مراهنة على حليف تقليدي.. هل تدخل القاهرة على خط الأزمة السودانية؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
القاهرةـ استبعد مراقبون أن تقدم القاهرة دعما عسكريا لرئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان الذي يزور مصر حاليا، بينما رأى آخرون أن البرهان يأمل من القاهرة أن تلقي بثقلها على خط الأزمة بعد شهور من النأي بنفسها عن الصراع.
ويراهن البرهان على مصر كحليف تقليدي للخرطوم للحصول على دعم، بحسب مراقبين، لحسم الصراع مع قوات الدعم السريع، بينما يعتقد محللون أن القاهرة "لن تتجاوز لعب دور دبلوماسي لتحقيق تسوية سياسية تنهي الأزمة الحالية".
ومما يعزز الاعتقاد بتعويل البرهان على دعم عسكري أو حتى تدخل مباشر لحسم الصراع مع قوات الدعم السريع صعوبة قبول الأخيرة بوساطة القاهرة المعروفة بـ "انحيازها" للجيش السوداني، و"موقفها الرافض" لاضطلاع الدعم السريع بأي دور في مستقبل السودان، وهو ما قد يراهن عليه البرهان لتأمين دعم عسكري لحسم المعركة، وهو سيناريو يبدو صعبا طبقا لوجهة نظر مراقبين في القاهرة.
وتقول مصادر دبلوماسية إن زيارة البرهان تهدف لإطلاع القيادة المصرية على مجمل التطورات، ووجهة نظر الجيش السوداني ومجلس السيادة من المبادرات ومقترحات التسوية، فضلا عن إمكانية طلب الدعم من القاهرة والرياض لحسم المعركة مع قوات الدعم السريع، لعواقبها الوخيمة على دول الجوار.
صعوبة الدعم العسكرييرى السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري سابقا أنه إذا كان البرهان سيطلب الدعم من مصر للحسم العسكري وفق ما رددته مصادر، فمن الصعب على القاهرة الموافقة على التدخل العسكري وذلك لتداعيات هذا التدخل على وحدة واستقرار السودان، فضلا عن أن انحياز القاهرة عسكريا لأحد الأطراف قد يدفع دول الجوار لدعم الطرف الآخر وتحويل البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة تقود السودان لسيناريو كارثي وهو ما ترفضه مصر جملة وتفصيلا.
وتابع حسن في حديث للجزيرة نت "أما إذا كان البرهان يطلب وساطة القاهرة من أجل مفاوضات حول سبل تحقيق تسوية دبلوماسية، فإنه سيتوجب عليه خلال الزيارة الإجابة عن تساؤلات حول رؤيته للبحث عن التسوية، ومدى إمكانية تغليب لغة الحوار لدى كل الأطراف، في ظل وجود مقترحات دولية، منها الخروج الآمن لقيادة الدعم السريع، ودمج مقاتليه في الجيش، وتسليم السلطة لحكومة مدنية تمهد لإجراء الانتخابات.
وبحسب السفير رخا فإن لكل سيناريو متطلباته، والبرهان بدوره سيسعى للتركيز على ما يمكن أن تقدمه القاهرة لمؤسسات السودان الوطنية والسيادية، فضلا عن مدى إمكانية قيامها بتنسيق موقف قوي إقليمي لوقف ما يجري في السودان.
وتأتي زيارة البرهان للقاهرة متزامنة مع جهود مصرية لإعادة ملف الصراع في السودان لصدارة المشهد مجددا، وفق رخا، لاسيما أن قنوات الحوار تبدو متوقفة بشكل رسمي منذ فشل المبادرة الأميركية السعودية في حل الأزمة، باعتبار أن الساحة مهيأة حاليا خاصة بعد تدهور الأوضاع في السودان.
ومن جانبه، رأى السفير المصري السابق معصوم مرزوق أن مصر لديها الكثير مما تقدمه للسودان والبرهان، سواء عبر دعم سياسي لمؤسسات البلاد الوطنية، أو دعم عسكري كبير لو أرادت الانخراط في الصراع، وهو ما لا ترغب فيه القاهرة لتداعياته الكارثية على الوضع في السودان، ومصالح مصر العليا فيه.
