خريف الغرب يبدأ من النيجر!
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
حمد بن سالم العلوي
ما كان لإفريقيا أن تبدأ التحرر من الاستعمار الغربي المقيت، لو لا التهيئة العظيمة التي تقوم بها "روسيا البوتينية" في أوكرانيا، وذلك من خلال العملية العسكرية الخاصة، لترويض أداة أمريكا في الجوار الروسي، ووكر الأمراض البيولوجية، وكان آخرها وباء "كورونا" الخطير، إذن؛ فهذه التهيئة هي التي أسست طريقًا سالكًا أمام الشعوب المُستضعفة، وخاصة في القارة الأفريقية التي تحوي الكنوز والثروات الثمينة والنادرة، والتي يتنعّم بها هذا الغرب الظالم، ولكن الشعوب الأفريقية ظلت تعيش كل أصناف الذل والفقر والتشرد.
الهيمنة الغربية على مقدرات الشعوب الأفريقية، ما كان لها أن تفك قبضتها من أعناق الأفارقة وخنقهم، نظير التخلي عن ثرواتهم الرهيبة، لولا التهيئة الروسية بقوة السلاح، الأمر الذي جعل الشعوب الأفريقية تفكر في قدرتها على التحرر من ربق استعمار غربيّ بغيض ونتن، وليس له أية ذرة من الأخلاق.. أو الإنسانية، فقد أذلت تلك الدول وشعوبها الفقيرة في مآلاتها، والغنية في واقعها، وذلك نتيجة لنهب خيراتها عنوة، وأمام أعين شعوبها المستضعفة، وهي ليست مستضعفة من الغرب وحده، وإنما حتى من الحكام العملاء الذين يدينون بالولاء للغرب، ويعملون علنًا ضد شعوبهم وأوطانهم.
وقد اتضح ذلك جليًا من خلال حركة التحرر التي قام بها مجموعة من كبار الضباط الوطنيين بقيادة قائد الحرس الوطني الجنرال عبدالرحمن تياني، والذي قاد انقلابًا مُحقًا ضد عميل فرنسا محمد بازوم في النيجر، وذلك بهدف السيطرة على الثروات الوطنية للبلاد، وتحرير تلك الثروات لصالح الوطن والمُواطنين، فانقسم الزعماء الأفارقة إلى فُسطاطين؛ فسطاط الأغلبية من الحكام الأفارقة، وهو الفسطاط الذي يقف ضد التحرر وفي صف فرنسا والغرب، ويهددون بالتدخل العسكري، وهذا فعل مُشين، يشبه ما يفعله الديوث في إرغام أخته على الخضوع للغريب، وفسطاط الأقلية ذات التوجهات الوطنية، ويمثل بوركينافاسو ومالي والنيجر ذاتها، ومعهم الجزائر الدولة العربية، فهم يرفضون إجبارهم على الخضوع من جديد لفرنسا.
إذن.. المُراهنة على نجاح الانتفاضة التي يقوم بها وطنيو النيجر والمساندون لها، يتكئ على الزخم الروسي الجديد، وذلك نتيجة للحرب الناجحة في أوكرانيا، وقد يخالفني على هذه القناعة، أولئك الذين يصيخون السمع فقط للدعاية الغربية، ولكن واقع الحال يقول إن تآكل القوة الأوكرانية، رغم الدعم الغربي اللامحدود، أكان بالمال أو الأسلحة والذخائر، ثم إن انعكاس ذلك على الحالة الاقتصادية في الغرب، ومظاهرات الشعوب الغربية، نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق، أو شح السلع في المحلات التجارية، حيث ينعدم عرض الكثير من المواد في المحلات التجارية، ويمنع الناس هناك عن شراء الأشياء إلا بقدر يسير، وإذا استمر الوضع هكذا، سينتج عنه ثورة شعبية عارمة، ولكن الجانب الروسي محافظ على وضع اقتصادي متوازن، ونمو اقتصادي معقول، والفائدة الكبرى لدى الروس اليوم، هو التوجه إلى الصناعات المحلية، والاعتماد على الذات، كما فعلت إيران قبلهم، عندما حولت نقمة الحصار إلى الانتصار.
إنّ ما تقوم به القوة الروسية اليوم من تحطيم للغطرسة الغربية، سوف يكون له الأثر البالغ ماديًا ومعنويًا على الشعوب، والتي ظلت تعتقد اعتقادًا راسخًا، أن الغرب وعلى رأسه أمريكا قدر واقع ولا مهرب منه، حتى بدأت معركة تكسير العظام في أوكرانيا، فتغيرت القناعات 180% درجة، إذن؛ هذا هو الزمن الذي يحفظ للأحرار كبرياءهم، ويهيء لهم بيئة النجاح؛ فثوار اليوم أحسن حظًا من أيام الزعيم جمال عبد الناصر، أو الزعيمين صدام حسين ومعمر القذافي، فزمن أولئك القادة كان زمن طغيان أمريكا وأوروبا معًا، أما هذا الزمن فهو زمن انقلاب الصورة، فلا قوة مُطلقة بيد الغرب، وإنما هناك من ينازعهم عرشهم، وبقوة حقيقية جديدة صاعدة، ألا وهي قوة روسيا والصين خاصة، وقوة تجمع دول البريكس عامة، إذن؛ فهذا الغرب لم يعد القوة المحورية الوحيدة حول العالم، ويكاد نجمه يقترب من الأفول إلى الأبد، وهذه أمنية كل دول العالم، عدا دول القهر والظلم الاستعماري.
