عربي21:
2024-09-19@17:45:01 GMT

كيف تنتصر إسرائيل.. وكيف تُهزم؟!

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

لا تقلّ حرب العامّ 1967 أهمّيّة بالنسبة لـ"إسرائيل" عن حرب العام 1948، بوصفها لحظة تأسيسية ثانية لها، فمن المؤكّد أنّ بقاءها ظلّ محلّ شكّ حتّى جاءت تلك الحرب الثانية، التي لم تكرّس فيها "إسرائيل" نفسها فحسب مبطلة بذلك الدعاية الصاخبة للنظام "الثوري العربي"، ولكنّها أيضاً أثبتت بذلك الانتصار الساحق والغريب لرعاتها الدوليين، لا سيما القوّة العظمى الجديدة، وريثة الاستعمار القديم الولايات المتحدة الأمريكية، جدارتها بالثقة.

وهي كأي حدث تاريخي، يحمل نقيضه في أحشائه، فبقدر ما كانت هذه الحرب فرصة للتحايل على أصل القضيّة الفلسطينية، فإنّها جدّدت القضيّة الفلسطينية بتصعيد مقاومة أبنائها، لكن هذا حديث آخر.

ثمّة نقيض آخر انطوت عليه هذه الحرب، لكنّه لم يكن نقيضا من جهة تكريس "إسرائيل" لنفسها، فالحرب كانت تحمل في أحشائها مفهوماً خاصّاً للسلام، المفهوم الإسرائيلي الصرف للسلام مع العرب، الذي لا معنى له إلا التأكيد على الانتصار والبقاء الإسرائيلي، لا المجرّد، ولكن المتفوّق مقابل التخفيف من آثار هزيمة العام 1967، وهو ما عبّر عنه القرار "242"، والذي صارت صيغته الأثيرة "الأرض مقابل السلام"، وهي صيغة مؤكّدة للهزيمة، لأنّ الأرض، والحالة هذه، لا تُسترجع بالحرب، ولكن بالتعاقد مع الدولة المنتصرة، بمعنى أنّ العرب سوف يتفاوضون معها من موقع المهزوم، المقرّ بهزيمته الأبدية. سيكون ثمن الأراضي العربية، هو الاعتراف لـ"إسرائيل" بالبقاء الدائم على أرض فلسطين!

السلام الإسرائيلي، بحكم هذه الواقعة التاريخية الواضحة، مؤسّس على الحرب الإسرائيلية، أو بكلمة أخرى، على الانتصار العسكري الإسرائيلي. هذه الواقعة تفيد الحلّ العربي/ الفلسطيني، من التجربة الإسرائيلية، ومن منطوق التاريخ ومفهومه، والذي يمكن تلخيصه بإبطال اللعبة الإسرائيلية، القائمة على الانتصار العسكري المؤسّس للسلام الإسرائيلي
السلام الإسرائيلي، بحكم هذه الواقعة التاريخية الواضحة، مؤسّس على الحرب الإسرائيلية، أو بكلمة أخرى، على الانتصار العسكري الإسرائيلي. هذه الواقعة تفيد الحلّ العربي/ الفلسطيني، من التجربة الإسرائيلية، ومن منطوق التاريخ ومفهومه، والذي يمكن تلخيصه بإبطال اللعبة الإسرائيلية، القائمة على الانتصار العسكري المؤسّس للسلام الإسرائيلي.

نقض خطّة الحرب والسلم الإسرائيلية، هو نقض للوجود الإسرائيلي.

لا يكفي تحسين الموقف العسكري تجاه "إسرائيل" لأجل تحسين الموقف التفاوضي، لأنّ ذلك في جوهره تسليم بالشرط الإسرائيلي المنبثق عن حرب العام 1967. هذه الرؤية هي المشكلة الكبرى في حرب العام 1973، وذلك بقطع النظر عن تحوّلات هذه الحرب من مبادأة عربيّة أربكت الكيان الإسرائيلي، وألقت في روعه، لأوّل مرّة من بعد انتصاره في حرب العام 1967 أنّ بقاءه في هذه البلاد ليس حتمياً، وجعلته يهجس منذ ذلك الوقت بالقلق الوجوديّ، إلى انتهاء الموقف عسكريّاً لصالح "إسرائيل"، بقطع النظر عن ذلك، فإنّ شنّ الحرب على قاعدة العدوّ، والتي أصلها انتصاره في حرب العام 1967، ورؤيته الخاصّة للسلام، ليست خطأ كارثيّاً فحسب، ولكنّه إيمان من جهة ما بالانتصار الأبديّ للعدوّ!