وأضاف مرزوق -في حديث للجزيرة نت- أن مصر ورغم الصعوبات الشديدة تستطيع دعم البرهان كقائد للجيش السوداني في أي تسوية سياسية، في ظل ارتباطها بعلاقات وثيقة مع كافة الأطراف المؤثرة في السودان ودول الجوار، وتستطيع عبر نفوذها لدى الفرقاء السودانيين حشد دعمها لتسوية مقترحة لحل الأزمة.
ولم يستبعد أن تأتي زيارة البرهان للقاهرة استكمالا لجهود مصرية مع دول الجوار وأطراف فاعلة بالسودان، قد يكون من بينها الدعم السريع، كما تتحدث أطراف عن انخراطه في حوار سري، انطلاقا من القاهرة، التي تحاول منذ فترة الوقوف على خط واحد من الفرقاء السودانيين.
وشدد المتحدث على أن القاهرة تملك أوراقا للقيام بوساطة في السودان، فالجميع يعلم أنها ليس لديها أجندة تضر بالسودان، وليست منحازة لطرف دون الآخر، كما تهدف بعض دول الجوار السوداني.
مقررات قمة دول الجوارزيارة البرهان للقاهرة تأتي أيضا حلقة ضمن جهود التسوية، التي بدأت بقمة دول الجوار بالقاهرة، واجتماع وزراء خارجية نفس المجموعة بالعاصمة التشادية والتي سعت خلالها القاهرة لبلورة تسوية سياسية للأزمة تحظى بدعم دول الجوار، وتؤمن حلا يحفظ وحدة السودان واستقراره.
وفي هذا السياق، يعرب السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري سابقا عن أن اعتقاده بأن القاهرة ستسعى لاستكمال الجهود المصرية وتطبيق مقررات قمة دول الجوار السوداني، التي استضافتها القاهرة، وفي مقدمتها وقف الاقتتال الداخلي والانتقال لعملية سياسية وتسوية توقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة مدنية انتقالية.
وتابع الدبلوماسي المصري -في حديث للجزيرة نت- أن زيارة البرهان للقاهرة في أول جولة خارجية له منذ بدء المواجهات بالسودان، ستشهد مناقشات عميقة بين الجانبين، مع استعداد القاهرة للوساطة بين طرفي الصراع انطلاقا من كونها معنية باستقرار السودان، وليست منحازة لأي طرف.
وكشف الدبلوماسي المصري عن أن القاهرة وجهت رسالة واضحة -لكافة الفرقاء السودانيين ودول الجوار- مفادها أن استمرار الصراع في السودان بشكله الحالي غير مقبول جملة وتفصيلا، وهي الرسالة التي لاقت ترحيبا من جميع الأطراف.
ورجح المتحدث أن تعمل القاهرة على تغليب جهود التسوية الدبلوماسية للأزمة، عبر تنفيذ مقررات قمة دول الجوار التي حالت التطورات المتسارعة في السودان دون ترجمتها على أرض الواقع.
ولفت إلى أن لدى القاهرة أوراقا عديدة في المشهد السوداني، منها ثقلها التاريخي، وعلاقاتها الوثيقة مع جميع ألوان الطيف السوداني، مذكرا بأنها دعمت جميع الجهود للتسوية، بما فيها المبادرة السعودية الأميركية، وجهود الأمم المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدعم السریع أن القاهرة دول الجوار فی السودان
إقرأ أيضاً:
بعد هزائم الدعم السريع.. هل ينجح البرهان في فرض سيطرته؟
منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، برز الفريق أول عبدالفتاح البرهان كشخصية محورية في المشهد السياسي السوداني، كأنما القدر قد اختاره ليقود سفينة البلاد في بحر مضطرب من التحولات والصراعات.
تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد استقالة الفريق أول عوض بن عوف، مدعومًا بتأييد واسع من القوى السياسية التي تصدرت المشهد آنذاك، فضلًا عن دعم قوات الدعم السريع، والتأييد التلقائي من الجيش.
كانت تلك المرحلة بداية لتوازن هشّ ومعقد بين القوى العسكرية والمدنية، بعد دخوله في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير (قحت) لتحديد المرحلة الانتقالية، تصاعد التوتر سريعًا بين الطرفين لتحديد شكل المرحلة الانتقالية.
