الفساد في العراق: آفة تلاحق الوطن
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
أغسطس 29, 2023آخر تحديث: أغسطس 29, 2023
ضياء سعد عبدالله
لا يمرّ يوم في العراق دون أن يثير سؤال “الفساد” تساؤلات الناس وتردد في وسائل الإعلام. ليس هذا السؤال مقتصرًا على الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، بل يمتد إلى الإدارات الحكومية وحتى المكاتب الرسمية. يعيش المواطن العراقي في عالم مليء بالوعود الفارغة واللجان الواحدة تلو الأخرى، في حين يبقى الفساد سيد الموقف.
على مدى العقدين الماضيين، شهدنا تغييرات في الحكومات، وسمعنا وعودًا بمحاسبة الفاسدين ومكافحة الفساد. لكن الواقع يقول إن الأمور لم تتحسن، والفاسدون، خاصة الحيتان الكبار، لا يزالون في حالة من الاستقرار والسلام.
السؤال هنا: هل هناك دولة فعلية في العراق؟ الفساد أصبح جزءًا من الحياة اليومية للمواطن. يقوم البعض بتقاضي “المقسوم” لتقديم الخدمات التي يفترض أن تكون مجانية. وإذا لم يدفع، فإنه ليس لديه خيار سوى الانتظار لفترات طويلة دون أي ضمان لتلبية حقوقه.
لقد توسعت آفة الفساد إلى درجة أنها أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها. حتى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أشارت إلى أن الفساد أصبح جزءًا أساسيًا من الاقتصاد والسياسة في العراق، ولا يمكن القول إن هناك أي قائد سياسي خالٍ منه.
تقديرات تشير إلى أن مبالغ هائلة من الأموال تم استنزافها بواسطة الفساد في العراق. ورغم هذا، لا يمكن تحديد وجهتها. هل هذا الوضع سيبقى دون تغيير؟ هل ستظل الهيئات المعنية عاجزة عن محاسبة المسؤولين؟ هذه الأسئلة تبقى دون إجابة.
في نهاية المطاف، يعيش المواطن العراقي في حالة من عدم الثقة في النظام والسلطات. يعلم أنه لا يمكن الوثوق بما يُقال له، وأن حقوقه لن تُلبى إلا إذا دفع “الثمن” المناسب. هذا واقع مرير للعديدين، وهم يبحثون عن حلاً لهذه المشكلة الخطيرة.
الفساد ليس مزحة، بل هو تهديد جدي للمستقبل العراقي. إن لم يتم التصدي له بجدية، فإنه سيستمر في تهديد الاستقرار والنمو في هذا البلد الجميل والمضطرب.
وبصورة مؤلمة، يظهر الوضع واضحًا في عدم قدرة الجهات المعنية على محاسبة الفاسدين بشكل جاد. يصدر القضاء أحكامًا لا تلامس الفاسدين، ولا تسترد المال المنهوب بالشكل الذي يجب. هناك قضايا معروفة بتورط مسؤولين كبار، إلا أنهم يبقون في مأمن، حيث تصدر قرارات عفو تقضي بعودتهم للمشهد السياسي دون عقاب حقيقي.
يُظهر تاريخ مكافحة الفساد في العراق مشاهد مخيبة للآمال. حيث تبدأ مشكلة الفساد من الأسفل، وتنتهي بالقمة، مما يُظهر ضرورة تغيير جذري في نهج الحكومات المستقبلية. من الضروري تحقيق توازن بين العقوبات الرادعة وتوفير بيئة تشجيعية للإبلاغ عن الفساد ومكافحته.
على الصعيدين الوطني والدولي، يجب أن تكون هناك جهود مشتركة لمكافحة الفساد في العراق. ينبغي للمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية دعم العراق في بناء نظام يضمن الشفافية والمساءلة. كما يجب أن تشجع الحكومات الشريفة على تقديم المساعدة التقنية والخبرات لتعزيز الجهود المحلية لمكافحة الفساد.
هذا ليس وقتًا للانكسار، بل وقت للتحرك والتغيير. يجب على المواطنين العراقيين أن يكونوا القوة التي تدفع نحو تحقيق التغيير. من خلال المشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية وضغط الحكومات لتحقيق الإصلاحات، يمكن تحقيق تقدم ملموس في مكافحة الفساد.