مع ذلك، أثبتت حرب العام 1973، أنّ المواجهة العسكرية الصلبة للعدوّ هي وحدها التي تُضعف ثقته بنفسه، وتقلّص من تمدّده، وليست حرب العام 1973 وحدها الدليل على ذلك، بل حتى تجارب الفلسطينيين وغيرهم في مقاومة العدوّ. فانتفاضة العام 1987، دفعت العدوّ للتفكير بإمكان التسوية مع الفلسطينيين الذين لا يمكن له تصوّرهم سياسيّاً، لأنّ وجوده في الأصل قائم على نفي كينونتهم القومية، لكن المشكلة كانت من جهة منظمة التحرير، بالقطع مع الانتفاضة للاستعجال في تأسيس سلطة في ظلّ الاحتلال، لا بدّ لها وأن تنتهي على نقيض ما أرادته الانتفاضة، ثمّ كان انسحاب العدوّ من جنوب لبنان في العام 2000 فقط بسبب مقاومة مثابرة وطويلة النفس، ثمّ كان انسحابه من غزّة في العام 2005 بفعل انتفاضة الأقصى، ثمّ انغماسه في الحسابات المرتبكة إزاء المقاومة في غزّة، أو تجدّدها في الضفّة الغربية.

حديث بعضهم عن التعاطف الدوليّ مع الفلسطينيين، دون أخذ صمودهم ومقاومتهم بعين الاعتبار؛ حديث خرافة، ينقلب إلى الضدّ من مصلحة الفلسطينيين، فبداهة الحقائق في العالم أنّ لا أحد يمكنه رؤية ضحية لا تقول عن نفسها ضحية، فضلاً عن أن يتعاطف معها، والضحية لا تعبّر عن كونها ضحية بالعيش المستكين، القابل بواقع الحال للظلم الواقع عليها
هذه مكاسب واضحة، ليست فيها هزيمة ساحقة للعدوّ، ولكن فيها الدليل العملي لإضعاف هذا العدوّ، وذلك فضلاً عن المكاسب المعنوية، التي ظلّ فيها الفلسطينيون يجدّدون ذاتهم مقابل الذات الإسرائيلية، ويفرضون بها مقولتهم من جديد، بعدما يسعى العالم في كلّ مرّة لإزاحتها، لا بالانتصار العسكري الإسرائيلي، ولكن بالسلام الإسرائيلي!

يتضح من هذه المفارقة الإسرائيلية، أنّ "إسرائيل" وإن أثبتت جدارتها للعالم بانتصاراتها العسكرية، فإنّها كانت تتمدد بالسلام المؤسّس على انتصاراتها تلك. بدأت القصة مع خطة روجرز، ثمّ مشاريع دولة فلسطينية في الضفة مطالع السبعينيات، ثم اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أواخر السبعينيات، وصولاً لاتفاقية أوسلو، التي جعلتها "إسرائيل" جسراً لإصلاح علاقاتها مع العالم، واختراق العالم العربي تحديداً.

وهكذا، كلما قالت "إسرائيل" ثمّة هدوء، وهناك طرف فلسطيني نتحدث معه، والأمور قابلة للتسوية، كانت أكثر قدرة على التمدّد، وقد كانت معركة أيار/ مايو 2021، الدليل الواضح الجديد على أنّ إبطال دعاية الهدوء هذه، هو وحده الذي يستدعي للفلسطينيين من جديد التعاطف في العالم.

