأثير أوبك ويعزز آفاق أعمال النفط والغاز المفتوحة بين الدول الأعضاء. ويمكن لصناديق الثروة السيادية الضخمة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضخ مليارات الدولارات في بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمجموعة بريكس الذي تأسس في عام 2015. كما أن دفع المجموعة إلى إلغاء الدولار في شكل عملة مشتركة لدول بريكس أو عملة رقمية مدعومة بالذهب كان دافعه في المقام الأول هو العقوبات المفروضة من إدارة بايدن على روسيا. لكن الدولار لن يتراجع بهذه السهولة. وبريكس، خلافا للاتحاد الأوروبي، ليست مشروع تكامل سياسي أو اتحادا اقتصاديا خاضعا لإشراف بنك مركزي يتمتع بولاية قضائية على الدول الأعضاء. وفي غياب هذه العناصر، يصبح قيام اتحاد نقدي بين الدول ذات السيادة والسياسات المالية المتباينة مستحيلا من الناحية السياسية.
بريكس والجغرافيا السياسية
بريكس فكرة صينية. ويعكس التجمع نفوذ بكين المتنامي اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا. وهي -شأن مبادرة الحزام والطريق- مشروع صيني طموح لإنشاء قاعدة قوة بديلة للغرب. وباستثناء روسيا، تقع جميع الدول الأعضاء في بريكس داخل ما يسمى بالجنوب العالمي، وهو كيان جيوسياسي فضفاض وغامض. وثمة سؤال جاد جدير بالتأمل هو: هل تتلاقى مصالح الصين (أو المصالح الجماعية للمجموعة) مع مصالح الغالبية العظمى من البلاد الفقيرة والنامية في الجنوب العالمي؟
غير أن هدفا مشتركا يربط الدول الأعضاء في مجموعة بريكس ببعضها بعضا، وهو محاولة تغيير وضعها من «متقبلي قواعد» إلى «واضعي قواعد» من خلال كسر هيمنة الولايات المتحدة وإنماء هيكل قوة متعدد الأقطاب في الاقتصاد العالمي. حتى الانهيار المالي العالمي في 2007-2008، مارست الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجموعة السبع سلطة وضع القواعد العالمية حصريا. وقد أحدث صعود مجموعة العشرين ومجموعة بريكس في أعقاب الانهيار المالي انبعاجا واضحا في قدرة الغرب على وضع القواعد. وبجانب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية (AIIB)، تم إنشاء البنية المؤسسية لمجموعة بريكس مكونة من مستويَين -بنك التنمية الجديد واتفاقية احتياطي الطوارئ (CRA)- في عام 2015. وفي حين أن بنك التنمية الجديد يمول مشاريع التنمية المستدامة، فإن اتفاقية احتياطي الطوارئ تمثل شبكة أمان لمساعدة الدول الأعضاء على احتمال الأزمات المالية. ومع ذلك، فإن هذا الهيكل المالي الأولي تبطله مشاكل الأيديولوجية السياسية واختلال السياسة الخارجية والاقتصادية.
بريكس نادٍ غير متجانس، فيه الديمقراطية والاستبداد، والسوق الحرة والاقتصادات الخاضعة لسيطرة الدولة، وتحالفات السياسة الخارجية المتناقضة. فالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا قد توصف على الأقل بأنها ديمقراطيات معيبة ذات اقتصادات سوق حرة إلى حد كبير. والأنظمة السياسية في الصين وروسيا ليست ديمقراطية في الغالب، وأنظمتها الاقتصادية لا خاضعة لسيطرة الدولة ولا اقتصادات قائمة على السوق، بل هي مزيج من الاثنين. ودخول ثلاثة أنظمة من الشرق الأوسط يضعف الطابع الديمقراطي جزئيا للمجموعة. وإنها لمهمة هرقلية المشقة أن يتم التوصل إلى ما يوحد الديمقراطيات والدكتاتوريات واقتصادات السوق واقتصادات الدولة.
والأمر الأكثر وضوحا هو أن أعضاء مجموعة بريكس غالبا ما تكون لديهم صراعات مع بعضهم بعضا أكثر مما بينهم وبين الولايات المتحدة. والأبرز في هذا المقام هو القائمة الطويلة من مظالم الهند مع الصين التي تشمل استفزازاتها الحدودية، ودعمها لباكستان، والوجود البحري المتزايد في المحيط الهندي. فقد دفعت هذه الخلافات نيودلهي إلى إقامة شراكة استراتيجية مع واشنطن.