كما إن الخطوات التي تتخذها دول "بريكس" ستقوض الغطرسة الغربية، وذلك من خلال السعي إلى إصدار عملة موحدة، وستسقط الدولار واليورو الغربي معًا، وما يؤجل هذا الإجراء، هي مدخرات والاستثمارات المليارية الصينية بالدولار، وهي بلا شك تسعى إلى تكون خسائرها من التغيير باهظة، إذن؛ فإنَّ التغيير قادم لا محالة، ويأتي ذلك معززًا بالنصر الروسي على الغرب في أوكرانيا، وهنا فإنَّ التشبث الغربي لن يصمد طويلًا، وهو الوحيد الذي يخسر أمام الروس اليوم، ولكن الجرة الأمريكية التي ظلت بمنأى عن خسائر الحروب السابقة، لن تسلم من الضرر هذه المرة، هي وأم الخبائث بريطانيا.
إذن؛ الدول الأفريقية، وكل دول العالم النامي، تتوق إلى نيل حريتها، واستقلالها في كافة قارات العالم، وحتى اليابان، وكوريا الجنوبية اللتين ترزحان تحت نير الاستعمار الغربي، وهي غير مستقلة من خلال القواعد العسكرية الأمريكية، لذلك ستكون النيجر بداية النهاية للاستعمار الغربي الظالم، إن هي صمدت في وجه التهديدات الفرنسية، وأدواتها من دول "إيكواس" وربما تكتشف الدول الأكثر حماسًا للتدخل في النيجر، أنها هي الأقرب إلى الدور في التغيير القادم، لذلك يدفعها الخوف من التغيير، للوقوف بشدة ضد المجلس العسكري في النيجر، وهؤلاء يشبهون بمواقفهم تلك، ثورة الزنج في أمريكا، حيث وقف عبيد البيوت ضد زملائهم من عبيد المزارع، خوفًا على اللقمة المجانية التي كانوا يحصلون عليها من فضلات طعام أصحاب البيوت، وكذلك كانوا يحصلون على منافع أخرى، كالملابس البالية والأحذية المستبدلة، وربما بعض المشروبات من بقايا الحفلات التي تُقام في المنازل، فالعقليات الضعيفة، ترضى بالقليل دائمًا.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القمة الأوروبية في لندن: تشديد على أهمية إعادة تسليح أوروبا وتوحيد الصف الغربي ودعم أوكرانيا
انطلقت في لندن، اليوم الأحد، قمة استثنائية بمشاركة قادة أوروبيين لمناقشة الأمن ودعم أوكرانيا، بعد يومين فقط من المواجهة الحادة بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
استضاف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أكثر من عشرة قادة أوروبيين، إضافة إلى ممثلين عن كندا وتركيا، في قصر لانكستر هاوس بوسط لندن، حيث جرت مناقشات حاسمة حول مستقبل أوكرانيا والتحديات الأمنية التي تواجه أوروبا.
وشملت قائمة الحاضرين قادة كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والنرويج والدنمارك وفنلندا والسويد وبولندا ورومانيا وجمهورية التشيك، إلى جانب وزير الخارجية التركي. كما شاركت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته.
وانضم زيلينسكي إلى القمة، وسط تكهنات حول نتائج المحادثات الأوروبية في ظل الغياب الأمريكي، حيث تحاول العواصم الأوروبية تنسيق موقف مشترك بشأن مستقبل الصراع في أوكرانيا.
ستارمر: لحظة حاسمة لأوروباوفي مستهل القمة، وصف ستارمر الاجتماع بأنه "لحظة لا تتكرر إلا مرة في كل جيل"، مشددًا على ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل القارة.
وكان ستارمر قد أكد، أن المملكة المتحدة وفرنسا تعملان على صياغة خطة مقترحة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا سيتم تقديمها لاحقًا إلى إدارة ترامب.
Relatedصدمة عالمية من مشادة ترامب وزيلينسكي.. وتضامن أوروبي مع الرئيس الأوكراني إلا أوربان"فشل سياسي لأوكرانيا".. هكذا علّقت روسيا على المشادة الكلامية بين ترامب وزيلينسكيستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامبكما أعرب في وقت سابق عن استعداده لإرسال قوات بريطانية كجزء من بعثة حفظ السلام في أوكرانيا، لكنه شدد على ضرورة وجود دعم عسكري أمريكي لضمان استقرار أي اتفاق محتمل. ومع ذلك، لم يتمكن ستارمر من الحصول على ضمانات من واشنطن خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض.
