فلسفة اليمين الجديد والثورة المضادة لليبرالية

تؤكد النزعة المحافظة على الدفاع عن قيم الفردية وحكمة السوق والتقاليد الاجتماعية، بدل تقديس حقوق الإنسان وعقيدة التقدم.

الحالة الترامبية ليست ظاهرة عابرة في الحياة السياسية والفكرية الأميركية، بل تعكس اتجاهاً فلسفياً عميق التأثير والحضور في الدوائر الثقافية والاجتماعية.

اليمين الأميركي الجديد والغربي يعيد الاعتبار للنزعة المحافظة في دفاعها عن الحرية ضد التسلط، مقابل الفكرة الليبرالية القائمة على بناء مجتمع مكتمل وعادل.

سيتركز الصدام المستقبلي في الفكر السياسي الغربي حول ثنائية العدالة الحقوقية والخير المشترك وكونه واحداً لا يقبل القسمة لا حصيلة توافق أفراد مشتتين.

بدأ النهج الاندماجي لدى اليمين الكاثوليكي، إلا أنه أصبح عامًّا في كل تيارات اليمين الجديد، من منطلق الدفاع عن محورية «الخير المشترك» في الممارسة السياسية.

الشرعية لا تتحدد بأعراف أو كاريزما أو عقلانية (فيبر)، بل بالانسجام مع «النظام القانوني والأخلاقي الموضوعي» ويدرك من خلال الخير المشترك المطلق وليس التوافق المدني الإجرائي؟

* * *

تحت عنوان «الثورة المضادة لليبرالية: قراءة في فلاسفة اليمين الجديد»، كتب تشارلز كينغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورجتاون، في عدد يوليو-أغسطس 2023 من مجلة «فورين آفيرز»، متحدثاً عن التيارات المحافظة الحالية التي أصبح لها حضور قوي في الفكر الأميركي.

وما يبينه الكاتب هو أن الحالة الترامبية ليست ظاهرة عابرة في الحياة السياسية والفكرية الأميركية، بل تعكس اتجاهاً فلسفياً عميق التأثير والحضور في الدوائر الثقافية والاجتماعية.

ولهذا الاتجاه جذور بعيدة تعود إلى الفيلسوف الإيرلندي ادمون بيرك الذي وقف بشدة ضد الثورة الفرنسية وكتب حولها كتاباً مشهوراً صدر سنة 1790، رفض فيه التصور التعاقدي الاصطناعي للمجتمع المدني وما يتأسس عليه من فكرة القطيعة.

وركّز على ضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي الموروث وتطويره من الداخل بدل الانسياق وراء وهم التغيير الجذري عن طريق العقل والإرادة الذي لا يمكن حسب رأيه أن يفضي إلا إلى العنف والفوضى.

ولقد أثرت أفكار بيرك في فيلسوفين معاصرين بارزين هما: الفيلسوف والمؤرخ البريطاني ميكائيل واكشوفت في نزعته الفردية وتصوره للوظيفة الدنيا للدولة ضمن نظام اجتماعي طبيعي متماسك، والفيلسوف والاقتصادي فردريتش هايك في نقده للتنوير الليبرالي وتشبثه بفكرة الحرية المتمحورة حول نظام السوق ودينامية الاستحقاق الفردي.

ما يبينه كينغ هو أن اليمين الأميركي الجديد، بارتباطاته الواسعة في الساحة الغربية، يعيد الاعتبار للنزعة المحافظة في مقاربتها السياسةَ من حيث هي دفاع عن الحرية ضد التسلط، في مقابل الفكرة الليبرالية القائمة على بناء مجتمع مكتمل وعادل. ومن هنا الدفاع عن قيم الفردية وحكمة السوق والتقاليد الاجتماعية، بدل تقديس حقوق الإنسان وعقيدة التقدم.

وهكذا يرى كينغ أن النزعة المحافظة الجديدة تتأسس على ما سماه الاندماجية التي تعني احتضانَ القيم المحافظة ضمن المشروع السياسي، من دين وأخلاق شخصية وثقافة قومية، في إطارِ تصور شمولي للسياسة.

ولئن كان النهج الاندماجي ظهر في البداية لدى اليمين الكاثوليكي، إلا أنه أصبح عامًّا في كل تيارات اليمين الجديد، من منطلق الدفاع عن محورية «الخير المشترك» في الممارسة السياسية.

في هذا السياق يقف كينغ عند ثلاثة من أهم ممثلي الفلسفة المحافظة الجديدة في أميركا هم: أستاذ العلوم السياسية باتريك دنين، وعالم القانون أدريان فرميول، والفيلسوف الأميركي الإسرائيلي يارام حازوني. أما دنين فقد ذهب في كتابه «تغيير النظام» إلى نقد جذري لليبرالية السياسية التي اعتبر أنها تسببت في انحطاط وتدهور الحضارة الأميركية.

وبحسب رأيه، فقد حطم الليبراليون دعائمَ التضامن الاجتماعي القاعدي، من أسر وروابط أهلية ومؤسسات دينية، بما يفرض على اليمين المحافظ استخدام الوسائل «الميكيافيلية» لتحقيق الأهداف الأرسطية، أي الفضائل التي يقوم عليها الخير المشترك.

وقد أطلق على هذا المشروع البديل عبارة «الأرسطية الشعبوية» التي يعني بها حكمَ النخبة القادرة على تحسين الشروط الأخلاقية لرفاهية البشر من خلال توطيد الفضائل المحورية المعززة لارتباط الناس وتضامنهم وفق معايير وتقاليد الحكمة الشعبية المتوارثة.