وتظل مستويات التنمية الاقتصادية المختلفة لأعضاء بريكس تشكل عائقا رئيسيا أمام ترسيخ تكامل اقتصادي أوثق. فاقتصاد الصين العملاق أكبر من اقتصادات جميع دول بريكس الأخرى مجتمعة. وقياسا على الناتج المحلي الإجمالي، فإن الناتج الاقتصادي في الصين أكبر بنحو أربع عشرة مرة من نظيره في جنوب أفريقيا، وأكبر بما بين خمسة أمثال إلى ثمانية أمثال أحجام الاقتصادات الهندية والروسية والبرازيلية. والطبيعة الطاغية للاقتصاد الصيني زادت من صعوبة التعاون الاقتصادي بين مجموعة بريكس. فعلى سبيل المثال، اختارت الهند عدم الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، خوفا من أن تطغى القوة الاقتصادية المتنامية لبكين على موقف نيودلهي في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي.
كما أنه لا يوجد غير قدر ضئيل من التقارب الواضح في السياسة الخارجية لمجموعة بريكس في المحافل العالمية الأخرى. ولا تشترك المجموعة في رؤية مشتركة لنظام عالمي جديد بديل للنظام الخاضع لهيمنة الغرب. وفي ما عدا بعض التعاون الخاص بقضايا محددة (مثل تغير المناخ ومكافحة الإرهاب)، ليس لدى الدول الأعضاء في مجموعة بريكس سجل ملحوظ للتعاون اللازم لتحقيق هوية جماعية متماسكة. فضلا عن الاختلافات في سلوكيات التصويت واضحة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وغيرهما من الهيئات الدولية.
الطريق المستقبلي
مجموعة بريكس معرّضة كثيرا لخطر التحول إلى كيان مصطنع. وللتغلب على هذا الخطر، يتعين على دول بريكس أولا أن تعمل على ترتيب بيوتها من الداخل. فلا بد من طريقة لمعالجة التوترات والصراعات داخل مجموعة بريكس. فليس بوسع أي تجمع اقتصادي أو سياسي أن يستمر في البقاء غير معتمد إلا على شعارات إصلاح النظام العالمي الحالي أو معارضته. فقد تتلاشى المواقف المناهضة للغرب وللولايات المتحدة ما لم تعمل دول بريكس على تعزيز العلاقات الاقتصادية القوية والروابط الاستراتيجية لإحداث التغييرات المرغوبة في النظام العالمي. وقد يكون قبول أعضاء جدد أهم إذا قامت مجموعة بريكس بمعالجة أوجه القصور الداخلية وتعاونت بشكل أكبر وأكثر فعالية. وإلا فما هي إلا محض تجمع آخر متعدد الأطراف في غابة دولية من المحافل.
محمد نور الزمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث ساوث، بنجلاديش.
عن صحيفة آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الدول الأعضاء مجموعة بریکس فی مجموعة بریکس على دول بریکس
إقرأ أيضاً:
منظمة «أوابك» تغير تسميتها إلى «المنظمة العربية للطاقة»
وقعت الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، “على قرار إعادة هيكلتها وصياغة اتفاقية إنشائها، وتطوير أعمالها، وتغيير اسمها إلى “المنظمة العربية للطاقة (AEO)”.
وذكرت صحيفة “الرياض”، “أن الدول الأعضاء اتخذت القرار خلال الاجتماع الوزاري 113 لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” الذي انعقد في الكويت”.
وأوضحت الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، “أن قرار إعادة هيكلة المنظمة وإعادة صياغة اتفاقية إنشائها، وتطوير أعمالها، وتغيير اسمها، تم بناء على اقتراح تقدمت به المملكة العربية السعودية”.
ووفق الصحيفة، “يعطي هذا القرار الضوء الأخضر للأمانة العامة للمنظمة لمواصلة جهود تطوير نشاطات المنظمة وأعمالها بعد إقرار المرحلة الأولى من المشروع، التي تضمنت التعديلات المقترحة على اتفاقية إنشاء المنظمة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “التعديلات الجوهرية المقترحة على الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ فور الانتهاء من اعتمادها حسب الإجراءات النظامية لكل دولة من الدول الأعضاء”.