لكن سرعان ما تصاعد التوتر بين الطرفين، خاصة بعد فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يونيو/ تموز 2019، وهو الحدث الذي أثار عاصفة من الغضب الشعبي، لكنه في الوقت نفسه عزز موقع البرهان في المعادلة السياسية، وكأنه صعد على أمواج متلاطمة من الأزمات.
في أغسطس/ آب 2019، أصبح البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، محاولًا أن يقود مركبًا ممزق الأشرعة في بحر مضطرب من الصراعات بين التيارات الإسلامية المحافظة والعلمانية اليسارية المرتبطة بالغرب.
إعلانلكن الرياح لم تكن دائمًا في صالحه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد ما أسماه "حركة تصحيح المسار"، بينما وصف خصومه ذلك بالانقلاب العسكري، حيث أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، معززًا قبضته على السلطة.
ومع ذلك، وجد نفسه في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية مؤيدة لحمدوك، مما جعله يتأرجح بين القبول، والرفض على الساحة الدولية. رغم اعتماده على الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، فإن التوترات الداخلية والتحديات الاقتصادية والسياسية جعلت موقفه يشبه بناءً من الرمال المتحركة، حيث يجد نفسه في توازن هش بين القوى المحلية والإقليمية والدولية، في ظل مشهد سياسي معقد، ومفتوح على احتمالات عدة.
المفارقة الكبرى تكمن في أن قوات الدعم السريع، والتي كانت شريكًا رئيسيًا للبرهان في السيطرة على السلطة بعد إطاحة البشير، أصبحت تمثل التهديد الأكبر له. فبعد أن ساهمت في تعزيز نفوذه العسكري، والسياسي من خلال دعمها في أحداث حاسمة مثل فض الاعتصام وإجراءات تصحيح المسار أو الانقلاب العسكري حسب خصومه، فقد انقلبت هذه القوات إلى عدو لدود، حيث يخوض الآن حرب وجودٍ ضروسًا ضدها.
والأكثر إثارة للدهشة أن الحماقة التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع في محاولتها الانقلابية في 15 أبريل/ نيسان 2023، وما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية واغتصاب وسرقة وتدمير للبنى التحتية بعد أن تحولت إلى مليشيا إجرامية، أتاحت للبرهان فرصة غير مسبوقة للالتفاف الشعبي حوله.
هذا التأييد الشعبي، الذي جاء كرد فعل على فظائع (الدعم السريع)، زاد من طموح البرهان لقيادة البلاد ليس فقط في فترة ما بعد الحرب، بل أيضًا في مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء هو: ما هي فرص الرجل في إطالة أمد هذا السياق المعقد؟ هل سيتمكن من تحويل الالتفاف الشعبي المؤقت إلى شرعية دائمة، أم إن التحديات الداخلية، والخارجية ستجعل موقفه كقارب يكافح للبقاء وسط عاصفة لا ترحم؟
إعلانفي النهاية، يبقى مستقبل البرهان مرهونًا بقدرته على تحقيق توازن شبه مستحيل بين القوى المتصارعة، في وقت يبدو فيه المشهد السياسي السوداني كقطعة شطرنج معقدة، كل حركة فيها تحمل في طياتها احتمالات النصر أو الهزيمة.
خلفيات وملابسات صعود البرهانوصل البرهان إلى موقعه الحالي باعتباره شخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية، والسياسية في ظل ظروف مضطربة، وانتقالية.
بدأت الأحداث باحتجاجات شعبية واسعة ضد حكم البشير الذي استمر أكثر من 30 عامًا، حيث طالبت الجماهير بإسقاط نظامه؛ بسبب الأزمات الاقتصادية والفساد.
في 11 أبريل/ نيسان 2019، أطاحت اللجنة الأمنية (مشكلة من وزير الدفاع وقادة في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى) بالبشير وتشكل مجلس عسكري انتقالي بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، الذي استقال بعد يوم واحد فقط تحت ضغط قائد قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير التي كانت تتحكم في الشارع الغاضب حينها.