ميلوني وستارمر: وحدة الصف الغربي ضرورةوقبيل انعقاد القمة، التقت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني بنظيرها البريطاني، حيث أكدت على أهمية منع أي انقسام غربي، محذرة من أن أي تفكك في الموقف الأوروبي سيضعف الجميع.
وقالت ميلوني: "أعتقد أنه من الضروري تجنب خطر الانقسام داخل الغرب، وأرى أن المملكة المتحدة وإيطاليا يمكنهما لعب دور محوري في هذا المجال".
ودعت ميلوني إلى عقد اجتماع بين القادة الأوروبيين والأمريكيين لتعزيز وحدة الصف، مؤكدة أن التعاون في مجالات الأمن والدفاع والطاقة ومكافحة الهجرة غير النظامية يجب أن يكون أولوية مشتركة.
من جانبه، شدد ستارمر على مدى التقارب بين سياسات بلاده وإيطاليا، مشيرًا إلى أن الدولتين تتبنيان نهجًا مشتركًا في التعامل مع القضايا العالمية.
سانشيز يؤكد دعم إسبانيا لأوكرانيامن جانبه، أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن دعمه القوي لأوكرانيا، حيث احتضن زيلينسكي بحرارة بعد التقاط صورة جماعية خلال القمة. وأكد سانشيز، أن إسبانيا ستفعل كل ما في وسعها لضمان أمن وحرية أوروبا.
وكان سانشيز قد زار كييف في الذكرى السنوية الثالثة للحرب، حيث أعلن عن حزمة دعم جديدة تشمل مساعدات عسكرية ومالية وإنسانية بقيمة مليار يورو.
كما شدد على موقف بلاده الثابت إلى جانب أوكرانيا، قائلًا: "إسبانيا تقف إلى جانبكم"، في تصريح حصد تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.
زيلينسكي يعزز تحركاته الدبلوماسيةهذا والتقى زيلينسكي بميلوني، واصفًا الاجتماع بـ"المثمر"، حيث ناقش الزعيمان سبل وضع خطة سلام عادلة ودائمة لإنهاء الحرب. وقال زيلينسكي في منشور على موقع X إن "بوتين وحده من يريد استمرار الحرب"، مشددًا على أهمية تعزيز موقف أوكرانيا بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة.
وبعد القمة، توجه زيلينسكي بمروحية إلى نورفولك في شرق إنجلترا، حيث كان من المقرر أن يلتقي بالملك تشارلز في منزله بساندرينجهام، في خطوة تؤكد على استمرار دعمه الدبلوماسي من المملكة المتحدة.
وفي سياق متصل، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التزام الاتحاد الأوروبي بدعم أوكرانيا وتعزيز الدفاع الأوروبي، مشيرة إلى ضرورة وضع "ضمانات أمنية قوية" تجعل أوكرانيا "حصنًا منيعًا" ضد أي تهديدات مستقبلية.
كما دعت إلى إعادة تسليح الاتحاد الأوروبي على وجه السرعة وزيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة التحديات الجيوسياسية الجديدة. وقالت إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى "طفرة" في الإنفاق العسكري تتناسب مع الوضع الأمني الحالي، مشددة على ضرورة أن يكون الاتحاد أكثر استعدادًا لمواجهة التهديدات المحتملة.
الناتو: على أوروبا تقديم المزيد من الدعموأكد الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، أن الدول الأوروبية بحاجة إلى زيادة مساهماتها لدعم أوكرانيا، مشيرًا إلى أن القارة تتحرك بالفعل نحو تعزيز قدراتها الدفاعية.
وأضاف روته: "نريد جميعًا اتفاق سلام، لكن يجب أن يستمر دعمنا العسكري"، مضيفًا أن تعزيز قوة الناتو يتطلب زيادة الاستثمار في الدفاع الأوروبي.
وفي أول تعليق أمريكي على القمة، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه سأل نظراءه الأوروبيين عن خطتهم لإنهاء الحرب، لكنه لم يسمع أي أفكار واضحة منهم.
وكان روبيو قد صرح بأن ترامب هو الوحيد القادر على إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وتعكس قمة لندن محاولة القادة الأوروبيين إعادة ضبط مسار العلاقات عبر الأطلسي، في ظل مخاوف متزايدة من تقارب أمريكي-روسي قد يؤثر على مستقبل أوكرانيا وأمن القارة الأوروبية، بينما تسعى العواصم الأوروبية إلى توحيد موقفها بشأن دعم كييف.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامب رئيس المفوضية الأوروبية السابق ليورونيوز: لاعضوية كاملة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي أوروبا على حافة الهاوية: الخلاف بين أمريكا وأوكرانيا يضع القارة العجوز في دائرة الضوء كير ستارمرروسياأوكرانياالولايات المتحدة الأمريكيةأوروبابريطانيا