تعليق سريع حول رؤية الدعم السريع للحل الشامل ومستقبل الدولة السودانية
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
بكري الجاك
في مقالي الذي نشر بالأمس عن فرص الحل السياسي كنت قد أشرت إلى أن هدن وقف إطلاق النار كانت تفشل لأنها كانت تفصل الترتيبات العسكرية من وقف إطلاق نار دائم ووقف العدائيات عن التصورات الجوهرية العامة للحل السياسي، و قبل أن يجف حبر ذلك المقال تقدمت قوات الدعم السريع برؤية للحل السياسي و اقترحت أن تؤخذ في الاعتبار قبل الاتفاق علي وقف عدائيات و وقف اطلاق نار دائم و غيرها من ترتيبات أمنية.
“بالنسبة لقوات الدعم السريع و آل دقلو فأن الخيار المثالي غير القابل للتحقق هو أن تتمكن قوات الدعم السريع من لعب دور جوهري في اعادة بناء الدولة السودانية و اعادة تشكيل الجيش السوداني بصيغة تمكن أسرة آل دقلو و امتداداتها القبلية من تحولها إلى حالة أشبه بوضعية العائلات الأميرية في دول الخليج أو علي شاكلة أسرة علي بونقو التي ظلت تتسيد المشهد السياسي في الجابون منذ ستينيات القرن الماضي، و هذا يعني احتفاظها بالثروات التي اقتنتها بالسيطرة على جهاز الدولة و بلعب دور المقاول في حرب اليمن و في عملية محاربة الهجرة و بقية عمليات الفساد المنظم بما في ذلك الحصول على نسبة 30% من أصول منظومة الصناعات الدفاعية. و بما أن هذا الخيار يظل ممكنا فقط في حال انتصارها في الحرب و تحقيقها نصرا حاسما يمكنّها ليس فقط إخضاع كل القوات المقاتلة عبر القوة الصلبة بل ايضا امتلاكها لقوة ناعمة تعطيها فرص القبول الاجتماعي و شرعية اجتماعية تتمثل في قبول المحكومين بشرعية الحاكم. هذا الأمر لم يعد ممكنا لصعوبة النصر العسكري الحاسم أو الحصول على القبول الاجتماعي في ظل الفظائع والانتهاكات الممنهجة التي تقوم بها قوات الدعم السريع في الخرطوم وفي دارفور مجددا و تحديدا في ولاية غرب دارفور، عليه الحد الأعلي المثالي القابل للتحقيق MSO و الذي يمكن أن تدعمه حقائق الواقع المادي، يتمثل في احتفاظ قوات الدعم السريع باستثماراتها الاقتصادية و بلعب دور سياسي كبير يمكنها من حماية هذه المصالح مع الإبقاء على مساحة للمناورة حول كيفية ومواقيت الدمج والتسريح لقواتها، ببساطة هذا يعني ترتيب سياسي شبيه بالاتفاق الإطاري و هذا ما سنأتي له لاحقا. أما الناتج الذي يمكن أن تقبل به قوات الدعم السريع أو LAO، حسب تصورنا، هو الاحتفاظ بالامبراطورية الاقتصادية لآل دقلو مع فرص مستقبلية للعب دور سياسي و ترتيبات عسكرية تمنح مساحة للمناورة حول مستقبل قوات الدعم السريع و كيفية استخدامها.”
و ما تسعى له قوات الدعم السريع و آل دقلو هو أبعد مما ذهب إليه حزب الله و زعيمه حسن نصر الله في لبنان الذي ظل يهندس المشهد السياسي بوضع اليد و ليس بسلطة القانون و المؤسسات، وسبيل الدعم السريع لفعل ذلك يأتي في المبدأ الثالث من المبادىء العشر المطروحة، إذ ينص البند الثالث علي ” 3. إن المواطنين في أطراف السودان يملكون سلطات أصيلة لإدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وينبغي أن يتفقوا عبر ممثلي أقاليمهم على السلطات التي تمارسها للقيام بما تعجز عن القيام به أقاليم السودان منفردة. وتتعزز تلك السلطات الأصيلة لدى المجتمعات المحلية، التي تتقاسم معها الحكومة القومية بالعدل السلطات والموارد. وبسبب التعدد والتنوع الباهر في السودان، فإن النظام الفدرالي غير التماثلي (أو غير المتجانس)، الذي تتفاوت فيه طبيعة ونوع السلطات التي تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي، هو الأنسب لحكم السودان.”
و كما فصّلت في ذات المقال عن الوضع المثالي الذي ترغب فيه قوات الدعم السريع في الجزء المقتبس من مقالي، و فكرة الفيدرالية غير المتماثلة مقرونة بفكرة تكوين جيش مهني من الجيوش المتعددة و حسب الثقل السكاني للأقاليم حسب ما رد في مبادئ أخري ضمن رؤية الدعم السريع، هي فكرة أشبه بنظام الفيدرالية الديمقراطية التي طبقها مليس زيناوي و جبهة تحرير تقراي عقب استلامهم السلطة في إثيوبيا بعد هزيمة نظام منغستو في عام 1991، و الفكرة هي أن يحتفظ كل إقليم بجيش خاص به، و هي ايضا شبيهة بنموذج ال National Guards اي الحرس الوطني في الولايات الأمريكية، وهي قوات تتبع للجيش لكنها ولائية و لكل ولاية حرس وطني و يستخدم في الكوارث أو في حالة انتشار عارم للفوضى وفشل الأجهزة الأمنية الأخرى في استباب الأمن، الأمر الذي لم يحدث منذ الستينيات أبان عنفوان حركة الحقوق المدنية و في أعقاب اغتيال الزعيم مارتن لوثر كينغ، و تشارك قوات الحرس الوطني في عمليات الجيش الامريكي العسكرية إذا طلب منها ذلك. نتائج نموذج الفيدرالية الديمقراطية التي طبقت في إثيوبيا هي اقتراب الدولة الإثيوبية من التفكك أو ربما الاحتراب إلى أمد طويل فبعد قتل أكثر من مليوني شخص في حرب تقراي، هاهي قومية الامهرا الآن و حركة فانو تقود تمردا و غيرها من الحركات في بني بني شنقول و ولقاييد و في إقليم العفر.
ما يريده آل دقلو هو ترجمة القوة العسكرية والمسلحة على الأرض إلى معادل سياسي موضوعي ينعكس في هندسة مؤسسات الدولة و صناعة دستور دائم يقنن لاستمرار الامبراطورية المالية و جيشها و انتفاعها بمقدرات الدولة، وفي ذلك فأن الرؤية المطروحة تعطي الدعم السريع الحق في استخدام البندقية لهندسة الدولة السودانية الجديدة بواسطة “فيدرالية متدرجة غير متماثلة”، و ربما المقصود من الفيدرالية المتدرجة و غير المتماثلة هي قيام حكم ذاتي ربما في دارفور و جيش مستقل حيث يشارك كل إقليم بنسبة من قواته لتكوين الجيش الفيدرالي من الجيوش المتعددة حسب ما ورد في طرح قوات الدعم السريع و حسب الثقل السكاني، إذ تعامل هذه الرؤية الجيش السوداني كواحد من هذه الجيوش ليس الا و ليس له أي افضلية مؤسسية او مشروعية. و بالطبع قيام جيوش فى كل إقليم على قرار نموذج إثيوبيا، و الي حد ما كفكرة الحرس الوطني في امريكا، وفق التصور المطروح يعطي الدعم السريع وضعية الإمساك بتلابيب الدولة في رأسها و في دارفور و ربما كردفان.
عليه، و هنا تكمن المشكلة الحقيقة حول ما إذا كان هذا التصور مقبول سياسيا لدى عامة السودانيين ناهيك عن الجيش و الاسلاميين الذين يقاتلون في صفوفه و معه، و هل لدي الدعم السريع القدرة السياسية والعسكرية على فرضه دون توسيع دائرة الحرب و تحولها إلى حرب أهلية شاملة؟ أم أن هذا الطرح يمثل الحد الأعلي المثالي MSO الذي يرغب فيه الدعم السريع و يمكن أن يتنازل عنه إلى منطقة أقل تضمن له بعض هذه الامتيازات و ليس كلها كما شرحنا في الاقتباس من المقال السابق في عاليه.
أما مسألة تحييد بندقية الدعم السريع عسكريا لضمان وقف الحرب إذ كان جادا في طموحه السياسي وفق الرؤية التي تسعى إلى إعادة هندسة الدولة بطريقة تعطيه سياسيا أكثر من الشراكة في الحكم التي كانت قائمة قبل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، فهذا يعني أننا على أبواب حرب طويلة و لا محالة قد تتدخل فيها جهات اقليمية، أو أن الخيار الآخر هو الخضوع إلى إرادة الدعم السريع و إعطائه الحق في ابتلاع الدولة أو على الأقل اعادة هندستها حسب التصورات التي تضمن استمرار وضعية الامتيازات بالانتفاع من جهاز الدولة و منطقة حكم ذاتي يٌقنن لها عبر “الفيدرالية غير المتماثلة” مقابل السلام، و الأعقد و الأهم تتمثل في: من له المشروعية السياسية ليقرر في مثل هذه المساومة اصلا؟
28 أغسطس 2023
الوسومبكري الجاكالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الدولة السودانیة آل دقلو یمکن أن
إقرأ أيضاً:
حفيد يحمل جده وأب يجر أبناءه.. معاناة السودانيين بسبب انتهاكات الدعم السريع
مازن شاب سوداني من أهالي مدينة سنجة في ولاية سنار، هرب مع بعض من أفراد أسرته بعد دخول قوات الدعم السريع إليها، لكنه أصبح أيقونة بين جمهور منصات التواصل الاجتماعي في بلاده.