بعد استقالة بن عوف، تولى البرهان، الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجيش، قيادة المجلس العسكري الانتقالي في 12 أبريل/ نيسان 2019. كان البرهان يتمتع بدعم مقدر داخل الجيش، واعتبر شخصية مقبولة نسبيًا من قبل (الدعم السريع) و(قحت).
خلال هذه الفترة، بدأت مفاوضات بين المجلس العسكري و(قحت) لتحديد شكل الفترة الانتقالية. ومع ذلك، تصاعدت التوترات بعد فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم في 3 يونيو/ تموز 2019، مما أدى إلى مقتل عشرات المتظاهرين وزيادة الضغط على المجلس العسكري.
في أغسطس/ آب 2019، تم التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لتشكيل مجلس سيادي انتقالي يتكون من 11 عضوًا (5 عسكريين و6 مدنيين) لقيادة الفترة الانتقالية.
في 21 أغسطس/ آب 2019، تم تعيين البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، بينما تم تعيين عبدالله حمدوك -وهو اقتصادي مدني- رئيسًا للوزراء.
خلال الفترة الانتقالية، كان البرهان يمثل السلطة العسكرية في السودان، بينما تولى حمدوك وحكومته المهام التنفيذية. ومع ذلك، استمرت التوترات بين العسكريين، والمدنيين حول السلطة ومسار الانتقال الديمقراطي.
إعلانفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد البرهان مسارًا تصحيحيًا أطاح بالحكومة الانتقالية بعد تصاعد الخلافات داخل (قحت) نفسها، وتدهور الأوضاع الاقتصادية لمستوى غير مسبوق. فأعلن البرهان حل المجلس السيادي والحكومة وفرض حالة الطوارئ.
بعد هذا الحدث، عاد البرهان ليكون الشخصية الأبرز في المشهد السياسي السوداني، حيث تولى السلطة بشكل فعلي وأدار البلاد بمساعدة العسكريين، وقوى مدنية مناوئة لـ (قحت).
بهذه الطريقة، وصل البرهان إلى موقعه الحالي كشخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية والسياسية في ظل ظروف مضطربة وانتقالية.
موازنة صعبة بين القوى السياسيةيواجه البرهان تحديًا كبيرًا في إدارة العلاقة بين التيارات السياسية المتنافسة في السودان، حيث يحاول الموازنة بين التيار الإسلامي والتيار العلماني اليساري دون الالتزام الكامل مع أي منهما.
التيار الإسلامي، المتمثل في جماعات مثل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم في عهد عمر البشير، يتمتع بقوة تنظيمية كبيرة وخبرة واسعة في الحكم. هذا التيار، رغم تراجع نفوذه بعد الإطاحة بالبشير، لا يزال يحاول العودة إلى المشهد السياسي من خلال التحالفات الخفية أو العلنية مع بعض القوى العسكرية والسياسية.
خبرته في إدارة الدولة، وقدرته على تعبئة القواعد الشعبية تجعلانه لاعبًا لا يمكن تجاهله لا سيما في حفز المقاومة الشعبية التي أحدثت فرقًا كبيرًا في مواجهة (الدعم السريع) في الحرب الحالية، مما يضطر البرهان إلى التعامل معه بحذر لتجنب استفزاز قواعده أو خلق توترات إضافية.
من جهة أخرى، فإن التيار العلماني اليساري – المتمثل في تحالفات مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) التي تحوّلت لاحقًا إلى (تقدم) ثم (صمود) بقيادة حمدوك- يشكل قوة ضاغطة على البرهان للمضي قدمًا في عملية تحوّل ديمقراطي يعزل فيه التيار الإسلامي تمامًا.
إعلانويحاول البرهان موازنة العلاقة بين هذين التيارين من خلال اتباع سياسة مرنة تهدف إلى إرضاء الطرفين دون الالتزام الكامل مع أي منهما.
من ناحية، يتعامل مع التيار الإسلامي بتحفظ، حيث يسمح له بحضور محدود في المشهد السياسي دون منحه نفوذًا كبيرًا. ومن ناحية أخرى، يحاول استيعاب بعض مطالب التيار العلماني اليساري من خلال تقديم وعود سياسية مع الحفاظ على السيطرة العسكرية على مقاليد الأمور.
