الدور الروسي في سوريا: بين الحقيقة والمنهج وأوهام الشعبوية
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
أغسطس 29, 2023آخر تحديث: أغسطس 29, 2023
رامي الشاعر
باحث ومحلل سياسي
منذ بدايات القرن العشرين وصف عالم الجيوبوليتك الأمريكي ألفرد ماهان ( 1840- 1914) روسيا بـ ” قلب الأرض الأوراسي” بسبب امتلاكها امتداد جيوبوليتكي على سواحل وبحار القارتين الأوروبية والآسيوية، ماجعلها – أي روسيا- قلعة يصعب اقتحامها. بالرغم من ذلك لم تنتهج روسيا عبر تاريخها الطويل سياسة التوسع، إذ لم تذهب روسيا يوماً لاحتلال بلد مهما كان ضعيفاً، وبالتالي لم يكن لها أي مطامع في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على شاكلة الاحتلالات البريطانية والفرنسية، قبل أن تتحول موازين القوى بعد الحرب الثانية لصالح الولايات المتحدة التي ظلت في حرب باردة مع الاتحاد السوفياتي السابق، الذي ساعد على الإبقاء على الدولة الوطنية في المنطقة العربية.
في مواجهة ذلك، طرح منظر الواقعية السياسية رينهولد نيبور (1892- 1971) فكرة ” أن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا” ومن هنا بدأ استعداء الدور الروسي في المنطقة، ولم يشفع للاتحاد السوفياتي انتصاره على النازية وما قدمه من تضحيات وصلت لأكثر من 26 مليون ضحية.
مع تفكك الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة بعد هذه المرحلة بالعالم، بدأت سلسلة التدخلات والاحتلالات للمنطقة العربية من خلال المشروع الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس والمعروف بـ ” الشرق الأوسط الجديد” الذي انتهى بأبشع كارثة دفعت وتدفع ثمنها المنطقة والعالم إلى يومنا هذا بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، والجميع يتذكر الموقف الروسي المعارض بشدة في مجلس الأمن الدولي لهكذا مخاطرة أمريكية، وقد تأكد ذلك عندما أصبح العراق ” مفرخة” للحركات الجهادية التي اشتغلت على فكرة الخلافة والجهاد المستمر ومقدمة للانفراط عقد الدولة القطرية وتفكيكها والاقتتال بين أبنائها، بدءاً من العراق وانتهاء بسوريا التي ترزح اليوم تحت ثلاث سلطات لحكومة وشعب يرزح تحت عقوبات اقتصادية تقتل الشعب يؤازرها فساد في مناطق الحكومة السورية، وجماعات متطرفة في الشمال لا علاقة لها بأي تغيير يليق بتطلعات السوريين، وسلطة أمر واقع تستقوي بالأجنبي المستعد للتخلي عنها بأية لحظة.
الموقف الروسي في سوريا بين أعوام 2011- 2015: الاحتجاجات شأن داخلي بالرغم من التوغل الغربي في سوريا ومآلاته
مع اندلاع احتجاجات السوريين التي تعبر عن رغبة جزء كبير من الشعب السوري للتغيير في سوريا سنة 2011، اعتبرت روسيا ما يحدث في سوريا شأناً داخلياً، لهذا لم تتدخل حتى العام 2015. كانت روسيا تدرك التدخلات الخارجية وتعرف الدول التي استحوذت على الملف السوري دون أن تتدخل بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يتحدث عن فكرة ” التوازن على الأرض بين النظام السوري والمعارضة المسلحة” التي كانت مدعومة يومها من الأمريكان. ولم تتدخل روسيا أيضاً بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي تحدث عن ” بلقنة سوريا وتفكيكها كحل لمشكلات المنطقة”.
بالرغم من ذلك كانت روسيا تنظر بعين الدولة التي تتأمل أن يكون للسوريين رأيهم وقراراهم في مواجهة ما يحاك لبلادهم. لذا اكتفت بلقاء غالبية مكونات المعارضة السورية لتسمعهم رأيها، عسى أن يخرجوا بحل سوري يبعدهم عن شبح ما يحاك لهم.
حتى هذا التاريخ كانت روسيا مجرد ناصحة من أن يسقط السوريون في أتون المشروع الذي يعمل على التوازن، وبالتالي الإبقاء على النظام وتدمير سوريا وهو ما حصل بالفعل.
سؤال: مالذي فعله اصدقاء سوريا من الأمريكان والغربيين لسوريا قبل 2015 سوى تسليم ثلثي سوريا لداعش وجبهة النصرة.
