لجريدة عمان:
2024-06-30@02:45:08 GMT

عصر الشك

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

لا يعرف العالم لا الثبات ولا السكون. إنّه دائم الحركة والدوران والتغيّر.

ظهر في عشرينيات القرن الماضي العديد من الظواهر النصيَّة الأدبية والفنية. يُمكن أن تدخل السرود بأنواعها والمسرح في الجانب الأدبي، بينما سأدمج الفنون التشكيلية والسمعية والبصرية في الجانب الفني.

من الظواهر والأساليب الأدبية التي سأقف معها وأراها على علاقة ضمنية بالتطوّر الحاصل اليوم في المسرح وعلاقته بالتكنولوجيات والرقميات والدراماتورجيات بأنواعها، ما اصطلح على تعريفه بنظرية موت المؤلف، ومصطلحي النص المتفرع والنصّ المفتوح.

يتصل مصطلحا النص المتفرع والنصّ المفتوح وموت المؤلف اتصـــالا قريبا. فهمـــا -المتفرع والمفتوح- إذّ يعُليان، أو يرفعان من حضور (القارئ) أو (المتلقي)، أو (المستخدم) بلغة التكنولوجيات، فإنهّما يَزيحان، أو يَرجئان بلغة جاك دريدا، أو يموّتان المؤلف بلغة دريدا ورولان بارت. وإزاء هذا التحوّل صار استبعاد المؤلف ورفض مكانته التي توارثها منذ المرحلة الكلاسيكية مسألة حتمية.

فالناظر اليوم إلى ما يطلق عليه بالكتابة الرُّكحية للفرقة المسرحية لم يأت من فراغ، كما أن إعلان فلورنس دوبون الحرب على أرسطو مصاص دماء المسرح الغربي، يجد له ترحيبا من طرف العاملين في النقد الخاص بالدراما وما بعد الدراما.

تستند الآراء التي تريد إفساح المجال للكتابة عبر التكنولوجيا إلى احترام التطور الحاصل في العلم واستثماره. ولا يلغي ذلك، بلا شك، أن الدور الذي يُمكن لنا كمنشغلين بالمسرح والنقد والتجريب إلاّ الاستجابة القسرية والبحث عن كل الطرق أو الوسائل للتسلّح بالتكنولوجيا.

يكتب مؤلفـــا (دليل النـــاقد الأدبي: إضـــاءة لأكثر من سبعين تيـــارًا ومصطلحًـــا نقديًـــا معـــاصرًا - د. ميجـــان الرويلي، ود. سعد البـــازعي) حول موت المؤلف، التالي: «ولا شك أن موت المؤلف تزامن مع موت الإنسان، وموت الذات، إذّ إن هذا الموت جاء نتيجة النهج البنيويّ العلميّ»، ففي هذا السياق يمكن عدّ خصائص البنيوية الحادة كوجود قوانين علمية صارمة مكتفية بذاتها، وقادرةٌ على تحليل نفسها من داخلها، دون الحاجة إلى السياق الخارجي -الاجتماعي والتاريخي والثقافي والفلسفي-، المدَخل العام وراء هذا التوجه. ولم يتحقق لبنية اللغة ذلك إلا بعدما جرى إعلان موت الإنسان، وهذا الموت يقودنا إلى الفيلسوف نيتشه مؤسس فلسفة (القوة) الذي دعا إلى تحطيم الأصنام في ميادين ثلاثة؛ الأخلاق والسياسة والفلسفة. كان تساؤل (ميشال فوكو) في مقالته المعنونة (ما المؤلف؟) محاولة لتلمّس معنى المؤلف ووجوده والثقة التاريخية التي تمتع بها، لقد وَجب قتله أو في أرحم الأحوال إزاحته، والتشكيك فيما يصّدره إلى القراء من معانٍ. وبإعلان الحرب على كلّ تراتبية تمتلك المُقدس أو القدسية اعتقد (بارت) نقلا عن (ستيفن بونيكاسل- موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة: مداخل، نقاد، مفاهيم- الجزء الثاني) «بأن ليس للمؤلف/ المؤلفة مكانة متميزة في تقرير معنى عمله/ عملها. وقد نجم عن هذه النظرة المطروحة في (النقد والحقيقة 1966م)، صراع شهير بين بارت وبعض أساتذة الأدب الأشد محافظة ممن أعطوا أولوية للمعنى الخاص بالمؤلف.»