هذه السياسة المرنة تهدف إلى تجنب الاصطدام المباشر مع أي من التيارين، ولكنها أيضًا تعرض البرهان لانتقادات من كلا الجانبين، حيث يراه الإسلاميون مترددًا في دعمهم، بينما يراه العلمانيون جزءًا من نظام عسكري يعيق التحول الديمقراطي.
في النهاية، توازن البرهان بين هذه القوى السياسية يبقى تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب إدارة دقيقة للمصالح المتناقضة وتجنب الانحياز الكامل لأي طرف.
نجاحه في هذا التوازن يعتمد على قدرته على الحفاظ على دعم الجيش مع تقديم تنازلات محدودة لإرضاء القوى السياسية، لكن أي خطأ في هذه المعادلة قد يؤدي إلى تهديد استقرار حكمه ومستقبله السياسي.
ومنذ إجراءات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واجه البرهان معضلة البحث عن حاضنة سياسية لضمان استمراره في السلطة.
تاريخيًا، لجأت الأنظمة العسكرية في السودان إلى تأسيس كيانات سياسية موالية، مثل "الاتحاد الاشتراكي" في عهد الرئيس السابق جعفر نميري (1985 – 1969)، لكن تكرار هذه التجربة يواجه تحديات بسبب تغير طبيعة القوى السياسية وكيمياء الكتلة الجماهيرية.
ولذا قد يلجأ البرهان إلى الإدارات الأهلية والطرق الصوفية ورجال الأعمال، لكنها قوى غير قادرة على توفير شرعية دائمة.
في ظل هذه المعطيات، يظل البرهان في وضع سياسي هش، يفتقر إلى حاضنة متماسكة تضمن له الاستمرار. أما اعتماد البرهان على الجيش كدعامة رئيسية لحكمه، حيث وفر له الحماية منذ الإطاحة البشير، فأمر لا يمثل ضمانة مستمرة إذ إن نظام الجيش لا يعطي قائده (شيكًا على بياض)، خاصة مع استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية.
إعلانبالإضافة إلى ما سبق، فإن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع تراجع الجنيه السوداني بفعل ارتفاع معدلات التضخم، تجعل بقاء البرهان في السلطة أكثر صعوبة. فضعف الخدمات الأساسية يفاقم الاحتقان الشعبي، ويجعل الاحتجاجات العفوية احتمالًا قائمًا.
كما أن القوات الأمنية نفسها قد تتأثر بالأوضاع المعيشية المتدهورة، مما قد يؤدي إلى تصدعات داخل الجيش. في ظل هذا الوضع، يواجه البرهان خيارين: تقديم تنازلات سياسية لكسب الدعم الاقتصادي، أو الاستمرار في الاعتماد على الموارد الذاتية، وهو ما يعني استمرار التدهور وزيادة الغضب الشعبي.
بيد أن البرهان يحظى بدعم إقليمي من بعض الدول أبرزها مصر التي ترى في استقرار السودان مصلحة إستراتيجية لها. في المقابل، تواجه حكومته ضغوطًا دولية، إذ علقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهما، بزعم المطالبة بانتقال ديمقراطي.
فهل يستطيع البرهان المناورة بين كل هذه الضغوط عبر تعزيز علاقاته مع حلفائه الإقليميين، أو تقديم تنازلات سياسية محدودة لاستعادة الدعم الدولي؟
سيناريوهات مستقبل البرهان السياسيتتراوح خيارات البرهان بين: تكوين حاضنة سياسية جديدة عبر استقطاب قوى تقليدية، لكنه يواجه تحديات اقتصادية وسياسية تعيق نجاح هذا الخيار، أو الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية وإجباره على التنحي، خاصة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات الشعبية المحتملة. أو حدوث انشقاقات داخل الجيش تطيح به، إذا تصاعدت الخلافات داخل المؤسَّسة العسكرية أو تصاعدت الآثار السلبية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب.
في المحصلة، يظل بقاء البرهان في السلطة مرهونًا بقدرته على المناورة بين هذه التحديات، لكنه يواجه وضعًا غير مستقر قد يهدد مستقبله السياسي واحتمالات استقرار حكمه.
لا يبدو حتى الآن أن لدى البرهان أي رؤية سياسية واضحة وإنما يتعامل مع الأزمات بردود فعل آنية.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline