بقلم/ عبدالباري عطوان
نجلاء المنقوش خانت الشعب الليبي بلِقائها “نظيرها” الإسرائيلي.. وخِيانتها قمّة جبل الجليد.. وحُكومة طرابلس سهّلت هُروبها إلى تركيا المُتّهمة بالتّواطؤ.. وأحفاد الشّهيد عمر المختار لن يغفروا هذه الخطيئة الكُبرى
الأغلبيّة السّاحقة من “ثورات” ما يُسمّى بـ”الربيع العربي” التي اجتاحت المِنطقة العربيّة في عام 2011 جاءت بتخطيطٍ ودعمٍ من الولايات المتحدة، وبعض الحُكومات الأوروبيّة والعربيّة، وبتعاونِ بعض فصائل الإسلام السياسي، للإطاحة بأنظمةٍ عربيّة وقفت دائمًا ضدّ التطبيع مع دولة الاحتِلال، ووقفت بقوّةٍ في خندق المُقاومة الفِلسطينيّة وطالبت بأسعارٍ عادلة للنفط، وتبنّت سياسات مُعارِضَة للطائفيّة، والهيمنة الأمريكيّة، وعلى رأس هذه الدول ليبيا التي تحتلّ هذه الأيّام العناوين الرئيسيّة بعد رفع السّتار عن لقاء عقدته وزيرة خارجيّة حُكومة الوحدة الوطنيّة في طرابلس السيّدة نجلاء المنقوش مع إيلي كوهين نظيرها الإسرائيلي في روما بترتيبٍ من الحُكومة الإيطاليّة، تمهيدًا للانخِراط في منظومة السّلام الإبراهيمي.
الحُكومة التي يتزعّمها السيّد عبد الحميد الدبيبة ادّعت كذبًا أنها لم تكن على علمٍ بهذا اللّقاء مُسبَقًا، وأن هذا اللقاء كان عرضيًّا، وعن طريقِ الصّدفة، ليخرج وزير الخارجيّة الإسرائيلي ليُؤكّد أن اللّقاء الذي انعقد الأسبوع الماضي في روما جاء بعد سلسلةٍ من الاتّصالات مع وزير الخارجيّة الإيطالي للقيام بترتيبه شريطة أن يظل سِرًّا سعيًا لدعم الولايات المتحدة لهذه الحُكومة ضدّ خُصومها عبر البوّابة الإسرائيليّة.
فإذا كان السيّد الدبيبة ليس على علمٍ بالاجتماع مثلما يدّعي، وأن قراراته بعزل السيّدة المنقوش من منصبها، وتشكيل لجنة للتّحقيق معها جاء عِقابًا لها، لماذا “سَهّل” عمليّة هُروبها من مطار “معيتيقة”، وبإشرافِ قادة القوّات الأمنيّة، في طائرةٍ خاصّة إلى إسطنبول؟، وإذا كان صادقًا في أقواله لماذا لم يمنعها من السّفر، ثمّ من الذي أمّن لها الطّائرة الخاصّة تحت جُنح الظّلام؟
لا نعرف من أين جاءت هذه التّسمية “الوطنيّة” لحُكومة تجتمع وزيرة خارجيّتها لمُدّة ساعتين مع وزير “دولة” تدّعي أنها لا تعترف بها، ولا تُقيم علاقات معها، وتمنع أيّ لقاءاتٍ مع المسؤولين فيها؟
ما يُسمّى بالثورة الليبيّة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، جاءت مُنذ اليوم الأوّل بدعمٍ من نيكولاي ساركوزي رئيس فرنسا الأسبق المعروف بصهيونيّته، وبرنارد هنري ليفي ذِراعه الأيمن الذي تباهى في كِتابه عن دوره فيها بالتّحريض على تدخّل طائرات حِلف “النّاتو”، وفعل ذلك انطِلاقًا من ولائه وخدمته لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتنبّأ بأنّ “حُكومة الثورة” في عهدِ ما بعد القذافي ستكون من أوّل المُطبّعين، وأنهم حمّلوه، أيّ قادة الثوّار، رسالةً بهذا الغرض إلى حُكومة تل أبيب.