وُلدَ قارئ ومنتِج النص المتفرع Hypertext بترجمة د. حسام الخطيب من محضن التكنولوجيا وتطور الكمبيوتر والرقميات. وعطفًا على مقولة سابقة لرولان بارت في سياق موت المؤلف حينما كتب: «إن مولد القارئ يجب أن يكون على حساب موت المؤلف» فإن لهذه المقولة دلالتها وتأثيرها في مجالات الأدب التفاعلي أو الرقمي بوجه عام. ويُقصد بالرقمي كما يكتب (ريمي ريفيل- في كتابه الثورة الرقمية، ثورة ثقافية): إن «العديد من الظواهر والأفكار كالتكنولوجيا الرقمية، والوسائل الرقمية، والمجتمع الرقمي، والثقافة الرقمية، والعصر الرقمي، والرقمي مرتبطة بالحساب، أو الوضع الآلي للإشارة إلى نمط آلي.»، ونظرًا لهيمنة الرقميات في حياتنا اليومية، دعا (ريمي) الباحثين بالتقنية والدراسات الثقافية إلى دراسة تأثير الرقميات على سلوكنا وأفكارنا ومنتوجنا الإبداعي، مستندًا إلى أن «الرقمي يعدُّ مجالا تتعايش من خلاله المنتجات الثقافية على اختلافها مع الأقطاب التكنولوجية».

ضمن هذا المنعطف التكنولوجي سيكون لمصطلح المسرح الرقمي أو التفاعلي وعلاقته بالتكنولوجيا اهتمام لدى عدد من المسرحيين الغربيين. لقد أسهم توظيف التقنية أو الوسائطية في المسرح في تقويض الشعرية الأرسطية. وقد تم الاستفادة الواسعة من الوسائطية عبر إدراج مفاهيم بصرية وسمعية أو توظيف المونتاج السينمائي وميتامسرح، وهي في مجملها كما نرى، تقنيات أتاحت للمستخدم الدخول في علائق جديدة مع العرض المسرحي الرقمي وهو إمّا جالس يستريح في بيته على كرسيه الخاص، أو ذاهب يتفرّج على العرض في مقهى أو فضاء جديد يفتقد لمعايير الفرجة المسرحية التقليدية، وهي وضعيات لم تكن لتتيحها الدراما التقليدية في أزمنة سابقة.

لم يقف المسرحيون الغربيون في حيرة أمام التطور التكنولوجي، فالدكتورة فاطمة البريكي في كتابها (مدخل إلى الأدب التفاعلي) نقلا عن الناقد عبدالله محمد الغذامي «لا تقدم أول عمل بحثي لها مِن بَعد الدكتوراه فحسب، بل هي أيضًا تتصدى لصدارة البحث الجديد في الوسائل الحديثة للكتابة والتفاعل الثقافي». فتخصص الفصل الأول حول فكرة انتقال النص من طور الورقية إلى طور (الإلكترونية) وأما الفصل الثاني فتعرّف فيه بعدد من الأجناس الأدبية التي ظهرت في حلّة جديدة بعد اقترانها بالتكنولوجيا؛ فتعرّفنا بكل من (القصيدة التفاعلية)، و(المسرحية التفاعلية)، و(الرواية التفاعلية)، أما الفصل الثالث والأخير فتتناول فيه (الأدب التفاعلي والنظرية النقدية)، ويُهمني التركيز هنا في المقال على المسرحية التفاعلية التي دعا رائدها (تشارلز ديمرChales Deemer) وهو رائدها الأول في العالم بلا منازع إلى إعلان الخروج على المسرح التقليدي، والمؤلف والمتفرج التقليديين، وهو إعلان يذكرني بإعلان الناقدة فلورنس دوبون الخروج على شعرية أرسطو في كتابها (أرسطو أو مصاص دماء المسرح الغربي) ترجمة وتقديم د. محمّد سيف. وهو كتاب مهم إذّ يُفجر العديد من الأسئلة والقضايا النقدية والفكرية والأسلوبية بشأن كتاب (فن الشعر) لأرسطو.