ثمة سؤال كبير نطرحه نريد الإجابة عليه من قبل أولئك ضحايا الشعبوية التي استعدت الدور الروسي في سوريا: ما الذي فعله ما سمي بـ ” اصدقاء سوريا من الأمريكان والغربيين لسوريا قبل التدخل الروسي 2015 سوى أنهم اغتالوا الحراك المدني السوري وسلموا ثلثي مساحة سوريا لداعش وجبهة النصرة. أتمنى أن يعود الجميع إلى وضع سوريا ما قبل 2015 حيث عواصم الخلافة ومناظر الرؤوس المقطوعة والأجساد المصلوبة في الشوارع، وهو ذاته المشروع الذي أصبح يهدد العاصمة لتسقط البلاد في أتون صراعات بينية بين الجماعات الجهادية التي كانت تتقاتل فيما بينها على الغنائم، فكيف لو سقطت الدولة برمتها.
روسيا والموقف من الأسد.
أما عن موقف روسيا من الأسد، فهو لا يشبه – بالتأكيد – التصريحات الأمريكية التي تقول على العلن بأنها لا تعمل على تغيير النظام السوري ولكن تغيير سلوكه فقط، كموقف غريب ومعوم وباهت. بالمقابل فإن موقف روسيا اثبتته الخمس سنوات الأولى من الحراك الجماهيري – أي قبل تدخل روسيا في العام 2015- ما يثبت أن روسيا كانت مع خيار السوريين، وهو الخيار الذي تاجر به البعض ممن يهاجمون روسيا الآن وباعوه لأصدقائهم الغربيين الذين بدل أن يعطوا السوريين الحرية والكرامة، فقد أعطوهم داعش وجبهة النصرة لتسيطر على سوريا، وبما يحول دون أي حل ويسمح بتدمير البلاد والعباد.
روسيا وصياغة القرار 2254.
في 18 كانون أول 2015 جلس ممثلو الولايات المتحدة وروسيا على طاولة واحدة، ودافعت روسيا عن صياغة خارطة سلام في سوريا، تبدأ بتشكيل جسم انتقالي يقود التغيير في سوريا استناداً لنص المادة 4 من القرار، كما تضمن القرار ذاته محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً، على اعتبار أن لا تطبيق للقرار قبل القضاء على هذه الجماعات بما يؤسس لعملية سياسية تشمل كل الأراضي السورية، ومن هذه النقطة بالذات بدأت روسيا بتصفية الجماعات المتطرفة كمطلب شعبي سوري أولاً، وليس مطلباً للواهمين أو الشعبويين أو الذباب الالكتروني الذي يقف داعماً لهذا الفكر المتطرف والغريب عن بنية المجتمع السوري.
لعبت الخطابات الشعبوية التي قادها الذباب الإلكتروني للجماعات المتطرفة بتحويل روسيا عدوة وكأن روسيا هي من تسيطر على مقدرات الشعب السوري في شمال شرق البلاد، أو أنها – أي روسيا- هي من احتلت العراق أو أنها هي من زرعت إسرائيل كمخفر أمامي وخنجر في خاصرة المنطقة العربية لاستنزافها. أو كأن روسيا هي أطلقت اليوم يد اسرائيل لتصول وتجول في شمال شرق سوريا وتستحوذ على ثلث النفط هناك، وتقصف الأراضي السورية بشكل شبه يومي كما حدث يوم أمس بقصف مطار حلب وإخراجه من الخدمة.
“الإسلامويون” من تشويه الإسلام وسرقة مطالب السوريين إلى تشويه روسيا.
استقبلت روسيا جميع أطياف المعارضة السورية بكل مكوناتها الرسمية وغير الرسمية، مع دراية روسيا بإن إرادة هؤلاء مشلولة لجهة من يسيطر فعلياً عليهم وعلى الأرض سواء في الشمال الشرقي حيث النفوذ الأمريكي، أو الشمال حيث سيطرة ما يعرف بـ ” هيئة تحرير الشام” التي مازال زعيمها المدعوم غربياً يطمح للعب دور في مستقبل سوريا بالاستحواذ على خلافة – ولو في إدلب على أقل تقدير- ما يمنع قيام أي حل سياسي أو دولة سوريا موحدة. الحالتان مع اختلافهما في النهج إلا أن المحرك واحد والغاية واحدة.
دعوني أعترف بأن ذنب روسيا الوحيد أنها لا تجيد اللعب من تحت الطاولة كهوية وعقيدة سياسية روسية متجذرة، كما لا تجيد دس السم في الدسم وأن جميع اوراقها على الطاولة غير توسعية تاريخياً.
ختاماً أقول: ليس دفاعاً عن روسيا ولكن دفاعاً عن الحقيقة والموضوعية، أما آن لكم أيها البعض الواهمون يا ضحايا الشعبوية، البعيدون عن المنهج والتفكير والرؤية السياسية الحقة، أما آن لكم أن تتوقفوا عن رمي خطاياكم على غيركم.
