فلسفة اليمين الجديد والثورة المضادة لليبرالية
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
فلسفة اليمين الجديد والثورة المضادة لليبرالية
تؤكد النزعة المحافظة على الدفاع عن قيم الفردية وحكمة السوق والتقاليد الاجتماعية، بدل تقديس حقوق الإنسان وعقيدة التقدم.
الحالة الترامبية ليست ظاهرة عابرة في الحياة السياسية والفكرية الأميركية، بل تعكس اتجاهاً فلسفياً عميق التأثير والحضور في الدوائر الثقافية والاجتماعية.
اليمين الأميركي الجديد والغربي يعيد الاعتبار للنزعة المحافظة في دفاعها عن الحرية ضد التسلط، مقابل الفكرة الليبرالية القائمة على بناء مجتمع مكتمل وعادل.
سيتركز الصدام المستقبلي في الفكر السياسي الغربي حول ثنائية العدالة الحقوقية والخير المشترك وكونه واحداً لا يقبل القسمة لا حصيلة توافق أفراد مشتتين.
بدأ النهج الاندماجي لدى اليمين الكاثوليكي، إلا أنه أصبح عامًّا في كل تيارات اليمين الجديد، من منطلق الدفاع عن محورية «الخير المشترك» في الممارسة السياسية.
الشرعية لا تتحدد بأعراف أو كاريزما أو عقلانية (فيبر)، بل بالانسجام مع «النظام القانوني والأخلاقي الموضوعي» ويدرك من خلال الخير المشترك المطلق وليس التوافق المدني الإجرائي؟
* * *
تحت عنوان «الثورة المضادة لليبرالية: قراءة في فلاسفة اليمين الجديد»، كتب تشارلز كينغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورجتاون، في عدد يوليو-أغسطس 2023 من مجلة «فورين آفيرز»، متحدثاً عن التيارات المحافظة الحالية التي أصبح لها حضور قوي في الفكر الأميركي.
وما يبينه الكاتب هو أن الحالة الترامبية ليست ظاهرة عابرة في الحياة السياسية والفكرية الأميركية، بل تعكس اتجاهاً فلسفياً عميق التأثير والحضور في الدوائر الثقافية والاجتماعية.
ولهذا الاتجاه جذور بعيدة تعود إلى الفيلسوف الإيرلندي ادمون بيرك الذي وقف بشدة ضد الثورة الفرنسية وكتب حولها كتاباً مشهوراً صدر سنة 1790، رفض فيه التصور التعاقدي الاصطناعي للمجتمع المدني وما يتأسس عليه من فكرة القطيعة.
وركّز على ضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي الموروث وتطويره من الداخل بدل الانسياق وراء وهم التغيير الجذري عن طريق العقل والإرادة الذي لا يمكن حسب رأيه أن يفضي إلا إلى العنف والفوضى.
ولقد أثرت أفكار بيرك في فيلسوفين معاصرين بارزين هما: الفيلسوف والمؤرخ البريطاني ميكائيل واكشوفت في نزعته الفردية وتصوره للوظيفة الدنيا للدولة ضمن نظام اجتماعي طبيعي متماسك، والفيلسوف والاقتصادي فردريتش هايك في نقده للتنوير الليبرالي وتشبثه بفكرة الحرية المتمحورة حول نظام السوق ودينامية الاستحقاق الفردي.
ما يبينه كينغ هو أن اليمين الأميركي الجديد، بارتباطاته الواسعة في الساحة الغربية، يعيد الاعتبار للنزعة المحافظة في مقاربتها السياسةَ من حيث هي دفاع عن الحرية ضد التسلط، في مقابل الفكرة الليبرالية القائمة على بناء مجتمع مكتمل وعادل. ومن هنا الدفاع عن قيم الفردية وحكمة السوق والتقاليد الاجتماعية، بدل تقديس حقوق الإنسان وعقيدة التقدم.
وهكذا يرى كينغ أن النزعة المحافظة الجديدة تتأسس على ما سماه الاندماجية التي تعني احتضانَ القيم المحافظة ضمن المشروع السياسي، من دين وأخلاق شخصية وثقافة قومية، في إطارِ تصور شمولي للسياسة.
ولئن كان النهج الاندماجي ظهر في البداية لدى اليمين الكاثوليكي، إلا أنه أصبح عامًّا في كل تيارات اليمين الجديد، من منطلق الدفاع عن محورية «الخير المشترك» في الممارسة السياسية.