أحفاد الشّهيد عمر المختار الزعيم الليبي التاريخي نزلوا إلى الشّوارع احتِجاجًا طِوال ليلة أمس مُنذ أن انتشرت أخبار التّطبيع هذه في العاصمة طرابلس ومُعظم المُدُن الليبيّة رافِعين أعلام فِلسطين، مُردّدين الهتافات بنُصرتها ودعم رجال مُقاومتها، مُطالبين بمُحاكمة السيّدة المنقوش، وإسقاط حُكومتها، وهذا ليس غريبًا على هذا الشّعب العربيّ المُسلم الأصيل.
“الثوّار” سرقوا مِئات المِليارات من ثروات الشعب الليبي، وحوّلوا البِلاد إلى فوضى دمويّة، وعملوا على تقسيمها إلى عدّة كيانات، وحرموا هذا الشّعب من الأمن والاستِقرار والحدّ الأدنى من الحياة الكريمة، وهجّروا مِئات الآلاف من أبنائه إلى دُول الجِوار.
قُلناها مُنذ اليوم الأوّل أن الشعب الليبي كان، وما زال، ضحيّة مُؤامرة لتفتيت بلاده، وزعزعة أمنها واستِقرارها، وتجويع شعبها وهو الذي تملك بلاده احتِياطات من الغاز والنفط تُعتبر الأضخم في شِمال إفريقيا، وجرى توظيف أُكذوبة “الديمقراطيّة” لتمرير هذا المُخطّط الدمويّ بقُوّةِ طائرات حِلف “النّاتو” وقذائفها وصواريخها القاتلة.
الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي لم تتم بسبب “ديكتاتوريّته”، وإنّما بسبب نظرته البعيدة الصّائبة لتوحيد القارّة الإفريقيّة، وإصدار عُملة مُستقلّة مدعومة بالذّهب تُرسّخ سِيادتها واستِقلالها، وتُحرّر اقتِصادها من هيمنة العُملات الأمريكيّة والأوروبيّة، والطّريقة البشعة والمُخجلة التي جرى إعدامه بها، تُؤكّد على حجم الحقد عليه، والألم من جرّاء سِياساته المُعادية للاستِعمار، حتّى أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الإفريقي الأصل حرص على إعلان براءته علانيّة من هذا الإعدام البَشِع، وندمه على المُشاركة في غزو ليبيا في آخِر أيّامه في السّلطة، ووجّه اللّوم إلى ساركوزي رئيس فرنسا الأسبق، وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا.
حُكومة “الوحدة الوطنيّة” ارتكبت إثْمْ التّطبيع، وتستّرت خلف وزيرة خارجيّتها، ثم تنصّلت مِنها، ولكن هذه الخديعة لن تنطلي على أحفاد عمر المختار المُقتدين به والمُدافعين عن إرثِه الوطنيّ البُطولي المُشرّف، وعلى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أن يُعيد السيّدة المنقوش إلى طرابلس على الطّائرة الخاصّة نفسها وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن، لتخضع للتّحقيق أمام لجنة مُستقلّة غير تابعة لحُكومتها المُتواطئة وإلّا سيكون مُشارِكًا في هذه الجريمة، ومُتَسَتِّرًا على أحد أبرز مُرتَكبيها.
عارضنا غزو ليبيا وتدميرها مُنذ اليوم الأوّل على كُل المنابر المُتاحة، ولم نعبَأ بالتّهديدات، وحذّرنا من المُخطّط التّدميري الغربي والمُنخرطين فيه، من أجل تفكيك البِلاد ونهب ثرواتها.. وها هي الحقائق تظهر واضحةً وإن كانت مُتأخّرة.. وها هُو الشّعب الليبي الأصيل يتصدّى لها.. والقادم الأعظم.
نقلاً عن رأي اليوم
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
الصول: الصديق الكبير يتحمل مسؤولية خطورة الوضع المالي الليبي
قال عضو مجلس النواب، علي الصول إن عدم وجود قيمة مالية كافية بحسابات وزارة المالية بحكومة الدبيبة، لتغطية صرف مرتبات شهر أكتوبر المنقضي، يُشكل خطرًا كبيرًا على الوضع المالي في البلاد.
وحمّل الصول في تصريك صحفي بأن محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق الصديق الكبير المسؤولية، لإخفاقه بالسياسات النقدية، وصرفه أموالاً للدبيبة.
الوسومالصديق الكبير ليبيا