ولا يبتعد فرميول عن هذا التصور في كتابه «دستورية الخير المشترك»، حيث ينتقد التصورَ الليبرالي للقانون بصفته ضماناً لحقوق الأفراد، معتبِراً أن الغاية الأساسية من القانون هي كما أدرك فلاسفة ما قبل الأنوار تحصيل السعادة القصوى لكل أعضاء المجموعة السياسية.

فالخير المشترك يتميز بكونه واحداً وغير قابل للقسمة وليس حصيلة توافق أفراد مشتتين، ومن ثم فإن الشرعية لا تتحدد بالأعراف أو الكاريزما أو العقلانية (مقاربة فيبر)، بل بالانسجام مع «النظام القانوني والأخلاقي الموضوعي» الذي يدرك من خلال الخير المشترك المطلق وليس التوافق المدني الإجرائي.

أما حازوني فيتميز بدعوته الصريحة إلى الخروج من الحالة العلمانية، مع اعتبار التقاليد الدينية والثقافية أساسَ هوية الأمم وتماسكها، بما يعني ضرورةَ إعادة بناء اللحمة الاجتماعية على أساس الموروث الديني والتقاليد التاريخية، بدلا من الحرية السلبية الخارجة عن ضوابط الانتماءات العضوية التي لا يمكن للوعي الفردي التخلص منها.

تلك أبرز سمات الفكر المحافظ الجديد المسيطر على تيار واسع من الطيف السياسي الأميركي والأوروبي، وإن طمستها الفلسفاتُ الليبرالية التي قامت عليها تاريخياً الثورات الغربية المؤسسة في بريطانيا وفرنسا وأمريكا.

وما نستخلص منها هو أن خط الصدام المستقبلي في الفكر السياسي الغربي سيتركز حول ثنائية العدالة الحقوقية والخير المشترك.

*السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: ليبرالية العلمانية اليمين الجديد نظام السوق الدفاع عن

إقرأ أيضاً:

الخير زار مع وفد بلدي اختياري من المنية وزير الداخلية

زار عضو تكتل "الاعتدال الوطني" النائب أحمد الخير، وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي، في مكتبه في الوزارة ، يرافقه وفد من رؤساء بلديات المنية الإدارية ومخاتيرها، في حضور مستشارة الوزير لشؤون البلديات والمدير العام للأحوال الشخصية بالتكليف نجوى سويدان.
 
وضم وفد البلديات: رئيس اتحاد بلديات المنية ورئيس بلدية دير عمار خالد الدهيبي، رئيس بلدية برج اليهودية عامر العويك، رئيس بلدية مركبتا بسام عطية ونائب رئيس بلدية بحنين محمد غمراوي.
 
وتم خلال اللقاء، وفق بيان لمكتب الخير، البحث في شؤون بلدية تخص منطقة المنية، أبرزها:
- الهبة السعودية لإنشاء مبنى جديد لبلدية المنية واتحاد بلدياتها وتفاصيلها.
- ملف إنشاء المبنى الجديد للدفاع المدني في المنية بهبة من الـ UNDP.
- ضرورة التسريع في إصدار قرار السماح للبلديات بإعطاء رخص للبناء في نطاقها.
- مبنى بلدية برج اليهودية الجديد الذي سيتم افتتاحه قريبا.

لقاء المخاتير 
أما وفد المخاتير فضم : احمد العرجا، أحمد اسوم، أحمد غزاوي، سامي الجندي، وليد الحلو، محمد المصري، محمود دهمان، عبد القادر عوض، وليد فجلون، علي محفوض وعمر السيد أحمد.
 
وتركز اللقاء على النقاط الآتية:
-متابعة موضوع الترخيص لإنشاء رابطة مستقلة لمخاتير المنية.
- مطلب توسعة دائرة النفوس في المنية وزيادة عدد الموظفين فيها لتلبية احتياجات أهل المنية.
-مطلب توسعة مركز المخاتير وتمكينه من استيعاب أكبر قدر ممكن من مراجعات المواطنين.
- نسخ السجلات واتلاف طلبات بيانات الاستدعاء المقدمة من العام 1982.

مقالات مشابهة

  • محافظ شمال سيناء: النجاح فى القضاء على الإرهاب كان بتوجيهات القيادة السياسية
  • سكرتير عام الإسماعيلية يُناقش الاستعداد لتنفيذ التدريب العملي المشترك
  • وصول محافظ القاهرة إلى ديوان المحافظة لتولي مهام منصبه الجديد بعد أداء اليمين
  • سكرتير عام الإسماعيلية يناقش الإستعداد لتنفيذ التدريب العملي المشترك
  • بعد حلف اليمين الدستورية.. "وزير الدولة للإنتاج الحربي" يتوجه بالشكر للقيادة السياسية بعد تجديد الثقة.. ويؤكد: سنستكمل ما بدأناه
  • أول تصريح لمحافظ القليوبية الجديد بعد أداء اليمين الدستوري: مكتبي مفتوح للجميع
  • وزير الزراعة: توجيهات من القيادة السياسية للاهتمام بالفلاح وتوفير مستلزمات الإنتاج
  • الخير زار مع وفد بلدي اختياري من المنية وزير الداخلية
  • ضعف مياه الشرب ونقص أسرة العناية.. ملفات تنتظر محافظ بني سويف عقب اداء اليمين
  • كل أسبوع| ذكرى 30 يونيو.. والثورة على الإخوان