حديث بعضهم عن التعاطف الدوليّ مع الفلسطينيين، دون أخذ صمودهم ومقاومتهم بعين الاعتبار؛ حديث خرافة، ينقلب إلى الضدّ من مصلحة الفلسطينيين، فبداهة الحقائق في العالم أنّ لا أحد يمكنه رؤية ضحية لا تقول عن نفسها ضحية، فضلاً عن أن يتعاطف معها، والضحية لا تعبّر عن كونها ضحية بالعيش المستكين، القابل بواقع الحال للظلم الواقع عليها. أيضاً لا يكفي أن تصرخ بكونها ضحية، ينبغي أن تثبت فوق الصراخ أن الظالم قابل للهزيمة، وهذا الإثبات يكون بالصمود الطويل الذي تُجدّد فيه ذاتها، وتراكم فيه إنجازاتها بعرقلة تمدّد العدوّ وإبطال سحره، سحر الحرب والسلام!

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الحرب العربي الفلسطينية السلام إسرائيل فلسطين العرب السلام الحرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الواقعة حرب العام

إقرأ أيضاً:

الدلافين ضحية للجفاف في نهر الأمازون (تفاصيل)

تسبب أسوأ جفاف على الإطلاق في انخفاض منسوب المياه بأنهار حوض نهر الأمازون إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، بينما جفت بعض مجاري الأنهار التي كانت تُستخدم في الملاحة سابقا.

وانخفض منسوب نهر سوليمويس، أحد الروافد الرئيسية لنهر الأمازون الذي تنبع مياهه من جبال الإنديز في بيرو، إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في تاباتينغا، وهي مدينة برازيلية تقع على الحدود مع كولومبيا.

وجف فرع من نهر سوليمويس بالكامل في منطقة تيفي، بحسب مراسلي "رويترز" الذين حلقوا فوق النهر الأحد.

وجفت أيضا بحيرة تيفي القريبة، مما تسبب في نفوق أكثر من 200 دولفين في المياه العذبة من جراء الجفاف العام الماضي.

وقال المتحدث باسم منظمة السلام الأخضر رومولو باتيستا وهويشير إلى المكان الذي تحول فيه مجرى نهر سوليمويس إلى تلال من الرمال: "نمر بعام حرج. ما حدث في عدة أشهر هذا العام تغلب على ما شهده العام السابق".

وتسبب الجفاف الشديد للعام الثاني على التوالي في إتلاف الكثير من النباتات في البرازيل، ونشوب حرائق غابات في أنحاء دول أميركا الجنوبية لتغطي سحب من الدخان المدن.

وأضاف باتيستا: "لم يعد تغير المناخ شيئا نقلق حيال حدوثه في المستقبل بعد 10 أعوام أو 20 عاما مثلا. فهو بالفعل هنا، وتأثيره أكبر بكثير من توقعاتنا".

مقالات مشابهة

  • بشأن العمليّات العسكريّة في لبنان... هذا ما قرّرته إسرائيل
  • ‏هيئة البث الإسرائيلية: المقترح الإسرائيلي يتضمن إطلاق سراح أسرى فلسطينيين ونزع سلاح قطاع غزة وتطبيق آلية حكم أخرى فيه وإنهاء الحرب
  • خبير الاقتصاد العسكري: الداخل الإسرائيلي يعيش في حالة ذعر مستمر
  • الدلافين ضحية للجفاف في نهر الأمازون (تفاصيل)
  • وزير الخارجية: نرفض الوجود العسكري الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح (فيديو)
  • أكسيوس: العملية الإسرائيلية بلبنان عطلت نظام القيادة والسيطرة العسكري لحزب الله
  • القناة 14 الإسرائيلية: احتمالات بإعلان إسرائيل قريبا جبهة الشمال جبهة الحرب الرئيسية
  • قائد صهيوني .. حماس تنتصر وتستعيد المدن بعد ربع ساعة من انسحابنا منها
  • عاجل | القائد السابق لفرقة غزة بالجيش الإسرائيلي: حماس تنتصر في هذه الحرب
  • وزير الدفاع الأمريكي يحذر نظيره الإسرائيلي: الحرب على لبنان ستكون لها عواقب مدمرة على إسرائيل