الفساد ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو تهديد للأمن والاستقرار والتنمية في العراق. إذا لم يتم التصدي له بجدية، فإن آفة الفساد ستستمر في النمو والانتشار، مما سيؤدي إلى استمرار تجاوز حقوق المواطنين وتدهور الخدمات العامة.
على الختام، يجب أن يكون مكافحة الفساد هدفًا مشتركًا لجميع القوى السياسية والمجتمع المدني في العراق. إنها معركة تحتاج إلى وحدة وعزم، وعلى الجميع أن يعملوا سويًا من أجل بناء وطنٍ نزيه يحقق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. إن مستقبل العراق يعتمد على مكافحة الفساد والتغلب عليه، وهذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الفساد فی العراق مکافحة الفساد لا یمکن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن “نزع سلاح المقاومة” بغزة؟.. محللون يجيبون
#سواليف
أثار المقترح الذي نقلته الوسطاء المصريون إلى حركة #حماس – والذي تضمّن نصا صريحا بشأن “نزع #سلاح_المقاومة” – ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والفكرية الفلسطينية والعربية، وسط تساؤلات حول جدوى التفاوض على هذا الشرط الذي وصفه مراقبون بأنه “دعوة للاستسلام تحت غطاء الوساطة”، وليس خطوة نحو #التهدئة.
ففي حين أكدت “حماس” رفضها المطلق لأي نقاش حول سلاح المقاومة، اعتبر سياسيون ومحللون أن إدراج هذا البند يمثل انحرافًا خطيرًا في مسار الوساطة، بل ومساهمة في شرعنة الحرب المستمرة على #غزة، واستهدافًا مباشرًا لأحد أركان الهوية الوطنية الفلسطينية.
المحلل السياسي محمد الأخرس علّق بالقول: “من المخزي أن يتبنى أي فلسطيني أو عربي مطالب الاحتلال بشأن سلاح المقاومة”، مشيرا إلى أن الاحتلال نفسه كان قد عرّف هذا السلاح – منذ بداية الحرب – بأنه يشمل الأنفاق الهجومية، وصواريخ الكورنيت المضادة للدروع، والصواريخ التي تستهدف العمق الإسرائيلي.
مقالات ذات صلةوأضاف في منشور على حسابه بـ”فيسبوك” أن ” #الاحتلال زعم في منتصف عام 2024 أنه حيد هذا السلاح ودمّر كتائب المقاومة، لا سيما عندما أعلن في 12 سبتمبر القضاء على “لواء رفح”، متسائلًا: “إذا كانت #إسرائيل تعتبر أنها أنجزت هذه المهمة، فلماذا يصرّ البعض على مطلب نزع السلاح؟!”.
واعتبر الأخرس أن “الحديث عن نزع سلاح المقاومة هو تبنٍّ واضح للرؤية الإسرائيلية، وشرعنة لاستمرار العدوان”، مؤكدًا أن “السلاح ليس قرارا تنظيميًا، بل حق لشعب يقاوم الاحتلال”.
ما تريده إسرائيل فعلًا
الباحث العراقي لقاء مكي ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن “مطلب نزع السلاح ليس هدفًا حقيقيًا لإسرائيل، بل وسيلة لإطالة أمد الحرب”.
وقال في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “مشكلة إسرائيل ليست في المقاومة، بل في غزة ذاتها. ولأن البحر لن يغرقها كما تمنى رابين، فلماذا لا يتم إفراغها من سكانها؟”.
وأضاف مكي: “إسرائيل تعرف أن نزع السلاح غير قابل للتطبيق، بل وتدرك أنه سيقود إلى مقاومة أشدّ. ما تريده فعلًا هو تشتيت الشعب الذي صنع المقاومة واحتضنها، وخلق واقع جديد في غزة”.
وعبر المحلل السياسي ياسر الزعاترة عن استغرابه من تضمين البند المتعلق بالسلاح في المقترح المصري، رغم غيابه عن وثيقة “ويتكوف” الأمريكية، متسائلًا: “هل يُعقل أن يضغط كل قادة الكيان على نتنياهو لوقف الحرب دون التطرق لسلاح المقاومة، ثم يأتي الشقيق ليُهديهم هذا الشرط على طبق من ذهب؟!”.
وأضاف في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، أن “نتنياهو لا يزال يتحدث عن سلاح الجيش المصري نفسه، ويتوسع في عدوانه على الضفة وسوريا ولبنان، ثم يُطلب من حماس أن تُسلّم سلاحها، كأنها تملك قنابل نووية!”.