تذكر البريكية في كتابها آنف الذكر، أن (ديمر) ألف أول مسرحية تفاعلية عام 1985م ويَذكر أنه ابتدع هذا الأسلوب قبل ظهور شبكة الإنترنت وانتشارها، وقبل معرفة (HTML) في أوساط الحاسوبيين في ثمانينيات القرن الماضي. انطلق ديمر مع برنامج (Iris) الذي رآه بمثابة النص المتفرّع لنظام التشغيل السابق (DOS) فأقام بنية نصه (Chateau de Mort) عليه، بما يشبه ما يحدث الآن في النصوص التفاعلية الحديثة باستخدام خصائص النص المتفرّع في نظام التشغيل (WINDOWS) لا مجال الآن، بعد التطورات الحاصلة مع التكنولوجيات والرقميات، إلا حدوث تطور مماثل في وظيفة الدراماتورجيا. والعبارة غير العفوية للمسرحي (درايو فو) القائلة: «هذه المسرحية لديها عيب؛ إنّها جميلة في القراءة» ستدفع إلى تأكيد أن المسرح لا علاقة له بالأدب! وسيفتح هذا انخراط الدراماتورجي في إنتاج النص المسرحي انطلاقًا من الخشبة كما فعل لويجي بيرانديلو في مسرحيته (ستة شخصيات تبحث عن مؤلف) إذّ لم يُفكك النصّ علاقة المؤلف مع شخصياته فحسب، بل أكد على العودة إلى فضاءات الرُّكح وقدرة الفرق المسرحية على توليد كتابات رُّكحية تضرب عرض الحائط بأوليات الدراما وإثراء العرض بالتشظيات الحاصلة في حياة الإنسان المعاصر، على إثر فقدانه لليقين في الوجود وفي المؤلف وفي المرجعيات التي أسسته وعاش عليها ردحا من الزمن، ولا يُكمن استيعاب عصر الشك، إلا داخل مقولة مهمة لميشال كورفان «يعيش المسرح من انكاراته».

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صناع مسرحية «ميمو» يكشفون عن تفاصيل شخصياتهم في العمل

تحدث صناع مسرحية «ميمو»، بطولة الفنان أحمد حلمي، عن تفاصيل شخصياتهم في العمل، موضحين أن شخصية مسعود، التي يؤديها أحمد حلمي، تتحول إلى شخصية ميمو.

وكشف صناع المسرحية في تصريحات لـ«ET بالعربي» عن تفاصيل أدوارهم.

قالت الفنانة هنا الزاهد: «أقدم شخصية نور، مذيعة راديو فاشلة لكنها تحب المال وتقع في حب مسعود بعد تحوله إلى ميمو الذي يجسده أحمد حلمي».

وأضافت الفنانة رحمة أحمد: «أقدم شخصية أخت ميمو، التي تتحول إلى إنفلونسر. نشاهد التحولات التي تمر بها الأسرة».

وتابعت الفنانة نور إيهاب: «أقدم شخصية مي، أخت ميمو. هذه هي المرة الأولى التي أمثل فيها على المسرح، وقد تلقيت ردود أفعال إيجابية. شخصيتي وسامح أحمد سلطان في المسرحية يحب كل منا الآخر».

و استكمل الفنان أحمد سلطان: «بقدم شخصية سامح جوز اخت ميميو، هو مخرج شاب وحبيت الشخصية والكواليس».
و تحدث الفنان محمد رضوان، عن قصة المسرحية قائلًا: «والد مسعود بيتوفي وأبوه كان سايبله محطة اذاعة، كانت قائمة على الأعمال الثقافية وهو مش بيحب الكلام دا، بيحب السوشيال ميديا».

و اختتم الفنان حمدي الميرغني: «موجود كيميا بيني وبين حلمي، بحس وأنا بتعامل معاه أنه واحد من صحابي وفاهمين بعض».

المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • صاحبة فيديو رقصة التخرج باكية: ملابسي كانت محتشمة ولم تكن خارجة عن المألوف
  • الندرة والترجمة وموت المؤلف.. كتّاب ونقاد يحللون إشكالية النص المسرحي
  • عمل غنائي بعنوان «أولالا» يعكس معاناة اللآجئين السودانيين العالقين بأثيوبيا
  • مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي يطلق أسم جلال الشرقاوي على دورته التاسعة
  • التفاصيل الكاملة لتكريم أحمد آدم بمهرجان المسرح المصري
  • مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان أحمد آدم في دورته الـ 17
  • مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان الكبير أحمد آدم خلال دورته الـ 17
  • صناع مسرحية «ميمو» يكشفون عن تفاصيل شخصياتهم في العمل
  • عرض "أحداث لا تمت للواقع بصلة" لفرقة ببا ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية
  • الصورة الشعريّة الحديثة