أيها البعض ارحموا وطنكم واستبصروا.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: بالرغم من الروسی فی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
مقالات مشابهة مفاجئ.. ماذا يحدث حول العالم أثناء اكتمال القمر بدراً؟
17 ساعة مضت
مساعي رسمية لإجبار “غوغل” على بيع متصفّحه “كروم” .. ما القصة؟17 ساعة مضت
المغرب يتصدر في صناعة السيارات.. تصدير أكثر من 700 ألف سيارة سنويا تصل إلى 70 دولة17 ساعة مضت
هام.. كيف تكتشف الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة وتتجنب الانخداع بها17 ساعة مضت
اختراع مذهل.. كرات زجاجية تنتج الطاقة من ضوء القمر وتولد ما يعادل 4 أضعاف من الكهرباء التي تنتجها الألواح الشمسية الحاليّة17 ساعة مضت
الإنذار المبكر: انخفاض الرؤية الأفقية وهطول أمطار متفرقة على 13 محافظة خلال الساعات القادمة19 ساعة مضت
شاهد لحظة احراق هايبر شملان ومصير الشخص الذي ظهر في الفيديو وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار.
قالت مصادر إعلامية متطابقة أن شرطة محافظة صنعاء تمكنت من التعرف على هوية المتهم بإشعال الحريق في مركز “هايبر شملان” التجاري الخميس المنصرم وتم إلقاء القبض عليه.
صورة الشخص المتهم باحراق هيبر شملان بعد القبض عليهوبحسب المصادر الإعلامية فقد قدرت الخسائر الناتجة عن الحريق بمليار ونصف المليار ريال يمني ولا تزال الإجراءات مستمرة للتحقيق في الأسباب والدوافع وراء ارتكاب هذه الجريمة.
كاميرا مراقبة توثق الشخص الذي قام باحراق هيبر شملان ومصادر تؤكد القبض عليه pic.twitter.com/LZqXmXCZcD
— اخبار اليمن العاجلة (@newsyemeny) November 23, 2024وكانت مصلحة الدفاع المدني قد أكدت في وقت سابق أن هذا المركز التجاري يفتقر إلى منظومة الأمن والسلامة العامة، كما لا يوجد لديه فريق مدرب على كيفية مواجهة الحريق وطرق إخماده.
وجددت مصلحة الدفاع المدني دعوتها لجميع المراكز والمولات التجارية للمسارعة في توفير منظومات الأمن والسلامة العامة، وتدريب العاملين على التعامل مع الكوارث، حفظاً للأرواح والممتلكات.
ذات صلة السابق مفاجئ.. ماذا يحدث حول العالم أثناء اكتمال القمر بدراً؟اترك تعليقاً إلغاء الرديجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار 3 دقائق مضت مفاجئ.. ماذا يحدث حول العالم أثناء اكتمال القمر بدراً؟ 17 ساعة مضت مساعي رسمية لإجبار “غوغل” على بيع متصفّحه “كروم” .. ما القصة؟ 17 ساعة مضت المغرب يتصدر في صناعة السيارات.. تصدير أكثر من 700 ألف سيارة سنويا تصل إلى 70 دولة 17 ساعة مضت هام.. كيف تكتشف الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة وتتجنب الانخداع بها 17 ساعة مضت اختراع مذهل.. كرات زجاجية تنتج الطاقة من ضوء القمر وتولد ما يعادل 4 أضعاف من الكهرباء التي تنتجها الألواح الشمسية الحاليّة 17 ساعة مضت الإنذار المبكر: انخفاض الرؤية الأفقية وهطول أمطار متفرقة على 13 محافظة خلال الساعات القادمة 19 ساعة مضت درجات الحرارة المتوقعة خلال ال24ساعة القادمة في جميع مناطق اليمن ليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024 يومين مضت تحذيرات هامة للجميع.. السعودية تعلن عن عقوبة مشددة عند عدم إظهار الهوية الوطنية أو هوية مقيم في هذه الأماكن يومين مضت انهيار متسارع في سعر صرف الريال اليمني ومحلات الصرافة تفاجئ الجميع وتكشف سعر الصرف الجديد في صنعاء وعدن يومين مضت لأنهم طالبوا بمرتباتهم.. قائد القوات المشتركة في مدينة عتق يمنع المعلمين المطالبة بصرف مرتباتهم ويثير موجة غضب واسعة وهكذا كانت ردة فعلهم! (فيديو + صور) 3 أيام مضت الذهب يباغت الجميع والأسعار تقفز من جديد.. سعر جرام الذهب الآن 3 أيام مضت © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة | لموقع الميدان اليمني