مازن انتشر له مقطع وهو يحمل جده المسن على ظهره لـ15 ساعة مشيا خلال رحلة نزوح أسرته من مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، لينتشر بعدها الفيديو كالنار في الهشيم بين رواد العالم الافتراضي.
وأصبح مازن بعد هذا الفيديو مضربا للمثل في التفاني والتضحية، إذ أشاد المغردون بعمله الذي يعكس تربيته وأخلاقه، وقالوا إنه قدم أكبر مثال رائع عن شباب السودان الخلوق والمضحي والمتفاني والصامد في وجه الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق الشعب السوداني منذ أكثر من سنتين.
في حين طالب آخرون بإيصالهم إلى مازن لتقديم الشكر له والعرفان لموقفه الذي وصفوه بالمشرف، وتقديم كرسي متحرك لجده المسن.
قصة مازن ليست الوحيدة التي تظهر معاناة الشعب السوداني وأهالي مدينة سنجة خاصة في رحلة النزوح، فبعد دخول قوات الدعم السريع إليها، انتشرت صورة أخرى لرب أسرة سوداني يجر أطفاله مع بعض الأغراض التي أخرجها من منزله في عربة صغيرة خوفا على نفسه وأطفاله من بطش الدعم السريع.
وانتشرت عشرات الصور التي تظهر نزوح وهرب أهالي سنجة بعد دخول قوات الدعم السريع إليها، وهنا طرح مدونون عدة تساؤلات من بينها: لماذا عند دخول الدعم السريع إلى قرية أو مدينة يسارع أهلها إلى النزوح والهرب بأرواحهم وبأسرهم؟
في ساعة متأخرة من الليل، وعلى وقع خطوات الموت التي اقتحمت أبواب مدينة #سنجة، كان الأهالي يعيشون لحظات من الرعب والهلع #قوات_الدعم_السريع اجتاحت المدينة بشكل غير مسبوق، تاركة وراءها مشهدًا مليئًا بالدمار والخراب
في تلك الليلة السوداء، بدأت رحلة نزوح جديدة، مثقلة بالآلام والأحزان… pic.twitter.com/qX9QHEh3QW
— Dr. Ayman Ahmed (@Mr_AymanAhm) June 30, 2024
وردا على هذا السؤال وغيره من الأسئلة، أجاب بعض المتابعين أن الشواهد على الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق الشعب السوداني كثيرة.
وأضافوا أن مقاتلي الدعم السريع إذا دخلوا قرية أو مدينة أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وأنهم ينتهكون الأعراض دون مراعاة لأي ظروف، حسب قولهم.
???????? #سنجة أطفال #مفقودين
متداولة صور كثيرة لأطفال مفقودين من مدينة سنجة في ولاية سنار بعد اقتحام #الدعم_السريع للمدينة، بينهم من هم في طور الرضاعة.
Numerous photos of missing children from the city of Singa, located in Sennar State in central #Sudan, are being circulated after… pic.twitter.com/khLvEzm6Se
— يوسف النعمة (@YousifAlneima) July 1, 2024
وأشار بعض الناشطين إلى أن قوات الدعم السريع تعمل على التغيير الديمغرافي للمناطق التي تدخلها، وتحرص على حرق الممتلكات العامة والخاصة كي لا يستفيد منها أهلها حين يعودون إليها.
"ما شفنا إلا الرصاص".. الجزيرة مباشر ترصد أوضاع نازحين فروا من مدينة #سنجة #السودان pic.twitter.com/hEdTVLK8pU
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 30, 2024
كما أطلقت عشرات الأسر نداءات استغاثة بسبب فقدانها أطفالها خلال رحلة النزوح من المدينة، حيث أجبرت المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أكثر من 55 ألفا على النزوح من المدينة، حسبما أعلنت منظمة الهجرة الدولية.
كما اتهمت وزارة الخارجية السودانية أمس الاثنين قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة في ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، أدت إلى مقتل 40 مدنيا.
وقالت الخارجية في بيان إن قوات الدعم السريع هاجمت خلال الأيام الماضية مناطق مختلفة في ولاية سنار شملت قرى جبل موية، حيث ارتكبت مجزرة راح ضحيتها أكثر من 40 من المدنيين العزل في ضواحي مدينة سنار، ثم مدينة سنجة التي تعد من أكبر تجمعات النازحين، مما تسبب في عمليات نزوح جديدة.