من جانبه، شدد الباحث في الشأن السياسي والاستراتيجي سعيد زياد في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، على أن سلاح المقاومة “قضية تحظى بإجماع وطني، ومبدأ لا يقل قدسية عن حق العودة والقدس”، معتبرًا أن غزة تمثّل حاجزًا استراتيجيًا يحمي الأمن القومي المصري، وأن سلاح المقاومة هو “السدّ الأخير في وجه التهجير”.
تجارب نزع السلاح
الكاتب القطري جابر الحرمي حذّر من الوقوع في “فخ نزع السلاح”، مستشهدًا بتجربتين قريبتين: الأولى، حين أقنعت واشنطن وأوروبا أوكرانيا بالتخلي عن سلاحها النووي، لتُترك لاحقًا فريسة لروسيا، والثانية، عندما رفضت طالبان نزع سلاحها رغم الضغوط، لتُجبر أمريكا لاحقًا على التفاوض معها.
وأضاف الحرمي في تغريدة على منصة “إكس”: “حماس أو غيرها لن تقع في هذا الفخ، لأن التجارب تُثبت أن السلاح هو الضامن الوحيد للكرامة والسيادة”.
الناشط الفلسطيني بلال ريان وصف مطلب نزع السلاح بأنه “وصفة لإبادة جماعية تُمرر بغطاء عربي”، مشيرًا إلى أن التخلي عن السلاح سيفتح الباب لمطالب أكثر خطورة، كإجبار المقاتلين على تسليم أنفسهم، ومحاكمة قيادات المقاومة، وتفكيك البنية التنظيمية، وفرض رقابة أمنية شاملة على السكان.
واستحضر ريان عبر حسابه على منصة “إكس”، نماذج تاريخية مشابهة، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، ومذبحة سربرنيتسا في البوسنة عام 1995، مؤكدًا أن “تسليم السلاح لم يؤدِّ يومًا إلى الأمان، بل مهّد للمجازر”.
ونقلت قناة /الجزيرة/ الفضائية، الإثنين، عن قيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قوله إن “مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة، وأبلغناها أن نقاش مسألة سلاح المقاومة مرفوض جملة وتفصيلا”.
وأضاف في تصريح، أن “المقترح الذي نقلته مصر لنا يشمل إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال بالأسبوع الأول من الاتفاق، ويشمل تهدئة مؤقتة لـ45 يوما مقابل إدخال الطعام والإيواء”.
وأشار إلى أن “وفدنا المفاوض فوجئ بأن المقترح الذي نقلته مصر يتضمن نصا صريحا بشأن نزع سلاح المقاومة، وأن الحركة أبلغت مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب وليس السلاح”.
وكان القيادي في “حماس”، طاهر النونو، قد صرّح أن “استعداد الحركة لإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، في إطار صفقة تبادل شاملة، مشروطة بوقف إطلاق نار جاد وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع”.
واتهم النونو الاحتلال الإسرائيلي بـ”تعطيل” التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن العقبة الأساسية لا تكمن في أعداد الأسرى، بل في “تنصّل الاحتلال من التزاماته، وتعطيله تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستمراره في شن العدوان”.
وأوضح أن “حماس” أبدت “مرونة كبيرة وتعاملت بإيجابية” مع مختلف المقترحات التي طُرحت خلال جولات التفاوض الأخيرة، مشدداً على أن الحركة أبلغت الوسطاء بـ”ضرورة وجود ضمانات تُلزم الاحتلال بتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه”.
وأشار النونو إلى أن الاحتلال يسعى إلى “إطلاق سراح أسراه دون التطرق إلى قضايا المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة”.
وفي ما يتعلق بالموقف من سلاح المقاومة، شدّد النونو على أنه “خط أحمر، وليس مطروحاً للتفاوض”، موضحاً أن “بقاء هذا السلاح مرتبط باستمرار وجود الاحتلال”.
وكان الوفد المفاوض التابع لحركة “حماس”، برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد أجرى أمس سلسلة لقاءات في العاصمة المصرية القاهرة، مع مسؤولين مصريين، وبمشاركة مسؤولين قطريين، ضمن المساعي المشتركة بين القاهرة والدوحة لتقريب وجهات النظر وتثبيت اتفاق الهدنة.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، واستمر لمدة 58 يوماً، قبل أن يتنصل الاحتلال من بنوده ويستأنف عدوانه فجر 18 آذار/مارس 2025، مع فرض حصار مشدد على القطاع.