في هذا السياق يقف كينغ عند ثلاثة من أهم ممثلي الفلسفة المحافظة الجديدة في أميركا هم: أستاذ العلوم السياسية باتريك دنين، وعالم القانون أدريان فرميول، والفيلسوف الأميركي الإسرائيلي يارام حازوني. أما دنين فقد ذهب في كتابه «تغيير النظام» إلى نقد جذري لليبرالية السياسية التي اعتبر أنها تسببت في انحطاط وتدهور الحضارة الأميركية.
وبحسب رأيه، فقد حطم الليبراليون دعائمَ التضامن الاجتماعي القاعدي، من أسر وروابط أهلية ومؤسسات دينية، بما يفرض على اليمين المحافظ استخدام الوسائل «الميكيافيلية» لتحقيق الأهداف الأرسطية، أي الفضائل التي يقوم عليها الخير المشترك.
وقد أطلق على هذا المشروع البديل عبارة «الأرسطية الشعبوية» التي يعني بها حكمَ النخبة القادرة على تحسين الشروط الأخلاقية لرفاهية البشر من خلال توطيد الفضائل المحورية المعززة لارتباط الناس وتضامنهم وفق معايير وتقاليد الحكمة الشعبية المتوارثة.
ولا يبتعد فرميول عن هذا التصور في كتابه «دستورية الخير المشترك»، حيث ينتقد التصورَ الليبرالي للقانون بصفته ضماناً لحقوق الأفراد، معتبِراً أن الغاية الأساسية من القانون هي كما أدرك فلاسفة ما قبل الأنوار تحصيل السعادة القصوى لكل أعضاء المجموعة السياسية.
فالخير المشترك يتميز بكونه واحداً وغير قابل للقسمة وليس حصيلة توافق أفراد مشتتين، ومن ثم فإن الشرعية لا تتحدد بالأعراف أو الكاريزما أو العقلانية (مقاربة فيبر)، بل بالانسجام مع «النظام القانوني والأخلاقي الموضوعي» الذي يدرك من خلال الخير المشترك المطلق وليس التوافق المدني الإجرائي.
أما حازوني فيتميز بدعوته الصريحة إلى الخروج من الحالة العلمانية، مع اعتبار التقاليد الدينية والثقافية أساسَ هوية الأمم وتماسكها، بما يعني ضرورةَ إعادة بناء اللحمة الاجتماعية على أساس الموروث الديني والتقاليد التاريخية، بدلا من الحرية السلبية الخارجة عن ضوابط الانتماءات العضوية التي لا يمكن للوعي الفردي التخلص منها.
تلك أبرز سمات الفكر المحافظ الجديد المسيطر على تيار واسع من الطيف السياسي الأميركي والأوروبي، وإن طمستها الفلسفاتُ الليبرالية التي قامت عليها تاريخياً الثورات الغربية المؤسسة في بريطانيا وفرنسا وأمريكا.
وما نستخلص منها هو أن خط الصدام المستقبلي في الفكر السياسي الغربي سيتركز حول ثنائية العدالة الحقوقية والخير المشترك.
*السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: ليبرالية العلمانية اليمين الجديد نظام السوق الدفاع عن
إقرأ أيضاً:
الأمير علي بن الحسين يؤدي اليمين الدستورية نائبا لملك الأردن
أدى الأمير علي بن الحسين اليمين الدستورية نائبا لملك الأردن، بحضور هيئة الوزارة.
جاء ذلك بعد مغادرة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أرض الوطن، اليوم الجمعة، متوجها إلى المملكة العربية السعودية.
ويُشارك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ، اليوم الجمعة، في اجتماع غير رسمي حول القضية الفلسطينية، بمشاركة قادة كل من والسعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين .
يأتي هذا اللقاء بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي في مدينة الرياض، اليوم الجمعة، في سياق اللقاءات الودية الخاصة التي جرت العادة على عقدها بشكل دوري منذ سنوات عديدة بين قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، وفي إطار العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع القادة والتي تسهم في تعزيز التعاون والتنسيق بين دول المجلس ومصر.
ودعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قادة دول الخليج ومصر والأردن لـ"اجتماع أخوي غير رسمي" في الرياض.
وحسب مصدر مسؤول لوكالة الأنباء السعودية "واس": "يأتي هذا اللقاء في سياق اللقاءات الودية الخاصة التي جرت العادة على عقدها بشكل دوري منذ سنوات عديدة بين قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، وذلك في إطار العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع القادة والتي تسهم في تعزيز التعاون والتنسيق بين دول المجلس والأردن ومصر. وفيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه فسيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة القادمة التي ستنعقد في جمهورية مصر العربية".